05/12/2015 - 14:14

من اليرموك إلى كفر سبت ليبحث عن شجرة الكينا

ترجل عمر من السيارة، وبدأ الركض نحو قريته. لم يستطع أن يمنع نفسه من الركض، يقول إنه طالماً تخيل أن جسده سيفعل ذلك يوم العودة إلى فلسطين، لن يكون من السهل انتظار الحافلة أو حتى الطائرة، علينا أن نركض باتجاه البلاد

من اليرموك إلى كفر سبت ليبحث عن شجرة الكينا

'في القدس القديمة لم أذكر أحداً إلا من كانوا محاصرين في مخيم اليرموك الذي خرجت منه، صرت متأكداً وأنا أتجول في فلسطين أن البلاد ليست الأرض أبداً، بل هي كل الفلسطينين في كل مكان في العالم' هكذا يصف يامن عمر الشاب الفلسطيني السوري جزءا من رحلته إلى فلسطين، سواء أراضي السلطة الفلسطينية أو أراضي 48

 

غادر يامن مخيم اليرموك المحاصر بجنوب دمشق، قبل أكثر من ثلاث سنوات، اتجه إلى الأردن وأقام في عمان، فيها وجهت له دعوة لمؤتمر خاص بفلسطيني الشتات أقيم في رام الله في شباط الماضي، لكن عمر، الذي كان يحتاج لتصريح خاص للمشاركة في المؤتمر، لم يصل إلى رام الله، تأخر التصريح ولم يصدر إلا بعد أشهر، في أيلول الماضي، صدر التصريح، وسمح له بالدخول إلى رام الله.

رام الله

يقول عمر لموقع عرب 48 إنه لم يكن يتوقع أن تسمح له سلطات الاحتلال بدخول الأراضي الفلسطينية، لذلك لم يجهز حتى متاعاً كافياً وهو يستعد للرحلة، لكنه دخل.

يقول: 'لتشديد الأكبر كان من الجانب الأردني، ما أن عبرت الحاجز الأردني، حتى كان دخول سهلاً نسبياً، كان جنود الاحتلال يبتسمون، لكن شعورا لا يفرقك بأنها ابتسامة سخرية منك، وأنهم قادرون على طردك فوراً من أرضك'.

بالنسبة لشاب من مخيم اليرموك، يرى عمر أن رام الله تشبه اليرموك في كثير من النقاط، أزقتها وناسها والحركة فيها، ذكرته بالمخيم: 'شارع ركب يشبه  شارع لوبية، محلات للملابس والأكل، وأناس يتمشون في الشارع حتى وقت متأخر من الليل، المواجهات مع قوات الاحتلال لا تبعد كثيراً عن مركز المدينة، تماماً كما كان شباب المخيم يعيشون يوماً عادياَ فيما على بعد أمتار منهم تندلع مواجهات مع قوات النظام، يفعل شباب رام الله الأمر نفسه، يكونون معك يشربون القهوة في قلب المدنية، قبل ان يتوجهوا لبيت إيل ليشتبكوا مع الاحتلال'.

سار عمر في رام الله وحده مع خريطة تدله على المدينة ومعالمها، يملك اليوم الكثير من الذكريات عن المدينة، التي أمضى فيها عدة أيام.

يقول: 'تشعر بأن كل الضفة هي سجن كبير من الممكن أن يغلقه الاحتلال في أي وقت، لكن الفلسطينيين دائماً يجدون الحلول، ويخترعون طرقاً جديدة للدخول والخروج'.

من رام الله اصطحب أصدقاء عمر، الشاب اللاجئ الذي عاد لوطنه، في عموم أراضي السلطة الفلسطينية، ذهب إلى بيت لحم، التي يصفها بأنها ساحرة ومتنوعة، وفيها كل الفلسطينيين من النقب وحتى الجليل، يقول عمر 'مررت على حاجز الكونتنير، هناك شاهدت للمرة الأولى جندي احتلال على هذا القرب، حيث مررت كأني سائح، فيما فتش الآخرون معي'.

بيت لحم

اندهش عمر بالبعد الفني والثقافي في بيت لحم، التي فيها الكثير من السياح، وفلسطينيون من كل البلاد. يقول 'هناك حراك رائع في المدينة، شعرت بأن الحراك الشبابي الفلسطيني والتواصل بينهم هو بديل سياسي عن كل الفصائل والمنظمات'.

