شمس آب تحرق أجساد المعتقلين في النقب، وبرودة كانون تتسلل إلى عظامهم

-

شمس آب تحرق أجساد المعتقلين في النقب، وبرودة كانون تتسلل إلى عظامهم
دعا الباحث المختص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين، عبد الناصر عوني فروانة اليوم السبت، كافة المؤسسات الفلسطينية التي تعنى بالأسرى وبحقوق الإنسان، والمؤسسات الإعلامية المختلفة إلى تفعيل دورها ومساندة المعتقلين في معتقل النقب الصحراوي وتسليط الضوء على معاناتهم المتفاقمة.

واصدر فروانة تقريراً مفصلاً عن معتقل النقب ومعاناة المعتقلين هناك في الذكرى التاسعة عشر لاستشهاد المعتقل محمد صالح الريفي جراء الإهمال الطبي.

وأضاف أن طبيعة المناخ الصحراوي المتقلبة والقاسية، وظروف المعتقل المعيشية والصحية والإنسانية صعبة للغاية، والمعاملة التي يتلقاها المعتقلين من قبل السجانين وحراس المعتقل وحتى من قبل الممرضين والأطباء قاسية ولا إنسانية، تستدعي التحرك الجاد والفوري لوضع حد لها وإنقاذ حياة المعتقلين، بل وتتطلب التحرك الجدي والفوري على كافة المستويات من أجل إغلاق هذا المعتقل.

وأكد فروانة أن المعتقلين هناك يكتوون صيفاً من اشتداد أشعة الشمس وقساوة حرارة آب، ويعانون من رطوبة الجو وسخونة الهواء وسوء المناخ، مما يترك آثار صحية خطيرة على صحة وسلامة الإنسان، ويسبب لهم أمراضاً عديدة في مقدمتها ضربات الشمس التي يتأثر منها جميع أجزاء الجسم كالبشرة والجلد والجهاز العصبي والحركي، بالإضافة إلى أمراض الإعياء الحراري ونزيف الأنف ( الرعاف ) وبعض متاعب القلب المفاجئة التي تحدث لأول مرة، ويوصي الأطباء في هذا الصدد بأخذ الحيطة والوقاية لتجنب آثارها، وان أصيب الإنسان يجب علاجه بسرعة، إلا أن إدارة المعتقل تعمل عكس ذلك.

واستحضر فروانة تجربته الخاصة في الاعتقال الإداري في بداية افتتاح المعتقل قبل عشرين عاماً وذلك في مارس / آذار عام 1988، مقارنة بما يتردد لمسامعه اليوم وما يطلع عليه من تقارير للمحامين ومناشدات من قبل المعتقلين، معتبراً أن أوضاع وظروف المعتقل لم تشهد تحسناً جوهرياً منذ نشأته، من حيث المعاملة والحقوق الأساسية بكل جوانبها وفقاً لما تنص عليه الاتفاقيات الدولية، بل على العكس الأوضاع تزداد صعوبة وقساوة.

وأشار إلى أن المعتقلين يعانون هذه الأيام قساوة الظروف الجوية وحرارة شمس آب، وأن إدارة المعتقل تتعمد إبقاءهم لفترات طويلة تحت أشعة الشمس لاسيما خلال العدد اليومي وتمنعهم من وضع أية فوطة أو طاقية على رؤوسهم، إضافة لظروف المعتقل القاسية وسوء المرتبة ( الفرشة ) والسرير الخشبي ( البرش ) الذي ينام عليه المعتقل، مما يسبب آلام في الظهر، وانتشار الزواحف والحشرات، وشحة مواد التنظيف..الخ.

آثار فصل الشتاء

وأضاف أنه وقبل شهور عانى المعتقلين الكثير في فصل الشتاء القارص وبرودة كانون وموجات الصقيع التي تسللت إلى عظامهم، ومن الرياح العاصفة وغزارة الأمطار وتسربها لداخل الخيام من خلال الثقوب أو من أسفلها لتُغرق وتتلف بعض حاجياتهم وتبلل ملابسهم، في ظل شحة الأغطية والملابس الشتوية، مما تسبب لهم العديد من الأمراض، مما يعني حسب تقدير فروانة أن معاناتهم مستمرة طوال أشهر السنة، دون أن توفر لهم إدارة المعتقل ما يقيهم من البرد والمطر شتاء، ومن لهيب حرارة الشمس صيفاً، بل تتعمد إلى زيادة معاناتهم من خلال حرمانهم من الزيارات ومن إدخال احتياجاتهم الأساسية عن طريق الأهل.

