أسماه شارون "عش الدبابير" ويتفاخر الفلسطينيون بتسميته عاصمة الاستشهاديين وعرين المقاومة..

-

أسماه شارون

خمسة أعوام ومعركة مخيم جنين لم تنته..


الأهالي يؤكدون في ذكرى المعركة تمسكهم بعهد ومسيرة الشهداء..


في الثالث من نيسان يتذكر أهالي مخيم جنين الذكرى السنوية الخامسة لمعركة ومجزرة المخيم، حيث تستعد كافة القوى والفصائل لإحياء المناسبة من خلال رفع الشعارات التي خطها شهداء تلك المعركة بدمائهم، والتي تعكس كما تقول أم بلال، التي عاشت المعركة، مدى إصرار شعبنا على الوحدة والتلاحم والتمسك بأن مخيم جنين عنوان الوحدة والتلاحم والنضال ضد المحتل. واتفقت القوى الوطنية والإسلامية على إحياء ذكرى المعركة في المخيم.


ويعتبر شهر نيسان في حياة أهالي مخيم جنين عنوانا لمعاني البطولة والتضحية والتحدي التي جسدوها في المعركة الشهيرة التي قلبت حقائق التاريخ في معادلة الصراع مع إسرائيل، وبرغم ما حل بهم من دمار ومآس، فإن نيسان يحفز في أعماقهم معاني الثورة والبطولة والاستعداد للمواجهة.


الصمود والعزيمة..
وفي هذه الذكرى يعبر أهالي المخيم عن عزيمة قوية في مواصلة المعركة مهما كان الثمن لتحقيق الأهداف والمبادئ التي خاض في سبيلها المخيم المعركة التي اعترفت إسرائيل بشراستها وبأس المقاتلين الفلسطينيين الذين تصدوا لقواتها رغم كل الأسلحة التي استخدمها جنودها لكسر المقاومة والصمود.. ويصر الأهالي بعد خمس سنوات على ربط نيسان بالمعركة للتعبير عن قوتهم في تحدي الاحتلال، وللتأكيد على وحشية وعدوانية المحتل في قمع الفلسطينيين.


فقوات الاحتلال التي أرسلت أفضل وحداتها المدربة لاستئصال روح المقاومة من جنين وقصفت المخيم ليلا ونهارا ودمرت مئات المنازل، فشلت في تحقيق الهدف الأول والأخير لحملة "السور الواقي" التي اخترقها استشهادي من سرايا القدس في العاشر من نيسان، والاحتلال الإسرائيلي يواصل دك المخيم وبلدوزراته، التي اشترتها أمريكا مؤخرا لاستخدامها في العراق، ما انفكت تهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها ممن رفضوا التخلي عن المقاومة والهرب من المخيم. وبينما كان آلاف الجنود يطبقون الحصار على جنين، كان راغب جرادات يخترق كل الحواجز والحدود ويفجر جسده في العمق الإسرائيلي. المعركة يشتد أوارها في المخيم وراغب يلبي صرخة المخيم ليؤكد أن إرادة الفلسطينيين هي الأقوى.


المعركة الأسطورة..
ورغم مرور عامين على المعركة فإن الكثير من الصور لا زالت تتكشف عن تفاصيل الصمود الأسطوري الذي خاضه رجال المقاومة من كافه الفصائل بوحدة لم يسبق لها مثيل على مدار أسبوعين..


تلك الصور التي يتناقلها الأهالي بفخر واعتزاز كالمواطن جمال الزبيدي الذي روى أن وحدة المقاومة كانت الأساس الرئيسي في الصمود رغم اختلال ميزان القوى . ويضيف: "أحيانا لا اصدق مشاهداتي التي عشتها، فقد كانت المواجهة وجها لوجه، وكلما اشتد القصف ترتفع معنويات المقاتلين الذين رفضوا كافة الضغوط للخضوع والاستسلام، ولم يتمكن الغزاة من مغادرة دباباتهم والتحرك امتر واحد لأكثر من عشرة أيام، فالمقاومة كانت لهم بالمرصاد".


وتقول المواطنة أم عماد: " فقد حوصر الكثير من المقاومين، وكان الإسرائيليون يتراجعون مكبدين بالخسائر.. لقد شاهدتهم يبكون ويشتمون شارون.


أما أم علي عويس التي تعاونت مع النسوة في إمداد المقاتلين بالطعام، فقالت: "صمود المخيم كان أسطورياً، وذلك بفضل حنكة وقوة وإرادة المقاتلين الذين توزعوا في كل زاوية ونجحوا في نصب الكمائن للجنود. كانوا يدا واحدة، صوتهم وحلمهم واحد..عندما يحاصرنا الجنود ويهددون حياتنا يهاجمونهم ويعرضون حياتهم للخطر وينقذوننا".


