آراء عدد من الإعلاميين الفلسطينيين حول التغطية الإعلامية لعملية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة

-

آراء عدد من الإعلاميين الفلسطينيين حول التغطية الإعلامية لعملية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة
من الواضح أن للإعلام أهمية كبرى بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعتبره سلاحاً فعالاً لنقل صورته وأوجه نضالاته العادلة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، للتأثير على الرأي العام العالمي، في وقت عجزت مؤسسات العالم الرسمية عن فرض حل للقضية الفلسطينية مستند على قرارات الشرعية الدولية التي أقرتها مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، والهيئات الحقوقية والإنسانية الدولية، بسبب تعنت المحتل الإسرائيلي.

ونظراً لهذه الأهمية الكبيرة للإعلام ووسائله المختلفة بالنسبة للشعب الفلسطيني تحاول المؤسسة الإعلامية الفلسطينية الرسمية والخاصة، بذل كل جهد ممكن من أجل حسم جولات وصولات إعلامية هامة مع الطرف الإسرائيلي، ومن هذه الجولات برزت مؤخراً جولة التغطية الإعلامية لعملية إخلاء المستعمرين عن قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية، وقريباً عملية انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة.

ففي هذا التقرير سنحاول تلمس معالم هذه التغطية، وحجمها، ومدى مواءمتها للحدث، وشخوص الروايتين الفلسطينية - والإسرائيلية حول الانسحاب، كما سنغوص في عوامل قوة وضعف الرواية الفلسطينية، وفي المقابل من ذلك الرواية الإسرائيلية، ونستمزج آراء وانطباعات عدد من الإعلاميين ورجال الصحافة الفلسطينية، سواءً كانوا يعملون لمؤسسات فلسطينية رسمية أو خاصة، أو لصالح وكالات أجنبية، ومعرفة ملاحظاتهم وانتقاداتهم وأهم المعيقات التي واجهت طريقهم.


الإعلامي والمحلل السياسي الدكتور، محمود خليفة، أكد أن المتتبع لوسائل الإعلام الفلسطينية يلحظ بشكل واضح أن هناك نقلة نوعية في عملية التغطية الإخبارية لمجريات الأمور ومتابعة عملية الجلاء من محافظات غزة، منوهاً أن هذه النقلة النوعية في عملية التغطية لم ترتق بعد إلى مرحلة الرضا.
وأضاف د. خليفة أن إسرائيل نجحت في عملية تقديم صورة الضحية أمام الرأي العام العالمي، وفي تقديم صورة إسرائيل كمن يسعى نحو السلام، والتي قدمت تضحيات عظيمة لأجله، ودفعت ثمناً كبيراً في ترحيل الأطفال والنساء من المستعمرين وما شابه ذلك، وبالتالي جاءت الصورة الرسمية الإسرائيلية بشكلها المنظم.

وفي المقابل أوضح د. خليفة أن وسائل إعلامنا تحركت بشكل كبير على صعيد الرأي العام المحلي لكنها لم تتحرك كما يجب على صعيد الرأي العام الأجنبي، وأن الصورة الفلسطينية كانت على العكس من الصورة الإسرائيلية، وكانت لدينا عملية تغطية طبيعية رغم كل الاستعدادات على الصعيد الأهلي، وكالعادة برزت لدينا الاجتهادات من قبل الطواقم المهنية والفنية المختلفة، ولم نستطع حتى هذه اللحظة، وضع الاستعدادات الممكنة على الأرض لتقديم صورة حاضرة بين فئات الشعب الفلسطيني كله، خاصةً أن الكثير من المواطنين فقدوا الأبناء وفقدوا الأراضي وهدمت منازلهم نتيجةً لهذا الاستعمار ولهذا الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الأمر الذي لم يتم تسليط الضوء عليه كما يجب.

ونوه د. خليفة أن المؤسسة الإعلامية الفلسطينية أدركت لاحقاً هذا الخلل وسعت لإخراج الصورة بالشكل الإنساني الطبيعي، على الأقل للرأي العام العالمي من خلال التنسيق فيما بينها عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومنها إذاعة وتلفزيون فلسطين، والهيئة العامة للاستعلامات، واللجنة الإعلامية في ملف الانسحاب وذلك لتقديم التسهيلات الممكنة لوسائل الإعلام العربية والأجنبية، وبالتالي ما نحن بحاجة له هو خطاب للرأي العام العالمي والعربي وليس الرأي العام المحلي.

