مخيم جنين قضية شعب..

مخيم جنين قضية شعب..
لم يكن في بال احد أن يكون مخيم جنين أسطورة لذلك الجيش الذي لا يقهر كما انه لم يكن في بال أهل المخيم أنفسهم أنهم سيعيشوا مأساة الترحيل والتهجير منه مرة أخرى بعد أن ذاقوا طعمها في عامي 1948 و 1967. ومع ذلك فان مخيم جنين كان وما زال الشوكة العالقة في حلق الاحتلال منذ القدم فسكانه والبالغ عددهم أكثر من ثلاثة عشر ألف نسمة يعيشون على بقعة اقل من الدونم وهم أصلا من الذين رحلوا عن بلداتهم وقراهم وخاصة من منطقة حيفا وقراها حيث أن أغلبية سكانه ينحدرون من قرى نورس وزرعين والمزار وأم الفحم واجزم وصفورية وعين حوض وعين غزال والمنسي وجميعهم يجمعهم الأمل في العودة إلى قراهم وبلداتهم الذين يحملون في طياتهم مفاتيح منازلهم وأوراق أرضهم رغم مرور أكثر من خمسين عاما على الهجرة القسرية لهم عنها ومع ذلك اخذوا يأقلمون أنفسهم على وضعهم الجديد لحين تغير الأوضاع ومع مرور الأيام كان أهل المخيم يرفضون واقعهم فكانوا من أول المواقع التي شاركت في الانتفاضتين الأولى والثانية فرحوا لقيام السلطة الوطنية الفلسطينية وكانوا أول الثائرين ضد الاحتلال ردا على زيارة شارون للأقصى ولكن ومع مرور الأيام والأشهر اعتبرت قوات الاحتلال مخيم جنين هدفا لعملياتها بحجة انه " عش دبابير " كما تدعي ووصل بهم الأمر إلى حد محاولة اجتياحه أكثر من مرة وفي كل مرة كان جيش الاحتلال يجد أهل المخيم له في المرصاد يتصدون لجنوده معلنين دائما وأبدا أن مخيم جنين سيبقى عصيا أمام جيش الاحتلال إلى أن قررت حكومة الاحتلال اليمينية برئاسة البلدوزر "شارون" احتلال الضفة الغربية بالكامل ومن اجل تنفيذ مخططاتها حشدت مئات من دباباتها والياتها المدرعة في أوسع عملية احتلال لها للضفة الغربية أطلقت عليها اسم "السور الواقي" والهدف منها القضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية وبدأت عملية الاحتلال في رام الله ردا على مبادرة السلام العربية التي أطلقها الأمير عبدالله بن عبد العزيز باسم المملكة العربية السعودية في مؤتمر القمة العربية الذي انعقد في بيروت قبل يومين من بدا احتلال الضفة الغربية فتلتها بيت لحم فطولكرم وقلقيلية وأبقت قوات الاحتلال نابلس وجنين إلى أن جاءت ليلة الثالث من نيسان حيث استشعر كافة أبناء محافظة جنين أن هدف الاحتلال كان المخيم فاخذوا يعدون العدة لمواجهة دبابات الاحتلال خاصة ما شاهدوه من أعمال بشعة لجيش الاحتلال في المحافظات المختلفة والفساد الذي عاثوه بين أهلها ولذلك اقسموا جميعا من أهالي ومقاتلي الفصائل بالتصدي لجيش الاحتلال حتى الطلقة الأخيرة فالنصر أو الشهادة.

في الساعات الأولى من ليل الثالث من نيسان انهارت شبكة الاتصالات الخلوية في منطقة جنين من وطأة تزاحم المكالمات التي كانت تنقل أخبار وصول تعزيزات مدرعة ضخمة وقوات من المشاة الإسرائيلية وعن مدى تقدمها من عدة اتجاهات صوب مدينة جنين ومخيمها ولم يتوقف الاستطلاعيون المنتشرون في قرى المنطقة عن محاولتهم الاتصال بالقيادات والناشطين داخل جنين ومخيمها لإبلاغهم عن حجم هذه القوات وكانت تلك الليلة ليلة ماطرة وشبه عاصفة غير أن أمر وصول هذه التعزيزات الضخمة لم يكن مفاجئة لأحد أو انه غير متوقع بل العكس فقد كان المقاتلون والناس باجمعهم على يقين من أن دور جنين ومخيمها قادم لا محالة خصوصا بعد إعلان حكومة شارون رفضها المطالب الدولية الداعية إلى سحب قواتها وبالسرعة الممكنة وتأكيدها عزمها مواصلة عدوانها في إطار ما أطلقت عليها اسم عملية " السور الواقي ". وهكذا فقد جاء دور جنين ومخيمها في تلك الليلة الحالكة الظلمة واخذ الناس يستعدون بعد أن راح هدير محركات الدبابات وناقلات الجند المدرعة وضجيج جنازيرها يقترب شيئا فشيئا".

