رسالة مفتوحة الى القائد العام لحركة فتح واللجنة المركزية والمجلس الثوري

الرسالة من عميد الأسرى والمعتقلين كريم يونس يؤكد فيها أن "الأسرى لا يريدون أن يكونوا في القلوب وإنما على أجندة العمل"

رسالة مفتوحة الى القائد العام لحركة فتح واللجنة المركزية والمجلس الثوري
طالب عميد الأسرى والمعتقلين الأسير كريم يونس، من قرية عارة في المثلث، قيادة حركة فتح بوضع قضية الأسرى على رأس جدول الأعمال.
 
وأكد يونس، الذي مضى على وجوده في الأسر 30 عاما، في رسالة وصل موقع عــ48ـرب نسخة منها على ضرورة وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، واعتبار قضية إطلاق سراح الأسرى شرطا لاستئناف المفاوضات، وهدفا أوليا وجوهريا وأساسيا لحركة فتح وقادتها.
 
كما أكد في الرسالة على ضرورة أن تشمل الإفراجات القادمة جميع الأسرى القدامى من قبل العام 2000 والمحكوميات العالية.
 
وفيما يلي نص الرسالة:   
 
رسالة مفتوحة الى القائد العام لحركة فتح
واللجنة المركزية والمجلس الثوري
من عميد الأسرى والمعتقلينكريم يونس
 
بعد أن كسر القيد، وأشرقت شمس الحرية وبزغ الفجر بعد ليل طال أمده على فارس ترجل عن صهوة جواده قبل ثلاثين عاما وأكثر، سار خلالها على حد السيف سنة وراء سنة، وساعة بعد ساعة في العتمة والظلام في حر الصيف وبرد الشتاء القارص، يوصل الليل بالنهار دون أن يسقط، ويتلقى الضربة تلو الأخرى، ورغم الألم يبقى صامتا، وأحيانا ساخرا متأملاً يدرس طباع عدوه الذي لم يدخر جهدا في محاولاته لإسقاطه، وزرع بذور اليأس في نفسه بهدف إحباطه وكسر إرادته وانتزاع الأمل من عقله وقلبه..
 
تلك هي فلسفة السجون الظالمة أهلها، وتلك هي غايات السجان العنجهية، والتي يسعى من خلالها إلى قهر روح الأسير النضالية بهدف النيل من قناعاته وانتمائه وزعزعة إيمانه بقضيته، لكن الأسير الفلسطيني والعربي المناضل أثبت للقاصي والداني ومن خلال صموده الأسطوري صلابته وعناده، وأنه ثابت على قناعته، متمسكا بانتمائه، وفيا لوطنه وشعبه، وعصيا على الكسر في كل الظروف.
 
وقد شاهدتم التجلي الفتحاوي لدى الأسرى المحررين، وفي مقدمتهم فخري البرغوثي وعثمان مصلح وتوفيق عبد الله وخالد محيسن وعلي المسلماني وسامي يونس، وغيرهم ممن قضوا أكثر من ربع قرن في السجون، والذين تآكلت الجدران من حولهم، وأكل الدهر من لحم أكتافهم وغزا الشيب رؤوسهم، ونخر المرض أجساد بعضهم، لكنهم بقوا على عهدهم لشعبهم وقضيتهم ووطنهم وثورتهم. والسؤال الذي يؤرقنا ويضج مضاجعنا منذ سنوات وعلى وجه التحديد بعد اتفاقيات اوسلو والقاهرة وطابا وشرم الشيخ وواي ريفر وغيرها، هو إلى متى؟
 
إلى متى سيبقى هذا الوفاء باتجاه واحد؟ وإلى متى سيبقى هذا الوفاء لقيادة لا تعرف الوفاء، ونلمس تجاهلها ونسيانها وإهمالها؟
 
ما هو دور القيادة والحركة في هذه المعادلة؟ هل هي في حل من التزامها وعهدها ومسؤولياتها ووفائها تجاه جنودها؟ أين الأسرى، وأين موقعهم على أجندة قيادتهم ممثلة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري والقائد العام؟ أليس من حقنا أن نتساءل بعد عشرين عاما من المفاوضات الفاشلة والعبثية والاتفاقيات الزائفة، لماذا تم نسيان الأسرى؟ ولماذا تم الدوس على آلامهم ومعاناتهم؟ ولماذا لم يتم الإفراج عن أسير واحد قتل أو شارك بقتل المحتلين باستثناء ثلاثة أو أربعة أخوة فقط؟ هل يجب أن يدخل كل واحد منا موسوعة غينيس للأرقام القياسية لكي يتم الإفراج عنه؟ وللأسف الشديد فقد كرست الاتفاقيات والمفاوضات مفاهيم ومسميات من العار القبول بها وتبنيها من قبل المسؤولين الذين يرددونها كالإسرائيليين بالضبط!
 
فأي قيادة وطنية هذه التي تقبل بالتصنيف الأمني لأسراها وتوافق على التعامل معهم وفق مدة محكوميتهم أو مكان نضالهم أو وفقا لما قاموا به من نشاط في مواجهة الاحتلال بناء على أوامر قادتهم؟ واسألوا أبو شادي وأبو الناجي بأمر من قاموا بعملياتهم ونشاطهم لتصبح أياديهم ملطخة بدماء الاسرائيليين!
 
