هل سيؤيد الأوروبيون مشروع القرار السويدي؟

-

هل سيؤيد الأوروبيون مشروع القرار السويدي؟
سيصوت الاتحاد الأوروبي الثلاثاء المقبل على مشروع قرار سويدي يقر لأول مرة بشكل رسمي اعترافه بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة. وبغض النظر عن دوافع الاتحاد الأوروبي في هذه الخطوة التي يرى البعض أنها نإتجة عن إدراك لحقيقة الصراع، فيما يرى البعض الآخر أنها خطوة لإنقاذ خيار التسوية، ومنح السلطة الفلسطينية ورئيسها دفعة معنوية، إلا أن مشروع القرار في حال إقراره ينطوي على أهمية خاصة لكون إسرائيل تواصل فرض الحقائق على الأرض للحيلولة دون الانسحاب من القدس الشرقية، ويصرح مسؤولوها صبحة وعشية أن «القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية».

ولكن هل ستنجح السويد، الرئيسة الدورية للاتحاد الأوروبي، التي تتهمها إسرائيل بأنها تناصبها العداء، في تمرير مشروع القرار بصيغته التي أعلن عنها؟ بالتأكيد لا، يجمع المراقبون. فصقور أوروبا – المانيا وهولندا وإيطاليا وفرنسا، سيدافعون عن إسرائيل التي تمارس ضغطا هائلا، وسيعملون، بل يعملون، جاهدين على تعديل مشروع القرار، وتجنيد دول أوروبية مؤيدة، وإفراغ المشروع من مضمونه. ويقول مصدر ديبلوماسي أوروبي أن نصف الدول الأعضاء والبالغ عددهم 27 لا يوافقون على مشروع القرار السودي بصيغته الحالية.

وقد بدأ يوم أول أمس، بطقوس احتفالية، تطبيق معاهدة لشبونة الرامية لإصلاح الاتحاد والتي تحمل بين طياتها آمالا بأن يصبح قوة أكبر سطوة على الساحة الدولية. وتهدف المعاهدة لتيسير عملية صنع القرار في الاتحاد الاوروبي وتفسح المجال أمام تولي رئيس لفترة طويلة وتعزز سلطات منسق السياسة الخارجية وتسعى لإعطاء الاتحاد المؤلف من 27 دولة نفوذا سياسيا يتماشى مع ثقله الاقتصادي.

ولكن هل ستلقي هذه الروح الجديدة التي يتحدث عنها الاتحاد الأوروبي بظلالها على الشرق الأوسط، ونحو لعب دور أكثر عدالة تجاه القضية الفلسطينية. من غير المرجح أن يحصل ذلك في الأفق المنظور حيث أن وجهات النظر داخل الاتحاد للصراع في الشرق الأوسط مختلفة، ومتباينة أحيانا.
فقد فشل سفراء دول دول الاتحاد الأوروبي في جلسة عقدت أول أمس الثلاثاء في تحديد موقف موحد إزاء مشروع القرار، في ظل ضغط إسرائيلي هائل لتعديله وشطب البند المتعلق بالقدس الشرقية، وفي أسوأ الحالات بالنسبة لها تعديله ليصبح ضبابيا. ويدلل على ذلك ما تناقلته وكالات الأنباء عن مصدر دبلوماسي أوروبي والذي أكد أن إسرائيل تواصل ممارسة ضغوط مفتوحة وعملية ابتزاز غير مسبوقة ضد الرئاسة السويدية لإحباط تحركها .

وقد حشدت الحكومة الإسرائيلية ديبلوماسيتها لإفراغ مشروع القرار السويدي من مضمونه، وانضم إلى هذا الحشد، رئيسة المعارضة تسيبي ليفني. وقال مصدر أوروبي لينفي التي أقامت شبكة ضغط إسرائيلية فعلية في بروكسل تقود الحملة الإسرائيلية وتهدد بشكل مفتوح بحرمان الاتحاد الأوروبي من القيام بأي دور في الشرق الأوسط في حالة عدم التراجع عن الاقتراح السويدي.