وتقول والدة الشهيد ناصر أبو حطب لن أنسى عندما أصيب زوجي وحاصرنا الجنود كيف هجم محمود طوالبة على الجنود وقاتلهم ثم حطم زجاج منزلنا وحمل زوجي المصاب وحملني وأنقذنا، لقد أنقذ حياتنا ولولا بطولته ورجال المقاومة لاستشهدنا تحت القصف".


مقتل 13 جندياً..
ويتذكر الأهالي حادثه مقتل ثلاثة عشر جندياً إسرائيلياً، ويقول أبو احمد: "حاول الجنود التقدم ونصب كمين لرجال المقاومة ولكن المقاتلين اكتشفوهم وحاصروهم واشتبكوا معهم.. كانت معركة طويلة استمرت عدة ساعات ولم تنته إلا عندما تدخلت الطائرات وقصفت الموقع 12 ساعة ومع ذلك قتل 13 جندياً من بينهم في المخيم".


الأشبال شاركوا في المعركة..
وفي صورة أخرى يقول الشبل حسام إن الأطفال في المخيم قاتلوا مع الرجال جنبا إلى جنب بالعبوات، وهي السلاح الأقوى الذي واجه فيه المخيم الغزاة، فقد أقام رجال المقاومة مصانع كثيرة في المخيم لتصنيع العبوات التي أطالت أمد المعركة.


وقاتل زياد العامر قائد كتائب الأقصى ومحمود طوالبة قائد سرايا القدس ومحمود أبو حلوة قائد كتائب القسام وأبو جندل قائد الأمن الوطني الذي رفض مغادرة المخيم وكل الأبطال من كافه التشكيلات جنبا إلى جنب بإرادة واحدة أذاقت المحتلين، والكلام لحسام، طعم الهزيمة. "لم نخف.. وقاومنا وصمدنا وهزمناهم".

صور من نيسان 2002
وفي نيسان برزت أيضا الكثير من صور الفظائع والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في المخيم وفي مقدمتها، كما يقول إبراهيم دبابنة مدير الهلال الأحمر، منع الطواقم الطبية والإسعاف من دخول المخيم طوال المجزرة. فقد حاصروا مقر الهلال والمستشفى وأطلقوا النار علينا ومنعوا إخراج المصابين الذين نزف بعضهم حتى استشهد، وبقيت جثت الشهداء ملقاة في الشوارع..


أما عبد الرازق أبو الهيجاء مدير المخيم آنذاك فيتذكر أن الاحتلال تعمد تدمير شبكات الكهرباء والمياه والهاتف والبنية التحتية وعزل المخيم عن العالم ومنع الأمم المتحدة والصليب والصحافة من دخول المخيم، في وقت شنت فيه قوات الاحتلال عمليات واسعة النطاق.


وتتذكر أم علي أن الجنود اعتقلوا أبو جندل وقيدوه ثم اقتادوه إلى ساحة المخيم وأعدموه بدم بارد..


أما فريال الشلبي فشاهدت الجنود عندما اعتقلوا زوجها وضاح وعمها وجارهم عبد الكريم السعدي والقوهم على بوابة المنزل وأطلقوا النار عليهم، فاستشهد زوجها والسعدي ونجا عمها من الموت بأعجوبة وبقيت الجثث في الشارع حتى انتهاء الحصار الذي كان مفروضاً على المخيم..


ويتذكر مروان وشاحي أن جنود الاحتلال أطلقوا النار على والدته وشقيقه في منزلهم في المخيم.. "نزفت أمي وأخي أمامنا وعجزنا عن إنقاذهم ولم يحرك العالم ساكنا لنجدتنا عندما كان الجيش يقتلنا ويحتل منازلنا ويدمرها فوق رؤوسنا".


وتروي أم سري أن الجنود الذين احتلوا منزلها منعوها مع 40 فلسطينيا احتجزوا في غرفة صغيرة لأسبوع من الطعام والشراب، وعندما شردوهم من المخيم تفرق شمل أسرتها ولم تلتق بهم إلا بعد أسبوعين.


وفي نيسان تكررت مآسي نكبة عام 48 التي عاشها الحاج محمد أبو خرج، ولكن أحداث نيسان كانت أكثر فظاعة وقساوة فقد قتلت شقيقته التي تعاني من إعاقة عقلية بصاروخ بينما كانت في منزلها. ويضيف: "لقد اقتحموا منزلنا واجبرونا على المغادرة.. وتفرق شمل أسرتي مرة أخرى ولاحقونا بالدبابات بالشوارع واعتقلوا جميع الشبان وأمضيت طوال أيام المجزرة مشردا في مسجد في جنين أموت كل لحظة لعجزي عن معرفه مصير أسرتي، وبقيت جثة شقيقتي في المنزل حتى تعفنت".


