في ذكرى يوم الأسير - سجن النقب الصحراوي "أنصار 3"

سياسة الإهمال الطبي تعني الموت البطيء للأسرى الفلسطينيين

في ذكرى يوم الأسير - سجن النقب الصحراوي
يعتبر وضع الأسرى المرضى والجرحى الرازحين في السجون الإسرائيلية، من أكثر القضايا إلحاحاً في هذه الأوقات، في ظل معاناة كبيرة وقاسية يواجهونها تتمثل بسياسة الإهمال الطبي المتعمد بحقهم، وعدم تقديم العلاج المناسب لهم.ولم تتوان قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقال العديد من الجرحى والمصابين برصاص الاحتلال، خلال انتفاضة الأقصى ضمن حملات الاعتقال الواسعة والمكثفة التي تنفذها سلطات الاحتلال، وكثيراً ما اعتقل جرحى من سيارات الإسعاف ومن المستشفيات.

وتشير إحصائيات وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين إلى وجود حوالي 500 معتقل فلسطيني بحاجة إلى إجراء عمليات جراحية، وعناية صحية مكثفة، وهناك العديد من الأسرى يعانون من أمراض صعبة كالسرطان والقلب وأمراض الرئة والكلى وأمراض العمود الفقري، وهناك حالات عديدة مصابة بأمراض عصبية ونفسية وعدد كبير من الجرحى والمصابين بالشلل والمبتورة أياديهم او أقدامهم.

ويقول زياد أبو عين، وزير شؤون الأسرى الفلسطينيين أن شكاوى المعتقلين تصاعدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة للمطالبة بإنقاذ المرضى والجرحى، والضغط على حكومة اسرائيل لنقلهم إلى المستشفيات للعلاج.

ويوضح أبو عين أن العلاج الذي يقدم للأسرى لا يتعدى الأدوية المسكنة فقط، وحبوب الاكامول، مشيراً إلى مماطلة إدارة المعتقلات في نقل المرضى إلى المستشفيات ما يزيد من تفاقم أوضاعهم الصحية.

ويبين أبو عين أن آخر شهداء الحركة الأسيرة كان الأسير الفلسطيني وليد عمرو (43 عاماً) من سكان دورا في محافظة الخليل في شهر شباط 2003، منوهاً إلى أن عمرو كان يعاني من أزمة صدرية حادة، ولم يكن يتلقى أي نوع من العلاج ما أدى مضاعفات أدت إلى استشهاده في سجن نفحة.وسبق ذلك استشهاد الأسير حسن جوابرة (21 سنة) من مخيم العروب في أيار 2002، حيث استشهد في سجن مجدو.

ويقول أبو عين أن جوابرة كان يعاني من أمراض نفسية وحالة اكتئاب شديدة نتيجة تعرضه للتعذيب، والضغط النفسي في غرف العملاء أثناء فترة استجوابه، ما أدى إلى إصابته بأمراض عصبية خطيرة.

كما استشهد الأسير أنس مسالمة (18 عاماً) من سكان بلدة دورا قضاء الخليل، في آذار 2002، في معتقل عسقلان، جراء إصابته بجروح بالغة الخطورة أصيب بها قبل اعتقاله، حيث تم اعتقاله في الخليل ونقل إلى المعتقل دون تلقي العلاج الطبي اللازم.

ويؤكد أبو عين تعرض العديد من المعتقلين الجرحى إلى التنكيل والتعذيب في أقبية التحقيق، ومراكز التوقيف مشدداً على استغلال رجال المخابرات إصاباتهم للضغط عليهم لانتزاع اعترافات منهم، ما أدى إلى تدهور خطير في أوضاعهم الصحية.

