الحب والعطف والحنان كانت من صفات القادة الشهداء

اجرت مراسلة "عرب48" في قطاع غزة، لقاءا مع ارامل قادة حماس الشهداء احمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي واسماعيل ابو شنب، اضافة الى ابنتي ياسين والرنتيسي

الحب والعطف والحنان كانت من صفات القادة الشهداء
حزنهن واحد وألمهن في الفراق واحد، وقفن إلى جانب بعضهن البعض وكأن كل واحدة فيهن تحاول أن تساهم في رفع معنويات الأخرى.. إنهن الأرامل الثلاث، زوجات كل من الشيخ احمد ياسين، زعيم ومؤسس حركة حماس، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، والمهندس إسماعيل أبو شنب .

وقفن معاً في بيت عزاء الدكتور الشهيد عبد العزيز الرنتيسي الذي أقيم في شارع فلسطين بحي الشيخ رضوان بمدينة غزة، وتلقين العزاء ليس في الدكتور الرنتيسي، فحسب، و إنما بأزواجهن جميعا .

الحب والعطف والحنان كانت الصفات التي يتمتع بها القادة الثلاثة الذين اغتالتهم الطائرات الإسرائيلية بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير حربه الحرب على حركة حماس، فكان اغتيال المهندس إسماعيل أبو شنب في الثاني والعشرين من آب عام 2003 تلاه اغتيال قائد ومؤسس الحركة الشيخ احمد ياسين في الثاني والعشرين من آذار 2004، ثم اغتيال خلف الشيخ ياسين، الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في السابع عشر من نيسان الحالي، فجسدوا بذلك معاني الإنسانية والقيادة في أروع صورها .

وبعيدا عن المشهد السياسي لأي من القادة الثلاث كان هذا الحديث المقتضب مع زوجات الشهداء الثلاثة ومع ابنة الشهيد ياسين وابنة الشهيد الرنتيسي، في بيت العزاء الذي كان يشهد توافدا كبيرا من قبل المعزين ومن قبل أنصار حركة المقاومة الإسلامية حماس..

قالت رشا الرنتيسي " أم محمد " زوجة الدكتور عبد العزيز، و التي استطعنا الحديث معها بعد انتظار دام ما يقارب الساعة ونصف الساعة، إن زوجها قام بزيارة مفاجئة لمنزل أسرته قبل ساعات قليلة من استشهاده، مشيرة إلى انه منذ استشهاد الشيخ احمد ياسين لم يدخل إلى المنزل.

وكشفت أم محمد، خلال حديثها، تفاصيل الزيارة العابرة التي قام بها الشهيد الدكتور الى منزله للاطمئنان على زوجته و أولاده، فقالت انه لم يتحدث إطلاقا بأي موضوع يتعلق بالسياسة بل كان حديثنا، طيلة تلك اللحظات، منصب على أمور شخصية وعائلية حيث تحدثنا عن تفاصيل زواج ابننا احمد فكنا نتناقش أين سيسكن ومن سنخطب له وكيف سيكون الفرح لان "أبو محمد " كان ينوي الإسراع في تزويج احمد .

ولم تستطع أم محمد التي بدت متماسكة صابرة مؤمنة بقضاء الله وقدره، أن تكمل حديثها بعيدا عن عبد العزيز السياسي القائد لحركة حماس، فقالت: " لقد نال زوجي ما تمناه واستشهد وهو متمسك بعقيدته"

و أشارت إلى أن آخر ما سمعته منه قبيل خروجه من منزله قبل اغتياله بدقائق، كان ينشد على غير عادته " ربي أدخلني الجنة هذا أقصى ما أتمني " .

و أبدت أم محمد ثقتها الكاملة في أن دولة الاحتلال لا تستهدف الدكتور الرنتيسى أو أبو شنب أو الشيخ ياسين بل هي تستهدف القضاء على حركة حماس واجتثاثها، إلا أنها تابعت القول موضحة أن حماس اقوي مما يتخيل الجميع وحماس لن تنتهي باغتيال الرنتيسى أو ياسين أو أبو شنب أو أي من قادتها. وتابعت: "حماس باقية طالما بقى الاحتلال وراسخة في قلب كل فلسطيني بما حفرته من اثر طيب لدى الفلسطينيين يبرهن على أنها قادرة على توجيه ضربات موجعة للعدو".

وفى آخر كلماتها بعد أن استأذنت للوقوف لأخذ واجب العزاء في زوجها أكدت على أنها علي ثقة تامة من أن حماس ستنتقم لشهدائها علي الرغم من العقبات .

