مقابلة: مدى واقعية الدولة الواحدة

"الشعب الفلسطيني أعطى فرصة لأصحاب "حل الدولتين"، ومنحهم أكثر من عشرين عاما لتحقيق نظريتهم، لكن، ونتيجة للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية، فنحن أبعد ما نكون عن حل الدولتين، وهو غير قابل للتطبيق على الأرض"

مقابلة: مدى واقعية الدولة الواحدة

قال راضي الجراعي، المتحدث باسم الحركة الشعبية لأجل الدولة الديمقراطية الواحدة، إن الشعب الفلسطيني أعطى فرصة لأصحاب "حل الدولتين"، ومنحهم أكثر من عشرين عاما لتحقيق نظريتهم، لكن، ونتيجة للسياسة الاستيطانية الإسرائيلية، فنحن أبعد ما نكون عن حل الدولتين، وهو غير قابل للتطبيق على الأرض، وأن بقاء الحديث عن حل الدولتين يمنح الاحتلال الإسرائيلي فرصة استمرار تضليل الرأي العام الدولي من جانب، وفرصة الاستيلاء على المزيد من الأرض الفلسطينية وبناء المزيد من المستوطنات من جانب آخر.

واستعرض الجراعي فكرة حل الصراع "الفلسطيني - اليهودي" في فلسطين التي مرت بعدة محطات، ولكن هذه المحطات لم تنجح في حل هذا الصراع، لذلك استمر لأكثر من قرن، والسبب في ذلك يكمن في طبيعة المشروع الصهيوني الكولونيالي العنصري الذي قام على أساس عدم الاعتراف بالآخر أي الفلسطيني، وقام أيضا على أساس التطهير العرقي للشعب الفلسطيني من أجل الإحلال الصهيوني مكان الفلسطينيين، فالمجازر وعمليات الطرد التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني والاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم كانت عملية ممنهجة، وتمت بوعي تام لأهدافها ولذلك عندما سئل مناحيم بيغن عام 1977 عن مجزرة دير ياسين، أجاب: "لو لم تكن دير ياسين لما قامت إسرائيل".

وأضاف: تبنت حركة فتح عام 68 ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 69 برنامج دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين التاريخية، لكن منظمة التحرير وتساوقا مع احتمالية عقد مؤتمر جنيف للسلام في الشرق الأوسط سنة 1975 قامت بتغيير هذه الإستراتيجية التي أعلنها ياسر عرفات في خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة. غيرت هذه الإستراتيجية من خلال برنامج النقاط العشرة في نهاية سنة 1974 ليدخل موضوع "حل الدولتين" أي إقامة دولة "سلطة" فلسطينية على جزء من فلسطين، ويصبح هو برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، وتأكد ذلك في تلبية شروط الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ومطالبتها بالاعتراف بإسرائيل والاعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و338، وجاء إعلان الاستقلال عام 88 ليحدد الإطار الرسمي لحل الدولتين، وليكون سقف الطموح الفلسطيني هو إقامة دولة في حدود عام 1967، وهذا يتضمن أيضا التراجع عن حدود التقسيم لسنة 1947، والإقرار بحدود الهدنة لحدود دولة "إسرائيل" من جانب واحد ودون أي مقابل سياسي.

واعتبر الجراعي أن اتفاقية أوسلو جاءت لإحباط مسيرة النضال الفلسطيني، وتدجين منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها، ووضعها تحت التحكم والسيطرة الكاملة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لتستمر المفاوضات لأكثر من عشرين عاما، وليجد الفلسطينيون أنفسهم كل يوم أبعد ما يكون من تحقيق دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67.

وعزا الجراعي فشل هذه الحلول إلى طبيعة الحركة الصهيونية التي تهدف إلى تهميش الشعب الفلسطيني، وإلى خلق نظام تمييز عنصري يتيح لها السيطرة الكاملة على فلسطين التاريخية.