ويقول الأطباء إن برودة الجو لها تأثير شديد على جسم الإنسان، لاسيما على العظام حيث يتسلل البرد القارص إليها من الداخل ويتسبب في إحداث الآلام والالتهابات.

وتفيد كافة الدراسات إلى أن فترات الحر الطويلة أو فترات البرد الطويلة تؤثر بدرجة كبيرة على القوى الحيوية للإنسان، وإن الحرارة العالية والبرودة الشديدة ضارة بصحة الإنسان، كما وإن الرطوبة العالية والرطوبة المنخفضة أيضاً ضارة بصحة الإنسان وإن الجو الرطب يساعد على نمو البكتيريا والجراثيم ويبعث على الكسل والخمول، وتؤكد على أن آثار ذلك قد تظهر بشكل آني على صحة الإنسان، أو بعد فترة من الزمن.

وفي السياق ذاته فان هناك العديد من الدراسات أثبتت أن الأمراض المزمنة والمستعصية والتي ظهرت وبدأت تظهر على الأسرى المحررين لها علاقة بصورة دالة إحصائياً بخبرة السجن.

تاريخ انشاء المعتقل

وذكر فروانة أنه قد تم افتتاح المعتقل في 17 مارس / آذار عام 1988، داخل منطقة عسكرية هي بالأساس معسكر للجيش الإسرائيلي ملاصقة للحدود المصرية في صحراء النقب بجنوب فلسطين، ويقال أن قائده الأول "ديفيد تسيمح" وهو كولونيل في سلاح الهندسة في الجيش والذي استمر في قيادته للمعتقل لأكثر من عامين، هو من صممه وصمم من قبله معتقل أنصار 1، في قرية أنصار في جنوب لبنان.

وأضاف أن المعتقل ومنذ افتتاحه كان يخضع لإدارة الجيش العسكرية مباشرة وانتقلت السيطرة عليه لإدارة مصلحة السجون عام 2006، وهو عبارة عن معسكر مقام على مساحة كبيرة ومقسم الى عدة أقسام وفي كل قسم عدة خيام وفي كل خيمة ( 26 معتقلاً )، ويحيط كل قسم أسلاك شائكة وسياج مرتفعة، وبين كل قسم وآخر ممرات للجيش وأبراج مراقبة ويتجول الجنود بين الأقسام وهم مدججين بالسلاح وكثيراً ما استخدموا هذا السلاح ضد المعتقلين العُزل. مبيناً أنه في مارس 1990 ابتكرت العقلية الإسرائيلية "الأقفاص" وهي عبارة عن أقسام يحيطها جدران الباطون من كل الاتجاهات وسقفها من الأسلاك ذو الفتحات الصغيرة و...إلخ، وبمجرد أن يصل المعتقل يتسلم رقماً يتم التعامل به بدلاً من اسمه حتى لحظة تحرره.

وأكد أن معتقل النقب قد أغلق رسمياً عام 1996 وقدر عدد نزلائه في الفترة ما بين ( 1988- 1996 ) قرابة مائة ألف معتقل، فيما أعيد افتتاحه من جديد خلال انتفاضة الأقصى وذلك في نيسان عام 2002 بهدف استيعاب أعداد المعتقلين الكبيرة، وزج به الآلاف من المعتقلين ويوجد فيه الآن قرابة ( 1900 ) معتقل، بينهم المئات من المعتقلين الإداريين.

واعتبر أن نقل السيطرة والمسؤولية عليه في عام 2006 من إدارة الجيش إلى إدارة مصلحة السجون، لم تُحدث أي نقلة جوهرية على الحياة والظروف والمعاملة بداخله، فالجيش مُسيطر، وحراسه مدججين بالسلاح.

أولى المواجهات داخل المعتقل

واستذكر الباحث أن أولى المواجهات الكبيرة مع إدارة المعتقل، كانت حينما احتج قرابة ألف وخمسمائة معتقل في قسم "ب" على ظروف اعتقالهم، وتمردوا على السجان وعلى أوامر إدارة المعتقل القمعية، وضج المعتقل بأقسامه المختلفة بالهتاف والنشيد والتكبير وقذف المعتقلون كل ما يقع تحت أيديهم على الجنود من حجارة وصواني بلاستيكية وأحذية، ورداً على ذلك أقدمت إدارة المعتقل المدججة بالسلاح، على قمعهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات والرصاص الحي من أسلحة أوتوماتيكية.

استخدام القوة والرصاص ضد المعتقلين بات أمرا عاديا
وأضاف أنه قد استشهد في هذه الهبة المعتقلان أسعد الشوا وبسام السمودي وذلك في السادس عشر من أغسطس / آب 1988، واستشهد بعد ذلك سبعة معتقلين آخرين داخل المعتقل لأسباب مختلفة من مجمل شهداء الحركة الأسيرة الذي يبلغ عددهم ( 195 شهيداً).