معركة الدفاع عن المخيم

بعد غروب شمس يوم الثاني من ابريل تلك الشمس التي كانت تختفي طويلا في نهار ذلك اليوم الماطر لتطل بإشعاعاتها المنكسرة والرجراجة من وراء غيوم داكنة لم يكن بالامكان مشاهدة احد في شوارع أسواق المدينة التي ما زال الدمار باديا على واجهات المحال التجارية فيها وأرصفتها وشوارعها جراء اجتياح آخر شهر شباط وما سبق ذلك من اغارات سريعة وقصف سوى بعض الشبان المسلحين وهم يسيرون بمجموعات صغيرة محاولين اتقاء المطر المنهمر تحت مظلات المحال التجارية كان هؤلاء الشبان الذي بدأ على وجه كل واحد منهم القلق والعزيمة في آن واحد يحاولون إخفاء بنادقهم الرشاشة تحت معاطفهم الجلدية خشية من الابتلال. ومع اشتداد هطول المطر كانت عقارب الساعة تتحرك بتثاقل وكان الزمن يحتج على الاستمرار ويرفض أن يكون الشاهد على ما هو قادم من مأساة جديدة لناس ما زالوا يعيشون مأساة طال أمدها وعمرها.

اقترب صوت هدير جنازير ومحركات الدبابات وناقلات الجند الذي اخذ يطغى على كل صوت آخر وسط المدينة البعيد عن أطرافها التي وصلت إليها هذه الدبابات.

لم تنصرم سوى بضع دقائق حتى علا صوت ينم عن إرادة وحزم وتصميم من مكبر صوت جامع المخيم يدعوا المقاتلين والأهالي الاستعداد لخوض معركة الحق والشرف والكرامة. ورغم برودة الجو شبه العاصف وصوت هدير الدبابات المنفر فقد كانت حرارة روح التحفز تلك الليلة عند أولئك الشبان المصرون على القتال تعطي تلك الليلة معنى خاصا في حياة كل واحد من أهل جنين والمخيم لكنها كانت ليلة كثر فيها القلق والهم والأسئلة حول مقدرة المدينة والمخيم على الصمود هذه المرة في وجه هذا الهجوم الكاسح الذي بدا مختلفا عن سابقاته والذي بدأ قبل أيام على المدن الفلسطينية الأخرى.

وكان السؤال المركزي المطروح هل ستصمد المدينة ومخيمها وإذا حصل ذلك فكم سيستمر هذا الصمود يوم، يومين، ثلاثة. وماذا سيحصل بعد ذلك؟ هل سينتقم الإسرائيليون ممن أسموهم ب "عش الدبابير" وهل ستتغلب القوة والجبروت والظلم على الإرادة والحق وهل إن الغلبة لطرف على طرف آخر تحدد المنتصر بالمعركة أم أن هناك مقاييس مختلفة في النظر إلى النصر والهزيمة؟؟؟؟

وما هي التطورات التي قد تنشأ أثناء المعركة؟ هل من الممكن أن يتحرك العالم ويخلع عن نفسه صفة المتفرج بعد ستة أيام من العدوان الإسرائيلي وعلى خلفية الافتراض أن مجزرة قد تحدث داخل المخيم؟

أسئلة كثيرة وكثيرة كانت تراود كل من يضع يده على قلبه ويسيطر عليه الخوف على مصير عدد من المقاتلين الأبطال الذين صمموا خوض "عاشورائهم" ليبدعوا "حطينهم" و"عين جالوتهم" على ارض مخيم لم يبارحه أهله ورفضوا الخروج من بيوتهم إلى بيوت أكثر أمنا في جنين لا تبعد عنهم سوى اجتياز عشرة أمتار فقد عاهد هؤلاء بعضهم بعضا أن لا خروج من المخيم إلا إلى زرعين ونورس والمنسي وأنهم لن يسجلوا على أنفسهم تشردا آخر حتى لو كان بالإكراه والقسر والإرهاب لقد رفعوا شعارهم أن لا للجوء مرة ثانية حتى لو كان هذا إلى بيت ابن يسكن خارج المخيم فقد كفاهم تشردا ويكفيهم الأمل بالعودة وليس الأمل المجرد القائم على الرغبة الخالصة وتحول الأمل إلى حقيقة يأتي فقط في تحقيقه بالنضال وليس بالتمني بالقتال وليس بالخضوع للتهديد.

فمنذ عشرين عاما لم يعرف تاريخ النضال الوطني لشعبنا معركة بطولية كالمعركة التي خاضها المقاتلون في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس - وأعادت هذه المعركة مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس- وأعادت هذه المعركة الأسطورة إلى أبناء شعبنا وامتنا العربية المجيدة الشعور بالثقة والعزة وكان لها التأثيرات المعنوية والسياسية على واقع نضالنا.

هذه المعركة لم تكن في الواقع وليدة الهام لحظي أو آني أو نتاج حظ وافر وإنما كانت محصلة تراكم لعملية نضالية طويلة تولد عنها نشوء سيكولوجيا استثنائية خاصة بالمخيم وكانت السيكولوجيا تنطوي على كل عوامل الصمود وروح المقاومة.

ووصفت الصحافة المحلية والعربية مقاومة المدافعين عن جنين ومخيمها في تصديهم للاجتياح الأول الذي تعرضت له جنين أنها أشبه ما تكون بمقاومة المدافعين عن ستالينغراد وكانت هذه الصحافة وكأنها تتنبأ بما هو قادم فقد كانت معركة العشرة أيام دفاعا عن المخيم بمثابة الأسطورة التي فاقت أي تصور وتشبيه بالمقاييس النسبية.