وزادت من معاناة المرضى والجرحى، الظروف البائسة التي يعيشها الأسرى في السجون ومعسكرات الاعتقال، حيث يقول إن هذه المعتقلات تفتقر للحد الأدنى من المقومات الإنسانية والمعيشية والصحية، من حيث الاكتظاظ وسوء الطعام كماً ونوعاً وقلة النظافة وانتشار الحشرات في الغرف والخيام وسوء مجاري الصرف الصحي وانتشار الرطوبة، والبرد الشديد وقلة الأغطية وعدم صلاحية الفرشات التي ينام عليها المعتقلون إضافة إلى قلة التهوية وعدم دخول الشمس والهواء إلى الغرف.وأضاف أبو عين: كان للإجراءات التعسفية التي تطبقها إدارات السجون بحق المعتقلين نتائج خطيرة على حياة المعتقلين المرضى والجرحى، من حيث استخدام العنف وقمع المعتقلين بالغازات السامة، والاعتداء عليهم بالضرب المبرح، وما يصحب ذلك من مضايقات واستفزازات يومية، كالتفتيش العاري واقتحام غرف المعتقلين وعدم السماح لهم بالتزاور او الخروج إلى ساحة النزهة وحرمانهم من زيارات ذويهم، كل هذا يزيد من الضغط النفسي والعصبي على المعتقلين ويسبب أمراضا عديدة في صفوفهم.

وحسب دراسات طبية، فإن عمليات رش الغاز المسيل للدموع بأنواعه المختلفة على المعتقلين وهم بداخل غرفهم وزنازينهم الضيقة والمزدحمة، يسبب لهم الإصابات بأمراض عديدة خاصة أمراض الرئة والربو ويتعرض المعتقلون سنوياً إلى الرش بالغاز والقنابل الصوتية بما معدله 15 مرة وهذه الغازات الكيماوية تحمل السموم ويحرم استخدامها في أماكن مغلقة.

وأظهرت النتائج الصحية على الأسرى المحررين الذين أفرج عنهم بعد قضاء سنوات طويلة، حيث توفي عدد كبير منهم بعد الإفراج بسبب وجود أمراض خطيرة أصيبوا بها، ولم تكتشف أثناء وجودهم داخل المعتقل.

ويقول أبو عين أنه لا يوجد أطباء مقيمون في السجون، إذ لا يوجد سوى الممرضين، الأمر الذي يحول دون تحويل المعتقلين المرضى إلى المستشفيات، وخاصة من هم بحاجة إلى علاج سريع وطارئ وتخضع عمليات التحويل إلى إجراءات بيروقراطية معقدة.

ووصف أحد المعتقلين سياسة الإهمال الطبي والاستهتار بالمعتقلين المرضى بقوله: قد يقوم الطبيب بتشخيص حالات المعتقلين المرضى الواقفين أمامه بالوصف ويعطيهم بضع حبات من الدواء وكثيراً ما لا يعطيهم شيئاً وعليه يمكن أن تتدهور الحالة الصحية للمعتقل المريض مع مرور الزمن.

وتستغرق عملية نقل المعتقلين المرضى إلى مستشفى سجن الرملة التابع لمصلحة السجون الإسرائيلية فترة طويلة من الزمن ومكوثهم فيما يسمى (المعبار) في الرملة عدة أيام يزيد من تدهور حالتهم الصحية بسبب قذارة المكان وعدم وجود تهوية، إضافة أن نقل المرضى يتم في سيارة مغلقة غير صحية مكبلي الأيدي والأرجل ومختلطين مع سجناء مدنيين.أما مستشفى الرملة، الذي يصفه المعتقلون بأنه أسوأ من السجن، فيتواجد فيه بشكل ثابت عشرون أسيراً مصابون بأمراض حرجة، ويصل السجن يومياً ما معدله 15-25 أسيراً من مختلف السجون.

ويوضح أبو عين أن الأسرى المرضى يعانون في هذا المستشفى من الاكتظاظ وعدم وجود عناية طبية وتأجيل متواصل لاجراء العمليات الجراحية.

ويشكو الأسرى من سوء الطعام المقدم لهم والذي لا يصلح أن يكون طعاماً للمرضى، وخاصة أن هناك مرضى يحتاجون إلى أطعمة خاصة، وكذلك انعدام النظافة والتهوية.