وأضاف المصدر الأوروبي إن النقاش الأوروبي يتمحور حاليا حول عناصر محددة و منها مقترح فرنسي لتغيير الصيغة السويدية والاكتفاء بمجرد الإشارة إلى أن القدس ستكون عاصمة لدولتين فلسطينية واسرائيلية وليس أن القدس الشرقية ستكون عاصمة للدولة الفلسطينية كما ينص المشروع السويدي. وأكد المصدر أن إسرائيل تمكنت حتى الآن من انتزاع تأييد المجر وجمهورية التشيك والدنمارك إلى جانبها في المواجهة الدائرة مع الاتحاد الأوروبي، فيما تعمل فرنسا على جر الدول الأخرى حاليا لتعديل المقترح السويدي وفق صيغتها وتجنب عزل إسرائيل.

ويرى المحللون الأوروبيون أنه ومهما كانت نتائج مداولات السفراء الأوروبيون فإن تمكن السويد من طرح إشكالية مستقبل مدينة القدس في اجتماع رسمي أوروبي وللمرة الأولى بهذا الشكل ،يزيد بشكل جوهري من العزلة الدبلوماسية التنمية لإسرائيل أولا ويحبط ثانيا سعي الحكومة الإسرائيلية لتسويق تجميدها المزيف لبناء المستوطنات الفلسطينية لفترة عشرة أشهر وتصويره على أنه تنازل لصالح السلام. كما أن الموقف السويدي الهادف لبلورة موقف رسمي أوروبي رافض للاحتلال يندرج ضمن سعي الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس أوباما للدفع بعملية السلام وإخراجها من المأزق الذي وضعته فيه حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.

الوثيقة الأوروبية هل تعبر عن مواقف الدول؟

الأكثر إثارة هو التقرير الذي كشف عنه النقاب يوم أمس الأربعاء، والذي صاغه قناصل دول الاتحاد الأوروبي في القدس ورام الله، ويوجه انتقادات شديدة لسياسات وممارسات إسرائيل في الضفة الغربية وخاصة في القدس الشرقية، لأنه يثبت أن هؤلاء القناصل الذين يعايشون الواقع يدركون حقيقة ما يجري، وأمام حقيقة ما يشاهدوه ويلمسوه تتعطل الماكينة الإعلامية الصهيونية، وتصبح غير فعالة.
ودعا هؤلاء إلى العمل على تقوية مكانة السلطة الفلسطينية في المدينة، والقيام بإجراءات احتجاجية ضد إسرائيل، وفرض عقوبات على جهات ذات صلة بالنشاط الاستيطاني في المدينة وفي محيطها.

وأشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية التي نشرت التقرير إلى أن صياغته انتهت في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وتم عرضه قبل عدة أيام في جلسة مغلقة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل.

وذكرت الصحيفة أن الخارجية الإسرائيلية كانت تخشى نشر التقرير في وسائل الإعلام نظرا للأضرار الشديدة التي قد يسببها لإسرائيل في الرأي العام الأوروبي. ونقلت عن مصدر في الخارجية الإسرائيلية قوله إن خروج التقرير إلى النور ترك آثارا سيئة، وحث السويد على الدفع بمبادرتها بشأن تغيير مكانة القدس وتحديدها كعاصمة للدولة الفلسطينية.

وبحسب التقرير فإن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس تعملان بموجب "استراتيجية ورؤيا" تهدف إلى تغيير التوازن الديمغرافي في المدينة، وعزل القدس الشرقية عن الضفة الغربية. ويؤكد أن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس تقدمان المساعدة لجمعيات اليمين، بمن فيها "عطيرت كوهانيم" و"إلعاد" من أجل تحقيق هذه الأهداف والسيطرة على المدينة وخاصة منطقة الحرم الشريف.

وذكر التقرير أن مؤسسات يهودية خاصة تنشط بشكل محموم من أجل امتلاك بيوت في الأحياء العربية، وتحاول زرع مستوطنات يهودية في داخل هذه الأحياء. كما يوجه انتقادات حادة لبلدية القدس، ويشير إلى أنها تميز ضد الفلسطينيين بكل ما يتعلق بتراخيص البناء والخدمات الصحية والنظافة والتعليم.

