مشاهدات من "ملتقى حق العودة" في دمشق../ وسام متى

مشاهدات من
ستة عقود مرّت على النكبة، وما زالت فلسطين حاضرة في وجدان أهلها المشردين في كافة أصقاع العالم. لا إسرائيل نزعت حلمهم بالعودة، ولا البعد الجغرافي عن البيت والأرض أجفى قلوبهم. لكن ما عجز الاحتلال عنه طيلة هذه السنوات، يبدو اليوم أقرب من أن يتحقق إذا ما استمر الانقسام الداخلي في ظل فشل كل محاولات المصالحة، وذلك بعدما تجزّأ ما تبقى من أرض بين مناطق خاضعة لسلطة فتح وأخرى تحت سيطرة حماس.

لا يخفي المشاركون في "الملتقى العربي والدولي لحق العودة"، الذي استضافته دمشق على مدى يومين، مخاوفهم من أن يتحول "حق الحقوق"، كما يصفونه، إلى مجرّد شعار يرفعه القياديون في خطاباتهم، أو عبارة ينمقون بها اتفاقيات المصالحة، فيما يجري تغييبها، أو في أفضل الأحوال التساهل حيالها، في عملية التفاوض مع المحتل.

في العام 1969 كانت ليلى خالد أوّل امرأة في التاريخ تشارك في خطف طائرة. المناضلة الفلسطينية أرادت بعمليتها تلك أن تلفت نظر العالم إلى أنّ هناك شعبا اغتصبت حقوقه، لكنها في الوقت ذاته أرادت أن تمارس حق العودة على طريقتها الخاصة، كما تشير إلى أنّ "العودة في حد ذاتها تشكل هدف النضال الوطني الفلسطيني".

وعن مدى تأثير الصراع الداخلي على تحقيق حلم العودة، ترى ليلى خالد أن "الانقسام من دون شك خنجر في خاصرة النضال، والمسؤول عنه تنظيمان، حماس وفتح، وهذا الأمر أضر كثيراً بالمشروع الوطني الفلسطيني، وأساء إلى سمعة القضية الفلسطينية على المستويين العربي والعالمي".

وتشدد المناضلة الفلسطينية على أنّ "الخلافات السياسية يجب أن تحل من خلال الوحدة وليس من خلال السلاح"، مشيرة إلى أنّ تاريخ النضال الفلسطيني لم يشهد ظاهرة حسم الخلاف بالاحتكام إلى السلاح "فنحن، في الجبهة الشعبية، اختلفنا مع فتح على سبيل المثال، وحتى مع توقيع اتفاقات أوسلو، لم نلجأ إلى السلاح لحسم الصراع، فالخلافات يجب أن تعالج عبر حشد الشعب على القضايا الرئيسية للنضال".

وفي الوقت الذي تنتظر فيه المصالحة الفلسطينية أي مبادرة تخرجها من عنق الزجاجة، يرى عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية مروان عبد العال أنّ الفصائل الفلسطينية "فوتت فرصة حقيقية للحوار"، ويوضح أنّ "الذرائع التي قيلت لم توضع لمنع الحوار هي أساساً من أسباب الانقسام"، مشدداً على ضرورة الحاجة إلى إجراء "مراجعة كاملة لبنية النظام الفلسطيني".

ويرى عبد العال أنّ "عقدة الحوار هي السلطة، سواء في الضفة أو في غزة، لأنّ السلطة مصلحة، وحيث توجد مصلحة يصبح الاختلاف خارج الإطار السياسي"، متوقعاً حدوث اختراقات تمهّد للحوار في العام 2009 "خصوصاً أننا سنكون في مواجهة استحقاقات دستورية".

بدوره يحذر النائب البريطاني جورج غالوي من أنّ "الانقسام بين فصائل المقاومة الفلسطينية سيقوّض بشكل حاد موقف الفلسطينيين إقليميا وعالمياً"، لكنه يتوقع في الوقت ذاته تصاعد التأييد الغربي للقضية الفلسطينية خصوصاً مع مغادرة الرئيس الأميركي جورج بوش البيت الأبيض بعد أسابيع، وبالتالي ستكون هناك فرصة حقيقية أمام الاهتمام العالمي بهذه القضية بما يمهّد لإمكان حل المشكلة الفلسطينية وغيرها من مشاكل المنطقة.

الشاعر الشعبي الفلسطيني "أبو عرب"، هو من كثيرين كسروا نمطية الخطابات التي ألقيت في المؤتمر، فحيثما وجد "شاعر الثورة" ترَ العشرات يحيطون به. يؤكد أبو عرب أنّ "حق العودة أهم من كل المطالب الفلسطينية. وإذا سألت الطفل الفلسطيني منذ بداية نطقه عما يريد، يجيبك: أنا أريد العودة إلى بلدي وداري، ولا أريد أي قصر أو مُلك خارج فلسطين".

