الشتات، الجاليات، اللاجئون../ صبري حجير

-

الشتات، الجاليات، اللاجئون../ صبري حجير


كَثُرَ الحديث، في الآونة الأخيرة، عن الشتات والجاليات واللاجئين، وبدأت الإعلانات تنبعث عبر وسائل الإعلام المرئية والمقروءة تعلن اقتراب موسم انعقاد المؤتمرات في أوروبا.


وبات مصطلح الشتات والجاليات واللاجئين، يتردد على ألسنة الكثير من المهتمين والمتابعين للشأن الفلسطيني في الشتات والمهاجر.


 


هنالك ثمةَ خلطٍ، لا يبدو واضحاً عند تداول المصطلحات التي تتداخل فيها التوصيفات والمعاني، عند تناول موضوع الجاليات واللاجيئين والشتات!


بدايةً لا بدّ من تحديد التوصيف الصحيح، أو الأقرب الى الدلالة في معنى الجاليات واللاجئين والشتات، لأنّ الخلط بين التسميات قد يوقع في أخطاءٍ سياسية وقانونية، يترتب عليها، في كثير من الأحيان، تراكم من الأخطاء والأغلاط السياسية والقانونية المركبة، خاصةً عند وضع البرامج والهياكل التنظيمية، وعند الإشارة للحقوق السياسية، وعند تحديد الأهداف والأنشطة، في المؤتمرات.


 


الشتات الفلسطيني : نبدأ في تحديد التوصيف المناسب لموضوع الشتات الفلسطيني، وفقاً لمفهومه السياسي والقانوني ؛ فالشتات يعني وصفاً عاماً  للفلسطينيين المقيمين خارج وطنهم الأصلي، والمنتشرين على حدوده، وفي أرجاء العالم، وهذه الأرجاء تشمل مساحات واتساعات، ومناطق جغرافية محاذية لفلسطين، تتشكل من دول عربية، كانت تسمى فيما مضى ؛ دول الطوق، لأنها كانت تشكل طوقاً يحيط برقبة الكيان الصهيوني، كما كان يطلق عليها دول اللجوء ومناطق الشتات. أو للفلسطينيين المنتشرين في مناطق جغرافية بعيدة كلّ البعد عن فلسطين، مثل استراليا وأمريكا وكندا والدول الأوروبية.


 


وفلسطينيو الشتات، هم الفلسطينيون الذين يسكنون، دون إرادتهم، خارج وطنهم الأصلي، أي خارج بلداتهم وقراهم وبيوتهم الأصلية، في أي مكان من العالم، سواء في الدول العربية والإسلامية، أو في الأمريكيتين وأستراليا، أو في الدول الأوروبية،  فهم فلسطينيو الشتات، أي أن الشتات الفلسطيني توصيف ديمغرافي سياسي جامع لكلّ  اللاجئين الفلسطينيين، خارج إطار وطنهم.


 


يبقى أن نقول: إن الشتات الفلسطيني كله، يقع سياسياً وأدبياً تحت مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية، التي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد لكلّ الشعب الفلسطيني، في كلّ أماكن تواجده. وانّ ما يتم الإعلان عنه، بين الفينة والأخرى، في المهاجر الأوروبية والأمريكية، من قبل مجموعة من الفعاليات الجماهيرية الفلسطينية والإقتصادية، ليس الهدف منه تشكيل بديل عن م. ت. ف. بل انّ السعي الدؤوب ينصبّ من أجل تشكيل المؤسسات الجماهيرية المدنية المغيبة، والتي هي جزء لا يتجزأ من الأطر الجماهيرية الفلسطينية، في منظمة التحرير الفلسطينية. من جانب آخر، أعتقد أنّه من الخطأ السياسي والقانوني أن نطلق توصيف الشتات، اذا أردنا تحديد الصفة الجماهيرية، على مؤتمرات قد تعقد هنا أوهناك  للاجئين أو الجاليات الفلسطينية، لأنّ الشتات توصيف شامل وعام، بل ينبغي تحديد التوصيف الصحيح لها.


  


