تيسير خالد: إسرائيل تحول قطاع غزة إلى معسكر اعتقال جماعي.. حماس تتحمل مسؤولية فشل الحوار الوطني..

-

تيسير خالد: إسرائيل تحول قطاع غزة إلى معسكر اعتقال جماعي.. حماس تتحمل مسؤولية فشل الحوار الوطني..
قال تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن الوضع في قطاع غزه مأساوي فعلا، وما تمارسه إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين في القطاع يحوّل قطاع غزة إلى معسكر اعتقال جماعي. وعندما تغلق إسرائيل المعابر من والى القطاع وتمنع عن مواطنيه إمدادات الطاقة والكهرباء وإمدادات المواد التموينية والطبية فإنها تقوم بذلك بمخالفة واضحة وصريحة لمعاهدة لاهاي لعام 1907 واتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949، وبمخالفات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.

وقال خالد في لقاء خاص لمراسلنا إن حركة حماس من تتحمل المسؤولية عن فشل الحوار الوطني مؤكدا أن الأسباب التي أعلنتها حركة حماس لمقاطعة الحوار لم تكن مقنعة إطلاقا وفيما يلي نص اللقاء:

سؤال: كيف ترى المستقبل الفلسطيني بعد فشل جلسة الحوار في القاهرة على الأقل في المستقبل القريب؟

أود أن أؤكد في البداية أن حركة "حماس" تتحمل وحدها المسؤولية عن فشل وتعطيل الحوار الوطني، الذي دعت له القيادة المصرية في القاهرة. ولا أذيع سرا إذا قلت إننا قد اختلفنا في اللجنة التنفيذية حول شروط أو متطلبات عقد حوار وطني ناجح مع الأخ الرئيس أبو مازن واستجابته لبدء الحوار حتى بعد أن راجت الأخبار حول موقف إيجابي للأخوة المصريين من التحفظات، التي أرسلتها حركة حماس على الورقة المصرية، وهي ثلاثة عشر تحفظا. الجميع كان مستعدا لبدء الحوار الوطني، ووفود فصائل منظمة التحرير الفلسطينية توجهت إلى القاهرة أو كانت في طريقها إلى القاهرة رغم ملاحظاتها على الورقة المصرية وملاحظاتها على تحفظات حركة حماس، وخاصة تلك التي طالبت بشطب صفة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، بعد أن كانت وافقت على ذلك تماما في إعلان القاهرة في آذار 2005 وفي وثيقة الوفاق الوطني ( وثيقة الحركة الأسيرة) عام 2006.

المبررات والذرائع، التي أعلنتها حركة حماس كأسباب لمقاطعة الحوار لم تكن مقنعة إطلاقا، وأستطيع التأكيد أنها شكلت صدمة للقوى السياسية والرأي العام الفلسطيني، لسببين جوهريين: فمادة وجوهر الخلاف يتجاوزان من حيث الأهمية تلك المبررات والذرائع، أعني حالة الانقسام والتمزق التي نعيشها، فضلا عن أن هذه المبررات والذرائع كانت غائبة أو مغيبة تماما عن جدول أعمال الحوار الثنائي، الذي كانت تصر عليه حركة حماس مع حركة فتح.

أما عن المستقبل الفلسطيني بعد تعطيل الحوار الوطني، فأنني أستطيع الجزم من خلال قراءة تحفظات حركة حماس على الورقة المصرية ومن خلال ما أطلعت عليه من وثائق داخلية بين المراكز القيادية لحركة حماس، أن قرار المقاطعة يرتبط بعوامل ثلاثة: الأول الرهان دون حسابات سياسية مدقق بها على تطورات إقليمية ودولية تتصل بالانتخابات المبكرة في إسرائيل وانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، والثاني بما تعتقد حركة حماس بأنه استحقاق دستوري قادم في التاسع من كانون الثاني القادم، وأعني ولاية الرئيس محمود عباس، والثالث بظواهر نشاهدها في ظروف كل حرب أهلية أو نزاعات وطنية حيث تتشكل مصالح لما يسمى بأمراء الحرب. هذه العوامل والاعتبارات تزيد في تعقيد الأمور، ولكنها يجب أن لا تشكل قيدا على استئناف الجهود من أجل البدء بحوار وطني شامل دون شروط من أحد على أحد، وهذا ما أكدت عليه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وما أكد عليه المجلس المركزي في دورة انعقاده قبل أيام، وما تؤكد عليه قيادات فصائل منظمة التحرير الفلسطينية باستمرار.

