أسـرى يصارعـون المرض لوحدهــم

تقول زعبي: "نحن لا نستطيع المتابعة على كل الجهات، نصل لنتيجة أن هنالك مبالغة في الحكم، أو إهمالا طبيا، لكننا لا نستطيع أن نعرف إلى أي مدى يعود ذلك لإهمال المحامي في متابعة الموضوع، أو إلى ضعف مهنية..".

أسـرى يصارعـون المرض لوحدهــم

أسرى لوحدهم في سجون الاحتلال

*غيـاب واضح للمحاميـن ولمنظمات حقوق الإنسان 

*الأسرى يفتحون ملف اتهام 'المحامين الذين يتعاملون معهم كتجار'


يتابع مكتب النائبة عن التجمع الوطني الديمقراطي في القائمة المشتركة، حنين زعبي، ملف الإهمال الطبي للأسرى السياسيين، حيث هنالك قرابة 1500 حالة مرضية  بين صفوف الأسرى منهم المئات يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، كأمراض السرطان والقلب والشلل النصفي وأمراض العظام والعمود الفقري، وآخرون فقدوا الأطراف والبصر ويحتاجون لعمليات جراحية عاجلة لإنقاذ حياتهم.

بالإضافة لوجود ما يعادل 16 أسيرا يرقد في مستشفى سجن الرملة لتلقي العلاج، ولكن كثيراً ما ترفض مصلحة السجون إجراء العمليات الطبية متذرعة بأسباب واهية، ويقبع قرابة 32 أسيراً فلسطينياً في أقسام العزل لأسباب صحية ناتجة عن تعرضهم لأمراض نفسية حادة جراء ما تعرضوا له أثناء التحقيق وفي مراحل الاعتقال من صدمات أليمة سواء بحق الأسير نفسه أو أحد أفراد عائلته أو أصدقائه. ومنهم من يعاني من الوسواس القهري ومنهم من يعاني من انفصام حاد في الشخصية وغيرها من الأمراض النفسية المزمنة. 

الأسرى أنفسهم ألقوا اللوم الأكبر على مصلحة السجون وإدارة السجن طبعا، لكن البعض لم يعف محاميهم من التقصير والإهمال، ليس فقط فيما يتعلق بالإهمال الطبي، بل حتى فيما يتعلق بالأحكام واعتباطيتها، ومتابعة طلبات الإفراج المبكر، وفي ذلك تقول زعبي: 'أدرك أن علينا كممثلي جمهور، متابعة ملف حقوق الأسرى على جميع الجهات، بما في ذلك الانتقادات التي نسمعها على أداء بعض المحامين، حتى فيما يتعلق بالمبالغة في الحكم الذي يأخذه الأسير، فنحن نسمع الكثير عما يقوم به بعض المحامين من عقد صفقات مع النيابة، رغبة منه  في إغلاق الملف، حتى ولو على حساب الأسير، ونسمع عن قضايا الإهمال الطبي، لكننا لا نستطيع أن نعرف إلى أي مدى يعود ذلك لإهمال المحامي في متابعة الموضوع، أو إلى ضعف مهنية، ونعرف ونتابع موضوع طلبات الإفراج المبكر، لكننا أيضا لا نستطيع فرز عمق العنصرية الإسرائيلية، عن المسؤولية الذاتية للمحامي، من عليه أن يفعل ذلك هو وزارة الأسرى الفلسطينية، التي تقوم بتعيين المحامين وبدفع رواتبهم'.     

أقضي وقتي بين الألم والأمل

يسري المصري، من غزة، تراه خجولا، بالغ النحولة، يبلغك هو أنه كان مدرب كاراتيه، وأكثر سمنة بحوالي 15 كغم. انخرط في العمل النضالي خلال الانتفاضة الثانية، وتم منعه عن إكمال تعليمه، كما سائر الأسرى، بعد عملية شاليط، عندها تم افتتاح كلية المجتمع في غزة، فأكمل تعليمه عن طريقها، وبعدها عن طريق جامعة الأقصى. حصل على دبلومه بامتياز سنة 2013، خلال فترة مرضه بالسرطان، رغم مرضه، وبدأ يعلم دفعات الأسرى اللاحقة.

يسري متهم بمحاولة القتل، ومحكوم بالسجن لمدة 32 عاما، مريض بالسرطان، يتم فحصه بعد أن تتأكد إدارة السجن أن المرض استفحل في الغدة، فيقومون بجراحتها، دون فحص الأعضاء القريبة المعرضة لعدوى السرطان، يتركونها لتتمكن منها الخلايا السرطانية.

