رعب فتاة فلسطينية يسكتها شهورا

-

رعب فتاة فلسطينية يسكتها شهورا
كفاح زبون - بيت لحم المحتلة


لم تكن والدة الفتاة رائدة الشريف تعلم وهي ترقد إلى جانب زوجها في أحد مستشفيات القدس أن إبنتها رائدة تستغيث بها في محاولة أخيرة لإنقاذها من خوفها وهي تواجه كلاب الجيش الاسرائيلي الذي إقتحم منزلهم في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين شمال المدينة.

كما أنها لا تعلم حتى اليوم ما إذا كان وجودها في تلك الليلة من اليوم الأول للشهر الأخير في عام 2004 سيغير شيئا من حالة الفتاة التي لم تنطق ولم تتذكر أحدا من عائلتها إلا ما ندر من يومها ذلك.

لا تقول لنا إلا دموعا أمام مشهد إبنتها الصامتة والتي أدركنا أنها لا تدرك من نحن ولا ما يدور، وهم جميعا يحاولون أن يلفتوا إنتباهها إلى شيء ما.

ويروي عدي الشقيق الأصغر لرائده تفاصيل ليلة الخوف تلك التي بدأت عندما طرق أحد الدروع البشرية باب منزلهم في تمام الواحدة ليلا، ليقول لهم أن الجيش الإسرائيلي يطلب منهم الخروج من المنزل.

وما أن فتح الباب وخرج إلى الجيش حتى ابتدأ التحقيق معه حول مكان إبن عمه، الذي اعتقل لاحقا من مخيم آخر شرق المدينة، وانهال عليه الجنود بالضرب المبرح، كما قال، ليطلبوا منه بعد ذلك أن يذهب ليطفئ أضواء المنزل ويخرج مع كل من فيه.

وتقول سحر شقيقة رائدة أنهن كن ينظرن إلى الجيش بكثير من الخوف وينتظرن عودة عدي بكثير من القلق، وعندما عاد وطلب اليهم جميعا الخروج طمأنتهم رائدة بقولها:لا تخافوا سنخرج.

وتتابع سحر أن رائدة همت بالخروج وبدأت تسير لتفاجأ بأحد كلاب الجيش الإسرائيلي وجها لوجه فتصرخ مستغيثة لمرة واحدة وأخيرة " يمه "، وترتجف وتواصل سيرها إلى الخارج مع بقية إخوتها الخمسة لتشاهد عملية اقتحام الجيش لمنزلها ومنزل عمها بالقنابل الصوتية والتفجيرات التي يعتقد الأهل أنها زادت في تردي حالتها آنذاك.

ويستذكر عدي أنهم انتظروا لساعتين قبل أن ينهي الجيش الإسرائيلي عمليته دون أن يجد ما يبحث عنه ودون أن تنطق هي ولو بكلمة واحده ولو بعد حين.

ويؤكد أهلها جميعا أنهم يحاولون مع المتخصصين النفسيين منذ أكثر من ستة أشهر أن يحدثوها ويحثوها على التذكر بكافة الوسائل والطرق الممكنة دون أي تقدم يذكر.

ويبكي والدها كما أمها ويقول أنه يحاول أن يخرج معها بسيارته ويسألها عما تحب وما تكره وعن السفر والطعام والبيت والناس وعن ذاته دون أن تتذكره هو إلا قليلا ودون أن تجيب.

ويشرح لنا عن رحلته مع العلاج في ظل فقره وإمكاناته من مؤسسة إلى مؤسسة ويقول: لقد اعتقدوا في أحد المستشفيات أنها مجنونة وطلبوا أن يعالجوها بالمس الكهربائي لكني رفضت وما زلنا نحاول .. يبكي ويتساءل عما يمكن أن يقوله أمام إبنته الجميلة التي "كانت ما شاء الله" على حد تعبيره، وهي اليوم كما العصفور وقد فقدت من وزنها 30 كيلوغراما.

ينادي عليها ويذهب إليها ويحاول أن يحدثها لخمس دقائق دون أن ترد عليه ولو بالإيماء، فيستغفر ربه ويدمع من جديد. وتتدخل والدتها: أحيانا لا أستطيع أن أفسر شيئا لكنها قد تمسك ملعقة الطعام لساعة دون حركة، ولا تأكل إذا لم نطعمها، وهي تفقد اليوم القدرة على الإحساس، لا تشعر بالبرد ولا الحرارة ولا تستطيع حتى أن تذهب لقضاء حاجتها ... حاولنا إستفزازها أكثر من مرة دون جدوى، أشعر أحيانا أن دماغها يتوقف.

ويعقب د. توفيق سلمان أخصائي الأعصاب والدماغ في بيت لحم على ذلك بأن هذا الشعور صحيح ودقيق لأن الفتاة تعاني من تصدعات عقلية ( dissociative fuge) تؤدي إلى النسيان الكامل وهو ما يشبه "توهان العقل"، لذلك فإن المحيطين بها يشعرون أن دماغها قد توقف وهي حالة مرضية متقدمة وصعبة العلاج تصيب المرء نتيجة التعرض للعنف والصدمة النفسية، ويؤكد أنه أجرى للفتاة كافة الفحوص الطبية المطلوبة فلم يجد أي مرض أو إصابة عضوية وقد تحدث لنا عن علاج يطول.

ولا يخفي أهل رائدة قلقلهم البالغ كونها فتاة في مقتبل العمر وقد لا تعود إلى حالتها الطبيعية يوما، وهذا ما دفعهم بعد تردد إلى حسم أمرهم بالتوجه نحو القضاء لمقاضاة الإحتلال.

ويصف ناصر الريس عضو فرع لجنة الحقوق الإستشارية – جنيف والمستشار في مؤسسة الحق الفلسطينية الحادثة بجريمة حرب يحاسب عليها القانون إستنادا لأحكام؛ لائحة لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة 1949 وبروتوكول جنيف الأول عام 1977.

واعتبر الريس إستخدام الكلاب بهذه الطريقة ينم عن إستهانة بالكرامة الإنسانية بل وتعمد المس بها من قبل قوات الاحتلال، كما أنه مظهر من مظاهر الإرهاب المحظورة.

ويرى أنه بحسب المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة تندرج جميع الإنتهاكات السالفة ضمن نطاق المخالفات الجسيمة التي تتكون من "القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة، والحجز غير المشروع، وأخذ الرهائن بطريقة غير مشروعة وتعسفية".

ويشدد أنه وبالرجوع لأحكام ومبادىء قواعد القانون الدولي العام ولأحكام القانون الدولي الإنساني الخاصة بحالة الاحتلال الحربي، تعطي إتفاقية جنيف الحق بملاحقة الآمرين بارتكاب هذه الجرائم ومرتكبيها ومساءلتهم كمجرمي حرب أمام محاكمها الوطنية.

ولهذا يمكن للفتاة الضحية أو ممثلها القانوني رفع القضية أمام محاكم الدول الأطراف باتفاقية جنيف الرابعة ولا يعتقد الريس أن إسرائيل ستعترف بجريمتها تلك لكنه يطالب بتفعيل القضية بهدف فضح الممارسات والظلم، وهو، إلى جانب آخرين، لا زالوا متشككين ما إذا كان منطق الحق قد يغلب القوة!



التعليقات