ففي مخيم جنين انعكست الآية فبدلا من أن يصنع التاريخ الأساطير قامت الأسطورة بصناعة التاريخ وحيث انه لا يختلف اثنان على أن صناعة التاريخ هي من اختصاص الشعوب وكما انه لا ينكر احد على أن للأفراد شأن ودور في هذه الصناعة لكن لكل فرد الرد بمفرده والقادر على صناعة تاريخ أو له دور في صناعته يتميز بمواصفات ومناقب وخصال وطاقات استثنائية لا تتوفر عند كل بني البشر. أما صناعة التاريخ في مخيم جنين فلها وجهان وجه جماعي ووجه فردي فأهل المخيم بالتلاحم مع المقاومين صنعوا تاريخا ومجدا كما أن كل فرد في هذا المخيم كان يصنع تاريخا بيده.

صنع المدافعون عن المخيم وأهالي المخيم الملحمة الوطنية التي اعتزت فيها كل أرجاء فلسطين والعالم الحر. فمخيم جنين صمد عشرة أيام بإمكانياته المتواضعة أمام أكثر من ثلاثماية دبابة احتلالية ومئات الجنود المدججين بالسلاح إضافة إلى طائرات المساندة التي لم تكف عن إطلاق صواريخها باتجاه كل جسم متحرك داخل المخيم. وبعد عجز قوات الاحتلال من اقتحام مخيم جنين لأكثر من مرة في أكثر من يوم واستبدال وحدات جيش الاحتلال مرتين تضاعف العدوان الاحتلالي الوحشي على المخيم رغم الصمود الأسطوري الملحمي أمام كل آليات الاحتلال اتخذ جيش الاحتلال القرار بهدم المخيم على من فيه ومن اجل ذلك استقدم جرافات ضخمة جدا سوت أبنية المخيم بالأرض على جميع ما فيها من بشر وأثاث دون أية اعتبارات إنسانية أي كانت ورغم ذلك استمر سكان المخيم والمدافعين عنه حتى النهاية يدافعون عن مخيمهم وكرامتهم وكرامة الأمة العربية كاملة في زمن غيبت الجماهير العربية عن محيطها واندثرت الكرامة العربية إلى لا رجعة. فقد قدم أهل المخيم حوالي "70" شهيدا كما تم هدم "445" منزلا في معركة المخيم على جميع ساكنيهم أضف إلى ذلك تشريد خمسة آلاف مواطن في مرحلة لجوء وتشريد جديدة لعدد من القرى المحيطة بالمخيم كقرى كفردان ورمانة وزبوبا والسيلة الحارثية واليامون وبرقين وعملت قوات الاحتلال الدمار والخراب في عدد من أحياء المخيم إضافة إلى تدمير كافة نواحي البنية التحتية من كهرباء وماء وأرصفة شبه لمن رآه بان زلزال قد ضرب المخيم وأحدث هذا الدمار الهائل والشهادات الحية كثيرة عن عنجهية الاحتلال ومحاولته كسر الإرادة الفلسطينية وتحطيم المعنويات لدى الجميع.

كان الناس في جنين يعيشون على أعصابهم قلقين ومتوترين لم يعرفوا الراحة ولا السكينة كيف لهم هذا وهاجس القلق يسيطر عليهم فهم لا يدرون ما يحصل لإخوانهم داخل المخيم لا يعرفون شيئا سوى ما يسمعونه من أصوات انفجارات وقصف ولعلعة رصاص متواصلة مرت ثلاثة أيام وكأنها الدهر بأكمله في اليوم الرابع من القتال وبينما كانت الساعة وقت ظهر شاهد بعض الناس القاطنين بمتاخمة المخيم نساء وأطفال وشيوخ يسيرون بمجموعات كبيرة على غير هدى وقد أعياهم الخوف والتعب والجوع. نسوة تحتضن أطفالها تتأرجح بسيرها وشيوخ يتكئون على أكتاف بناتهم ونسوتهم وأطفال أرعبهم الموقف أدركوا ضرورة التخلي عن لعبهم وشقاوتهم وساروا وراء أمهاتهم كالكبار لا يلوذون هنا وهناك.

اخذ الطابور الطويل بالاقتراب من مقر المقاطعة في وقت كانت أصوات الانفجارات تدوي في كل مكان اتجه الطابور شمالا على الطريق العسكري القديم أطلت النسوة من نوافذ البيوت المطلة على الشارع منتحبة ومولولة وباكية داعية المرهقين والمتعبين للدخول إلى بيوتها البعض استجاب والآخرين استمروا في السير حتى وصلوا مبنى جمعية جنين الخيرية واندفع الناس من بيوتهم غير مبالين بطائرات الهليوكوبتر التي كانت تقصف بلا انقطاع أحياء المخيم والبلدة القديمة من جنين ليعانقوا هؤلاء الناس ويحتضنوا الأطفال ويأخذوا الرضع من أمهاتهم المتعبات ويدخلوهم إلى ساحة الجمعية والى بيوتهم.

انطلق الأطفال القاطنين حول الجمعية لجمع كل ما يمكن جمعه من البيوت المحيطة لإغاثة وعون هؤلاء الناس المنكوبين غير انه رغم التعب والإرهاق والخروج للتو من ساحة معركة ضروس. لم تبك تلك النسوة المتعبات على حالهن الجديد ولم يحسبن ماذا سيحل ببيوتهن فقد كان جل اهتمامهن وقلقهن ينصب حول تطورات المعركة وسلامة المدافعين عن المخيم لقد تمتعت هؤلاء النسوة والأطفال وأولئك الشيوخ بمعنويات عالية أوحت بما كان يجري من بطولة في هذا المخيم.

