في الذكرى الـ27 لمجزرة صبرا وشاتيلا؛سبب الموت: فلسطيني

في الذكرى الـ27 لمجزرة صبرا وشاتيلا؛سبب الموت: فلسطيني
صبرا وشاتيلا، مجزرة لا ولن ينساها الفلسطينيون مدى حياتهم في كافة مواقع لجوئهم وانتشارهم. إنها حلقة من مسلسل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل وما تزال ترتكب مجازر يوميًا بحق الشعب الفلسطيني الأعزل. إنما، العلامة التي ميزت مجزرة صبرا وشاتيلا أنها كانت الأكثر بشاعة في تاريخ المجازر التي تعرض لها الشعب الفلسطيني. حيث تحالفت ميليشيات الكتائب اللبنانية مع إسرائيل للتخلص من الكفاح والنضال الفلسطيني في لبنان الموجه ضد إسرائيل، وتصفية القضية الفلسطينية.

أما في واقع الأمر فقد سعت اسرائيل إلى متابعة مسلسلها في تنفيذ المزيد من عمليات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين لتحقق مزيدًا من إقصائهم وتحييدهم عن المطالبة بحق العودة الذي أصبح شوكة في حلق إسرائيل ووصمة عار على جبين المجتمع الدولي المتغطرس بتمسكه بحقوق الإنسان والديمقراطية.

ومع مرور الزمن والأيام يزداد الشعب الفلسطيني صلابة وتمسكًا بحقوقه المشروعة في العودة إلى وطنه وأرضه وممتلكاته وبناء حياة طبيعية أسوة ببقية الدول والشعوب.

وبالرغم من هذا الأمل والحلم والواقع المأمول فإن ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا لهذا العام تقودنا إلى التأمل فيما آلت إليه حالة الفلسطينيين على ضوء إستمرار مسلسل تفتيت القضية الفلسطينية فلسطينيا وعربيًا واسرائيليًا وامريكيًا واوروبيًا، حتى لا يتمكن الفلسطينيون من إقامة دولتهم وتحقيق حلمهم إلا في حدود دولة مقطعة الأوصال بدون شكل أو طعم أو لون، إلا بالإسم.

وعلى خلفية هذا الواقع الجاري تدفعنا ذكرى صبرا وشاتيلا إلى وقفة حقيقية في سبيل إلقاء الأضواء على ما جرى عشية المجزرة وخلالها وما بعدها، ويبقى السؤال الحقيقي الواحد والوحيد: كيف يمكن للفلسطينيين أن يستثمروا هذه المجزرة لخدمة قضيتهم؟ ومعذرة من الشهداء الأبرار والجرحى والمعوقين والأهالي من استعمال كلمة „استثمار”، إلا أنني بصدد توضيح ضرورة تبني هذه المجزرة البشعة عالميًا وجعلها درسًا للإنسانية المتبجحة بعفتها وحساسيتها كي لا تحدث مثلها، وكي تكون صبرا وشاتيلا نقلة حقيقية نحو فهم المأساة الفلسطينية التي تصرخ بوجه العالم داعية إلى إحقاق الحق وتحقيق العدل الذي يطالب به كل فلسطيني في العالم.
اجتاحت قوات الاحتلال الاسرائيلي مناطق لبنان الجنوبي وحتى بيروت من خلال خطة وضعها وزير الدفاع في حينه آريئيل شارون بهدف أساسي ألا وهو تصفية المقاومة الفلسطينية عسكريًا، والإجهاز على من تبقى من الفلسطينيين في لبنان، كجزء من المشروع الصهيوني الهادف إلى تنفيذ تطهير عرقي بحق الفلسطينيين، منعًا من الفلسطينيين الاستمرار في المطالبة بحق عودتهم على وطنهم وديارهم.

