من ذاكرة الأسر (18): في داخل السجن سجون../ راسم عبيدات

-

من ذاكرة الأسر (18): في داخل السجن سجون../ راسم عبيدات
.... في إطار السعي الدائم والمستمر من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، لمواجهة الحركة الأسيرة الفلسطينية، فهي تجهد في ابتاع واختراع الوسائل والإجراءات العقابية، والتي تتنافى مع أبسط القوانين والأعراف الدولية، والتي تكفل معاملة لائقة وإنسانية للأسرى، كل ذلك بهدف النيل من معنويات الأسرى الفلسطينيين، والضغط عليهم والعمل على كسر إرادتهم وتفتيت وحدتهم، وبما يضمن تحويل السجون الإسرائيلية الى مقابر للأسرى الفلسطينيين، وليس قلاعا للنضال والعمل الحزبي والثقافي والتنظيمي.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى ولتحقيق هذه الغاية والغايات الأخرى، والمتمثلة في منع التواصل والتنسيق بين الأسرى الفلسطينيين، ليس على مستوى السجون عامة، بل وفي إطار وداخل السجن الواحد، وحتى تتمكن إدارات السجون الإسرائيلية، من قمع وتفتيت وتشتيت أي جهد نضالي داخل السجون، يستهدف المواجهة والتصدي لإدارات السجون في هجماتها المتكررة على الحركة الأسيرة، بقصد قمعها أو سحب منجزاتها ومكتسباتها التي حققتها وعمدتها بالشهداء والمعاناة ومعارك الأمعاء الخاوية، وكذلك بغرض فرض شروط وإجراءات عقابية إضافية عليهم، أو محاولة كسر وإجهاض أي خطوة نضالية من قبل الأسرى كالإضراب الجزئي أو المفتوح عن الطعام، أو رفض الوقوف على العدّ أو إرجاع وجبات طعام، أو رفض الخروج الى الزيارة، أو الترحيل التعسفي والقسري من سجن لآخر.. في سبيل هذا كله، نرى أنه بعد كل معركة أو خطوة نضالية، تهزم أو تكسر أو تتراجع فيها الحركة الأسيرة، نرى إدارات السجون تصعد وتزداد شراسة في الهجوم على الحركة الأسيرة، وتضع خططها وبرامجها القمعية والاذلالية موضوع التنفيذ، مستغلة حالة الضعف العامة، التي يمر فيها الوضع الفلسطيني، وما يترتب على ذلك من انعكاسات وتداعيات سلبية على أوضاع الحركة الأسيرة الفلسطينية.

وفي إطار وسياق التوضيح، لو أخذنا سجن عسقلان نموذجاً، وهو ما ينطبق على بقية السجون، فحتى عام 2002، كان سجن عسقلان، والذي يتسع لحوالي 600 معتقل أمني، ومكون من الأقسام 1، 2، 3، 4، 8، 11، 12، ناهيك عن قسم التحقيق وزنازين العزل، فهذا السجن بكل مرافقه من مطبخ ومغسلة ومحلقة ومكتبة وغيرها، كان يدار من قبل الأسرى الأمنيين أنفسهم، وكان هناك تواصل بين كل أقسام السجن، ليس فقط من خلال ممثل المعتقل واللجنة الوطنية، والذين كانوا يستطيعون التنقل بين أقسام السجن المختلفة، بل من خلال الزيارات بين الأقسام المختلفة، حيث كان هناك عدد من الأسرى متفقا عليه بين الإدارة ولجنة الحوار الوطني، يقومون بتبادل الزيارات بين الأقسام المختلفة، ناهيك عن الزيارات الداخلية بين غرف القسم الواحد، والتي كانت تتم بشكل يومي، ويترافق ذلك مع قدرة الأسرى على التواصل، من خلال ساعات التنزه "الفورة" الصباحية، وبعد الظهر.

وفي تطور وتصعيد خطير شنت الحكومة الإسرائيلية، هجوماً غير مسبوق على الحركة الأسيرة الفلسطينية، وحرضت عليها بشكل سافر بالقول إن الحركة الأسيرة الفلسطينية هي "وكر للإرهاب"، ومن خلال السجون تدار خلايا وتنفذ عمليات عسكرية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج. وكل ذلك كان تمهيدا لشن هجمة قمعية شاملة على الحركة الأسيرة الفلسطينية.

وبالفعل قامت قوات كبيرة، من وحدات قمع السجون"نحشون" بشن حملة شرسة على أسرى عسقلان، باعتباره أحد السجون المركزية، التي تتركز وتتجمع فيها قيادات الحركة الأسيرة.

