عدسة من على كرسي متحرّك: قصة المصوّر الغزي المقعد – مؤمن قريقع

وسط ازدحام المراسلين والمصوّرين الصّحافيّين، وآلات تصويرهم المنتصبة كلّ واحدة منها على أعمدة ثلاثة، في إحدى الفعاليّات الصّحافية في مدينة غزّة، يدفع مؤمن قريقع كرسيّه المتحرّك بكلتا يديه، ويمسك الكاميرا خاصّته ويبدأ التقاط الصّور.

عدسة من على كرسي متحرّك: قصة المصوّر الغزي المقعد – مؤمن قريقع

وسط ازدحام المراسلين والمصوّرين الصّحافيّين، وآلات تصويرهم المنتصبة كلّ واحدة منها على أعمدة ثلاثة، في إحدى الفعاليّات الصّحافية في مدينة غزّة، يدفع مؤمن قريقع كرسيّه المتحرّك بكلتا يديه، ويمسك الكاميرا خاصّته ويبدأ التقاط الصّور.

المشهد لم يكن كذلك قبل نحو ثماني سنوات، بالنّسبة لقريقع، المصوّر الصّحافيّ البالغ من العمر 28 عامًا، فقد كان يمتلك ساقين سليمتين، ويزاحم الصّحافيين أيضًا، ويلتقط صورًا صحافيّة من المكان الذي يريد. غير أنّه عام 2008، فقد ساقيه بشكل كامل، جرّاء استهداف إسرائيليّ له، شرقيّ مدينة غزّة، خلال إعداده تقريرًا صحافيًّا عن إغلاق المعابر والحصار على القطاع.

ويعمل قريقع، الأب لثلاثة طفلات، في المركز الفلسطينيّ للإعلام، إلى جانب عمله كمصوّر صحافيّ فوتوغرافي مستقلّ، بعد أن توقّف عن العمل كمصّور فيديو، بسبب إصابته.

ورغم مرور سنوات على فقدانه ساقيه، إلّا أنّ قريقع لا يزال يثير برباطة جأشه، دهشة من يشاهده، والموجودين في ميادين العمل الصّحافيّ.

ويقول قريقع، إنّه بدأ العودة للعمل بعد إصابته بشكل تدريجيّ، بمساعدة أصدقائه وزملائه الصّحافيّين.

ويضيف 'واجهت في البداية صعوبات من تقبّل الناس لعملي، كنت أشاهد نظرات الاستغراب في عيونهم، والكثير قالوا لي كيف ستعمل'.

ويتابع 'لكنني اخترت ألّا أنهار، وأعود لمهنتي التي أحبّها كثيرًا، رغم رفض معظم من حولي لذلك، ومع مرور الوقت وإثبات وجودي في العمل، بدأ الجميع يساعدني'.

وفي ميدان العمل، يعتمد قريقع على التّنقّل بواسطة كرسيّه المتحرّك، بمفرده، وفي بعض الأحيان بمساعدة أحد زملائه، وخاصّة في المناطق التي تكون طرقها وعرة، ويصعب التّحرّك فيها بسهولة.

ويستذكر قريقع الأيّام الأولى لعودته للعمل، بقوله 'رقدت في المستشفى 20 يومًا، ثم اندلعت الحرب الإسرائيليّة الأولى على قطاع غزة، أواخر عام 2008، ومن نافذة المشفى كنت أحاول التقاط صور الجرحى المتدفّقين بالعشرات'.

ويستدرك قائلاً 'في حرب عام 2012، كنت أعمل من فوق البنايات السّكنيّة المرتفعة، ألتقط صور الانفجارات المتتالية على القطاع، ثم قبل انتهائها (الحرب) بيومين نزلت للعمل في الميدان، ومكثت في أكبر مستشفيات القطاع بغرض التقاط صور الجرحى الوافدين، لقد كان شيئًا غريبًا لكلّ من شاهدني'.

أمّا الحال في الحرب الثّالثة على القطاع فقد تغيّر بالنسبة لقريقع، فقد دفعه شغفه بمهنته أوّلًا ورغبته بنقل الحقيقة ثانيًا، للوجود في ميادين العمل على مستوى محافظات قطاع غزّة، في جميع أيّام العدوان الـ 51، كما يقول.