رئيس لجنة بلدية جنين وليد أبو مويس قال قد يكون القدر الذي قادني لأكون واحدا من أوائل الذين قدر لهم أن يصلوا إلى ارض معركة مخيم جنين الخالدة، كان ذلك يوم 15/4/2003م. حيث تمكنت من الوصول إلى هناك برفقة طواقم الصليب الأحمر الدولي ولقد هالني ما رأيت جثثا معلقة، رجال ونساء، مسنون قتلوا بدم بارد دمار من كل ناحية وصوب أناس عطشى بانتظار نقطة ماء فكل زاوية وكل حجر وكل وجه في مخيم جنين كان شاهدا حيا على همجيتهم وعنصريتهم وجنونهم وكان شاهدا حيا إن على هذه الأرض أناس جبلت دمهم بها وأنهم منزرعون فيها كحجارتها وأشجارها وترابها. عن ذلك كتب الكثيرون وها أنا يقدر لي أيضا أن أكون رئيسا لبلدية المدينة الباسلة المفخرة ومخيمها البطل العظيم وان أقدم لكتاب عنها عن أبطال أعظم من الكلمات. وتماما كما صانعي هذه الملحمة البطولية والصمود كانت قطرات الدم العظيمة لأبطال المعركة الخالدة على ارض مخيم جنين تفيض بدروس للتاريخ عن حتمية انتصارنا واندحار أعداء هذا الشعب العظيم.

أما الطواقم الطبية والمستشفيات فلم تسلم هي الأخرى من هذا العدوان الغاشم حيث أكد د. محمد أبو غالي مدير مستشفى د. خليل سليمان الحكومي في جنين والذي لا يبعد سوى أمتار معدودة عن مدخل المخيم ففي أول أيام العدوان تعرض المستشفى لإطلاق قذائف من قبل الجيش الإسرائيلي وهو ما ترك أثارا سلبية على العمل داخل المشفى حيث تعطلت بذلك شبكة الهاتف والمياه والغازات الطبية والطبيعية إضافة إلى ذلك فان جميع الأطقم الطبية كانت تمنع من الدخول إلى المخيم إضافة إلى اعتقال عدد من هذه الأطقم ونقلهم إلى معسكر سالم الاحتلالي ويتابع د. أبو غالي بقوله: في 8/4/2002 توصلنا إلى اتفاق مع قيادة الجيش الإسرائيلي سمح بموجبه لسيارات الإسعاف التابعة لنا بالتحرك لإحضار الجرحى من المخيم بشروط تعجيزية قبلناها على مضض فبدأنا بإسعاف الجرحى صباح 9/4/2002 حتى الساعة الحادية عشرة ليلا وطيلة اليوم تمكنا من إحضار ثلاثة جرحى على بعد مئة متر من المستشفى إلا أن الجنود قاموا باعتقال اثنين منهم رغم خطورة حالتيهما وفي اليوم التالي توجهنا ومندوبون عن الصليب الأحمر للتباحث مع الاسرائيلين فطلبوا التريث لمواجهتهم مشكلة معينة وعدنا في اليوم التالي ونفس النتيجة. وواصل د. أبو غالي حيث قال في 11/4/2002 كنت قد استقبلت في مكتبي هذا وفدا من الصليب الأحمر والأمم المتحدة وإذا بعيارات نارية تخترق زجاج النوافذ ولم يسمح لنا بدخول المخيم ثانية إلا في 14/4/2002 عقب قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية لكنهم عادوا واعتمدوا المماطلة فدعونا إلى إخلاء الجثث بعد أن خيم الليل فاضطررنا إلى تأجيل ذلك إلى صباح الغد وبالفعل دخلنا المخيم في صباح 15/4/2002 وجمعنا سبع جثث كانت ملقاة في شوارعه ولم نتمكن من انتشال ست أخرى لأسباب تقنية وقد تمكنا من تصوير كافة الجثث التي أخليناها من ارض المخيم عدا جثة أبو جندل حيث منعني ضابط الارتباط الاحتلالي وفي اليوم التالي سمح لنا بالعودة إلى المخيم من الساعة الثالثة إلى الخامسة مساءا فقط وعندها اخذوا يطلقون النار فوق رؤوسنا إيذانا بانتهاء المدة التي تكرموا بها علينا.