ويؤكد أبو عين تعرض المرضى للمعاملة القاسية والفظة، والمنع من الخروج إلى ساحة النزهة لرؤية الشمس واستنشاق الهواء، منوهاً إلى أن المرضى في هذا القسم يمكثون 24 ساعة متواصلة ما يزيد من معاناتهم.

ويشدد أبو عين على أن رحلة الأسير المريض والجريح إلى مستشفى الرملة، هي رحلة عذاب قاسية، بسبب الإجراءات أثناء نقل الأسير من تفتيش وتربيط وبعد المسافة، ولهذا فإن الكثير من المرضى يأبون الذهاب إلى هذا المستشفى.

وتحدث الأسرى المرضى عن معاملة لا إنسانية داخل المستشفى عند فحصهم حيث يتم تقييدهم بالأسرّة أثناء العلاج.

ويقول أحد الأسرى المرضى إن إدارة السجن تتعامل بتمييز بين الأسرى السياسيين والمدنيين، حيث يتلقى المدنيون معاملة أفضل على الرغم من أنهم يقبعون في نفس القسم.

ويضيف إن المستشفى هو عبارة عن سجن مصغر.

ويعاني معظم الأسرى في المستشفى من عدم وجود زيارات لذويهم، ما يعني عدم تمكن الأغلبية من الحصول على مستلزماتهم الشخصية التي تصل عن طريق الأهالي من ملابس ومواد تموينية.

ويقول ممثل الأسرى في مستشفى الرملة رأفت العروكي إن الأسرى يعانون من نقص حاد في مواد التنظيف خصوصاً تلك المستخدمة في عملية تعقيم الغرف والأدوات.

ويردف: أن إدارة السجن لا تسمح للمرضى الخروج لمقابلة الطبيب إلا بوجود ضابط امن الأمر الذي يؤخر ويعطل عملية العلاج، منوهاً إلى أن إدارة السجن قامت مؤخراً بسد كافة المنافذ والنوافذ بشباك حديدية تحد من عملية التهوية في الغرف.

ويشير أبو عين: حمل العديد من الأسرى أمراضاً وأعراضاً غير صحية نتيجة تعرضهم للتعذيب والمعاملة القاسية أثناء التحقيق معهم من قبل رجال الشاباك الإسرائيلي، بسبب استخدام أساليب قاسية ومعاملة لا إنسانية خلال التحقيق معهم، مثل الحرمان من النوم فترات طويلة والشبح مدة طويلة واستخدام أساليب تعذيب محرمة دولياً مما أدى إلى زرع عاهات وإمراض في أجسامهم.

وتظهر إحصائيات نادي الأسير الفلسطيني أن 58% من المعتقلين يتعرضون للتعذيب والمعاملة القاسية أثناء التحقيق معهم.

وقد كشفت أوساط إسرائيلية عن ألف تجربة طبية أجريت على المعتقلين الفلسطينيين دون علمهم، وهذه التجارب تقوم بها شركات أدوية إسرائيلية، وعزت هذه الأوساط أسباب ارتفاع الحالات المرضية والإصابة بالتسمم في صفوف المعتقلين.
تقدم حياة الأسرى الفلسطينيين في سجن النقب الصحراوي "أنصار 3"، مؤشرات على رداءة وصعوبة الأوضاع الاعتقالية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والتي قد يكون أبسط ما يشار إليها أنها لا إنسانية.

ويرزح في "النقب"، قرابة 1200 معتقل فلسطيني، يفتقرون إلى مسائل شتى، على صعيد العناية الطبية، حرمانهم من رؤية ذويهم وغيرها.

وافتتح هذا السجن في العام 1988، وأغلق مدة من الزمن، قبل أن تعيد سلطات الاحتلال خلال الانتفاضة الحالية فتحه من جديد، مع تصاعد وتيرة الاعتقال الإسرائيلي للمواطنين الفلسطينيين، وتكدس السجون بأعداد غير مسبوقة منهم، قدرت في بعض المراحل بنحو 10 آلاف معتقل.