وفى ركن آخر من بيت العزاء جلسنا إلى جانب زوجة الشهيد المهندس إسماعيل أبو شنب فقالت: " أتذكره كأنه معنا في كل وقت و في كل مكان، فهو شهيد والشهيد يعيش بيننا ولا يتركنا. أحس به في كل مكان وفى كل وقت اشكي إليه، واشعر انه يقف إلى جانبنا في كل لحظة صعبة نعيشها . اشعر به يهون علينا كثيرا ويؤكد لنا أن النصر قريب ".

تابعت أم الحسن تقول: " لم يكن يخاف أي شئ بل كان يعيش حياة طبيعية ويعيش حياته المعتادة إلا من بعض الإجراءات الأمنية المعتادة التي زادت قليلا .

وتضيف " جئت اليوم لاقف مع أم محمد في عرس زوجها الدكتور الرنتيسي، فهي وزوجها يستحقان ذلك لان الدكتور الرنتيسي من احسن الشخصيات التي تعرفت عليها .

تتابع فتقول " كانت تربطنا علاقة عائلية فكنا نتزاور ونتحدث عبر الهاتف لنطمئن على بعضنا البعض لقد حرصنا أن تتوطد تلك العلاقات العائلية بعيدا عن الأجواء السياسية التي كان يعيشها أزواجنا" .

وسألناها ان تذكر لنا اللحظات التي سبق استشهاد زوجها، فقالت: " نعم أتذكر اليوم الذي استشهد فيه زوجي، فقد كان في المنزل قبيل استشهاده بدقائق قليلة إلا إنني لم أره أو أتحدث إليه، فقد خرج للقاء الدكتور محمود الزهار في منزله إلا أن الصواريخ الإسرائيلية استهدفته قبل وصوله إلى هناك .
تحدثت أم الحسن عن زوجها الإنسان فقالت " لقد كان عطوفا حنونا طيبا يتعامل مع الجميع بروح مرحة وجميلة كان يعطى البيت حقه ويجلس مع أبنائه على الرغم من انشغالاته الكثيرة في أمور الحركة والوضع الذي كانت تمر به الأراضي الفلسطينية ".

وعن شعور فقدان الابنة لأبيها تحدثت إلينا ابنة الدكتور الرنتيسي الصغرى التي أكدت أنها حزينة جدا لفقدانه كأب وكصديق وصاحب، فقالت: "صحيح أنى متزوجة إلا إنني أحس أن والدي قريب جدا مني فقد كنت أستشيره دائما في كثير من الأمور فكان خير الأب وخير الناصح وخير الصاحب والصديق".
وتابعت تقول ": لقد كان أبى صاحب روح مرحة جميلة وكان يمنحنا الحب والحنان ولا يقصر في واجبه تجاهنا كابناءه حتى معاملته للأطفال من أحفاده كلهم يحبونه كثيرا ولكن الحمد لله ما غرسه فينا من حب الجهاد والمقاومة يعوضنا غيابه عنا".

وردا على مدى قلقها عليه خاصة في الأيام الأخيرة بعد اختياره كقائد للحركة في قطاع غزة قالت أسماء، الابنة الصغرى للدكتور: "كنا نخاف عليه من شيء واحد وهو أن الحركة تفقده لأننا نحسبه عند الله يمضي في حياته لنصرة الإسلام" .

وتحدثت أسماء عن طفولة قضتها في ظل غياب الأب الذي امضى حياته في سجون الاحتلال ومعتقلات السلطة فقالت: " كان عمري ثماني سنوات عندما سجن أول مرة في سجون الاحتلال وعندما عاد إلينا لم اقض معه سوى خمسة اشهر بعدها تزوجت".

وعن الروح المرحة التي كان يتصف بها والدها قالت أسماء ان "روح ابي المرحة كانت تتجسد في المقولة المشهورة "أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين"فقد كان يوجه كل القوة في شخصيته للتحدي وللتوعد مع الأعداء".

وفيما إذا كانت هي كأصغر بناته قد تمتعت بدلال خاص قالت أسماء "دائما الصغير في البيت له معاملة خاصة ودلال، لكن أبى لم يكن ليظهر ذلك بيننا فقد كان حريص اشد الحرص على أن يعوضنا عن الأيام التي لم عاشها بعيدا عنا ".

"لقد كان ابي دائم الانشغال بالعمل السياسي وكنا نعذره لذلك لكنه لم يكن لمرة بعيدا عنا فكان دائما يصلنا ولم يقصر فينا ابدا".

وعن ردة فعلها فور سماعها نبأ استشهاد والدها قالت أسماء: "كنت في زيارة لمنزل آبي بالصدفة والتقيت به هناك، جلس معنا وبعدها قرر الذهاب ولم تمض سوى دقائق معدودة حتى سمعنا صوت الانفجار، حينها عرفنا أنا و أمي أن المستهدف هو أبى لم اعرف لماذا شعرت بذلك".