إيهاب عيادة والذي يعمل ضابط سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر كان امتثل في مكان عمله لأداء واجبه الإنساني منذ اليوم الأول. " مع بدء الاجتياح يوم 3/4/2002 تحركنا بسيارة إسعاف برفقة الزميلين ساهر بشارات وعبد السلام جرار وقد أخرجنا 25 جريحا من زقاقات وبيوت المخيم وفي اليومين الأول والثاني انتشلنا 13 شهيدا فيما لم نتمكن من جمع جثامين أخرى بسبب إطلاق النار وآخر جثمانين انتشلناهما كانا للشهيدين طارق درويش وربيع جلامنه. أوصلنا الجثامين إلى المستشفى الحكومي في جنين ثم عدنا لإنقاذ جريح ابلغنا عنه بالقرب من مدرسة الوكالة وفي الطريق كان الناس في المخيم يرشدوننا عبر الهواتف الجوالة ولكن عندما وصلنا للموقع وجدنا الجريح ميتا وهو الشاب نضال أبو الهيجا وما أن وصلنا حتى جاء شابان هم احدهما لأخذ البندقية الملقاة بجانب الشهيد فأصيب برصاصة قناص وتبين لاحقا انه ربيع جلامنة. حاولنا إسعافه لكنه توفي بين أيدينا فعدنا للمستشفى وبعد دقائق ابلغنا عن جرحى بحالة خطرة وهما أم مروان وشاحي وابنها منير وجارهما جمعه أبو خليفة فتوجهنا للمخيم ثانية وما كدنا نبلغ المكان المطلوب بجانب مدرسة الزهراء حتى أخذت دبابة بإطلاق النار على سيارة الإسعاف وأفشلت مهمتنا واضطررنا للعودة إلى المستشفى وهناك أطلق الجنود النيران علينا فتركنا سيارة الإسعاف هاربين إلى داخل غرفة الطوارىء واحتجزنا داخل المستشفى طيلة يومين.
وعما حصل في 8/4/2002 أضاف إيهاب بعد اتصالات ومداولات مضنية سمحوا بدخول طاقم إسعاف إلى المخيم وفور وصولنا حي الزهراء قبالة المدرسة أخذت دبابة تطلق النار نحونا ولما أنزلونا من السيارة أمرونا بخلع ملابسنا أنا وزميلي اشرف أبو قنديل والانضمام إلى مئات الرجال الذين اجبروا على الانبطاح أرضا وهم شبه عراة ومحاطون بالنساء والأطفال في حالة يرثى لها وهناك ابلغنا الأهالي عن وجود ثلاثة جرحى بحالة خطيرة احدهم قطعت ساقه والثاني يده فيما أصيب الثالث بشظايا في وجهه وبعد ساعة من المداولات سمحوا لنا بارتداء ملابسنا وتقديم المساعدة للجرحى لكنهم الزمونا بالبقاء تحت الشمس فوقفنا فوق الجرحى لتظليلهم مدة ساعة ونصف وهم ينزفون حتى نقلنا الجريح الأول فقط وقد تحركنا من هناك قرابة الساعة الثانية بعد الظهر وبسبب المماطلة والتفتيش لم نتمكن من وصول المستشفى إلا عند الساعة السادسة أما الجريحان الآخران فقاموا هم بنقلهم إلى داخل الخط الأخضر وغداة ذلك اليوم وعندما عدنا إلى المخيم بعد مداولات طويلة اجبروا زميلي على القيام بخلع ملابس المعتقلين في حي الزهراء وعندها احتججت أمام احد الضباط على ذلك ودعوته إلى احترام مهمة الإسعاف التي جئنا من اجلها وعندها أطلقوا سراحنا ولم يسمح لنا بالعودة للمخيم.

سعيد حمدان في شهادته على الجريمة الاحتلالية يقول: عند المساء من يوم الثلاثاء الموافق 2/4/2002 بدأت الدبابات الإسرائيلية تبلغ محيط المخيم لكنهم بداوا يصلون أطرافه بعد يومين وفي مساء الخمس أصاب صاروخ بيت جارنا عبدالله أبو سرية وبفعل الانفجار طارت نوافذ بيتنا وبيت أخي حسن الذي تواجدنا فيه وعندها انتقلنا إلى بيت جمال فارس حيث انضمت إلينا اسر سلمان الشلبي وأبو ناصر الحوراني وأبو علي عويس 53 نفرا أصغرنا يبلغ سنة ونصف وأكبرنا 65 عاما. انقضت علينا الليلة دون أن يغمض لي جفن ويوم السبت 6/4/2002 اقتحم الجنود البيت فعزلوا الرجال عن النساء واقتادونا إلى بيت رضا الفارس الملاصق فأوثقوا أيادينا بالأصفاد أما أنا فأمروني بالمشي أمامهم درعا بشريا لدخول البيوت المجاورة ولم يتكلم الجنود فيما بينهم إنما بالإشارة وخلال ذلك شاهدت الجندي يؤشر للضابط بالبندقية نحو بيتي ثم أشار بإصبعه نحو أذنه ليقول لي بالإشارة "اسمع" وما هي لحظة واحدة حتى سمعت الانفجار وتطاير البيت إلى كل الجهات وكاد عقلي يطير لكنني بلعت غضبي مضطرا ثم أعادوني في نهاية اليوم إلى حيثما كنت. وروى سعيد أيضا أن الشاب محمد أبو سرية 28 عاما قد عاد بعد اعتقاله إلى المجتمعين في بيت جمال فارس فقال اعتقلوني طيلة ثلاثة أيام داخل حمام في بيت أبو خرج سوية مع كلب وكان الجنود يحضرون إليه الالتقاط صورة معه واحدا تلو الآخر وهم يصوبون مسدسا نحو رأسه. واختتم سعيد ورايته بدمعة ساخنة وهو يروي كيف قام بدفن جثمان اعز أصدقائه نضال اغبارية ويتابع وجدنا نضال مدفونا بين الردم فأخذت احفر بأصابعي حتى كشفت جثمانه وكان سالما والحمد لله جسده ابيض عدا رأسه المصاب بالرصاص. كفكف سعيد دموعه وهو يقول والله لو فقدت كل الدنيا وبقي نضال لهان كل شيء علي.