وأصبحت مناطق بيروت بمعظمها تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، وهذا معناه بالعرف الدولي وبموجب القوانين الدولية المتفق عليها والمعتمدة عالميًّا، أنَّ الاحتلال هو المسؤول عن مناطق احتلاله وعليه توفير الحماية للسكان المدنيين وتوفير كل ما يحتاجون إليه من مواد غذائية وماء وملبس وغير ذلك.

ووقعت أحداث مجازر صبرا وشاتيلا على مدى خمسة أيام بين 15 أيلول و19 منه في العام 1982 في بيروت، تحت عيون ومرأى الاسرائيليين المحتلين لبيروت ومناطق أخرى من لبنان، بل أكثر من ذلك بكثير، تحت تخطيط وإشراف اسرائيلي صرف.

وسنتابع أحداث المجزرة يومًا بيوم لتترسخ في ذهننا ووجداننا وتتحول إلى جزء ثابت من مخزون معرفتنا لتاريخنا وما جرى خلاله من أحداث وتطورات.استيقظت بيروت في الرابع عشر من أيلول عام 1982 على صوت انفجار هائل في مقر حزب الكتائب اللبنانية أدَّى إلى مقتل بشير الجميّل، الرئيس اللبناني المنتخب وقائد هذا الحزب وميليشياته.

وتبين لاحقًا أن عضوًا في الحزب القومي السوري الاجتماعي هو الذي وضع المتفجرات في مقر الحزب.

وكان الجميّل قد التقى سرًا مع رئيس حكومة اسرائيل آنذاك مناحيم بيغين ويُعتقد أنهما اتفقا على تنفيذ عملية تصفية ضخمة لمخيمات فلسطينية كجزء من عملية التخلص من الوجود الفلسطيني في لبنان لصالح اسرائيل والقوات اللبنانية بما فيها الكتائب.

وفي اليوم التالي للاغتيال، أي في الخامس عشر من أيلول 1982 تحرّكت قوات إسرائيلية في بيروت على أربعة محاور باتجاه مخيمي صبرا وشاتيلا.

أما الحجة التي تذرّع بها الإسرائيليون فكانت حماية السكان في بيروت الغربية من أعمال انتقامية محتملة قد تقوم بها الميليشيات بعد اغتيال بشير الجميّل.

في عصر اليوم ذاته تمركزت الدبابات الاسرائيلية عند المفارق الرئيسية كما تم تطويق مُخيم صبرا وشاتيلا من الجنوب والغرب والشرق. وأقام الجيش الاسرائيلي مقر قيادته في بناية من ثماني طبقات على بعد خمسين مترًا من المخيم.


صبيحة هذا اليوم حلّقت الطائرات الاسرائيلية في أجواء بيروت الغربية بغية دبّ الرعب والفزع في قلوب سكانها ومواطنيها.

وعند الساعة السابعة صباحًا تحركت الدبابات الاسرائيلية وجنود مشاة من كافة أذرع الجيش الاسرائيلي نحو مناطق رأس بيروت والمزرعة وغيرها من أحياء بيروت وتصدّت لها فرق المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

شرعت آليات الجيش الاسرائيلي بقصف المخيمين بوابل من القذائف، وفرضت حصارًا شديدًا على مداخل ومخارج هذين المخيمين. وتمكنت قيادة الاحتلال الاسرائيلي من مراقبة تحرّكات سكان هذين المخيمين من مقر قيادتها في البناية ذي الثمانية طوابق.

وأحسّ أهالي المخيمين بقرب وقوع عملية قاسية، وبدأت رائحة الانتقام تنتشر في أجواء بيروت، وخاصة بالقرب من المخيمات الفلسطينية.

