21/11/2015 - 15:00

تحقيق: الطريق إلى أوروبا يبدأ من فيسبوك والحي الاسطنبولي

وجدنا البحر هائجاً جداً، رفضنا أنا ومن معي أن نصعد القارب قلنا للمهرب إننا نريد أن نؤجل إلى يوم يكون فيه الطقس أفضل، لكنني نادم، فقد غادرت قوارب أخرى ليلة أمس ووصلت إلى اليونان

تحقيق: الطريق إلى أوروبا يبدأ من فيسبوك والحي الاسطنبولي

'نعلن عن تسيير رحلاتنا اليومية إلى جزيرة متليني اليونانية بأقوى الأسعار900 المدة من النقطة إلى متليني لا تتجاوز ال 40 دقيقة العدد الگامل 35 شخصا إذا گان الجو غير ملائم يوجد لدينا سكن ع النقطة والله ولي التوفيق/ للاتصال على الرقم 009053********' هذا نص لن تحتاج للكثير من الوقت كي تجد مثله على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء في مجموعات خاصة أو صفحات مفتوحة أمام كل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بالذات السوريين.

النص السابق، أو بمعنى أدق، الإعلان، ينشر مع غيره على مجموعة خاصة بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا انطلاقاً من تركيا، في مجموعة 'بدون مهرب، ستصل بعون الله إلى أوروبا' يُكثر المهربين في إعلاناتهم التي ينشروها بأنفسهم، مع صور وفيديوهات تظهر رحلاتهم السابقة.

جربنا الاتصال برقم هاتف تركي نشره مهرب يدعى 'أبو النور' عبر ذات المجموعة، لم يطل رنين الهاتف، أجاب على اتصالنا، وقال لنا إنه موجود في إسطنبول، قلنا له إننا نود السفر إلى أوروبا، أعطانا بعض التفاصيل:

تكلفة الرحلة هي 850 دولار فقط، طبعاً الرحلة من تركيا إلى اليونان، من بودروم الشهيرة والقريبة من مدينة إزمير حتى جزيرة ليسبوس اليونانية.

أكد أبو النور أن عدد الركاب في القارب المطاطي هو 35 شخصاً فقط، وعندما سألناه عن سلامة الرحلة نظراً لما ينشر من أخبار عن حالات غرق لمهاجرين في البحر، قال أبو النور إن 'الاتكال على الله'.

يجب علينا أن نصل إلى اسطنبول كي نحصل على تفاصيل إضافية.

إكسسوارات الهجرة

في ذات المجموعات تجد أن العروض لا تقتصر على الهجرة غير الشرعية، إذ تشمل الإعلانات أيضاَ، ما يمكن تسميته بمستلزمات المهاجر، إعلان جديد يقول:

'أنصحكم بشراء ستر واقية للحفاظ على صحتكم حتى تصلوا بسلامة إلى أوروبا، وهذه الألبسة سعرها غير غال بل رخيص، ويوجد منها ألوان متعددة، لذلك أنصح الجميع أن لا يسافروا خلال هذه الفترة حتى تهدأ العاصفة لأنها خطرة على حياتهم، ونتمنى للجميع الوصول بالسلامة مع تحيات أبو محمد اللهيبي، وهذا رقمي للاستفسار واتس وفايبر واتصال'.

اتصلنا بأبو محمد وسألناه عن السترة التي عرضها، فحدثنا عن أهميتها للمهاجرين، قال إنها تحمي من المطر في فصل الشتاء، بالذات خلال الانتقال بين البلدان الأوروبية، لكنها لا تغني عن سترة النجاة، وقال إنه يهدي المهاجرين الأطفال ستر نجاة إنجليزية ممتازة غير تلك المتواجدة اليوم في السوق التركية، تكلفة السترة التي عرضها أبو محمد تصل إلى 50 ليرة تركية، ما يعادل 18 دولار.

خلال حديثنا الهاتفي معه، اكتشفنا أن أبو محمد ليس تاجراً، بل هو مهرب أيضاَ، يعمل من إسطنبول كما قال عبر الهاتف، من إسطنبول التركية وحتى جزيرة ميلتيني اليونانية عرض علينا نقلنا في رحلة للمهاجرين، تكلف الرحلة ألف دولار للشخص الواحد، وعرفنا أن الأطفال لهم حسم خاص، ليكون الطفلان الاثنان بسعر راكب واحد، ونبهنا من خطورة رحلات إزمير، لأن القوارب تتضمن مهاجرين أفغان، يعتدون على السوريين والفلسطينين المهاجرين.

تضم المجموعة أكثر من أربعة وعشرين ألف متابع، كثيرون منهم يكتفون بمتابعة ما ينشر ولا يتفاعلون فيها، وبعضهم يهتم بنشر أخبار الطريق والحدود بين الدول الأوروبية، فيما ينشر آخرون قوانين الهجرة وأخبار الموت والرحلات.