وعن سر الابتسامة التي تعتلي وجهها هي وإخوانها وكيف هو شعور الابنة وهي تتبسم لفراق والدها قالت أسماء: "شعوري صادق للأمانة وليس ظاهريا أنني اشعر فعلا بالفخر والاعتزاز بان ابي قضى شهيدا ويتنامى هذا الشعور لدي عندما يأتي أهالي الشهداء ليعزونني اشعر لحظتها أنني الآن بإمكاني إن ارفع رأسي كي أتحدث مثلي مثلهم، أحمد الله فهذا عز وفخر وشهادة مشرفة" .

وعن رؤيتها لمستقبل الحركة التي ينتمي إليها والدها قالت: "الحمد لله أنا أؤمن تماما بأن كل عصر من العصور يجعل الله له قائدا يقود المسلمين ولا اعتقد ان فقدان آبي أو الشيخ ياسين أو المهندس أبو شنب سيؤثر، فقد كان هناك قادة قبلهم جاءوا واستشهدوا وهذا كان هدفهم في الحياة، أن يجعلوا كلمة الله عالية وان يكونوا لنصرة الإسلام. لقد قضى أبى اغلب وقته في خدمة القضية الفلسطينية و الإسلام وهو ما تربينا عليه في بيتنا. لقد كان بيتنا رمزا للبيت الفلسطيني المسلم الذي نمت فيه روح الجهاد".

وفي جانب آخر من بيت العزاء كان لنا لقاء مع مريم ابنة الشيخ الشهيد أحمد ياسين التي قالت تعقيبا على استشهاد الدكتور الرنتيسي، وقالت: لقد تلقينا نبأ استشهاد الدكتور بالحزن والألم خاصة وانه لم يمض على استشهاد أبى سوى أيام قليلة ولم يأت الرد بعد ولكن الحمد لله على كل مصاب. لقد تمنى أبى والدكتور الرنتيسي الشهادة واختاروا حياتهم دربا لها ويكفيهم أن الله سبحانه وتعالى استجاب لدعائهما .

وعن اغتيال الشيخ ياسين قالت مريم "لقد فقدت الأب الحنون العطوف المجاهد في سبيل الله أب الأمة كلها، هذا شيخا لا يعوض ولكن عزاءنا الوحيد أن الله سبحانه وتعالى ابلغه ما تمناه".

و قالت مريم لقد كان أبى يعاملنا معاملة حسنة جدا، كان عطوفا وكثيرا ما كان يجمعنا في جلسات ذكر واستغفار ويعلمنا في أمور الدين".

وذكرت لنا مريم قصة يوم تزوجت قائلة: "كان أبى مثالا للأب الحنون ، لم يرغمنا يوما على شيء، بل دائما يوجهنا إلى ما فيه صالح لنا في أمس أمور حياتنا، ففي اليوم الذي تقدم لي زوجي لخطبتي، لم أكن أرغب في الزواج لأنني كنت أود أن اكمل تعليمي فلم يرغمني على الزواج منه رغم انه كان يود أن يتم هذا الزواج، وما كان من آبى إلا أن جلس معي واخذ يصف لي ويرغبني فيه دون أن يضغط علي أو يجبرني عليه تاركا لي الخيار ووافقت والحمد لله".

وتضيف مريم كان آبي رحمه الله حريصا على أن يزرع فينا حب الله ومساعدة الآخرين ولم يغلق بابه أبدا في وجه احد.

وعن آخر لقاء جمعها بوالدها قالت مريم: "كان ذلك قبل استشهاد والدي بيومين أي يوم السبت "كان حديثه معي مختلفا تماما وكان مريض جدا كان أبى كمن يودعنا ويعلم انه لن يلقانا مرة أخرى، وتضيف استشهاد والدي لنا يشكل فخرا واعتزازا وفخرا للشعب الفلسطيني بأكمله، وباستشهاد احمد ياسين والدكتور الرنتيسي لن تنتهي حماس ولن يضيع مصير أمة".

والتقينا زوجة الشهيد الشيخ احمد ياسين والتي بدأت حديثها قائلة لقد تزوجته رحمه الله قبل نحو أربعين عاما/ كان فيها مثال الزوج الرائع/ لم يكن يبخل بحنانه علي وعلى أبنائه وبناته كان شديد الحرص علينا جميعا."

ونفس الموقف يتكرر فتقول زوجة الشيخ الشهيد "لقد شعرت عندما سمعت القصف لحظة استشهاد الشيخ ياسين أن زوجي هو المستهدف".

ثلاثة زوجات أرامل إلا انهن صابرات باقيات على الوعد والعهد متمسكات بالقيم والمبادئ التي غرست فيهن من قبل أزواجهن قادة حركة حماس..

التعليقات