ويتذكر عبد الكريم ذياب أن الدبابات والبلدوزرات بعد عجزها في اقتحام المخيم بدأت بهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها بعد أن رفضوا مغادرتها. ويقول: "حتى اللحظة لا اعرف كيف قفزت وزوجتي وأطفالي من نافذة المنزل الذي دمر لنشرد وقد اعتقلوا جميع الرجال والقونا بالشوارع واجبرونا على التعري أمام النساء.. طرد الجنود النساء خارج المخيم". وفي الطريق كانت صور مأساوية كثيرة تتحدث عنها والدة الطفل عمر حواشين الذي استشهد في أحداث المخيم، وتقول: "شاهدنا جثثاً ملقاة على جنبات الطرق.. وشاهدنا دبابة تدوس جسد الشهيد جمال الصباغ وجرحى ينزفون وهم في قبضة الجنود".


حصيلة..
فشل الاحتلال في السيطرة على المخيم ورفض الأهالي الخروج دفعهم لهدم أكثر من 504 منازل تم مسحها عن الوجود، واعتقال جميع الشبان من سن 15-50 عاما، وبذلك انتهت المعركة التي بلغ عدد شهدائها 63 شهيدا، إضافة لعشرات الجرحى، أما القتلى من الجانب الإسرائيلي وبحسب الاعترافات الرسمية فكان 32 جنديا إضافة لعشرات الجرحى.


المقاومة لن تستسلم..
في نيسان لم يسلم فلسطيني في المخيم من الأذى والقمع ومع ذلك سرعان ما استعادت المقاومة قوتها وأعادت ترتيب صفوفها رغم استشهاد ابرز قادتها ومقاتليها، واعتقال من نجا من الموت. وتشكلت مجموعة المقاومة الموحدة التي ضمت الأجنحة العسكرية للجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى وكتائب القسام والتي نفذت عمليات مشتركة وخاضت معارك ضد الاحتلال، ولم يتمكن الجيش الإسرائيلي حتى اليوم من دخول المخيم دون استخدام الدبابات وبتغطيه من الطائرات. فمع كل عملية توغل هناك مواجهة واشتباكات.. ومع ذلك وفي نيسان "فإن المقاومة تصر على استمرار المعركة".


ويقول أبو مجاهد قائد سرايا القدس معركة مخيم جنين لم تنته وإرادتنا أقوى من الاحتلال والمجازر.. وقال إبراهيم جبر، من قادة حماس الذين اعتقلوا خلال المعركة وأفرج عنه مؤخرا، إن الوحدة كانت سلاح المعركة، ولن ننسى الشهداء.


الصمود


أهالي المخيم الذين رفضوا المساعدات الأمريكية رغم معاناتهم، واستمرار تشردهم مع التأجيل والمراوغة المستمرة في عملية إعادة إعمار ما دمره الاحتلال.. ورغم حملات المداهمة والتنكيل والهدم التي لم تتوقف، لا زالوا يلتفون حول المقاومة.


خالد الفايد الذي استشهد شقيقاه في المعركة يقول: "بعد عامين ما زال المخيم صامدا قويا. لم ولن ينالوا منه، يتميز بوحدة أهله، وعزة نفسهم واستعدادهم للتضحية.. المواطنون في المخيم لن يفرطوا بقضيتهم وان خذلهم العالم ولن يتنازلوا عن حلم أبنائهم الذين استشهدوا في نيسان وقبل وبعد ذلك".


أما زوجه الشهيد زياد العامر: "فتقول في ذكرى المعركة نوجه رسالة واحدة للعالم الذي وافق على طلب إسرائيل بإلغاء إرسال بعثة التقصي للمخيم، لسنا بحاجة لكم ما دام الشهداء ينيرون لنا الطريق.. للمخيم رسالة واحدة: صمود، مقاومة، تحد وبطولة ومعركة مستمرة حتى النصر أو الشهادة".


أما زوجة الشهيد محمود طوالبة فقالت: بعد كل تلك الملاحم والتضحيات لم يتبق لنا خيار سوى الثبات والتماسك والإصرار على المقاومة حتى يزهر نيسان ويعطينا الكرامة والحرية وبعد خمس سنوات لا زال مخيم جنين صامدا مقاوما مجاهدا ولن يستسلم.


عاصمة الاستشهاديين


في ذلك المخيم يتفاخر الفلسطينيون ببطولاتهم وبما قدموه من تضحيات ومقاومة جعلت شارون يطلق على مخيمهم عش الدبابير ولكنهم يصرون على تسميته بحزام النار وعاصمة الاستشهاديين وعرين المقاومة الذي لن يهزم..

.

التعليقات