مقهى السوريين

في إسطنبول، ومنذ لحظة وصولك، سيكون من السهل عليك أن تعرف أين يتواجد المهربون، أكسراي، الحي الاسطنبولي الخاص بالمهاجرين، قصدناه من المطار مباشرة، في شوارع الحي محال تجارية تعرض ستر النجاة على واجهاتها بكل علانية، اللون البرتقالي يغطي كل الشارع الصغير القريب من محطة المترو التي تحمل ذات اسم الحي.

في الحي قهوة السوريين، وهي مقهى يستثمره سوريون ويؤمّه كل العرب الراغبين بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، عراقيين وفلسطينيين وسوريين ومصريين، يجلسون لشرب الشاي والقهوة، والحديث الوحيد الذي تسمعه على كل الطاولات هو حول الطقس والمهربين والجزر اليونانية، والرحلات التي وصلت، والتي من الممكن أن تنطلق الليلة.

في المقهى التقينا بأبو جلال، وهو عراقي تجاوز الخمسين من العمر كان من المفترض أن لا يكون في إسطنبول ذلك اليوم إلا أن الرحلة البحرية الخاصة به تأجلت بسبب الطقس، شرح ما حدث له الليلة الماضية:

' وجدنا البحر هائجاً جداً، رفضنا أنا ومن معي أن نصعد القارب –البلم- قلنا للمهرب إننا نريد أن نؤجل إلى يوم يكون فيه الطقس أفضل، لكنني نادم، فقد غادرت قوارب أخرى ليلة أمس ووصلت بالفعل إلى اليونان'.

رفض أبو جلال إعطاءنا المزيد من المعلومات، بعد أن نبهه حاضرون إلى عدم الحديث مع الصحافة.

مقابل المقهى، يدير سامر دكاناً تركياً يبيع ستر النجاة ومستلزمات الرحلة البحرية، قال لنا إنه يحاول أن ينصح الناس الذي يريدون شراء الستر بعدم المغامرة بأطفالهم 'يصل رجال ونساء معهم أطفال صغار ويطلبون ستر النجاة، أحاول نصحهم لكنهم لا يسمحون لي، يريدون فقط سعراً رخيصاً للستر' سألنا سامر إن كان يشعر بأنه مسؤول عن حياة المسافرين الذين يبيعهم الستر 'لا إن لم يشتروا من عندي سيشترون من عند غيري. هم أحرار فيما يفعلون'.

ونحن في محل سامر وصلت عائلة سورية دمشقية، رجل وزوجته التي تحمل طفلاً رضيعاً، يستعدون للسفر عبر البحر بعد يومين، سأل الأب الذي قال لنا إن اسمه أحمد عن سبب سفره بهذه الطريقة بالذات مع ابنه الرضيع، قال 'أنا أسافر من أجله، والأعمار بيد الله، ثم إن الرحلة لم تعد خطرة، قلة من يقضون في البحر، الصحافة لا تتحدث إلا عمن يموتون، ولا تذكر الناجين'.

الحكومة نائمة

يُقسم المحامي ياسر مرزوق المسؤولية القانونية التي تقع على الحكومة التركية إلى قسمين، المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية. يقول مرزوق إن الحكومة التركية لم توقع على اتفاقية عام 1951 الخاصة بحقوق اللاجئين، فهي غير ملزمة قانونياً بحماية اللاجئين على أراضيها لأنها تسميهم ضيوفا.

يقول مرزوق لعرب 48 'الحكومة التركية مسؤولة عما يجري للاجئين على أراضيها، عدم ملاحقة الحكومة المهربين ومن يسببون الضرر للمواطنين السوريين المتواجدين على أراضيها، فهي مسؤولة مسؤولية تقصيرية، لأنها لا تمنع ذلك'.

في المسؤولية العقدية، يقول مرزوق، إن تركيا وقعت على بروتوكل منع وقمع المتاجرة بالبشر، وهنا تقصر الحكومة التركية بما وقعت عليه، فهي تغض النظر عن الرحلات البحرية التي لا تزال مستمرة.

يقول مرزوق 'عندما تبرم الحكومة التركية صفقات مع الاتحاد الأوروبي حول منع الرحلات غير الشرعية، مقابل تسهيلات للمواطنين الأتراك في أوروبا أو مقابل منح مالية، فهذا يعني أنها تستطيع لكنها لا تريد أن تتصرف'.

بالعودة لما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي من أرقام ومواعيد رحلات، يقول مرزوق إن القانون الدولي واضح جداً حول ذلك 'هو اتجار بالبشر، كل من يدعي أنه يقدم خدمة بنقل اللاجئين من تركيا إلى أوروبا، هو متورط في عمليات اتجار بالبشر، ثم إن تركيا مسؤولة بموجب ما تمنحه للسوريين على أراضيها من بطاقة تعريف 'الكمليك' عليها أن تحمي اللاجئين من أي ضرر يقع عليهم، ومن ضمن ذلك الهجرة غير الشرعية'.

مع دخول المنطقة فصل الشتاء، يقترب ما يسميه المهاجرون بـ 'موسم الهجرة' من الانتهاء، رحلات قليلة لا تزال تنطلق من تركيا باتجاه الجزر اليونانية، فيما يستعد آخرون لادخار المال، كي يبحروا في الصيف المقبل إلى أوروبا.

التعليقات