وللطفولة أيضا نصيب من الاحتلال فسعد البالغ من العمر الحادية عشر لم ينج من نيران العدوان على المخيم بالرغم من انتهاء القصف إذ أصيب في كافة أنحاء جسمه جراء انفجار لغم من مخلفات قوات الاحتلال بالقرب من بيته يوم الأحد 21/4/2002 ذلك الانفجار أودى بحياة صديقه الطفل أسد إبراهيم عرسان 8 سنوات بعد يومين من الإصابة ولا زال سعد عاجزا عن الكلام منذ أن فجع بنبأ وفاة صديقه وجاره وقد فشلت كل محاولاتنا لاستنطاقه ولو بكلمة واحدة فقام والده بإفادتنا بما جرى فقال :" في يوم الأحد دوى صوت انفجار شديد فأسرعت مهرولا لأجد الطفلين ملقيين على الأرض ينزفان ويتأوهان وجعا فنقلناهما بسيارة الإسعاف إلى المستشفى وبعد يومين توفي أسد الذي جاءت إصابته بالغة وأدت إلى بتر ساقه ويده أما ابني فكما ترى أصيب بالخدوش والجراح بكل أعضاء جسمه وبترت كفة رجله اليسرى جراء العبوة التي أكد لي الأطباء بأنها إسرائيلية الصنع والتي انفجرت بعد أن داستها رجل المرحوم أسد". وعن أسد قال جاره والد سعد " كان طفلا وسيما خفيف الظل ورغم البؤس والحرمان إلا أن طموحاته كانت كبيرة أما أمه فحافظت عليه طيلة الاجتياح بحبات عينيها حتى انسحب الغزاة فخرج كسائر الأطفال ليلعب في أزقة المخيم فحصل ما حصل.

ومن جانبها فقد ذكرت المواطنة هند عويس "50" عاما ما تعرضت له والعائلة أثناء اقتحام قوات الاحتلال لمنزلهم فقالت لم ابرح المخيم منذ أن دخلوه فجر الأربعاء وسيطروا على حي الساحة الذي يقع فيه بيتنا. لقد دخلوا بيتنا بعد أن اقتحمه عدد كبير من الجنود المسلحين في تلك الساعة كنت وأطفالي وبناتي وأبنائي 14 نفرا. بداية استيقظنا على دوي انفجار وتبين لاحقا أنهم حطموا قفل بوابة البيت بواسطته وفور اقتحامهم له أمروني بالعربية وبلكنة خواجات اطلع من البيت كلكم بطلع من هون ولما كان زوجي المقعد خارج البيت توجهت إليهم وأبلغتهم أننا غير مستعدين لمغادرته كي لا نصاب بقذائف الطائرات والدبابات التي سمعنا دويها في الخارج لكنهم واصلوا صراخهم علينا ثم قام احدهم بانتزاع حفيدي (ابن ابنتي) ابن السنتين من أمه وصوب مسدسا نحو رأسه مهددا إذا لا تخرجي بطخ الولد وعندها اندفعت إليه بشكل تلقائي لأخلص الولد منه فضربني بعقب المسدس برأسي وقد امتزج صراخ الجنود ببكاء الأطفال الذين أصابهم الفزع فبكوا بصوت عال وسوية ومنهم من بحث عن الأمن بالهرب إلى تحت الأسرة وعندما دفعنا الجنود خرجنا عنوة وكنا نسمع احدهم يصرخ برة ... برة. وتكمل المواطنة عويس حديثها عن بيتها الذي بدا وكان ديناصورا قد أطبق فكيه عليه فنهش نصفه فيما سلم نصفه الآخر وتقول وبعد خمسة أيام لاحظت أن الدخان يتصاعد من إحدى غرف بيتي فخرجت من بيت جيراني وهممت بدخوله وأنا اصرخ نحوهم لكنهم زجروني وقالوا بالعبرية شيكت ... شيكت. وغداة ذلك تركوا البيت بعد أن هدموه بالتفجيرات بالرغم من عدم وجود أية مقاومة طبعا فزوجي كما ذكرت إنسان مقعد وكان خارج المخيم.

أما المواطن عبد الفتاح موسى فيتذكر فترة الاجتياح ويقول مع بدء الاجتياح لازمت الطابق الأول من بيتي وزوجتي وأولادي الستة وأمي المقعدة إضافة إلى أبناء جيراني وأولاد أختي فكنا 22 نفرا وفي اليوم الثالث للاجتياح وعند الساعة السادسة صباحا دمرت خمسة صواريخ الطابق الثاني من بيتي فانتشرت حالة من الرعب والفزع لدينا خاصة لدى الأطفال الذين كاد بعضهم أن يصاب بالصرع بعد أن استيقظوا من نومهم على دوي انفجارات هائلة وعندها حملنا الأولاد وهربنا إلى بيت جارنا أبو غازي البشر لكننا تركناه باليوم ذاته لاكتظاظ الناس فيه. ويواصل موسى روايته انتقلنا إلى بيت زوج أختي خالد شحادة في الحي ذاته ولم نصمد هناك سوى ثلاث ساعات لعدم توفر الماء أو الطعام للأولاد فلم نجد الماء للشرب أو لإعداد الحليب للأطفال ولذلك ورغم مخاطر القصف والانفجارات خارج البيوت انتقلنا إلى بيت السيد نصر الله محاجنة في ذات اليوم وكنا نحو 60 شخصا فبقينا فيه ثلاثة أيام حتى قدم الجنود إلينا واعتقلوني سوية مع أولاد السيد نصر الله الأربعة. وفور اعتقالنا اجبرونا على خلع ثيابنا وأمرونا بالذهاب إلى الساحة أما النساء والأطفال فأمروهم بالتوجه إلى مقر الهلال الأحمر وفي معسكر سالم بقينا أربعة أيام رهن الاعتقال والضرب والتنكيل.