وجاء في التقرير أنه "منذ العام 1967 فإن سلوان لم تحصل سوى على 20 ترخيصا للبناء، ولا يحصل الفلسطينيون في القدس سوى على 200 ترخيص سنويا من البلدية، في حين أن حاجتهم السنوية تزيد عن 1500 ترخيص. وإن نسبة الفلسطينيين في القدس تصل إلى 35% لا يحصلون سوى على 5-10% من الميزانية المخصصة للقدس.

كما يتطرق التقرير إلى الحفريات الأثرية في المدينة، وخاصة في منطقة الحرم. ويشير إلى أن "الحفريات في سلوان وفي البلدة القديمة ومنطقة الحرم تتركز أساسا في التاريخ اليهودي، وأصبح علم الآثار وسيلة أيديولوجية لصراع قومي وديني. ويدار الصراع بطريقة اسعى إلى تشويه هوية وطابع المدينة، بما يهدد الاستقرار فيها".

ويشير التقرير الأوروبي إلى أن الفلسطينيين في القدس الشرقية يعانون من مشاكل أمنية خطيرة حيث أن توسع المستوطنات يغذي عنف المستوطنين تجاه المقدسيين. كما يشير إلى أن الشرطة الإسرائيلية لا تتدخل كما يتطلب منها رغم أن العنف ضد المقدسيين يجري تحت سمعها وبصرها.

ويتطرق التقرير أيضا إلى استمرار إغلاق مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في القدس، ولكنه يحذر في الوقت ذاته مما أسماه "سيطرة حركة حماس على المدينة". ويدعي التقرير في هذا السياق أن غياب المؤسسات الرسمية الفلسطينية يعتبر مدخلا للحركات الإسلامية لتعزيز قوتها في القدس.

وينصح القناصل الأوروبيون في التقرير باتخاذ خطوات لتعزيز حضور السلطة الفلسطينية في القدس، وممارسة الضغط على إسرائيل لوقف استهداف السكان المقدسيين، وإعادة فتح مؤسسات م.ت.ف الرسمية في القدس، مثل "بيت الشرق". كما ينصح القناصل بإرسال دبلوماسيين أوروبيين إلى المحاكم الإسرائيلية في القدس، وحثهم على الاضطلاع بدور في المداولات بشأن إخلاء مقدسيين من منازلهم.

ويوصي التقرير بأن يتم الاعتراف بالقدس الشرقية كعاصمة مستقبلية للدولة الفلسطينية. كما يوصي باستضافة القناصل لكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، وإجراء لقاءات مع وزراء أوروبيين في القنصليات الأوروبية في القدس الشرقية، ورفض مرافقة الشرطة الإسرائيلية للمسؤولين الأوروبيين لدى زيارتهم إلى المنطقة، والامتناع عن إجراء لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين في مكاتبهم في القدس الشرقية.

كما يقترح التقرير فرض عقوبات اقتصادية على المستوطنين في القدس، ويطالب القناصل بالتعاون من أجل الإبلاغ عن المستوطنين الذين تورطوا في أعمال عنف في القدس ودراسة إمكانية منعهم من الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، ومنع تحويل أموال من مؤسسات حكومية أوروبية إلى هيئات تدعم الاستيطان في القدس، وإجراء تحقيق في هذا الشأن، وإصدار توجيهات لمكاتب السياحة في أوروبا لمنع دعم مصالح المستوطنين في القدس.

يشار إلى أنه في عام 2003 اعدت اللجنة الدولية الرباعية (المؤلفة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة) خارطة طريق اعلنت فيها تأييدها ل"حل حول وضع القدس" يستجيب ل"رؤية الدولتين" تعيشان جنبا الى جنب في سلام. لكن بدون ان تذكر بشكل واضح القدس ك"عاصمة" يتقاسمها الطرفان. وفي 18 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي نشرت الرئاسة السويدية للاتحاد الاوروبي بيانا حول المستوطنات الاسرائيلية في القدس الشرقية اكدت فيه على «وجوب ايجاد تسوية لحل وضع القدس بصفتها عاصمة لدولتين»( فلسطينية واسرائيلية).