يسري محكوم لأنه خطط لعملية. أولئك الذين ينفذون القتل بحق الفلسطينيين وينجحون، يفلتون من العقاب. والفلسطينيون الذين يخططون للقتل، دون تنفيذه، فيحكم عليهم بعشرات السنين.

إسرائيل لا تعاقب على جريمة، إسرائيل تعاقب على الانتماء السياسي للفلسطينيين، يسري ولو لم ينفذ أي جريمة، إلا أنه متهم بالمقاومة، بالانتماء لفصيل سياسي، في شعب كله منتم لفصائل، وكله منخرط في المقاومة. 'لا إنسان في غزة بمعزل عن ثقافة المقاومة'، يقول يسري، لا يخلو بيت في غزة من السلاح، غزة والضفة، مشروع مقاومة واحد.

كيف تخاف إسرائيل، من مريض سرطان؟ يسأل يسري، والإجابة أنها لا تخاف من عملياته، بل من إرادته، ولو استطاعت لسجنت جميع الفلسطينيين في سجونها، لكنها ولأنها لا تستطيع ذلك، فهي تحول أرضهم لسجن كبير، فتحاصر غزة، وتحاصر الضفة بالجدار. 

الملف الطبي للأسير يسري، يحكي حكاية الأسرى الفلسطينيين، الذين تقوم السجون الإسرائيلية بقتلهم البطيء، فقد أجرى قبل سنة ونصف عملية لاستئصال للغدة الدرقية، وذلك بعد صراع مع المرض ومع إدارة السجون، لمدة عامين ونصف، وبعد إهمال كبير، وإجراء فحوصات غير كاملة، وتشخيصات بدائية، غير صحيحة، وتعمد علاجه عن طريق مسكنات، رفض إجراء فحوصات أشعة وغيرها، الأمر الذي أوصله لضرورة إزالة الغدة الدرقية تماما، بعد أن قضى عليها السرطان دون تشخيص للمرض، رغم عوارضه الواضحة: تقيؤ، إسهال، صداع، آلام في الصدر، وعدم انتظام في دقات القلب.

تعامل إدارة السجون مع الحالات المرضية للأسرى، يجعلهم يكرهون العيادة والأطباء، ويهربون منها، حتى لو كانت أملهم الوحيد في الحياة.

هل تتعاون المستشفيات مع إدارات السجون ضد مصلحة المريض؟

من الشكاوى الكثيرة التي نتلقاها من الأسرى السياسيين، يظهر وكأن أطباء المستشفيات يقومون بالتعاون مع إدارات السجون ضد مصلحة مرضاهم، فلا يقوم المستشفى بنقل أي معلومات للمريض (الأسير السياسي)، عن حالته  الصحية، عن الأمراض التي يعاني منها، أو عن العلاج أو الفحوصات التي يحتاجها، أو حتى عن نتائج فحوصاته. كما 'يلتزم' المستشفى بالعلاج الذي يقره طبيب السجن، حتى لو رأى خلاف ذلك. فالذي حصل مع يسري هو أن المستشفى قام باستئصال الغدة الدرقية فقط، ولم يقم باستئصال الغدة اللمفاوية رغم تضخمها الواضح، على أساس أن طبيب السجن- وكل أطباء السجن هم ضباط يعملون لدى مصلحة السجون، قبل أن يكونوا أطباء، ويعرفون أنفسهم كذلك-، أشار فقط باستئصال الغدة اللمفاوية.

كما يظهر أن ضابط السجن، الذي يقوم بمرافقة الأسير المريض إلى المستشفى، يقوم هو بإدارة الحديث مع الطبيب مانعا الأسير المريض من الحديث المباشر مع طبيبه، ويقوم هو أحيانا بالرد على أسئلة الطبيب!.

يبدو واضحا من شهادات المرضى الأسرى، أن الملفات الطبية للأسرى تخضع للحسابات الأمنية والإدارية لمصلحة السجون، وليس للحسابات الطبية، كما تلزم حقوق الأسرى بذلك، وأن هنالك تنسيقاً واضحاً بين التقارير الطبية وبين السياسات العامة للسجون.

طلب الإفراج المبكر 

لم ير يسري والدته منذ ستة  شهور، وهو لا يستطيع إلا أن يراها هي ووالده وعائلته الصغيرة، زوجته وأطفاله الثلاث.

