شريط "شيبانة – الحسيني": بين الحقيقة وأساليب الاحتلال والضغط على أبو مازن للعودة إلى المفاوضات

"إسرائيل تضغط على السلطة الفلسطينية لتخضع للمفاوضات وفقا للشروط الإسرائيلية، كما أنها تهدد باستخدام كافة وسائل الضغط المتوفرة لديها"..

شريط
الشريط الذي بثته القناة الإسرائيلية العاشرة الذي ظهر فيه مدير ديوان الرئاسة الفلسطينية السابق رفيق الحسيني لا يزال يلقى صدى سلبيًا واسعًا في أوساط الفلسطينيين، ويفتح باب التساؤلات وسط إجماع على أنَّ العرض هو وسيلة ضغط على السلطة الفلسطينية، وأن الأسلوب الذي عرض فيها الشريط هي "احتلالي قذر" وأن تسريبه كان نتيجة لـ "تصفية حسابات" لكنَّ هذا الأسلوب لا يعني عدم وجود فساد وفضائح في المؤسسة.

ومما لا شك فيه أن بث القناة الإسرائيلية لشريط "شبانة – الحسيني" يأتي لجملة من الأسباب أهمها الضغط على أبو مازن للعودة إلى طاولة المفاوضات، خاصة في ظل وجود عناصر متنفذة وفاسدة ومرتبطة أمريكيا، تحاول في الوقت نفسه الضغط على أبو مازن من أجل العودة إلى المفاوضات، وذلك بالتزامن مع التلويح، الإسرائيلي أساسا، بأن أبو مازن بات عبئا يجدر التخلص منه لصالح نهج أكثر استعدادا للتفاوض والتنازل، ممثلا برئيس حكومة السلطة الحالية سلام فياض والذي شارك مؤخرا في مؤتمر هرتسليا، بالإضافة إلى تيار محمد دحلان.

وهذه القضية لا تزال تشغل الشارع الفلسطيني، في ظل مشاعر السخط والغضب والقلق، إلى جانب ارتفاع الأصوات النقدية بكثافة مؤخرا كنتيجة لما آلت إليه الحال على مستوى السلطة الفلسطينية خاصة، والقضية الفلسطينية عامة في ظل الفضائح الأخيرة، والصورة المشوهة التي يعرضها الشريط، والتي هي أبعد ما يكون عن صورة شعبنا الفلسطيني المناضل الذي قدم التضحيات الجسام على طريق الاستقلال والحرية.

ويتضح أيضا أن هناك حالة إجماع على محاربة الفساد والتدهور الأخلاقي، ورفض استخدام أساليب استخدمها الاحتلال في اقتحام حرمات البيوت والإسقاط الجنسي، ورد ذلك إلى صراعات مراكز القوى في داخل السلطة. كما أن هناك حالة إجماع على رفض التوجه إلى الإعلام الإسرائيلي، والذي هو إعلام الاحتلال، إضافة إلى الإجماع على تفاقم الفساد لدرجة الابتزاز، من خلال التصوير أو غيره. وفي الوقت نفسه هناك حالة من القلق العام نتيجة استخدام مثل هذه الأساليب التي تذكر بأشد وسائل الاحتلال قذارة في الإسقاط.

لم يفصح رئيس ديوان الرئاسة في السلطة الفلسطينية رفيق الحسيني، المقرب من أبو مازن والمؤيد لنهج التسوية بأي ثمن، عن المغالطات التي وضع إعلام الاحتلال الشريط في سياقها، وإنما اكتفى، في مؤتمر صحفي عقده الأحد 14/02/2010، بالقول إنه تعرض لكمين من قبل عصابة أقدمت على دبلجة الشريط للإيقاع به بهدف ابتزازه سياسيًا وماليا. وبحسبه فإنه أبلغ رئيس السلطة، محمود عباس، بأمر الشريط قبل أكثر من سنة ونصف، في الفترة التي ترأس فيها توفيق الطيراوي جهاز المخابرات الفلسطينية، ووصف عرض الشريط بأنه "التقاء الفساد مع العمالة مع الاحتلال".

وكان رئيس السلطة قد شكل لجنة تحقيق في قضية الحسيني، برئاسة أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح أبو ماهر غنيم، وعضوية عضو اللجنة المركزية للحركة عزام الأحمد، وعضو اللجنة الحركية العليا رفيق النتشة. وتقرر أن تقدم اللجنة نتيجة التحقيق بعد ثلاثة أسابيع من تاريخ 14/02، كما تقرر الحسيني من عمله إلى حين انتهاء لجنة التحقيق من عملها.

وقال المحلل السياسي هاني المصري لـ موقع عــ48ـرب إن إسرائيل تضغط على السلطة الفلسطينية لتخضع للمفاوضات وفقا للشروط الإسرائيلية، كما أنها تهدد باستخدام كافة وسائل الضغط المتوفرة لديها.

وفي هذا السياق دعا المصري السلطة الفلسطينية إلى عدم استئناف المفاوضات، خاصة مع تصريحات السلطة التي أشارت إلى نشر الشريط كان بهدف الضغط عليها. ويؤكد هنا أن ذلك لا يعني عدم معالجة الفساد ومحاسبة الفاسدين، منوها إلى أن الإمعان في التغطية على ذلك لن يحل المشكلة، بل سيفاقم الوضع ويجعلنا تحت رحمة الاحتلال.

وأضاف أن جهاز المخابرات الفلسطيني هو الذي قام بالتصوير وذلك بهدف تصفية حسابات. وأكد في هذا السياق على وجوب منع ذلك من جهة أن هناك حقوقا وحريات وحرمات، وبالتالي فإن التصوير يجب أن يخضع لأمر قضائي وقانوني، وليس لحسابات شخصية.