اللاجئون الفلسطينيون: هم الفلسطينيون الذين لجأوا الى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، والى الدول العربية المحيطة بفلسطين، أو القريبة منها،  وأقاموا فيها، سواء في المخيمات، أو التجمعات، في المدن والأحياء والقرى، فهم لاجئون فلسطينيون وفقاً لنص القانون الدولي، واستناداً للسياسية الدولية التي تعاملت مع القضية الفلسطينية، منذُ نشأتها، وكما جاء في تعريف الأمم المتحدة  بتفسيرها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194، لغايات العودة والتعويض، فإنّ تعريف اللاجيء الفلسطيني، هو ذلك الفلسطيني الذي ترك أو غادر وطنه فلسطين، تحت وطأة الحرب بين العرب والإسرائيليين، وأنّ الفلسطينيين بحكم القرار 194، وبحكم القرارات الدولية ذات الصلة، يتمتعون بحقوق سياسية وقانونية وإنسانية تكفلها الأمم المتحدة، وقد شكلت الأمم المتحدة بموجب قرارها 302 الصادر في شهر كانون الأول، ديسمبر من عام 1949، وكالة دولية لاغاثة وتشغيل الفلسطينيين ( الانروا ) لكن الأنروا عرّفت اللاجيء الفلسطيني، استناداً لأنشطتها الخدمية، فاللاجيء الفلسطيني، وفقاً للأنروا، هو الفلسطيني الذي يتلقى مساعداتها، ويستفيد من خدماتها، وقد قالت في تعريفه ؛ بأنه الشخص الفلسطيني الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة ؛ من الأول من حزيران عام 1946، حتى الخامس عشر من أيار عام 1951.


 


  واستنادا لما تقدم فإنّ اللاجئين الفلسطينيين يقعون تحت اشراف ومسؤولية الأمم المتحدة، وترعى شؤونهم " وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " التابعة للأمم المتحدة مباشرةً، فمن دواعي الخطأ أن نسميهم جاليات، كما تردد على بعض الألسنة، مهما كان عددهم قليلاً، كاللاجئين الفلسطينيين في العراق، الذين لا يزيد عددهم عن بضع عشرات من الآلاف، فهم لاجئون بحكم القانون الدولي، وليسوا جالية فلسطينية! وحكماً لديهم حصانة دولية تحمي حقوقهم  وترعى حياتهم، رغم غيابها، وإن استحضار هذه الحصانة الدولية هي من مهمة القيادة السياسية الفلسطينية، في منظمة التحرير الفلسطينية، وليس من مهمة السلطة الوطنية الفلسطينية.


كلّ اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، يستظلون في إقامتهم بمظلة الحماية القانونية الدولية والعربية، ولهم حقوق سياسية واقتصادية وانسانية كفلتها لهم الشرعية الدولية، وتعهدت بها كلّ دول العالم، ماعدا الكيان الصهيوني، ذلك لأنّ اللاجئين الفلسطينيين لم يأتوا طوعاً الى دول اللجوء، بل أجبروا على ترك بيوتهم وقراهم ومدنهم ووطنهم تحت ضغط القتل والتهديد، من قبل العصابات الصهيونية عام 1948. وهم، من جانبٍ آخر، يخضعون للقوانين الإدارية والسياسية للدول المضيفة لهم.


 


الجاليات الفلسطينية: هذا التوصيف ينطبق على كلّ الأفراد، أو المجموعات من الفلسطينيين، الذين قدموا الى الدول الأوروبية، أو الأمريكيتين وكندا واستراليا، وأقاموا فيها بمحض إرادتهم، رغم أنّ مجيئهم الى هذه الدول، في أغلب الأحيان، كان تحت وطأة حاجات اقتصادية أو ثقافية أو علمية أو حياتية، أو جاؤوا اليها تحت وطأة ظروف سياسية وأمنية قاسية، كفلسطينيي لبنان، وقد تحصل الكثير منهم على جنسياتها.


 


كلّ الفلسطينيين الذين وطأت أقدامهم بلاد الهجرة، بإرادة حرة، ينطبق عليهم وصف الجاليات الفلسطينية، كما ينطبق عليهم  الوصف العام اللاجئين المهاجرين الذين تشرف عليهم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إذ أنّ الأمم المتحدة أنشأت عام 1951 مفوضية لمساعدة مليوني لاجيء كانوا يهيمون في أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. المهاجرون الفلسطينيون في المهاجر  يعتمدون في إقاماتهم بتلك الدول على قوانين الهجرة الدولية التي تشرف عليها المنظمات الإنسانية الدولية، وهذه القوانين تختلف من دولة الى أخرى. أما قوانين المنظمات الإنسانية  الدولية، رغم أنها تستند في شرعيتها للقوانين الدولية، إلاّ أن قراراتها غير ملزمة للدول التي تستقبل مهاجرين، كما أنّ المهاجرين لا يعتمدون في حماية حقوقهم الى قوانين تستمد أصالتها من حقوق سياسية، أو قانونية  دولية، مثل اللاجئين الفلسطينيين، لأنّ حقوقهم الإنسانية والإقتصادية والقانونية، مصانة وفقاً لقوانين الهجرة بشكل  عام.


 


تأسيساً على ما سبق ذكره، فإنّ جموع الفلسطينيين في دول المهجر يشكلون جاليات، سواء كانوا أفراداً أو جماعات، فمن الخطأ أن يطلق عليهم البعض ( فلسطينيو الشتات ) رغم أنّهم جزء لا يتجزأ من الشتات الفلسطيني.


 

التعليقات