القدس: سرقة في وضح النهار!/ نصرات دكور

منذ احتلالها عملت إسرائيل على ضم القدس إليها وتهويدها بكل ما أوتيت من وسائل

القدس: سرقة في وضح النهار!/ نصرات دكور
تشكل القدس الشرقية تحديًّا كبيرًا أمام المجتمع الدولي الذي يسعى للوصول إلى حلّ يرضي الأطراف المتنازعة على المدينة، وامتحانا للقانون الدولي الذي يعنى بصيانة حقوق الانسان وكرامته. ستعرض هذه المقالة خلفية تاريخية عن القدس الشرقية، عن مكانتها القانونية وتداعيات احتلالها والتسوية الممكنة، من أجل فهم جانب -ولو بسيط- من واقعها.



خلفية تاريخية

اعتبرت القدس جزءًا من فلسطين ولم تتميزعن سائر أجزائها، حتى اتخاذ قرار التقسيم رقم 181 (في 29/11/1947) في الامم المتحدة. وقد منحها هذا القرار مكانة "كيان منفصل” (Corpus Separatum)، تتولى الامم المتحدة ادارته بنظام دولي خاص. حدود القدس بحسب هذا القرار كانت: أبو ديس (تشمل) من الشرق، بيت لحم (تشمل) من الجنوب، عين كارم (تشمل) من الغرب، وشعفاط من الشمال (تشمل). يُذكر أنّ القدس بحسب هذه الصيغة، هي منطقة حياديه منزوعة السلاح وخالية من أيّ نشاط عسكري.

قرار التقسيم لم ينفذ، بالنتيجة، وكان الصراع المسلح سيد الموقف، وقامت العصابات الصهيونية المزوّدة بالعتاد الحديث والمدرّبة جيدًا باحتلال الجزء الغربي لمدينة القدس (بما في ذلك احياؤه العربية مثل: كطمون (حي خليل السكاكيني)، طالبية ودير ياسين. أما القوات الاردنية فسيطرت على البلدة القديمة والأحياء المحيطة فيها (الشيخ جراح، وادي الجوز، سلوان) وبعض القرى المجاورة (شعفاط، السّواحرة). ونتيجة لهذا التقسيم، تبقت مساحة 900 دونم أُعلنت كمنطقة معزولة وأقيم فيها مقرّ قيادة الأمم المتحدة.

واعتبر الموقف الرّسمي الإسرائيلي الجزء الغربي من القدس منطقة محتلة، وانتظر إقرار وضع القدس بموجب موقف مُرضٍ ومقبول على الأسرة الدولية. لكن عقب ضمّ الضفة الغربية والقسم المتبقي من القدس (الذي أصبح يعرف فيما بعد بالقدس الشرقية) إلى الاردن، استغلت إسرائيل الفرصة وأعلنت بتاريخ 12/10/1949 أنّ القدس (الجزء الغربي آنذاك) هي جزء لا يتجزأ من إسرائيل وهي عاصمتها الابدية، ونقلت إليها البرلمان (المُقام على أرض مستأجرة من الطائفة المسيحية) ومعظم الوزارات.

بعد حرب حزيران 1967، قامت إسرائيل باحتلال الجزء الذي تبقى من القدس، أي ما يُعرف بالقدس الشرقية، اليوم. وبتاريخ 27/6/1967، صادق البرلمان الاسرائيلي على ضمّ القدس الشرقية (70،000 دونم) إلى ما جرى احتلاله في 1948 (والذي كانت مساحته سنة 1967 تقارب الـ 38،000 دونم) إلى دولة إسرائيل، وذلك عن طريق تسيير القانون الإسرائيلي على هذا الجزء. كما صادق البرلمان الإسرائيلي على "قانون أساس: القدس" الذي ينص على أنّ القدس "الموحدة" هي عاصمة إسرائيل.

كل هذا يُعتبر مخالفا للمنظومة رقم 43 من أنظمة لاهاي التي تمنع تنفيذ قانون القوة المحتلة على الأرض التي احتلتها.



المكانة القانونية للقدس الشرقية

بحسب القانون الدولي، يُحظر على دولة محتلة أن تضمّ أرضًا احتلتها، إلا في حالة اتفاقية سلام. وبالتالي، فإن تسيير القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية يُعتبر بمثابة ضمّ من طرف واحد، وهو عملية غير مشروعة. في هذه الحالة تعتبر القدس الشرقية منطقة محتلة وإسرائيل مُحتلاً حربيًا (Belligerent Occupant)، فبالتالي يسري عليها القانون الدولي الإنساني. لقد تم التأكيد على هذا الموقف في عدة قرارات للأمم المتحدة، والأهم من بينها هو القرار 242 الذي يلزم اسرائيل بالانسحاب من المناطق المحتلة عام 1967. وهذا يشكّل، أيضًا، الموقف الدولي العام؛ فعلى سبيل المثال، لا توجد أية سفارة لدولة أجنبية في القدس (ما عدا ميكرونيزيا).