وقال دبلوماسي ان الاسرائيليين فوجئوا انذاك وعبروا عن غضبتهم لهذا البيان. واوضح هذا الدبلوماسي "انها كانت المرة الاولى التي تستخدم فيها هذه اللهجة وخشي الاسرائيليون من ان يخلق ذلك سابقة". ما يفسر احتجاجهم العلني اليوم الثلاثاء.

القدس عاصمة مستقبلية

وتخصص جلسة الاتحاد الاوروبي التي تعقد في بروكسيل لبحث عملية التسوية في الشرق الأوسط، وسيصدر في ختامها قرار يحدد سياسة الاتحاد. ويعبر مشروع القرار السويدي بصيغته الأولية عن «قلقه من الجمود السياسي»، ويدعو إلى «تجديد عملية السلام بشكل فوري». ويرى أن المفاوضات تهدف إلى «إقامة دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية، قابلة للحياة، وذات تواصل جغرافي، تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس».

ويعبر مشروع القرار عن قلق الاتحاد الأوروبي الشديد من الأوضاع في القدس الشرقية بالقول: "الاتحاد يدعو جميع الأطراف للامتناع عن القيام بخطوات استفزازية". ويشدد: " لم نعترف بتاتا بضم القدس الشرقية. ومن أجل تحقيق سلام حقيقي، يجب إيجاد السبل للتوصل إلى حل حول مكانة القدس بحيث تكون عاصمة لدولتين". ويؤكد مشروع القرار على أنه «يجب فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية. وعلى إسرائيل أن تتوقف عن التمييز ضد الفلسطينيين في القدس الشرقية».

ويطرق مشروع القرار إلى الإعلان الإسرائيلي الجزئي والمؤقت عن تجميد الاستيطان باقتضاب ويعتبره خطوة نحو تجديد المفاوضات، ويشير إلى ذلك بالقول: "مجلس وزراء الخارجية يسجل أمامه قرار الحكومة الإسرائيلية تجميد البناء في المستوطنات بشكل جزئي ومؤقت، ويأمل أن يكون خطوة باتجاه تجديد المفاوضات".
هذا البند لقي معارضة فرنسية، ووصفت فرنسا مشروع القرار بأنه «غير متوازن». وطالبت بـ«النظر بإيجابية إلى قرار الحكومة الإسرائيلية تجميد الاستيطان»، والأخذ بعين الاعتبار ما أسمته «التطورات الاقتصادية في الضفة الغربية». ونقلت صحيفة "معريف" الإسرائيلية عن ديبلوماسيين فرنسيين قولهم إن «مشروع القرار ليس إيجابيا بشكل كاف بالنسبة لإسرائيل». وأنه «يتطرق للعملية السياسية بشكل غير متفائل ولا يأخذ بعين الاعتبار التطورات الاقتصادية في الضفة الغربية». وأضافوا قائلين «رغم عدم اعتراض فرنسا على أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية إلا أن قصر الإليزيه يعتقد أن مسالة الحدود بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن تحدد عن طريق المفاوضات».

ويشير مشروع القرار إلى الحواجز الكثيرة التي تعيق تنقل الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويرد فيه: "بقيت حواجز كثيرة في مكانها من أجل توفير الحماية للمستوطنات". وبشأن الحدود يرد في مشروع القرار أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل أي تغيير في حدود عام 1967 إلا بموافقة الفلسطينيين. ويثني على خطة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي «سيتمكن في الوقت المناسب من الاعتراف بدولة فلسطينية ». وهذا تلميح إلى إمكانية الاعتراف بدولة فلسطينية حال الإعلان عنها، إلا أن الموقف الأوروبي غير موحد في هذا الشأن ويتوقع أن يسقط هذا البند من مشروع القرار النهائي.

التعليقات