ويتألف السجن من أربعة أقسام، تتكون كل منها من 6 وحدات، وفي كل من هذه الوحدات 66 معتقلا، خصص لهم 3 دورات مياه، وهي تبدو قليلة بالمقارنة مع عدد الأسرى.

وتوجد الأقسام المختلفة في الهواء الطلق، ولا تعدو كونها خياما قديمة ومهترئة، وبالتالي فإن طبيعتها لا تقي الأسرى حرارة الصيف والنهار، وبرودة الشتاء والليل، استنادا إلى واقع المنطقة الصحراوي، التي يوجد فيها السجن.

ولا يعد ما تقدم سوى جانب من الصورة، إذ يشكو الأسرى من الإهمال الطبي، وعدم تجاوب إدارة السجن مع مطالبهم بتحسين التعاطي معهم في هذا المجال.

وعادة تشكل حبيبات من المهدئات " أكامول "، العلاج المقدم إليهم، رغم معاناة بعضهم من أمراض كالسكري.

ولا تقف الأمور عند هذا الحد، إذ تطال هموم المعتقلين نواحي أخرى، منها على سبيل المثال، نوعية وكمية الطعام المقدمة إليهم.

ويضاف إلى ذلك، عدم اهتمام إدارة " النقب" بالنواحي البيئية في السجن، ما ينعكس في أحد جوانبه في فيضان مياه الصرف الصحي " المجاري"، إلى خيامهم، التي تعج كل منها بنحو 25 معتقلا بين فينة وأخرى، دون أن تبدي الإدارة الإسرائيلية أدنى اكتراث لهذا الموضوع.

وفي نفس المنحى، يحرم الأسرى من قراءة الصحف العربية، ومشاهدة التلفاز والاستماع إلى المذياع، ما يحدو بهم إلى قضاء أوقاتهم في عقد لقاءات فيما بينهم، لمناقشة مختلف القضايا التي تعنيهم.

ويقترن بهذه المشاهد، حرمان الأسرى من رؤية ذويهم، وهي سياسة اتبعتها سلطات الاحتلال منذ اندلاع الانتفاضة الحالية، مدفوعة برغبتها في الضغط على الأسرى، والحيلولة دون تواصلهم مع أقربائهم والعالم الخارجي، وهو ما ينطبق أيضا على لقائهم مع محاميهم.

وإضافة إلى كل ما تقدم، يعاني الأسرى من سياسة الاعتقال الإداري، والتي تطال الغالبية الساحقة منهم.

وبموجب هذا الاعتقال، يجري سجن الأسرى لأشهر، دون توجيه لائحة اتهام ضدهم أو عرضهم للمحاكمة، ما يتعارض مع كافة المواثيق الدولية.

ويقدر عدد المعتقلين الإداريين في النقب، بنحو 960 معتقلا، يقضون بفعله فترات تتراوح بين ثلاثة أشهر وعام.

وقد كانت كافة هذه الإشكاليات، مثار بحث بين الأسرى، والعديد من الهيئات كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، غير أن الأسرى يؤكدون أنهم يلمسون حصول تغير في آلية تعاطي الإدارة الإسرائيلية معهم، رغم توجههم إلى هذه الهيئات بهدف المساعدة.

كما تناولها الأسرى مع إدارة المعتقل، دون أن أن يجدوا آذانا صاغية من هذه الإدارة، ما حدا بهم إلى اتخاذ خطوات احتجاجية غير مرة، عمدت الإدارة إلى قمعها بغير وسيلة.

وفي إحدى هذه المرات، قامت الإدارة بمهاجمة المعتقلين في بالقنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى إصابة نحو 35 منهم بالاختناق، عدا احتراق بعض خيمهم.
غير أن الأسرى، ورغم كافة هذه المعطيات، يؤكدون أنهم سيواصلون مسيرة النضال التي اختطوها لأنفسهم أسوة بشعبهم، مهما بلغت قسوة الإجراءات المتخذة بحقهم، أو الظروف القابعين تحتها.

التعليقات