ممارسات الاحتلال

تخرق السلطات والمؤسسات الإسرائيلية المعايير التي ينصّ عليها القانون الدولي الانساني وتمارس تمييزا منهجيا ضد المقدسيين (سكان القدس الشرقية والبالغ عددهم 245،000 نسمة)، والذي يتمثل فيما ياتي:

1. يمنع القانون الدولي القوة المحتلة من نقل سكانها الى المناطق التي احتلتها وإسكانهم فيها، ويعتبر هذه العملية بمثابة "جريمة حرب". رغم ذلك، بعد احتلال القدس الشرقية وضمّها من طرف واحد إلى إسرائيل، قامت بلدية اورشليم القدس بمواعيد مختلفة بمصادرة 23،500 دونم (%25 من أصل 70،000 دونم، مساحة القدس الشرقية) وأقامت عليها أحياء يهودية يسكنها اليوم حوالي 182،000 يهودي ( %44 من سكان القدس الشرقية)؛

2. قامت السلطات الاسرائيلية بتجميد عملية تسجيل الأراضي في القدس الشرقية، مما أدّى إلى حدوث فوضى عارمة في تحديد ملكية الأراضي. بالإضافة، امتنعت سلطات التخطيط والبناء عن تحضير خرائط هيكلية ومخططات بناء للقدس العربية، وكل ذلك من أجل منع السكان العرب من الحصول على رخص بناء، وبالتالي منع التوسّع العمراني الفلسطيني. هذه السياسة أدّت إلى ظاهرة البناء غير المرخص، التي ستكون الردّ الطبيعي لسياسة السلطة الإسرائيلية. لكن الأخيرة اختارت أن تنفذ من قانون التخطيط والبناء الجزء الذي يعطيها صلاحية محاكمة وانزال العقوبات بالمخالفين، فقط، بما في ذلك صلاحية هدم البيوت. هذه الظاهرة (هدم البيوت والمباني بأمر إداري أو قضائي) تشكّل انتهاكًا صارخًا لحقّ الإنسان في المسكن والتي ذكرت في العديد من المواثيق الدولية؛

3. يحمل سكان القدس هوية زرقاء، ويتمتعون بمكانة "المقيمين الدائمين" في بلدهم فقط، دون منحهم الجنسية الاسرائيلية. يحصل هؤلاء السّكان على الخدمات الاجتماعية مثل مخصصات التأمين الوطني والتأمين الصّحي، مقابل دفع الضرائب والأرنونا التي يحتاجونها من أجل إثبات "إقامتهم" في القدس. لكن، إذا قام أحدهم بترك القدس لمدة تزيد عن 7 سنوات، أو حصل على إقامة أو جنسية من دولة أخرى فإنّ ذلك يشكّل سببًا كافيًا لسحب الهوية وطرد حاملها من البلاد (يُذكر أنّ المقدسيين لا يستطيعون تغيير إقامتهم إلى خارج القدس). بحسب هذا النظام تم سحب هوية 16،000 مقدسي حتى الآن؛

4. تمارس بلدية القدس الغربية سياسة تمييز صارخة فيما يتعلق بالميزانيات؛ فهي تخصّص مبلغًا نسبته أقل من %2 من الميزانية لمن يشكّلون ما يقارب %35-%30 من السكان. نتيجة لذلك، هنالك مسّ بجهاز التعليم، الذي يفتقر للغرف الدراسية (9،000 طالب من دون إطار تعليمي)، كما يفرز ذلك أنّ أحياء القدس العربية (هذه هي التسمية الدقيقة بعد تقطيعها) تفتقر للبنى التحتية الملائمة، وتفتقر للخدمات الصحية والبيئية (جمع نفايات)؛

5. قامت السلطات الاسرائيلية، عن طريق بناء الجدار المُسمّى "حاضن القدس"، بإغلاق القدس الشرقية أمام الفلسطينيين عن طريق عزلها عن الضفة الغربية التي كانت تشكّل مصدرًا اقتصاديًا للمنتوجات والقوى العاملة، وتشكل امتدادا للشبكة التربوية-الإجتماعية. نتيجة لهذا، فقد العديد من سكان القدس والضفة مصادر معيشتهم، وتشتتت عائلات كثيرة. كان لذلك أثر كبير على مستوى دخل الفرد وازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءًا، حيث تقع %60 من العائلات في القدس الشرقية تحت خط الفقر؛

6. أغلقت السلطات الاسرائيلية جميع المؤسسات الفلسطينية التي تمثل السلطة الفلسطينية (“بيت الشرق”، مثلا)، ووضعت آخرَ ما وراء الجدار الفاصل (“جامعة القدس” في أبو ديس). هذه الخطوة السياسية جاءت لتؤكد على القدس الكبرى وهويتها وتمنع أية إمكانية لتنازلات مستقبلية لصالح عاصمة الدولة الفلسطينية.



التسوية الدائمة في القدس

لا يمكن تجاهل المكانة القانونية للقدس والقرارات الدولية التي اتّخذت بشأنها، حين يتم الحديث عن تسوية في القدس وإيجاد حلٍّ نهائي لهذا الملف. فعليه، أي من الحلول يجب أن يرتكز على القرارات الدولية الآنفة الذكر والتي اتخذت بشأن القدس، وذلك معناه، إما اعتبار القدس الشرقية جزءًا من الأراضي المحتلة وإعادتها إلى السلطة الفلسطينية (قرار 242) أو اعتبارها كيانًا منفصلاً (قرار181). إنّ بقاء الوضع كما عليه الآن يُشكّل انتهاكًا يوميًا ومُستمرًا للحقوق المنصوص عليها في المَواثيق الدولية ويشكّل خرقا للقرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة.

(الكاتب مُحامٍ في "جمعية حقوق المواطن")

التعليقات