وأكد أن وجود الجنود والحراس المدججين بالسلاح بين المعتقلين، لم يتوقف، وبالتالي سياسة إطلاق الرصاص على المعتقلين هي الأخرى لم تتوقف، واستمر الحال على ما هو عليه في معتقل النقب وغيره، وأصبح استخدام القوة وإطلاق الرصاص على المعتقلين أمرا عاديا ولأتفه الأسباب، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى استشهاد خمسة معتقلين آخرين وبنفس الطريقة في سجون ومعتقلات مختلفة، ليصل عدد من استشهدوا من المعتقلين جراء إطلاق الرصاص مباشرة عليهم إلى ( 7) معتقلين، آخرهم كان المعتقل محمد الأشقر في معتقل النقب في أكتوبر من العام الماضي وإصابة قرابة ( 250 ) معتقل بإصابات مختلفة.

الشهداء في معتقل النقب

وذكر الباحث فروانة في تقريره، أن تسعة شهداء سقطوا في معتقل النقب الصحراوي، أنصار3، لأسباب مختلفة منهم ثلاثة أسرى نتيجة إصابتهم بأعيرة نارية وثلاثة آخرين جراء التعذيب، والباقي نتيجة الإهمال الطبي، وهؤلاء الشهداء هم : أسعد جبرا الشوا من مواليد 1969 وهو من سكان حي الشجاعية بمدينة غزة واستشهد بتاريخ 16-8-1988، الشهيد بسام إبراهيم الصمودي من مواليد 1958 وسكان قرية اليامون واستشهد بتاريخ 16-8-1988، نتيجة إصابتهما بأعيرة نارية، محمد صالح حسن الريفي مواليد 1933، من سكان مدينة غزة واستشهد نتيجة الإهمال الطبي بتاريخ 10-8-1989، حسام سليم هاني قرعان مواليد 1966 وهو من قلقيلية واستشهد بعد تعذيبه والاعتداء عليه بالغاز وذلك بتاريخ 28-8-1990، أحمد إبراهيم بركات من مواليد 1966 وسكان مخيم عين الماء القريب من نابلس واستشهد جراء التعذيب بتاريخ 5-5-1992 م.

بينما الشهيد أيمن إبراهيم برهوم من مواليد 1969 وسكان رفح واستشهد متأثراً من الضرب والتعذيب بتاريخ 27-1-1993م، وجواد عادل عبد العزيز أبو مغصيب مواليد 1987 من دير البلح بغزة واستشهد بسبب الإهمال الطبي بتاريخ 28-7-2005، وجمال حسن عبد الله السراحين مواليد 1970 من بلدة بيت أولا –شمال الخليل واستشهد نتيجة الإهمال الطبي بتاريخ 16-1-2007، محمد صافي الأشقر من بلدة صيدا بطولكرم واستشهد بتاريخ 22-10-2007 نتيجة إصابته بعيار ناري.

سياسة الإهمال الطبي باتت سمة ونهجا ثابتا في التعامل مع المعتقلين

وفي الذكرى التاسعة عشر لاستشهاد المعتقل محمد الريفي جراء الإهمال الطبي، يؤكد فروانة أن الأوضاع المأساوية في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وسوء الطعام كماً ونوعاً وافتقاره للمواد الغذائية الضرورية، وشحة الماء الساخن ومواد النظافة، تؤدي بطبيعة الحال إلى تحول المعتقلين الأصحاء إلى مرضى.

مضيفاً أنه وفي ظل الخدمات الصحية المتدنية وشحة الدواء وسياسة الإهمال الطبي المتعمد وإطالة فترة الاعتقال، تتحول الأمراض من بسيطة إلى مزمنة وخطيرة يصعب علاجها، فتؤدي إلى استشهاد المعتقل داخل سجنه أو بعد تحرره.

وخلص فروانة في تقريره إلى القول بأن سياسة الإهمال الطبي باتت سمة أساسية ونهج ثابت في تعامل إدارة مصلحة السجون مع المعتقلين عموماً، وما يدلل على ذلك استمرار الأوضاع الصحية على حالها وازدياد عدد المرضى، رغم استشهاد العشرات من المعتقلين والمناشدات العديدة، مما يستدعي البحث عن أساليب مشروعة ذات جدوى أكبر لوضع حد لهذا الاستهتار بحياة المعتقلين ولضمان توفير الرعاية الطبية الضرورية لكافة المعتقلين وفق ما تنص عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية لاسيما اتفاقية جنيف الرابعة.

التعليقات