إن الجميع قاموا بمقاومة الاحتلال في إطار حركة فتح أو أي فصيل آخر، وبقرار من قيادته. وقد تلقينا وعود شخصية وخطية ومسجلة بالصوت من الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات والرئيس أبو مازن تقول إنه سيتم الإفراج عن جميع الأسرى خلال أربعة أشهر من تنفيذ الاتفاقيات. وها قد مضى عشرون عاما وما زلنا في الزنازين، ولقد تركتنا القيادة الفلسطينية لمصيرنا وقدرنا، ننتظر رحمة إسرائيل المحتلة، وكأننا لسنا جزءاً من هذه الحركة ولا علاقة للقيادة بنا. هذه هي الحقيقة المرة التي ندركها منذ سنوات، وإن كنا نكابر أحيانا أخرى كي لا ينهار كل شيء من حولنا وطوال السنوات ونحن نحاول أن نتشبث بخيوط الأمل.
 
وقضينا السنوات الست الأخيرة نبتهل ونصلي وندعو الله أن يحفظ الجندي شاليط كأسير لدى حماس حياً لقناعة كل واحد منا وآماله أن يكون أحد المفرج عنهم في هذه الصفقة، وعشنا قبل ذلك على الأمل أن يفرج عنا في صفقات حزب الله، وقبل ذلك عشنا على أمل رون أراد، وعشنا على آمال وضعناها لأنفسنا كي تستمر الحياة داخل السجون رغم قناعتنا أن القدر ليس معنا.
 
إننا اليوم وبعد أن استطاعت حماس إطلاق سراح عدد كبير من عناصرها (363) أسيرا في صفقة تبادل حمساوية بامتياز، وبعد انتهاء هذه الصفقة، وبعد أن تبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود، واتضحت الرؤية، تبين أننا كنا نحلق في فضاء من الوهم في السنوات الماضية، ونتشبث بخيوط وهمية لم تكن موجودة أصلاً، فسقطنا مرة أخرى إلى أرض الواقع الأليم، وعدنا إلى عتمة الزنازين نتلمس جدرانها علنا نجد طاقة أو حتى ثقباً يبعث فينا بعض النور وبصيص من الأمل، فلم نجد شيئاً لا لأننا فقدنا حاسة اللمس أو لم نعد نحسن تحديد الاتجاهات، بل لأننا أدركنا مرة أخرى أننا على أرض الواقع وفي الحقيقة أسرى فتح منسيون إلى الأبد، وغائبون عن ذاكرة قيادتنا واللجنة المركزية والمجلس الثوري والقائد العام. إن القيادة والقائد الذي يترك جنوداُ له في أرض المعركة يفقد أهليته للقيادة، وهذا ليس شعارا بل هو شعور يجول في خاطر كل واحد فينا وإدراك حقيقي يساور قلوبنا، وقناعة تسربت إلى نفوسنا، حيث لا يعقل أن يكون السلام للقادة ومع القادة ومن فوق رؤوس وجماجم وحطام المناضلين الذين دفعوا كل الأثمان كي يصبح لنا وللقضية عنوان.
 
إن القيادة المسؤولة والفاعلة هي التي تخلق الفرص وتبتكر الأسباب لتوظيفها من أجل خدمة المصالح الوطنية، وتحويلها إلى أوراق ضاغطة لتحقيق بعض الإنجازات. والقيادة الثورية الفاعلة ليست تلك القيادة التي تفرط بما لديها من أوراق وتقدم التسهيلات وتخفف الضغوط عن عدوها دون أي مقابل، وبعد أن ثبت بالدليل القاطع أن إسرائيل لا تفهم إلا لغة واحدة لم يبق أمام شعبنا وقيادتنا ألا أن تأخذ زمام المبادرة من أجل تحرير الأسرى. ونحن لا ولن نقبل الانتظار إلى ما لا نهاية. ويتعين على قيادة الحركة أن تثبت أنها أهل للقيادة، وأنها مسؤولة وفاعلة وعليها اتخاذ القرارات التالية:
 
1-    وقف التنسيق الأمني المجاني، وربطه بتنفيذ الاستحقاقات الوطنية وفي مقدمتها وقف الاستيطان وإطلاق سراح الأسرى.
2-    تقديم خطاب سياسي وإعلامي جديد يؤكد على إطلاق سراح الأسرى كشرط لاستئناف المفاوضات، وليس نتيجة لها، وعدم ترحيلها إلى ما يسمى بالحل النهائي.
3-    الإعلان رسميا أن قضية الأسرى وتحريرهم هدف جوهري وأولي وأساسي لحركة فتح وللقيادة الفلسطينية. وأن كافة الخيارات من أجل تحقيق هذا الهدف مشروعة ومفتوحة وشرعية.
4-    الاشتراط أن أي دفعة جديدة من الإفراجات يجب أن تشمل جميع الأسرى القدامى قبل عام 2000 دون استثناء، إضافة إلى شمولها لأكبر عدد من المؤبدات والاحكام العالية والقادة السياسيين والرموز الوطنية وعلى رأسهم الأخ المناضل مروان البرغوثي.
 
وفي الختام كفانا شعارات وخطابات وتصريحات بدون أي مضمون ولا رصيد لها. ونحن لا نريد أن نكون في قلوبكم بل نريد أن نكون على أجندة عملكم الصادق، وعلى رأس سلم أولوياتكم سياسياً واجتماعياً وجماهيرياً ونضالياً.
 
أخوكم
كريم يونس
عميد الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي
قضى حتى الآن 30 عاما في سجون الاحتلال

التعليقات