بدوره عبر الإعلامي والمحلل السياسي طلال عوكل، عن اعتقاده بأن المحصلة للتغطية الإعلامية للمرحلة الأولى من إخلاء المستعمرين من قطاع غزة كانت لصالح الجانب الإسرائيلي وللصورة الإسرائيلية، وظهر المشهد الإسرائيلي تقريباً باعتباره المشهد الوحيد المؤثر على الرأي العام العالمي، في حين كانت إسرائيل منذ البداية قد خططت له وبالتالي نجحت في توصيل هذه الرسالة.

وقال عوكل، إن الفلسطينيين بذلوا جهداً إعلامياً، كان أحياناً ناقصاً وفي أحيان أخرى عفوياً، كما ساهم جزء من مؤسسات الإعلام العربي في توصيل الرسالة الإسرائيلية.
وأضاف أنه مع الأسف ومن خلال متابعتنا انتبهت الفضائيات العربية التي كانت تنقل الخبر مؤخراً بعد أن بدأنا برفع الصوت، لكن في المقابل المشهد الفلسطيني كان ضعيفاً ومشهداً كلامياً، وهذا المشهد لا يصل إلى الرأي العام الأوروبي، وجرى اجتهاد واسع لإجراء مقابلات مع مسؤولين ومع أناس عاديين في المناطق القريبة من المستعمرات، وهذه الصورة لا تصل، لأن الصورة تنقل واقعاً وليس كلاماً، ونحن لم نقم برسم واقع كي تنقله الكاميرا ويظهر التوازن.


وعن دور اللجنة الإعلامية التابعة للجان المساندة والحماية الأهلية، قال عوكل: "وضعنا مرتكزات إعلامية تتضمن محددات للسلوك الإعلامي الفلسطيني المطلوب لمواجهة الرسالة الإسرائيلية، وفي هذه المرتكزات وضعنا ملخص لطبيعة الرسالة الإسرائيلية وأهدافها، في حين تضمنت رداً على الرسالة الإسرائيلية وكيف ينبغي أن نتصرف، وهذه لاقت قبولاً نظرياً من جهات عديدة رسمية وغير رسمية، ولكن الفعل لم يأت على هذا الأساس".

وذكر عوكل أنه كان مطلوباً منا أن نفعل نشاطنا السياسي والإعلامي في الضفة الغربية، واستدعاء أرشيفنا السابق إعلامياً، لاستنهاض كل الصورة المأساوية التي نجمت عن الاحتلال، مؤكداً على أهمية أن نقوم بنشاطات جماهيرية تقدم اللوحة والمشهد الآخر، من خلال التنسيق والتعاون بين مختلف المؤسسات الإعلامية.

وتطرق إلى ضرورة أن نقيم في محيط مستعمرات قطاع غزة، 4 خيام، واحدة للجرحى والمعاقين وأخرى لأهالي الشهداء، وأخرى للأدوات العسكرية التي استخدمت ضدنا، وأخرى للأهالي الذين جرفت أراضيهم وهدمت منازلهم، حتى نستقطب وسائل الإعلام وخلق التوازن من خلال الصورة، وخلق حدث يصنع المشهد الفلسطيني.

من جانبه، قال مدير تحرير وكالة رمتان، الصحفي شهدي الكاشف، إن التغطية الإعلامية لموضوع الانسحاب الإسرائيلي من وجهة نظر إعلامية فلسطينية أخذت وضعها الطبيعي، وفقاً للظروف والإمكانيات التي كانت متاحة لدينا، وقد كان علينا نحن كإعلام خاص، أن نبذل كل جهد يمكن أن يساعد الإعلام الخارجي في التعاطي مع قضية الانسحاب.

ونوه الكاشف بأن حادثة اختطاف الصحفي الفرنسي من أصل جزائري، أثرت بشكل سلبي على التواجد الأجنبي في القطاع. وقال: "من كان يأتي إلى هنا، فهو يأتي على مسؤوليته الخاصة، وهذا ساهم في انعدام التوازن في المشهد الفلسطيني الإعلامي".

كما أكد بأن الإعلام الرسمي الفلسطيني كان يفتقد إلى التخطيط مما أدى إلى إرباك القطاع الإعلامي الخاص. وبالتالي أصبح هذا القطاع يقاتل على أكثر من جبهة.
ووجه الكاشف انتقاداً لمؤسسة الأمن الفلسطينية، لأنها لم تنظم وضعها مع المؤسسات الصحفية ولم تخلق حالة تعاون قادرة على إظهار الصور بالمعنى الحقيقي، من المشهد الفلسطيني من جانب، والتزامات الأمن الفلسطيني من الجانب الآخر.

