إنصاف ضحايا التعذيب في مراكز التوقيف والتحقيق في الضفة الغربية وقطاع غزة..

العام 2009 شهد تزايداً كبيراً في حالات التعذيب ووصل عددها إلى 309 حالات، منها 202 شكوى في الضفة الغربية و107 شكاوى في قطاع غزة..

إنصاف ضحايا التعذيب في مراكز التوقيف والتحقيق في الضفة الغربية وقطاع غزة..
أصدرت المحكمة العسكرية الخاصة المنعقدة في الخليل قراراً عسكرياً بتاريخ 20/07/2010، بإلزام جهاز المخابرات العامة الفلسطينية بتقديم تعويض مالي لعائلة المواطن هيثم عمرو الذي توفي في مركز توقيف المخابرات العام الماضي، وبرأت خمسة من المتهمين بالقضية من أفراد وضباط من الجهاز من تهمة التسبب بوفاة عمرو. وألزمت المحكمة جهاز المخابرات بدفع تعويضات مالية لعائلة عمرو بسبب الإهمال والتقصير في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الموقوفين لديه.

يذكر أن عمرو توفي بعد أربعة أيام من توقيفه من قبل جهاز المخابرات الفلسطيني بتهمة الانتماء لحركة "حماس".

وطالبت الهيئة المستقلة لحقوق الانسان في حينه السلطة الفلسطينية بفتح تحقيق جدي في ظروف وفاة عمرو، على أن يطال التحقيق الإجراءات المتبعة في عملية الضبط والتوقيف بما في ذلك الجهة التي أصدرت مذكرة التوقيف والجهة التي نفذت الأمر والمكان الذي احتجز فيه.

وعلى أثر وفاة المواطن عمرو، وبعد متابعات متعددة حصلت الهيئة المستقلة على موافقة النائب العام ووزير العدل في المشاركة في عملية تشريح جثة عمرو، غير أن طواقم الهيئة منعت من حضور التشريح، لكن الهيئة تمكنت من اخذ صور لجثة المواطن عبر باحثها الذي أفاد بوجود آثار عنف وتعذيب كانت ظاهرة على الجثة.

ورصدت الهيئة المستقلة خلال العامين الأول والثاني من عمر السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994 وحتى العام 1996 وفاة 22 مواطناً جراء تعرضهم للتعذيب في مراكز التوقيف والاعتقال التابعة للسلطة، ما شكل صدمة كبيرة للمواطنين ومؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية.

ومنذ العام 1996 حتى العام 2001 توفي مواطنان جراء تعرضهما للتعذيب، ومنذ العام 2001 لغاية العام 2006 توفي مواطنان أيضاً.

وعلى إثر الانقسام الفلسطيني في العام 2007 ازدادت حالات التعذيب ما حذا بمؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية اعتبار التعذيب في فلسطين ظاهرة وسياسة ممنهجة، وتوفي خلال الأعوام الثلاثة الماضية حتى نهاية العام 2009 في مراكز التوقيف والاعتقال التابعة للحكومتين في الضفة الغربية وقطاع غزة 20 مواطناً جراء تعرضهم للتعذيب في مراكز التوقيف التابعة للسلطتين.

وكانت الهيئة المستقلة في تقريرها السنوي الثالث عشر للعام 2007، قد تلقت 274 شكوى متعلقة بالتعذيب أثناء التوقيف، واستخدام العنف أو الضغط الجسدي أو المعنوي، والمعاملة القاسية واللاإنسانية، وهو ما شكل ارتفاعا غير مسبوق في حالات التعذيب وسوء المعاملة.

وعلى رغم اعتبار هذا العدد هو الأكبر من الانتهاكات المرتبطة بالحق في الأمن الشخصي والتعذيب في تاريخ السلطة الفلسطينية منذ قيامها في العام 1994، إلا أن عدداً كبيراً من المواطنين الذين تعرضوا للتعذيب لم يتقدموا بشكاوى للهيئة.