وكان هذا الهجوم تمهيداً لعملية قمع وسياسة شاملة، تنفذ بحق الأسرى الفلسطينيين في مختلف السجون، حيث ترتب على عملية القمع هذه، وكسر إضراب الحركة الأسيرة الفلسطينية في مختلف السجون الإسرائيلية عن الطعام في آب 2004، سحب للكثير من المنجزات والمكتسبات التي حققتها الحركة الأسيرة الفلسطينية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تفريغ قسم في مختلف السجون، ووضع فيه معتقلون مدنيون، بدل الأسرى الأمنيين (قسم 11 ) في سجن عسقلان، وتم تسليمهم المطبخ والمغسلة، بدل الأسرى الأمنيين وعهد إليهم القيام أعمال الطبخ وإعداد الوجبات للأسرى الأمنيين، والقيام بغسل ملابسهم، وما يترتب على ذلك من سوء وقلة نظافة في إعداد الطعام، وترافق ذلك مع تخفيض في الحصص المخصصة للأسرى من وجبات وعدم التنويع. وأنا هنا لست بصدد التفصيل.

وكذلك قامت إدارة السجن بتقسيم ساحة النزهة (الفورة) لمنع التواصل بين قسم 3 وقسمي 1+2، ومنعت قسمي 4+8 من استعمال ساحة الفورة التي كانت مخصصه لهم، وهي ساحة أقسام1 و2و3، وخصصت لهم ساحة بديلة، وكل ذلك آتى في إطار منع التواصل بين أقسام السجن المختلفة. وأصبح كل قسم سجن قائم بذاته، ومنعت الزيارات بين الأقسام المختلفة، وأصبحت قسراً على ممثل المعتقل، مرة واحدة في الأسبوع وبشكل غير منتظم، وأصبح الأسرى لا يعرفون عن بعضهم البعض أية معلومات، إلا في إطار السفريات"البوسطات" للأسرى غير المحكومين، أو إذا تصادف والتقوا من خلال زيارات الأهل.

هذا الإجراءات وغيرها من ممارسات، كان الهدف واضحا منها، وهو منع أي تواصل بين أبناء الحركة الأسيرة، أو تنسيق خطوات نضالية فيما بينهم، ليس على صعيد المعتقل الواحد، بل وعلى صعيد المعتقلات المختلفة، وخلق حالة من عدم الاستقرار في السجون، من خلال عمليات التنقل المستمرة للأسرى بين السجون المختلفة، بهدف شل قدرة الأسرى وقياداتهم على ترتيب وتنظيم وتنسيق أوضاعهم وخطواتهم النضالية.

ومن هنا علينا أن لا نستغرب أن يكون هناك الكثير من المناضلين في نفس المعتقل ولا يعرفون عن بعضهم أية معلومة، أو لا يعرفون أنهم موجودون في نفس المعتقل. ويرافق خطوات الاحتلال القمعية والاذلالية هذه، بعد حالة الانقسام الفلسطيني، خطوات إضافية في سياق تعزيز العزل، وجعل كل قسم من أقسام السجن الواحد سجنا قائما بذاته، حيث وضعت أسرى (حماس والجهاد الإسلامي) في أقسام خاصة، وأسرى منظمة التحرير في أقسام أخرى، وهذا ليس تكريسا للعزل السكني فقط، بل وللعزل والفصل السياسي القسري بين الأسرى في نفس المعتقل، وبما يخدم سياسات إدارات السجون في إضعاف وتفتيت وحدة وتلاحم الحركة الأسيرة الفلسطينية، وشل قدرتها على خوض معارك نضالية موحدة وإستراتيجية، مثل الإضراب المفتوح عن الطعام وغيره من خطوات نضالية احتجاجية.

ومن هنا فإن الحركة الأسيرة ستبقى عاجزة عن استعادة زمام المبادرة، واستعادة كل منجزاتها ومكتسباتها، بمعزل عن ترتيب وتنظيم أوضاعها وبيتها الداخلي، وعلى قاعدة الاستهداف الجمعي لهم من إدارات السجون، وليس طرف دون آخر، وهذا بحاجة لدعم وإسناد من كل قوى وأحزاب ومؤسسات شعبنا في الخارج، وفي حملة جماهيرية وخطوات نضالية ملموسة تجبر إدارات مصلحة السجون على الاستجابة لمطالب الحركة الأسيرة في تحسين ظروف وشروط اعتقالهم، وخصوصاً ونحن نشهد تصاعداً في أعداد الأسرى الذين يستشهدون في مراكز التحقيق والسجون الإسرائيلية نتيجة سياسات التعذيب والقمع والاعتداء والإهمال الطبي وغيرها بحق الأسرى الفلسطينيين.

التعليقات