وقال إن فكرة الدولة الديمقراطية ليست فكرة جديدة، إنما هي قديمة، وطرحت في الثلاثينيات من القرن الماضي، كما وبشر بها الدكتور إدوارد سعيد، "ونحن اليوم نطرحها لعدة أسباب مجتمعة:

أولها: إن الشعب الفلسطيني، سواء كان في الأراضي المحتلة عام 48 أو 67 أو في الشتات، هو شعب واحد، وإن حل مشكلة جزء واحد من هذا الشعب لا يعني حل مشكلة كل مكونات الشعب الفلسطيني وأجزائه، بمعنى أن حل الصراع يتم بالتعامل مع الشعب الفلسطيني كشعب واحد وليس كأجزاء، لأنه بعد 66 عاما من النكبة لم يذب الشعب الفلسطيني في المجتمعات الأخرى وبقي محافظا على شخصيته، إضافة إلى أن حل الدولتين لا يجيب على مسألة حل قضية اللاجئين الذين هجروا من ديارهم عامي 48 و67 كما لا يجيب على مسألة القدس وتوزيع الموارد الطبيعية كالمياه وغيرها؛

وأضاف الجراعي: أما النقطة الثانية فهي أن مسيرة أوسلو وصلت إلى طريق مسدود خلق واقعا على الأرض يستحيل معه إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، كذلك حل الدولتين لا يحسن من وضعية وظروف الفلسطينيين داخل 48 بحيث يجعلهم مواطنين متساوين في الحقوق مع اليهود.

ورأى الجراعي أن الحل للصراع العربي الإسرائيلي يكمن في إقامة دولة ديمقراطية واحدة على فلسطين التاريخية، دولة لكل مواطنيها يتساوى فيها جميع سكانها في الحقوق، ويتاح بها للاجئين الفلسطينيين ممارسة حقهم في العودة إلى ديارهم التي طردوا منها عنوة، دولة يحكمها دستور ديمقراطي خال من أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو اللغة، دولة تقوم على أساس القيم العالمية التي يؤمن بها العالم المتحضر، وهي قيم الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، وعلى أساس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وردا على سؤال هل يقبل الإسرائيليون بهذا الحل؟ قال الجراعي: دعني أجيب بسؤال: وهل يقبل الإسرائيليون بأي حل؟ من جهتنا يجب أن نبني إستراتيجيتنا على أساس ما نراه حلا جذريا للمسالة الفلسطينية وليس على أساس ما يقبله أو يرفضه الكيان الصهيوني.


وأضاف: يجب أولا أن نسعى لإجماع فلسطيني خلف هذه الإستراتيجية أي توحيد الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، باعتبار أن هذه الإستراتيجية كفاحية على المدى القصير، لكنها إستراتيجية الحل الوحيدة على المديين المتوسط والبعيد، وهذا يعتمد على نضال كل القوى التي تؤمن بالديمقراطية والعدالة والمساواة.

ويرى الجراعي أن أمر تحقيق هذا الهدف يتم على صعيدين: أولهما على صعيد فلسطين التاريخية؛ والثاني على صعيد المجتمع الدولي بتعبئة الرأي العام ضد النظام العنصري في إسرائيل والعمل على وضعها امام المجتمع الدولي كدولة أبرتهايد، وبرصد كل القوانين والسياسات والإجراءات العنصرية التي تطبقها اسرائيل ضد الفلسطينيين كمقدمة لوضع المجتمع الدولي أمام تحد أخلاقي في الاختيار بين تأييد النظام العنصري في إسرائيل الذي ينادي بدولة يهودية عنصرية، وبين الحل الديمقراطي القائم على أساس القيم العالمية.

وأضاف الجراعي: من أجل ذلك قمنا في الخامس عشر من أيار/مايو 2013 بالإعلان عن قيام الحركة الشعبية من أجل دولة ديمقراطية واحدة على فلسطين التاريخية، وقمنا في الشهر الماضي بعقد مؤتمر دولي في زيورخ بسويسرا، حيث تم الإعلان عن إقامة الحركة العالمية للدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين التاريخية، وضم المؤتمر المجموعات التي تؤيد الدولة الديمقراطية الواحدة من أمريكا وبريطانيا وألمانيا وسويسرا وفرنسا و48 ومن 67 وغزة، وخرج المؤتمر بتشكيل الحركة العالمية ووضع خطة سنوية من أجل نشر فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة، والعمل على جمع أكبر تأييد جماهيري لهذا الحل في أوروبا وأمريكا وسائر دول العالم ومن داخل فلسطين التاريخية.