يطلب يسري من إدارة السجن الإفراج المبكر عنه، سيما وأن مرض السرطان انتشر الآن في الكبد، وهو ينتظر التعجيل في أخذ عينة من الكبد. ويقول 'ماذا سيؤثر مريض سرطان في غزة المقاومة؟'.

بناء على ذلك، يقوم مكتب النائبة حنين زعبي بمتابعة الموضوع، وبالاتصال مع الجهات المختصة، لطلب التعجيل بأخذ عينة من الكبد، وللاستيضاح بخصوص الإهمال الطبي، وتحمل زعبي في رسالة لها لوزير الأمن الداخلي إردان، مسؤولية حياة يسري كما قام المكتب بتوجيه رسالة لنقابة الأطباء العامة، تتعلق بشكاوى الأسرى السياسيين، حول تعاون إدارة وأطباء المستشفيات مع مصلحة السجون ضد مصلحة المريض، الأمر الذي ينافي أبسط حقوق المرضى، وأساسيات أخلاقيات المهنة الطبية. من جهة أخرى طالبت زعبي منظمة أطباء لحقوق الإنسان بزيارة السجين.

الأسير السياسي إياس الرفاعي، رام الله.. تقصير بعض المحامين ودور وزارة الأسرى

حكم إياس لمدة 11 سنة، أسير آخر يأكله السرطان، كما تأكله سياسات السجن الإسرائيلية، تحاول إسرائيل الاستعانة بكافة الأمراض، لكي تتغلب على إرادة الأسرى السياسيين ومعنوياتهم، عندما تعلم علم اليقين، أن أمنها ومخابراتها غير قادرة على ذلك. إياس، يطالب أيضا بالإفراج المبكر، حيث السرطان يأكل من أمعاءه، ضابط منطقة رام الله، كما يقول إياس، لا يعارض.

حكم إياس سنة 2006 ، لمدة 8 سنوات، وبطريقة غريبة من نوعها، قامت النيابة بالاستئناف على الحكم بعد سنة، دون اعترافات جديدة، ودون توضيح الأسباب، وفقط بادعاء أن 'الحكم غير كافي'، قرروا تمديد مدة حكمه لـ11 سنة. حتى القاضي لم يستطع الإجابة على أسئلة إياس، واعترفت له النيابة، قال إنها لم تتوقع زيادة فترة المحكومية. إشارة أخرى، أنه لا قضاء مستقل ونزيه حيث يتدخل 'الشاباك'، وأن القاضي الحقيقي هو موقف المخابرات.

إياس، كالعديد من الأسرى، يتهم بعض المحامين بالتقصير، وبأنهم يتعاملون مع القضية كتجارة، حيث الأسرى بالنسبة لهم ملفا يتقاضون عليه راتبا من وزارة الأسرى، يكثرون من إبرام الصفقات، ومن إغلاق الملفات، حيث يتقاضون مبلغا ثابتا عن كل ملف يتم إغلاقه.

وفي ذلك تقول زعبي: 'نحن لا نستطيع المتابعة على كل الجهات، نصل لنتيجة ان هنالك مبالغة في الحكم، أو إهمالا طبيا، لكننا لا نستطيع أن نعرف إلى أي مدى يعود ذلك لإهمال المحامي في متابعة الموضوع، أو إلى ضعف مهنية، ونعرف أنه يتم عقد صفقات مع النيابة، لكننا لا نستطيع أن نعرف إذا كانت الصفقة نتيجة رغبة المحامي في إغلاق الملف، حتى ولو على حساب الأسير، ونعرف ونتابع موضوع طلبات الإفراج المبكر، لكننا أيضا لا نستطيع فرز عمق العنصرية الإسرائيلية، عن المسؤولية الذاتية للمحامي، من عليه أن يفعل ذلك هو وزارة الأسرى الفلسطينية، التي تقوم بتعيين المحامين وبدفع رواتبهم'.

جمعيات حقوق الإنسان

قضية إياس المركزية، هي ليست عراكه، مع الأسر، هنا أيضا، القناعة بأن الحرية لشعبنا تتطلب دفع الثمن هي قناعة راسخة، لكن معركة إياس، هي مع المرض، وهنا أيضا، تعرف إدارة السجن كيف تستغل مرض الأسير ليس للقضاء على إرادته فقط، بل ربما للقضاء على حياته.