ويشدد أبو عرب على أنّ "البعد الجغرافي لا يؤثر في حق العودة، فقد قمت بجولات في كل دول العالم، ووجدت أنّ الفلسطيني في البُعد يحن إلى فلسطين أكثر من الفلسطيني في الداخل، كما أنك إذا استعرضت أسماء الشهداء الفلسطينيين نجد أن ثمانين في المئة منهم ولدوا خارج الوطن".

العديد من المشاركين في المؤتمر عاشوا في فلسطين، وإن لحقبة قصيرة في حياتهم، لكن آخرين في المقابل، من جيل الشباب، لم تطأ أقدامهم تراب الوطن. من هؤلاء وليد الهرش من سكان مخيّم اليرموك في دمشق، الذي يؤكد أنه "ليس من المهم ألا يكون الإنسان قد شاهد فلسطين، فهي حاضرة في قلوبنا".

ويشير الهرش، الناشط في حزب الشعب الفلسطيني، إلى أنّ كثيرين من أبناء جيله يعتبرون أنّ اندماجهم في مجتمعات أخرى قد يكون بديلاً عن العودة إلى الوطن، لكنه يرفض هذه المقولة، ولهذا السبب فإنه ينشط لتنمية ثقافة العودة بين الشباب.

أمّا برلا عيسى، وهي شابة فلسطينية تقيم في لبنان، فترى أنّ "لا تعارض بين حق العودة واندماج الفلسطينيين في المجتمعات الأخرى، عربية كانت أم دولية"، مشيرة إلى أنّ "الاندماج يفيد القضية حيث يصبح سهلاً للفلسطينيين التواصل مع الشعوب الأخرى".

أمّا الناشطون الأجانب المتضامنون مع القضية الفلسطينية فكان لهم حضورهم البارز في الملتقى، خصوصاً أنهم الوحيدون الذين يسعون حالياً إلى كسر الحصار عن فلسطينيي غزة.

وتقول الفرنسية غلوك ليلياني من مجــموعة "عدالة واحــدة" إنّها تتضامن مع الفلسطينيين في العودة انطلاقاً من إيمانها بالمبادئ الإنسانية، و"في ظل تجاهل كافة حكومات العالم المطرود من أرضه".

وترفض ليلياني إطلاق تسمية "لاجئين" على الشعب الفلسطيني، موضحة أنّه وفقاً للمتعارف عليه فإنّ "مفهوم اللاجئين ينطبق على شريحة من الشعب لا تتعدى نسبتها ٥ إلى ١٠ في المئة، أمّا أنّ شعباً بأكمله قد تعرّض للتهجير، فهذا يعني أننا نتحدث عن عملية طرد جماعية".

وعمّا إذا كان موقفها هذا يعكس وجهة نظر الرأي العام الأوروبي، توضح أن "السنوات العشرين الماضية شهدت تطوراً في هذا الإطار، حيث بات ما يقارب نصف الأوروبيين يؤمنون بأحقية القضية الفلسطينية"، خصوصاً بعد اندلاع الانتفاضة وفرض الحصار على الشعب الفلسطيني.

أمّا الصحافية الإيطالية انجيلا لانو، من مركز "إنفو بال" فتشير إلى أنّ مشاركة الأوروبيين في المنتدى مردّها إلى أنّهم ينظرون إلى القضية الفلسطينية باعتبارها "مركز العلاقات الدولية"، إضافة إلى أنّ "ما تعرض له الفلسطينيين شكل المظهر الأكبر لانعدام العدالة في العال"«، وبالتالي فإنّ "من واجبنا الالتزام بهذه القضية"، لكنها خلافاً لليلياني لا ترى تجاوباً أوروبياً كبيراً، أقله في بلادها، مع مطالب الشعب الفلسطيني، وتعزو ذلك إلى "سيطرة اللوبي الإسرائيلي على وسائل الإعلام الأوروبية".

وتبدي لانو أسفها للانقسام الداخلي الفلسطيني كونه يؤثر سلباً على القضية الفلسطينية، لكنها تستبعد أن يؤثر ذلك على حجم التضامن الدولي مع الفلسطينيين المحاصرين. في المقابل، تشير لانو إلى أنّ "الطابع الإسلامي" لبعض فصائل المقاومة ربما يثير مخاوف بعض مجموعات التضامن الأوروبية، لا سيما في أوساط اليساريين والعلمانيين الذي يخشون توجهات أي طرف ديني.

"الوحدة الوطنية" كانت الشعار الذي تكامل مع "حق العودة" في مؤتمر دمشق. معظم المشاركين شددوا على ضرورة الخروج من حالة الانقسام السائدة، من خلال التوصل إلى برنامج سياسي ووطني شامل يعزز دور المقاومة الفلسطينية، بدلاً من الوقوع في الفخ الذي ينصبه الإسرائيليون والأميركيون لإضعافها. الهاجس الكبير بالنسبة لهم كان كيفية حشد دعم الرأي العام العربي والعالمي تجاه القضية، والأهم من ذلك الحفاظ على وطن يتحقق فيه حلم العودة.
"السفير"

التعليقات