أما المتطوعة الأمريكية والناشطة في مجال حقوق الإنسان تشيفس مور فتقول في شهادتها عن الدمار في المخيم بالقول فور دخولي إلى المخيم شاهدت بيوتا خاوية ومدمرة تنبعث منها رائحة الموت والخراب والشوارع تخلو من الناس عدا الجثث المنتشرة هنا وهناك فبدا المخيم مدينة أشباح فعلا وفي أول يومين شاهدت أربعة عشر جثة وقد تطاير الذباب من فوقها وبعضها بدت محروقة إلى درجة أنني لم اتاكد ما إذا كانت جثة رجل أو امرأة كما شاهدت أشلاء جثة طحنتها دبابة وفي الحي ذاته شاهدت ساق امرأة لا زالت تنتعل حذاء نسويا وعلى بعد عشرة أمتار منها ساق أخرى ملقاة على الأرض وفيها الشق الثاني من الحذاء نفسه كذلك شاهدت أشلاء من جثة طفل وكتلة لحم بشري وأشلاء يد وأصابع. لكنني لم احصر عدد الجثث داخل البيوت والشوارع لكن اقدرها بالعشرات ما كان يهمني وقتئذ البحث عن الأحياء والمحتاجين للمساعدة فكنت احمل الماء والدواء والغذاء من مركز لجنة الإغاثة . ألف بين الأحياء والمحتاجين للمساعدة لأعود وأنام في الليل داخل مقر جمعية اتحاد لجان الإغاثة حيث تجمع هناك نحو 500 شخص وفي كل ليلة كان الفلسطينيون يصرون على إعطائي فرشة للنوم فيما كنت اطلب أن أنام على غطاء عادي كسائر اللاجئين.

هذه لمحة بسيطة جدا على لسان بعض أهالي المخيم أو زائريه تؤكد الملحمة البطولية التي قادها أهالي المخيم الآمنين العزل مع عدد من المدافعين من فصائل المقاومة الفلسطينية الذين اقسموا اليمين للدفاع عن المخيم تحت كل الظروف وهو ما دعا جيش الاحتلال لشن حرب ابادة على كل ما هو موجود داخل المخيم فسوى المنازل على من فيها بالأرض ليحاول رفع معنويات جنوده المنهارة ورغم كل ذلك بقي المخيم صامدا أمام كل هذه الهجمة الشرسة يقص لزائريه بلسان ساكنيه مأساة الشعب الفلسطيني منذ اللجوء الأول إلى المجزرة البشعة التي تعرض لها أهله من قبل جنود الاحتلال والمأساة الإنسانية الكارثية التي عاشها وما زال يعاني من آثارها وهي صورة مصغرة من مأساة كبيرة يعيشها الشعب الفلسطيني بكامله إن كان في الوطن أو الشتات تتناقلها الأجيال المتعاقبة بصدق وأمانة ومرارة وحسرة للذي تعرضوا له وما زالوا من قبل جيش الاحتلال.
عاش مخيم جنين فترة عصيبة تبقى محفورة في ذاكرة أهله طوال الأوقات ولكنه يتذكره كل ما اقترب به الزمن من نهاية آذار وبداية نيسان من كل عام حيث تفاصيل مجزرة تقشعر لها الأبدان وكلما التقي أهالي المخيم كلما كانت حكايات جديدة ومتجددة حول هذه المجزرة.

سعيد حمدان من أبناء المخيم وممن عاشوا فترة الاجتياح الكبير يروي بعضا من تفاصيلها كما رآها من موقعه في وسط ساحة المخيم حيث حولتها بلدوزرات الاحتلال إلى أثرا بعد عين بعد أن سوت منازلها الأرض وشردت أكثر من خمسة آلاف مواطن كانوا يسكنون تلك المنازل.

يبدأ سعيد هذا اللقاء بوصف ما كان قبل الاجتياح حيث يقول قبل الاجتياح كان هناك اجتياح آخر سمي بالاجتياح الصغير بعرف أهل المخيم حيث حوصر المخيم لمدة أسبوع وكان هناك انطباع لدى الأهالي أن شيئا ما يدبر لأهل المخيم وعليهم اخذ الحيطة والحذر والاستعداد من كافة الجوانب كالاستعداد لتوفير المأكل والمشرب والتدفئة وغيرها ولكن لم يكن يتصور أن يكون هذا الاجتياح لدرجة الهدم بدليل أن الأهالي لم يقوموا بإخلاء منازلهم.

ويتابع حمدان في ليلة الاجتياح كان هناك إحساس وهاجس أنها ليلة الهجوم الاحتلالي وفي الليل كان الأصدقاء من كل حدب وصوب حول جنين يوفدون لنا أخبار تقدم الدبابات نحو المدينة.

استعداد الناس

يقول سعيد حمدان قامت التنظيمات بتوزيع الأغذية في منازل معينة إضافة إلى تقسيم الأدوار على الجميع بالإضافة إلى أن معظم الناس أخذت القرار بعدم الإخلاء حيث كانوا يعتقدون أن وجودهم سوف يمنع حدوث مجزرة.
يوميات الاجتياح
يتابع حمدان عن أول أربعة أيام حيث كانت الطائرات تقصف من السماء والاشتباكات في محيط المخيم لا تهدا والتيار الكهربائي كان قد قطع منذ اللحظة الأولى وكان الأهالي يجتمعون ليليا ويتداولون في احتماليات ما سيكون وتوقعات لما سيقوم به جيش الاحتلال.