وحينها فقط عقد من تبقى من قيادات فلسطينية ووجهاء المخيمين اجتماعًا قرّروا في نهايته ايفاد وفد عنهم إلى القيادة الاسرائيلية لتوضيح أنه لم يعد هناك مقاتلون في المخيمات، وأن من بقي هم فقط من المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ. وعرضوا على الجيش الاسرائيلي القيام بعملية مسح وكشف عن حقيقة ما يقولون. إلا أنّ أعضاء الوفد الذي توجه إلى مقابلة القيادة الاسرائيلية لم يعد ووجدوا جثثا هامدة فيما بعد على مقربة من السفارة الكويتية في بيروت القريبة من مبنى الطبقات الثمانية.

ومباشرة في الثالثة بعد الظهر ازداد قصف المخيمين كثافة، فلجأ سكان المخيم إلى الملاجئ التي كانت قليلة وضيقة، ومنهم من توجه إلى مستشفى عكا، علّهم ينجون بحياتهم.

ومساءً كان الاقتراح إرسال وفد أكبر مكوّن من نساء وأطفال ليشكلوا ضغطًا على الاسرائيليين ليوقفوا القصف هم أو غيرهم (القصد ميليشات حزب الكتائب والقوات اللبنانية)، إلا أنَّ مصير هؤلاء كان كسابقيهم لكونهم لم يعرفوا ما حصل للوفد الأول.

ومباشرة بدأ فلسطينيو المخيم يشاهدون جيبات وشاحنات تقل جنودًا مسلحين يتجهون نحو المخيم، فاستفسروا من القيادة الاسرائيلية فطمأنتهم أن هذه الخطوة عادية وروتينية، إلا أنهم لم يركنوا إلى الطمأنينة البتة.

في السادسة مساءً بدأ هؤلاء المسلحون يدخلون على بيوت الفلسطينيين وبأيديهم معاول وفؤوس وسكاكين كي لا يُسمع صوت الرصاص وإطلاق نار. واخترقوا المخيم وأُفرزوا النساء والأطفال عن الرجال، وشرعوا بعمليات القتل والذبح ثم أطلقوا النار على الشباب ومن تبقى من نساء وأطفال.

واستمرت طيلة المساء والليل عمليات القنص وإطلاق النار والأهالي في المخيم لا يجرؤون على الخروج، وقلوبهم تدمي وعيونهم لا تستطيع ذرف الدموع، ومنهم من أُصيب بجروح نقلَ حالَه بحالِهِ إلى مستشفى عكا، ثم مستشفى غزة. وبدأت جماعات من الناجين تصل إلى المستشفيات، ونقلوا صورًا بشعة لما حدث وما يزال يحدث في المخيم من ذبح وقتل وبقر بطون حبالى وقلع عيون وأحشاء فلسطينيين أبرياء.

وتكدّست الجثث في ممرات وغرف المستشفيات القريبة، وانهارت قوى المستشفى من العدد الهائل الذي وصل إليها.

وعاد صبيحة هذا اليوم عدد من نساء الوفد وشعورهن منفوشة وحالتهن النفسية مضطربة للغاية، وأخبرن أنهن تعرضن إلى اغتصاب جماعي من أفراد من الجيش الاسرائيلي ومن القوات اللبنانية. أما بقية أعضاء الوفد فكان مصيرهن القتل بدم بارد.

وعند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر أطلق صوت من قبل مسلحين يدعو الأطباء والممرضات والعاملين الأجانب إلى مغادرة المستشفى، وتشكل هؤلاء من نرويجيين وسويديين وفرنسيين ومصريين وفيلبينيين.

وبقي في المستشفى عدد قليل من الممرضات وأطباء فلسطينيين هم الدكتور سامي الخطيب والدكتور علي عثمان والممرضة انتصار اسماعيل. وتم إعدام الطبيبين الفلسطينيين واغتصبت انتصار ثم قتلت.

وتم قتل عدد آخر من الفلسطينيين العاملين في طواقم المساعدة والخدمة في المستشفى.

ثم اقتحم مسلحون المستشفى وقتلوا عددًا من المرضى والجرحى منهم حوامل أو نساء وضعن للتو أطفالهن. ووجدت جثث مُقطّعة وأجنة مرمية في ممرات وساحات المستشفى.