في بيت لحم تمكن عمر من مشاهدة القدس، شعر وهو في بيت لحم، أن الدخول إلى فلسطين أراضي 48، وقريته كفر سبت في قضاء طبرياً، ليس أمراً مستحيلاً 'هو مجرد قرار بالنسبة لي، ليس بحراً اعبره وقد أموت، بل هو أبسط من ذلك لم تتركني الفكرة أبداً'.

يخفي عمر أسماء رفاقه الذي ساعدوه في الدخول إلى أراضي 48، ويصف لحظات دخوله الأولى إلى البلاد ' كنت مع صديقي في السيارة، نعبر الطريق، وكنا وسط نقاش عن علم النفس، حين قاطعني فجأة، وقال لي لقد دخلنا، أنت الآن في فلسطين التاريخية' يعجز عمر عن وصفه مشاعره في تلك اللحظة، ولا يجد الكلمات المناسبة لنقل ذلك.

أنا هنا

'كان الأمر مذهلاً، توجهنا مباشرة إلى حيفاً، كنت طوال الوقت مسكوناً بمن أعرفهم من حيفاً في مخيم اليرموك، في حيفا شعرت أني مرتاح للغاية، هي جميلة جداً، فيها استذكرت كل اصدقائي من آل موعد، وهم من سكان اليرموك وأصلهم من صفورية، من السهل أن تشاهد صفورية وأنت من حيفا'.

في حيفاً، يقول عمر، أن السكان يصرون على أنهم عرب، وليسوا إسرائيليين، اسماء المتاجر، وطريقة حديث الحيفاويين، تقول ذلك، رغم أنهم لا يدرسون اللغة العربية، لكن عمر لاحظ مدى تمسك السكان باللغة العربية، يعتبر أن السكان مقاومون بطريقتهم.

في حيفا اجتمع عمر مع عدد من الشبان، وغنوا في سهرة خاصة أغنية 'اشهد يا عالم علينا وع بيروت'. وفي الصباح اصطحبه رفاقه إلى موقف الحافلة التي كانت تتوجه من حيفاً حتى بيروت. لا زال الفلسطينيون في حيفاً يذكرون الحافلة ورحلاتها.

أركض إليها

اقترب عمر أكثر من قريته كفر سبت، وصل إلى الناصرة التي تبعد 20 دقيقة عن القرية، لكنه احتاج لثلاث ساعات من البحث كي يجدها، كان يذكر مشهداً من القرية، طالما راقبه في صورة نشرت في كتاب كي لا ننسى، في الصورة شجرة كينا كبيرة وبعض المنازل، كان يبحث عنها في الأفق، علها يستدل على ما تبقى من كفر سبت، في السيارة التي كانت يستقلها، بدأ يفقد الأمل، وبدأ الظلام يهبط، 'صديقي في السيارة لم يكن يريد لي أن أفقد الأمل. فجأة شاهد نبات الصبار الذي يدل على البيوت القديمة، وأنا شاهدت شجرة الكينا، عرفت أن تلك هي كفر سبت'.

ترجل عمر من السيارة، وبدأ الركض نحو قريته. لم يستطع أن يمنع نفسه من الركض، يقول إنه طالماً تخيل أن جسده سيفعل ذلك يوم العودة إلى فلسطين، لن يكون من السهل انتظار الحافلة أو حتى الطائرة، علينا أن نركض باتجاه البلاد، يقول عمر، الذي لم يستطع أن يجد منزل جده في القرية، لكنه كان أجمل مكان في العالم زاره وسيزوه في حياته.

عاد عمر إلى عمان، بعد أن مر بتجربة قل مثيلها بالنسبة لأي لاجئ فلسطيني في العالم، وفي سوريا تحديداً. وفي حين يكاد يصل عدد من وصلوا إلى أوروبا من فلسطيني سوريا إلى أكثر من 100 ألف، يرى عمر أنه لا يريد تلك البلاد البعيدة، ولا يهمه أبداً أن يتواجد إلا في بلدان عربية تشبه اليرموك، أو تذكره به.

 

التعليقات