نحن في مرحلة تحرر وطني، وعلى الجميع أن يدرك أن الشرط الرئيسي لبلوغ حركة التحرر، أي حركة تحرر، أهدافها، هو في قدرتها على الجمع بين وحدتها الوطنية والتنوع والتعدد في تكوينها وفي قدرتها على تغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح الفئوية الضيقة، وهذا ما نسعى إليه في هذه الظروف، رغم إدراكنا لتعقيدات الوضع الوطني والإقليمي.

سؤال: ما مغزى إنتخاب المجلس المركزي الرئيس محمود عباس رئيسا لدولة فلسطين في هذا الوقت؟

بصراحة وبعيدا عن لغة المناورات السياسية أو اللغة الدبلوماسية هناك مغزى واضح لا يخفى على أحد لانتخاب المجلس المركزي الرئيس محمود عباس رئيسا لدولة فلسطين في هذا الوقت بالتحديد. قد يتبادر لأذهان البعض أن ذلك يتم كخطوة استباقية لما يسمى بالاستحقاق الدستوري في التاسع من كانون الثاني القادم. هذا جزء من الصورة وليس الصورة الكاملة، وهو ليس الجزء الأهم على كل حال. إذا عدنا إلى القانون الأساسي وقانون الانتخابات العام 2005 للمجلس التشريعي، فبإمكاننا تجاوز الجدل الدائر حول استحقاق التاسع من كانون الثاني 2009 فهو جدل سياسي أكثر مما هو جدل دستوري، خاصة وأن جميع القوى التي خاضت انتخابات المجلس التشريعي مطلع العام 2006 قد وقعت على احترام قانون الانتخابات لعام 2005، والذي يؤكد على التزامن بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية. إذن، ما يسمى استحقاق التاسع من كانون الثاني هو جزء من الصورة ولكنه بالقطع والتأكيد ليس الصورة الحقيقية، بمعنى أن هذا الانتخاب جاء ليسهم في تجاوز خلاف هو في أساسه خلاف سياسي وليس خلافا دستوريا. الصورة تبدو أوضح، إذا ما وضعت في إطار الاستحقاقات الوطنية والدولية الأشمل وفي إطار العودة إلى وثيقة الاستقلال، وأقرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 وأعلنها الرئيس الراحل ياسر عرفات، والذي أنتخب على أساسها من المجلس المركزي الفلسطيني رئيسا لدولة فلسطين، في وقت كانت فيه دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية تنكر على الشعب الفلسطيني حقه في دولة فلسطينية مستقلة وتعتبر ذلك موضوعا تفاوضيا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وقد استمر الرئيس الراحل ياسر عرفات يحمل هذه الصفة ويوقع المراسيم ويستقبل البعثات الدبلوماسية ويرسل السفراء إلى الخارج بهذه الصفة إلى جانب موقعه الأساس في منظمة التحرير الفلسطينية كرئيس للجنة التنفيذية.

الآن يجمع العالم بأسره، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي وكذلك إسرائيل على حل الدولتين، ويسلم بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، فهل من المنطقي أن يبقى موقع رئيس الدولة شاغرا بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات. انتخاب الرئيس محمود عباس رئيسا لدولة فلسطين ليس خطوة استباقية، كما يعتقد البعض على الرغم من أهمية وضرورة ذلك، بل هو استدراك لخلل بالدرجة الرئيسية وخطوة لا بد منها، تحديدا في ظروف الانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية، وهو استدراك له مغزى سياسي هام، من أجل قطع الطريق أمام محاولات التسلل من خلال هذا الانقسام للالتفاف على حق الشعب الفلسطيني في دولة فلسطينية وطنية مستقلة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وعاصمتها القدس العربية ومن أجل وضع هذه الدولة على جدول أعمال المجتمع الدولي بأسره حتى ننتقل من حالة الاعتراف الواقعي (de facto) إلى الاعتراف القانوني (de juri) بها في علاقاتنا الدولية. هنا يجب أن أذكر بأننا نحتل مقعدنا في الجامعة العربية وفي منظمة المؤتمر الإسلامي وفي مجموعة دول عدم الانحياز وفي مجموعة 77 + الصين كدولة فلسطين، وهذا ما يجب أن يكون عليه الحال في علاقاتنا الدولية، وهذا هو مغزى هذه الخطوة، التي أقدم عليها المجلس المركزي الفلسطيني.