ولم يكتفِ المسلحون المجرمون بقتل واغتصاب الفلسطينيين والفلسطينيات بل سرقوا حليهم ومجوهراتهم، وما عصي عليهم أخذه قطعوا الأذن والأصابع، تمامًا كما فعلت عصابات الهاغاناه والايتسيل والليحي في عام 1948 في حق الفلسطينيين. ومباشرة شرعت جرّافات الميليشيات المجرمة بدفن الجثث في مقابر جماعية، وهدمت مباني على جثث أصحابها.

وظهر اليوم ذاته أجرى مدير الهلال الأحمر الفلسطيني اتصالاً هاتفيًا بمركز الصليب الأحمر الدولي في شارع الحمرا ببيروت طالبًا فريقًا من الأطباء والمسعفين للوصول إلى مستشفى غزة لتوفير الخدمة للجرحى والمصابين بعد أن أُصيب الفريق العامل في هذا المستشفى بالإعياء والتعب، إلا أنه لم يحظ بأي جواب ايجابي خوفًا من القذائف الاسرائيلية التي كانت تنزل وابلاً كالمطر على المخيم وأطرافه.

وفقط في الخامسة مساء بدأت تُشاهد سيارات الإسعاف التابعة للصليب الأحمر الدولي تدخل مخيم شاتيلا يرافقها فريق طبي من مستشفى غزة ( طبيبان وممرضان)، إضافة إلى كميات من المواد الغذائية والأغطية الضرورية. وأخرجوا معهم من هُم في حالة خطر، وكثيرون لم ينجحوا في إخراج أطفالهم للعلاج والرعاية الصحية، ومنهم من قضى للتو.

وعند الثامنة مساء تحولت بيروت الغربية إلى ثكنة عسكرية اسرائيلية. ونشرت الاستخبارات الاسرائيلية سياراتها ورجالها في أطراف بيروت الغربية لتجميع معلومات عن فلسطينيين، ونشرت مجموعة كبيرة من الحواجز لتحول دون خروج أو انتقال فلسطينيين من المخيمات إلى مواقع خارجها أو لدخول المخيمات سواء لفلسطينيين أو غيرهم إلى أن تنجز الجريمة الكبرى.

مع بداية الساعة السادسة صباحًا تقريبًا بدأت فرق من الميليشيات التابعة للقوات اللبنانية باقتحام مستشفى المخيم والطلب من الطواقم الأجنبية المتبقية بإخلائه ومغادرته للحال، وسُمع رصاصٌ خلف المستشفى تبين لاحقًا أنه قد صوب نحو موظفين وعمال في المستشفى من الفلسطينيين الذين قتلوا. وتم اقتياد مجموعة الأطباء والممرضين إلى مقر القيادة الاسرائيلية للاستجواب الفوري على يد المخابرات الاسرائيلية.

وتابع مسلحو الميليشيات عمليات إخراج سكان المخيمين بهدف تجميعهم في مكان واحد. وبالفعل بدأ المئات من الأهالي بالخروج إلى الشارع الرئيسي رافعين الأعلام البيضاء وشاهدوا ما لم يكن يخطر ببالهم البتة، جثث مرمية لا حصر ولا عد لها. ولم يعد بإمكانهم العودة إلى الخلف. ومع سيرهم نحو المدخل الجنوبي لمخيم شاتيلا اكتشفوا المقابر الجماعية ولم ينجحوا بكبت مشاعرهم وتقززهم وخوفهم وأجهشت بعض النساء بالبكاء والعويل فكان مصيرهم الموت حالاً.

وتابعت جرّافات القوات اللبنانية وكذلك الاسرائيلية هدم مبان كثيرة فوق جثث أصحابها وساكنيها، والذين لجأوا إليها، لتخفي جريمتها المهولة.