وفي الليلة الرابعة يقول سعيد حمدان ذهبت لمنزل أخي حيث قامت قوات الاحتلال بقصف منزل يعود للمواطن أبو محمد أبو سرية بعدة صواريخ ما أدى إلى هدم الواجهة الأمامية لمنزل شقيقي وبعدها أخذت كامل العيلة والجيران وذهبنا إلى منزل أبو رضا الفارس وفتحت المنزل وانضمت إلينا عدد من الجيران.

ويضيف حمدان وفي اليوم الخامس دخل الجيش علينا من الشبابيك واحضروا معهم عائلتي الحوراني وسليمان الشلبي حيث أصبح العدد يقارب 56 شخصا من كافة الأعمار وقام جيش الاحتلال بفصل الشباب من الموجودين حيث قيدونا ووضعونا في منزل مجاور.

وأخذني جيش الاحتلال كدرع بشري لفتح أبواب المنازل حيث فتحت أول بيت بعد أن فجروا أبوابه وأوقفوني على احد شبابيك الطابق الثاني وهي مقابلة لمنزلنا وكانت لديهم خرائط وعليها أرقام ومن ثم قصفوا شبابيك منزلي أمامي وبعد ذلك أعادوني إلى المنزل حيث الشبان المحتجزين واخذوا مكاني ابن أختي إلى منزل أبو علي عويس كدرع بشري وقد اتخذ جيش الاحتلال المنزل كنقطة مراقبة حيث ربطه جيش الاحتلال ووضعوه كدرع بشري أمام شبابيك المنزل وفي المساء أعادوه إلينا وطلبوا منا عدم مغادرة البيت الذي نتواجد فيه.

وفي إحدى الليالي طلب جيش الاحتلال وعبر مكبرات الصوت من الشباب بتسليم أنفسهم ونتيجة للرفض طلبوا من الأهالي بإخلاء كافة المنازل والتوجه إلى المدرسة أو مصنع طوب السعدي.

وأثناء الإخلاء وهو بعد اليوم السابع بدأنا نسمع صوت هدير جرافات الاحتلال وكان توقعنا هو تنظيف الشوارع إلا أنهم كانوا يقومون بحرث البيوت وفي هذه الأثناء تمكنت من الحصول على جهاز بلفون حيث اتصلت مع الأخ مروان الوشاحي وعلمت منه أن والدته وشقيقه قد استشهدا إضافة إلى معرفة عدد آخر من أسماء الشهداء.

في اليوم التاسع طلب مني مروان أن ابحث عن شقيقه وتوجهت إلى منزل خليل النورسي حيث وجدت العديد من الشبان يقومون بالبحث عن الشهداء وأثناء البحث وجدت أرجلا فقط ويبدو أن جرافات الاحتلال كانت قد داست على جثث الشهداء فاتصلت بمروان وأبلغته عن احتمالية أن تكون هذه الأرجل لشقيقه وأثناء عملية الحفر بين الأنقاض والبحث عن الشهداء وجدنا جثثا لعدد من الشهداء فقمنا بدفنها في المقبرة المؤقتة.

وفي آخر أيام الاجتياح وجدت جثة الشهيد أبو جندل ملقاة على احد أنقاض المنازل فاتصلت بأخيه وأبلغته عن استشهاد شقيقه.

وخلال ذلك اليوم دخلت علينا مجموعة من جنود الاحتلال يقدرون من 20 – 30 جندي يحملون البلطات والعصي ويقومون على ما يبدو بعملية تمشيط واسعة حيث كانوا يدمون كافة أثاث المنازل التي لم تهدم وعندما شاهدونا شرعوا بالاستعداد لإطلاق النار علينا إلا أنهم تراجعوا لاحقا عندما رأونا مقيدين فقاموا بتجميعنا مع العشرات من النساء والأطفال واخذوا يحققون معنا لفترات مختلفة.
معيشة المواطنين

يضيف حمدان أن المواطنون شرعوا منذ ما قبل الاجتياح بتخزين المواد الغذائية التي لا تعطب أو لها مدة صلاحية معينة استعدادا لأيام الاجتياح حيث تمكن أهالي المخيم من الصمود لفترات طويلة بسبب تناولهم الغذاء والذي يحتوي على الحبوب والبقوليات كالعدس والفول والحمص وغيرها وحتى خلال فترة الاجتياح كان هناك دعم من قبل الأهالي بعدم الخروج من المنازل ما حذا بالجميع للتكاتف من اجل توفير مقومات الصمود داخل المنازل رغم صعوبة الأوضاع والهجوم الاحتلالي وحتى خروج الناس من منازلهم كان بالإكراه بعد قيام جيش الاحتلال بهدم المنازل والمساكن على أصحابها دون رأفة أو رحمة.

يذكر أن مخيم جنين قدم خلال هذا الاجتياح حوالي سبعين شهيدا من أبناء المخيم والقرى والبلدات المجاورة الذين قدموا للدفاع عن ارض المخيم والتصدي لهذا العدوان إضافة إلى مئات الجرحى والمعتقلين وأكثر من خمسة آلاف مشرد بعد هدم منازلهم حيث تشتتوا في القرى والبلدات المحيطة بجنين إضافة إلى المدينة إلى أن تم إعادة بناء منازلهم والعودة إليها والاهم من ذلك فقد هدمت قوات الاحتلال بجرافاتها اربعماية وستون منزلا بالكامل وسوت تلك المنازل بالأرض وجعلتها أثرا بعد عين وخلفت خرابا ودمارا اقل وصف له على لسان العديد من زائريه في تلك الفترة بأنه زلزال كبير حل في المخيم.

التعليقات