أما المصور الصحفي في وكالة "رويترز" للأنباء، أحمد جاد الله، فقد أوضح أن التغطية الإعلامية لا زالت في مرحلة البداية، وستكون مركزة بشكل أكبر في الجانب الفلسطيني خلال الأسابيع التي سيتم فيها استلام المستعمرات، قائلاً إن "هذه المرحلة ستكون حاسمة وتتطلب من الجميع أن يكون لديه حس وطني لإظهار الانسحاب في صورة تخدم شعبنا ولا تسيء له".
وفي المحصلة عبر جاد الله عن ارتياحه لحجم التغطية في الجانب الفلسطيني حتى اللحظة، مع ملاحظته بأنه ينقصها على المستوى الرسمي التسهيلات المناسبة، منوهاً بأن وكالة "رويترز" تتعامل مع موضوع الانسحاب بشكل حيادي.

وقال الصحفي في وكالة "رويترز" نضال المغربي، إن وكالته بدأت قبل أشهر من الحدث بالتحضير عن طريق كتابة التقارير من كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ومن أجل هذا الغرض قامت "رويترز" بتعزيز المراسلين في منطقة الحدث، لضمان تغطية أوسع، ونحن في الجانب الفلسطيني بدأنا في كتابة تقارير من المناطق المحيطة بالمستعمرات والمخيمات القريبة منها، تركز على كيفية تأثير الانسحاب الإسرائيلي من المستعمرات المجاورة وانعكاس ذلك على حياة الفلسطينيين المقيمين بالجوار، وعلى أصحاب المزارع الذين يأملوا في أن تعود لهم مزارعهم عما قريب ويعودوا لزراعتها والعمل فيها، وإبراز كيف سينعكس ذلك على الأسر الفلسطينية التي فقدت أبناءها بجوار أو داخل هذه المستعمرات، وأيضاً كيف سينعكس على الوضع الاقتصادي الفلسطيني.

وانتقد المغربي أداء تلفزيون فلسطين قائلاً: "سمعنا من الناس شكاوى على تلفزيون فلسطين فهناك من قال بأن تلفزيون فلسطين كان يبكى أيضاً على المستعمرين حينما كان يركز على مشاهدهم وهم يخرجون ويبكون، أكثر من التركيز على معاناة المواطنين جراء ممارسات هؤلاء المستعمرين".

واعتقد أنه بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة ستكون التغطية من الجانب الفلسطيني أكبر من التغطية على الجانب الإسرائيلي، ومعظم الوكالات الأجنبية والصحفيين سيكون لهم تواجد كبير بعد الانسحاب ليغطوا ماذا سيحدث وما هو مصير هذه المستعمرات، وهل سيشهد القطاع حركة اقتصادية أكبر، بالإضافة إلى تغطية المطار والميناء والمعابر والكثير من القصص.

من جهة أخرى، قال المذيع في راديو الحرية محمد أبو شباب، إن التغطية الإعلامية كانت صعبة جداً على مستوى الإذاعات في القطاع، نظراً لعدم تمكن الإعلاميين والمراسلين من دخول المستعمرات المفروض إخلاؤها، بالرغم من المطالبة الفلسطينية المستمرة بأن يتم السماح لمراسلي الصحف والتلفزيون والإذاعات الفلسطينية بالدخول إلى المستعمرات من أجل مواكبة حدث الإخلاء وعملية الهدم.

وأضاف أبو شباب: "نحن نواجه مشكلة خطيرة، وهي أن الفضائيات العربية تبنت الخبر الإسرائيلي وأظهرت المستعمرين وكأنهم ضحية وليس كمغتصبين لأراضي هي أصلاً ليست من حقهم".


وقال المذيع في إذاعة القدس محمد قنيطة: "إننا بحاجة إلى خطة إعلامية "موازية" للخطة الإعلامية الإسرائيلية والتي تفوقت في هذا الموضوع، والدليل على ذلك هو ترشيح إحدى الجمعيات الإيطالية لشارون كمرشح لنيل جائزة نوبل السلام". وأكمل: "أتساءل بالتحديد عن دور وزارة الإعلام وهى جهة رسمية... أين جهود الوزارة وأين دورها في رسم خطة إعلامية واضحة تتبعها جميع وسائل الإعلام الرسمية في تغطية هذا الحدث الهام".

وعن دور التلفزيون الفلسطيني، قال مدير عام البرامج، محمد الباز، إنه بالرغم من عدم التنسيق الواضح والمبرمج بين وسائل الإعلام الفلسطينية المختلفة مع لجان الإعلام التي انبثقت عن لجان المساندة والحماية الأهلية، والفعاليات الشعبية ولجان التضامن التي اهتمت بهذا الموضوع الوطني والمصيري، إلا أننا استطعنا أن نرسل الرسالة الفلسطينية كلاً فيما يخصه، وإن لم تكتمل الصورة بشكل يصل لمستوى ما تم تغطيته من قبل بعض وسائل الإعلام التي سمح لها بالدخول إلى موقع الحدث داخل المستعمرات.