وقعد وقع العدد الكبير من هذه الانتهاكات وتضاعفت مرتين بعدما سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة في منتصف العام 2007، وبدء التأريخ لمرحلة الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني. كما أن معظم هذه الانتهاكات من التعذيب والمعاملة القاسية تعرض لها نشطاء وأعضاء حركة "فتح" في السجون ومراكز التوقيف والتحقيق التي سيطرت عليها حركة "حماس" في القطاع، وكذلك ما تعرض له نشطاء وأعضاء الحركة الذين اعتقلوا من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.

وفي العام 2008، تراجعت حالات التعذيب مقارنة بالعام 2007، في مراكز التوقيف والتحقيق التابعة للأجهزة الأمنية سواء تلك التابعة للسلطة الفلسطينية، مثل جهاز الشرطة بإداراته المختلفة، وجهاز الأمن الوقائي، وجهازي الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة، أو التابعة للحكومة المقالة: جهاز الأمن الداخلي، وجهاز الشرطة بإداراته المختلفة، "المباحث العامة ومكافحة المخدرات"، ووصل عدد الشكاوى المتعلقة بسوء المعاملة والتعذيب التي تلقتها الهيئة نحو 163 شكوى.

وشهد العام 2009 تزايداً كبيراً في حالات التعذيب في مراكز التوقيف والتحقيق، الذي تمارسه الأجهزة الأمنية المختلفة والشرطة في الضفة وغزة، ووصل عدد الحالات إلى نحو 309 حالة تعذيب تقدم مواطنون بشكاوى إلى الهيئة المستقلة منها 202 شكوى في الضفة الغربية، و107 شكاوى تلقتها الهيئة في قطاع غزة، ادعى فيها المشتكون تعرضهم لسوء المعاملة والتعذيب أثناء توقيفهم والتحقيق معهم.

وعلى رغم التعليمات التي صدرت عن مسؤولي الحكومتين بعدم ممارسة التعذيب إلا أن الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة مارست ولا تزال تمارس التعذيب ضد الموقوفين.

وما يثير الاستغراب والدهشة أنه لم تتم حتى الآن محاسبة أي شخص حيث لم يثبت تورط أي من ضباط وأفراد الشرطة والأجهزة الأمنية بالتعذيب، باستثناء قرار رئيس الوزراء في الحكومة المقالة إسماعيل هنية العام الماضي بالمصادقة على توصيات لجنة التحقيق بفصل عدد من أفراد الشرطة، بتهمة التسبب في وفاة المواطن زايد جرادات أثناء التحقيق معه، ومن ثم إحالتهم للمحكمة العسكرية التي برأتهم من التهمة المنسوبة إليهم من دون اتخاذ الإجراءات المعتبرة قانوناً.

قرار المحكمة العسكرية بتبرئة عدد من أفراد جهاز المخابرات من تهمة التسبب في وفاة المواطن هيثم عمرو يؤكد الاستنتاج الذي يقول إنه في معظم حالات الوفاة لم يظهر سبب جرمي للوفاة، وتبين وقوع حالات تعذيب، وأنه لم يتم الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق، أو تشريح جثث الضحايا، وفي الحالات التي تم التحقيق والتشريح فيها لم يعلن عن أي نتائج.

وعليه، فإن مؤسسات حقوق الإنسان وفي مقدمتها الهيئة المستقلة تعتبر كل أشكال سوء المعاملة والتعذيب أعمالاً محظورة ويجب تجريمها، والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها، وأن تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم ويمكن ملاحقة مرتكبيها حتى بعد تركهم وظائفهم الرسمية، ويجب الحد من ظاهرة التعذيب عبر اتخاذ كل الإجراءات الوقائية سواء كانت تشريعية أم توعوية أم رقابية، والتدخل السريع في حال حدوثها.

إنصاف ضحايا التعذيب يتم من خلال محاسبة المتورطين في التعذيب، وتشكيل لجان تحقيق والإعلان عن نتائجها والكشف عن مرتكبي التعذيب وتقديمهم لمحاكمة قانونية عادلة، وتقديم تعويضات تضمن تعويض الضحايا وتحقيق الردع العام في إطار محاربة هذه الظاهرة.

التعليقات