إياس، كما غيره، لا يثق بطبيب السجن، لذلك قام بالتوقيع على توكيل لكل من منظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة أطباء لحقوق الإنسان، للاطلاع على ملفه الطبي، إلا أن التوكيل لم يصل إلى أي من هذه الجهات. هنا أيضا، وفي هذا السياق، يقوم مكتب النائبة زعبي بمتابعة الملف الطبي لبعض الأسرى مع هذه المنظمات، ويقوم بهذا السياق بعقد جلسات مع تلك الهيئات، والطلب منها بإجراء زيارات منتظمة للأسرى المرضى.   

وفيما يتعلق بالإهمال الطبي المقصود من قبل السجن، فقد تعمدت إدارة السجن، التلكؤ لمدة شهر، حتى أخذ عينة من الأمعاء، مع أن إياس قام بـ4 زيارات لمستشفى 'سوروكا'، ومضت تلك الأشهر، والسرطان ينخر في أمعائه، دون أن يتلقى أي علاج. وإلى جانب الإهمال، لا تنسى إدارة السجن، الاتصال يوميا تقريبا مع أهل ياسر، لطمأنتهم على حياته! خشية أن يصيب إياس أي مكروه فيعمد الأهل إلى إلقاء اللوم على السجن.

بدأ مرض السرطان عند إياس، كالتهاب في الأمعاء، استمر لمدة نصف سنة، دون ان توافق إدارة المستشفى على فحصه، رغم عوارض المرض الواضحة. كان إياس يستطيع الشفاء من مرضه، لو أعطته إدارة السجن مضادات حيوية في الوقت المناسب، أما الآن، فلا ينفع مع إياس سوى استئصال جزء من أمعائه. ويحتاج إياس لعملية استئصال سريعة، لكن إدارة السجن، لم تأخذ حتى الآن عينة من أمعائه، بحجة أن الفحص الذي أجراه قبل مدة لم ينجح، وعليه أن ينتظر شهرا ونصف الشهر لإجراء الفحص مرة أخرى، آخذا بعين الاعتبار أن كل دقيقة، قد تكون حاسمة في حياته.

خلال سنة مرضه، فقد إياس 30 كغم، ليغدو 48 كغم، يلبس طبقات من الملابس فوق بعضضها البعض، لكي يخفي ضموره الحاد. يعيش على مدعمات، وقبل أن تراه النائبة زعبي في السجن، كان قد أخذ إبرة لكي ينتفخ وجهه!.

لا خيار لحياة طبيعية، المقاومة هي مدخلنا الوحيد لحياة طبيعية

اعتقل إياس خلال الانتفاضة، بعد أن استطاع الهرب من الجيش لمدة 3 سنوات، قبضوا عليه، عندما دخل القرية لحضور عرس أخيه. إياس تخرج من التوجيهي عام 2000، لم يختر أن يشارك في الانتفاضة، اختار أن يتعلم ويعمل ويبني حياته، كما أي إنسان آخر، لكنه لكي يتعلم كان عليه عبور الحاجز يوميا للمدرسة الصناعية في الرام، وكان يسمع يوميا عن اجتياحات واشتباكات واعتقالات، فضاقت الحياه عليه في رام الله، ورجع لبلدته الصغيرة، كفر عين، عاملا، وبدأ 'الشاباك' بمطاردته! وقالوا لأبيه: 'إما أن تبلغنا عن مكانه، أو نسلمك إياه بكيس أسود'.

عندها عملت، أننا جميعا مطلوبون إما للجيش للاعتقال، أو للشاباك للتعاون معهم ضد شعبنا، وأنه لا مجال لحياة طبيعية. لدى إسرائيل، يتشابه من ينخرط في النضال، مع الذي يبتعد عنه، جميعنا مطلوبون.

إياس يحتاج لعملية استئصال سريعة، إياس يحتاج لزيارات من أطباء يعملون في هيئات مستقلة ومنظمات طبية حقوقية، إياس يحتاج لإفراج سريع.

أيضا في هذا السياق، يقوم مكتب النائبة زعبي بتعجيل عملية الاستئصال، بتنظيم زيارات لأطباء مستقلين، والتوجه لوزير الأمن الداخلي بالكشف عن ملف الإهمال للأسير إياس، وتحميله المسؤولية ومطالبته بمتابعة هذه الملفات عينياً. وستقوم زعبي بالتوجه إلى المنظمات المختلفة بهدف تنظيم زيارات منهجية للأسرى السياسيين.

التعليقات