سؤال: كيف تنظرون إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه قطاع غزة وردود الأفعال عليه فلسطينيا وعربيا ودوليا ؟

الوضع في قطاع غزة مأساوي فعلا، وما تمارسه إسرائيل ضد المواطنين الفلسطينيين في القطاع يحول قطاع غزة إلى معسكر اعتقال جماعي. عندما تغلق إسرائيل المعابر من والى القطاع وتمنع عن مواطنيه إمدادات الطاقة والكهرباء وإمدادات المواد التموينية والطبية فإنها تقوم بذلك بمخالفه واضحة وصريحة لمعاهدة لاهاي لعام 1907 واتفاقيات جنيف الرابعة لعام 1949، وبمخالفات ترقى إلى مستوى جرائم الحرب. العقوبات الجماعية المحرمة دوليا، والتي تفرضها إسرائيل على المواطنين في قطاع غزة، أصبحت آثارها مدمرة، فقد انتشرت البطالة على نطاق واسع في القطاع بعد أن أغلقت مئات المؤسسات الإنتاجية والخدماتيه أبوابها، وتدهورت مستويات المعيشة ووصل معدل الفقر حدودا مفزعة، وعاد القطاع يعيش في مستوى حياة المشاعية البدائية على حد تعبير كثير من المراقبين الدوليين ومنظمات ومؤسسات حقوق الإنسان، الأمر الذي بات يتطلب تحركا على أكثر من صعيد نحو الدول العربية لفك الحصار عن قطاع غزه ونحو المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي للضغط على إسرائيل ودفعها إلى احترام القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.

إسرائيل في ممارساتها هذه تستغل كما هو واضح حالة الانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية، وهي فوق ذلك لا تحترم التزاماتها، بما فيها تلك التي انطوت عليها التهدئة، بل على العكس من ذلك فإنها تتعامل مع اتفاق التهدئة الذي أنجز قبل عام مع سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة بسياسة استنساب أمنية، وهذا جزء من سياستها العامة التي تصر على إغلاق ملف العلاقات مع الجانب الفلسطيني على دائرة أمنية دموية للتهرب من الاستحقاقات السياسية.

كان على سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة أن تدرك ذلك وهي تسعى للتوصل إلى اتفاق التهدئة المذكور، والذي هو في حقيقته وجوهره اتفاق أمني يبقي زمام المبادرة بيد قوات الاحتلال، بصرف النظر عن الكلام الذي تردده حركة حماس، والذي لا وظيفة له غير الاستخدام السياسي للمأساة التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة. سبق أن أوضحت في الأيام الأخيرة لانسحاب القوات الإسرائيلية من داخل القطاع، أننا نقف أمام تحديات حقيقية، فإما أن يتحول قطاع غزة إلى نموذج يقدم الأمل للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية أو إلى نموذج آخر تستغله إسرائيل من أجل تبديد الأمل بانتهاء الاحتلال ورحيل قواته وقطعان مستوطنيه عن جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967.

نحن الآن نقف أمام تحديات أخطر بكثير، فالتهديدات التي يطلقها بعض قادة إسرائيل ضد قطاع غزة يجب أن تحمل الجميع على التصرف بحكمة ومسؤولية وتدفع الجميع للعودة من جديد إلى استئناف جهود الحوار الوطني الشامل وتوفير متطلبات نجاحه من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ووحدة النظام السياسي الفلسطيني لنقف موحدين في مواجهة السياسة العدوانية التوسعية لدولة إسرائيل، ونتوجه موحدين نحو الدول العربية ونحو المجتمع الدولي من أجل حماية قطاع غزة وحماية المشروع الوطني الفلسطيني.

التعليقات