وردا على سؤال عــ48ـرب حول إمكانية إلصاق تهمة التطبيع بأعضاء الحركة كونها تضم إسرائيليين، رد الجراعي: التطبيع هو شعار يستخدم للتطبيع، وأحيانا يكون شعارا ديماغوغيا، وفي تقديري لا بد لنا من التوجه للمجتمع اليهودي وغير اليهودي في داخل فلسطين لمحاولة إقناع أكبر عدد ممكن من هذا الجمهور بفكرة حل الدولة الديمقراطية الواحدة، وهناك ضمن الأعضاء مجموعة يافا ومجموعة حيفا، وهؤلاء هم يهود ضد الصهيونية، ومؤيدون لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهذا ما هو مطلوب من كل من هو مؤيد لحل الصراع بطريقة حضارية وعلى أساس الدولة الدمقراطية الواحدة.

وأضاف الجراعي: برأيي التطبيع هو اعتبار الاحتلال وإجراءات الاحتلال أمرا طبيعيا والتعايش معه، فالقبول ببطاقات ال "VIP" هو التطبيع بعينه لأن مالكها والحائز عليها يسلم بحق الاحتلال في منحه امتيازات لا يمنحها لغيره، والتجارة المفتوحة وفتح الأسواق الفلسطينية والعربية أمام إسرائيل يعني تطبيعا، والقبول بالحواجز العسكرية والتسليم بالبناء الاستيطاني أيضا تطبيع؟ نحن ضد التسليم بواقع الاحتلال سواء كان في أراضي 67 او 48، ونحن بالأساس ضد عمليات التطبيع، ومع شن كفاح وطني وإنساني للإطاحة بالاحتلال، وتحويل النظام العنصري الإسرائيلي إلى نظام دمقراطي شامل لجميع سكان فلسطين التاريخية وللاجئين الفلسطينيين".

وردا على سؤال موقعنا حول كيفية تجاوز"الوطنية القومية" فيما يطرحه أصحاب نظرية الدولة الموحدة، قال الجراعي: لا شك أنه يوجد في فلسطين التاريخية قوميات متعددة الأصول، لكن أن يقام نظام ديمقراطي قائم على المساواة في الحقوق، بغض النظر عن الأصل القومي على غرار أمريكا التي تحتوي على عدة قوميات جميع أفرادها متساوون أمام القانون ويخضعون لدستور واحد، وبالتالي لا تعتبر المسألة القومية هي العائق، ويمكن أخذ البعدين الثقافي والحضاري وحق هذه القوميات بالتعبير عن نفسها ثقافيا، وهذا ما يخلق تنوعا ثقافيا وحضاريا، وليس مدعاة للتمييز بين شخص وآخر أو قومية وأخرى.

وحول الأدوات التي تعتمدها الحركة لإقناع العالم وإنجاح نظرية الدولة الموحدة قال الجراعي: يجب أن نستفيد من تجربة التحرر الوطني في جنوب أفريقيا، وإسقاط النظام العنصري فيها حيث أعلن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي "حزب مانديلا" عن ميثاق الحرية عام 54، وكان في ذلك الوقت المطالبة بدولة ديمقراطية لجميع سكانها في جنوب أفريقيا "طوباويا"، وكان النظام العنصري قويا عسكريا، وكانت دولة جنوب افريقيا العنصرية دولة نووية، ولم يسقط نظامها بفعل حرب عسكرية أمام الحزب الوطني والحركات المتحالفة معه، ولكن النظام العنصري سقط نتيجة مقاطعة دول العالم لهذا النظام العنصري، وبالتالي حشد الراي العام الدولي من أجل مناهضة النظام العنصري في إسرائيل، خاصة وأننا نمتلك جاليات فلسطينية في كل دول العالم تستطيع أن تنشط وتجند الرأي العام العالمي ضد نظام التمييز العنصري. وحسب القانون الدولي نظام التمييز العنصري بحد ذاته جريمة حرب، وبالتالي فمن السهل التأثير على الرأي العام والتاثير على المستويات السياسية في دول العالم، بالإضافة إلى تشديد حملة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على إسرائيل كدولة أبارتهايد.

التعليقات