وصدر أمر من مسلحي الميليشيات بالتقدم نحو المدينة الرياضية في ضواحي بيروت، واختاروا رجالا وأصعدوهم على شاحنتين متوقفتين أمام مبنى السفارة الكويتية. ولم يكن هناك مكان للجميع، فأبقوا البعض منهم لدفعة قادمة، إلا أن بعضهم تمكن من الفرار.

أما البقية فتسلمهم الجيش الاسرائيلي وساقهم إلى مدرجات ملاعب المدينة الرياضية القريبة، وكان مصيرهم الموت المحتم، أو الاختفاء حالاً.

وكانت المدينة الرياضية لبيروت تحت السيطرة الاسرائيلية المباشرة، ووجدت في اليوم التالي عشرات الجثث ملقاة في أطراف هذه المدينة.
كان هذا اليوم مُرعبًا للغاية إذ تكشف حجم المجزرة أمام عيون الصحافيين الذين توافدوا إلى المخيمين. وصدمتهم مشاهد الرعب والقتل والجثث المتعفنة، والرائحة النتنة وأشلاء الجثث المرمية هنا وهناك.

وفي الحال شرعت فرق الإسعاف التابعة لكل من الصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر اللبناني والدفاع المدني والكشاف المسلم والجيش اللبناني، في العمل.

تم حفر حفرة كبيرة، وقُرئت الفاتحة على عجل فوق أشلاء لم يتم التعرف على أصحابها، وفوق جثث مقطعة ستبقى بلا أسماء إلى الأبد. كم كان عددها؟ من هم؟ وإلى أي عائلات انتموا؟

سيبقى هؤلاء مجهولين إلى أن يحين الوقت.
وباعتقادي آن الأوان للبحث عن أسمائهم وتسجيلها في سجل الخلود وسجل المطالبة بمحاكمة المجرمين دوليًا ومعاقبتهم، ومطالبة اسرائيل أولاً بالاعتراف والاعتذار ومن ثم دفع التعويضات للعائلات المتضررة بكافة أشكال الضرر والأذى الذي لحقها.

بقيت الجُثث شاهدة خفية لبشاعة المجزرة وكراهية الإنسان للإنسان، وهُدمت مبان كثيرة فوق الجثث، وها هي شركات الاستثمار اللبنانية والاوروبية والامريكية والعربية تُقيم فوق ركامها أبراجاً من المباني والمكاتب والدور الشاهقة لتصبح بيروت مدينة عصرية متألقة فوق دماء شهداء فلسطين الأبرياء.

مواقع وحارات كثيرة أقيمت أو جُددت في بيروت وضواحيها دفنت فيها آلاف جثث الفلسطينيين جرّاء مذابح ومجازر صبرا وشاتيلا، تشهد إلى يومنا هذا نشاطات عمرانية بعيدًا عن محاسبة الضمير اللبناني والعربي والاسرائيلي والعالمي.


أثارت الأخبار التي توالت من مخيميّ صبرا وشاتيلا الرأي العام العالمي، وارتفعت الأصوات التي بدأت تطالب إسرائيل بالإنسحاب الحالي من لبنان، وأصوات أخرى وجهت أصابع الإتهام إلى الحكومة الاسرائيلية بضلوعها في تخطيط وتنفيذ المجزرة في المخيمين والمجازر التي سبقتها في الفاكهاني والمزرعة وتل الزعتر.

وبدأت الساحة السياسية والشعبية الإسرائيلية تشهد تصعيدًا كبيرًا جرّاء الضغط الإعلامي والسياسي العالمي، ونظمت حركة السلام الآن الاسرائيلية مظاهرة كبيرة في ساحة ملوك اسرائيل في تل ابيب طالبت فيها تشكيل لجنة تحقيق ومحاكمة المسؤولين من سياسيين وعسكريين عن هذه المجزرة.