ويضيف أن الشخصية العامة تقيد حريتها بحكم المنصب، وعندما يتم ارتكاب أخطاء بهذا المستوى، علاوة على تهجمه على الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات ورئيس السلطة الحالية، خاصة من قبل رئيس ديوان الرئاسة فإن ذلك يستدعي الاستقالة.

ويشير المصري إلى أن الاستقالة كان يجب أن تتم منذ أكثر من سنة، لكون القضية معروفة منذ ذلك الحين، وأنه كان يفترض أن عالج في حينه بحيث تتم محاسبة الأجهزة الأمنية أيضا.

ولفت في هذا السياق إلى أن حركة حماس كانت قد حصلت على أشرطة جنسية وفضائح، عندما استولت على قطاع غزة، بيد أنها تصرفت بحكمة ولم تقم بنشرها.

ويخلص المصري إلى أن الخطأ هو في عدم مكافحة الفساد، وعدم وجود آليات للكشف عن الفساد ومنع استشرائه، خاصة وأن شعبنا لا يزال تحت الاحتلال. ويضيف أن السلطة لم تعالج الفساد رغم التقارير التي نشرت في وقت سابق، وفي حينه لم تتم المحاسبة واستخلاص الدروس والعبر ومصادرة أموال الفاسدين، والتالي فإن الأجهزة الأمنية أصبحت بدون مصداقية وليست محلا للثقة.

ومن جهته قال مسؤول فلسطيني وهو أسير محرر، رفض نشر اسمه، إن استخدام التقرير يأتي بهدف إضعاف رئيس السلطة الفلسطينية، والضغط عليه من أجل الدخول في المفاوضات. وأضاف أن التقرير الذي نشره الإعلام الإسرائيلي "كلام حق أريد به باطل". وبحسبه فإن الشريط ليس سرا، وأنه كان في متناول الناس منذ أكثر من سنة، وبالتالي فإن اللجوء إلى الإعلام الإسرائيلي لا يخدم المصلحة الوطنية.

ويضيف أن معظم ملفات الفساد هي ملفات قديمة تمت معالجة بعضها، وصدرت أوامر بتوقيف عدد من المسؤولين الفاسدين.

وقال محلل فلسطيني مقدسي، فضل عدم نشر اسمه أيضا، إنه تمت سرقة الملفات واحتجزت كرهينة، وتم تحديد مطالب خاصة مقابلها في ظل استعداد للتفاوض حولها، وذلك في إطار صراع مراكز القوى داخل السلطة الفلسطينية.

ويضيف أن قضية الفساد ليست جديدة، فالسلطة ليست معصومة عن الفساد، ولكن معالجة ذلك لا يكون من خلال الإعلام الإسرائيلي، الذي يسعى إلى تحطيم معنويات الشعب الفلسطيني، من خلال إظهاره وكأنه حفنة من الرجال تلهث وراء النساء والمال.

ويتابع أن هناك شعورا عاما بالمذلة والمهانة، بيد أنه رغم وجود الفساد والفاسدين، إلا أن الشعب الفلسطيني يبقى شعبا عظيما قدمت تضحيات عظيمة، ولا نقبل تصوير هذا الشعب وكأنه حفنة من اللصوص.

ويضيف أن الأجهزة الأمنية التي سبق وأن قدمت في الانتفاضة الثانية أكثر من 1600 شهيد، وهناك ما يقارب 3000 أسير من ضباط رفيعي المستوى، إلا أن ذلك لا يعني أنه لا وجود لملفات فساد خطيرة موجودة، وأن الأجهزة الأمنية تتحمل المسؤولية عن عملية التصوير، واستباحة هذه الملفات.

وهنا يشير إلى أن عملية التصوير يجب أن تخضع لقرار قضائي، في حين أنها على أرض الواقع كانت نتيجة لصراع مراكز قوى، وهي خارج الإطار القضائي والقانوني، وكانت بهدف الابتزاز. وبالنتيجة فقد تحولت الأجهزة الأمنية إلى جزء من الصراع الداخلي، خارج إطار القانون، وباتت جزءا من الفساد.

ويضيف المحلل الفلسطيني أن اللجوء إلى القناة الإسرائيلية العاشرة، التي نشرت بموافقة المستويين السياسي والأمني الإسرائيليين، قد أصاب كل طفل وكل إنسان فلسطيني، وخلق شعورًا بالمهانة والمرارة، وهناك حالة من الهوس في الشارع، وحالة من الخوف والقلق لدى قطاع كبير من الشباب والصبايا خشية عمليات الإسقاط والابتزاز.

وقال عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، عبد اللطيف غيث، إن هناك طرفا خارجيا مستفيدا من ذلك، وربما يعمل على برمجته، وهو الاحتلال. وأضاف أن ما نشر، بغض النظر عن صحته، يعكس واقعا يشير إلى الفساد المستشري، وهذا الفساد لم تتم مكافحته بالطريقة الصحيحة، ولم يتم اجتثاثه، بل يجري التغطية عليه على كافة المستويات في السلطة.

وأضاف أنه لا يعتقد أن دوافع النشر كانت بهدف مكافحة الفساد، حيث أن النشر يخدم مصلحة الاحتلال. كما أنه من الواضح أن خلفية التصوير لم تكن لهدف وطني وإثبات جريمة، وإنما تصفية حسابات، ولذلك فالقضية ليست مسألة كشف فساد، وإنما صراعات قوى.

ولم يغفل غيث الإشارة إلى أن العديد من الفلسطينيين يشعر بالإهانة، فما حصل يسيء كثيرا إلى الشعب الفلسطيني.

التعليقات