وأضاف الباز: " لقد اقتصرت تغطيتنا الإعلامية على الصور العامة والتغطية الشاملة، مع بعض التفاصيل التي كان فيها الإعلام الفلسطيني متميز بجوانب وغير قادر على الوصول إلى الصورة بجوانب أخرى".

من جانبه أكد إياد البيومي من تلفزيون فلسطين، أن وسائل الإعلام انسجمت مع الحالة الواقعية لهذا الحدث الكبير، في إطار معاني الفرح والانتصار المحدود على صعيد تحقيق الأهداف الوطنية، ولم يكن دورنا الإعلامي عامة مؤثراً تأثيراً كبيراً على الصعيد الدولي، وقال: "الحدث كان إسرائيلي بحت خصوصاً وأن مجرياته كانت في مناطق لا تزال تحت السيادة الإسرائيلية، لذلك وجدناهم يتحكمون بالصور الخارجة وفي كيفية خروجها، ولهذا فإن الإسرائيليين انتصروا في استثمار المشهد إعلامياً على الصعيد الدولي، وفي المقابل الإعلام الفلسطيني قام بكل ما في وسعه ضمن المتاح له ووفق إمكانياته المادية والمعلوماتية".


وعن رأي الإعلاميين العاملين في الصحف المحلية، أكد الصحفي في جريدة القدس عماد الإفرنجي، أن المؤسسة الإعلامية الرسمية الفلسطينية كانت مرتبكة في اتخاذ قرارها حول هل عملية الانسحاب هي نصر كبير أو هزيمة للاحتلال، أم هي إعادة إنتاج للمشروع الصهيوني، منوهاً بأن الخطة الإعلامية الفلسطينية بدت بسيطة في شكلها ومضمونها، وكان التركيز جماهيرياً على عدد من اللافتات والقبعات والبوسترات، بيد أن الاهتمام بمواضيع الأخبار وما وراءها وفنون الكتابة الصحفية الأخرى كان ضعيفاً نسبياً.

وأضاف قائلاً: "ربما كان للهيئة العامة للاستعلامات دور كبير في توفير المعلومات أكثر من غيرها عن قضايا متعددة حول الانسحاب، بينما اقتصر دور وزارة الإعلام على توفير بطاقات لم تلزمنا حتى اللحظة، وبدلاً من تسهيل عمل الطواقم الإعلامية من قبل جميع المؤسسات الفلسطينية جرى تعقيد عملها بقرار من وزارة الداخلية، بشأن ترتيب أمور التصوير الخاضع لقوانين الوزارة، وكان ممكناً اعتبار أن من يحوز على بطاقة وزارة الإعلام يمكنه تصوير ما يريد والكتابة عن كل ما يرغب".

بدوره، أوضح الصحفي موسى أبو كرش من صحيفة الحياة الجديدة، أنه بشكل عام تعتبر عملية التغطية الفلسطينية نوعاً ما جيدة، ولكنها كانت تغطية إخبارية ولم يتخللها تغطية قصصية للواقع الفلسطيني.

وقال أبو كرش: " لا أستطيع أن أقول إن تغطية الصحف والإذاعات المحلية الفلسطينية لموضوع الانسحاب قد اتسمت بالجدية، بالرغم من أنها كانت في حالة من التباري البسيط في عملية تلك التغطية، فالتلفزيون الفلسطيني لم يرتق إلى التغطية الإعلامية مقارنة بتغطية التلفزيون الإسرائيلي، وذلك قد يكون لعدة أسباب منها قلة المراسلين وعدم القدرة على الوصول إلى أماكن المستعمرات".

وقال الصحفي في جريدة الأيام حامد جاد، إن معظم الصحفيين المحليين العاملين بالصحف، ركزوا جهدهم على تغطية كافة ما يتعلق بقضايا الانسحاب وكان هناك تواجد ملحوظ لكل الصحفين بأى ندوة أو مؤتمر أو ورشة عمل ناقشت أو تابعت قضية الانسحاب، أو ما يترتب عليها وما المفروض اتخاذه لإنجاح هذه الخطوة أحادية الجانب.

وأضاف جاد أن "التغطية الإعلامية حتى الآن كانت متميزة على صعيد الصحف الفلسطينية، وخصوصاً صحيفة الأيام، في حين أن التغطية الإسرائيلية كانت تهدف لإظهار المستعمر بأنة ضحية وأنه مظلوم وأن إسرائيل قدمت تنازلات مؤلمة تتصل بانسحابها من أراض تصورها على أنها ملكها".



المصدر : المركز الصحافي الدولي

التعليقات