وتم تعيين لجنة قضائية برئاسة رئيس المحكمة العليا الاسرائيلية آنذاك اسحق كاهان وعضوية قاضيين آخرين منهما أهارون باراك الذي عُيّن لاحقًا رئيسًا لهذه المحكمة.

وقدمت اللجنة تقريرها في مطلع عام 1983، ومما جاء فيه ما يلي:

• أن يُنهي وزير الأمن الاسرائيلي اريئيل شارون مهام منصبه، وألا يُعين مستقبلا في هذه الوزارة، إلا أنه رفض الانصياع لهذه التوصية فعُين وزيرًا بلا وزارة بقرار من بيغين نفسه.

• وجهت اللجنة في تقريرها لومًا شديدًا إلى رفائيل ايتان رئيس هيئة الأركان العامة دون أن توصي بعزله من منصبه لأنه اقترب من الاستعفاء منه. وكذلك وجهت لومًا إلى عدد من قيادات الجيش الاسرائيلي لكون المنطقة التي وقعت فيها المجزرة كانت تحت سيطرتهم.

• وجهت اللجنة لومًا إلى رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال ساغي لكونه لم يُقدم معلومات في الوقت المناسب عما كانت ميليشيات الكتائب ستفعله بالفلسطينيين في المخيمين.

• أما ما كتبته اللجنة عن رئيس الحكومة مناحيم بيغين فهو أنه لم يدرس جيدًا عواقب دخول الكتائب إلى المخيمات الفلسطينية.

• أما عن وزير خارجية اسرائيل اسحق شامير فكتب التقرير أنه تجاهل ما كان يحدث بالرغم من معرفته.

وهكذا لعبت هذه اللجنة دورها في تخفيف عبء المسؤولية عن سياسيي وعسكريي اسرائيل، أسوة بما فعلته بقية لجان التحقيق التي عينتها حكومات اسرائيل سابقًا ولاحقًا في قضايا مجازر أو قتل.

إنها نفس آلة محو ذنوب الاسرائيليين عما اقترفته يدهم من آثام وجرائم. فكيف يُعقل أن يقوم بالتحقيق من له صلة بالحكومة التي ساهمت وشاركت ونفذت المجازر؟

وبالرغم من هذا فإن آثار مجزرة صبرا وشاتيلا ألقت بظلالها على المشهد السياسي في اسرائيل إذ اعتزل بيغين الحياة السياسية، واعتكف في بيته إلى حين وفاته في عام 1992، وشهد حزبه زلزالاً سياسيًا ومطالبة بتغييرات في مبنى تنظيم الحزب، وكذلك شهدت الحياة السياسية في اسرائيل تخبطات كبيرة للغاية.

وبالرغم مما وصمت به لجنة كاهان اريئيل شارون بضلوعه في المجزرة فإن المجتمع الاسرائيلي بدأ يميل إلى اليمين المتطرف والمتشدد في نهج سياسته وحياته، وهذا المجتمع أعاد شارون إلى الحلبة السياسية في عام 2001 كرئيس لحكومة اسرائيل وفي رقبته عشرات المجازر التي طبعت سيرته الذاتية ونهجه السياسي.

والغريب في الأمر أن عددًا من مؤرخين وسياسيين فلسطينيين يعتمدون توصيات هذه اللجنة، فيما الأصول الانسانية تقضي بأن يقوم الفلسطينيون والعرب بتشكيل لجنة للتحقيق في المجزرة، والآن يمكن فعل ذلك، حتى بعد مضي 27 عامًا.

ألا تحقق اسرائيل والحركة الصهيونية بما قام به نازيون من جرائم بشعة بحق أبناء شعبهم بعد مضي أكثر من قرن من الزمان وتلاحقهم في كل أصقاع الدنيا؟؟ ألا تقيم اسرائيل والمنظمات الصهيونية الدنيا ولا تقعدها حينما تكتشف وجود شخصية نازية على قيد الحياة تعيش في الخفاء في بلد ما في العالم؟

التعليقات