ويضيف 'بداية الحرب كنت أتحرّك وحدي بواسطة سيّارتي، وعندما اشتدّت الحرب بشكل جنونيّ وأصبح الدّمار في كلّ مكان ممّا يعيق الحركة، رافقني ابن عمّي، لأتمكّن من تجاوز الأبنية المهدّمة'.

وشنّت إسرائيل ثلاثة حروب دمويّة، على قطاع غزّة، خلال السّنوات الأخيرة، تسبّبت بمقتل الآلاف، وجرح آلاف آخرين، وتدمير هائل في المباني والمنازل والبنى التّحتيّة.

وقالت إحصائيّات حقوقيّة فلسطينيّة، وفقًا لطواقم بحثها الميدانيّ، إنّها قدّرت عدد الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات دائمة بالآلاف. ويقول رئيس اتحاد المعاقين في غزة، عوني مطر، إنّ تقديرات اتّحاده بالتّعاون مع وزارتي الصّحّة والشّؤون الاجتماعيّة، أشارت إلى أنّ نسبة الجرحى الذين أصيبوا بإعاقات سمعيّة وبصريّة وحركيّة بسبب الحرب، تجاوزت نسبة ال، 40%.

ويعتمد قريقع على نفسه، خلال عمله الصّحافيّ، وإنجاز القصص الصّحافيّة للحياة اليوميّة في القطاع، وتغطية المؤتمرات والفعاليّات.

وحصل قريقع على جائزة أفضل قصّة صحافيّة، في مركز الدّوحة لحريّة الإعلام، بعد نحو أربع سنوات من إصابته.

وشارك في العديد من المعارض المحليّة والدّوليّة، وكان آخرها، مطلع الشّهر الجاري، حيث أقيم معرض باسمه بشكل خاصّ، في إيطاليا، لمدّة ستّة أيام، وحاول السّفر، إلّا أن ظروف معبر رفح المغلق، حالت دون ذلك.

ويستطرد قريقع قائلاً 'لمدّة ثلاثة أشهر حاولت السّفر، هذا المعرض الأوّل الخاصّ بي، يروي حكاية قصص الحياة اليوميّة، والفقر والحرب التي حدثت، كنت أتمنّى الوصول إلى هناك'.

وعلى مدار تلك السنوات، لم يتمكّن قريقع من السّفر للخارج لتركيب أطراف صناعيّة، تساعده على المشي، بسبب إغلاق المعبر المستمرّ، ولتكلفتها الماليّة المرتفعة'.

ويضيف: 'الأطراف الاصطناعيّة التي توجد في القطاع بدائيّة الصنع، وثقيلة الوزن، ولا تناسب حالتي'.

وتغلق السّلطات المصريّة، معبر رفح، بشكل شبه كامل، أمام مليونيّ فلسطيني يقطنون القطاع، وتفتحه على فترات متباعدة ولأيّام قليلة فقط، لسفر بعض الحالات الإنسانيّة، وأصحاب الإقامات والجوازات الأجنبيّة.

ويتمنّى قريقع أن 'يتمّ حلّ موضوع معبر رفح بشكل كامل، وأن ترفع المعاناة القاسية عن الغزّيين، ويتمكّن من السّفر للمشاركة في المعارض والمسابقات وإيصال رسالته للعالم الخارجيّ'.

وطالب الجهات الدّوليّة والمؤسّسات الصّحافيّة والحقوقيّة 'بتوفير سبل الأمان والحماية للصحافيّين، ورفع دعوة قضائيّة على الاحتلال الإسرائيليّ لاستهدافه المباشر للصحافيّين'.

وعلى مستوى حياته الاجتماعيّة، يقول قريقع 'أعيش حياة سعيدة مع زوجتي وبناتي، وألبّي كافة احتياجاتهنّ'.

وشهد العام الماضي خلال الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على قطاع غزّة في تموز/يوليو 2014، انتهاكات ضدّ صحافيّين فلسطينيّين، وُصفت بأنّها الأكثر دمويّة، حيث قتل الجيش الإسرائيليّ 17 صحافيًّا وعاملاً في الحقل الإعلاميّ، بحسب نقابة الصّحافيين الفلسطينيّين.

وتتّهم نقابة الصّحافيين، القوّات الإسرائيليّة بتعمّد استهداف الصّحافيّين بشكل مباشر، واصفة ما يجري بأنّه 'اعتداء صارخ للمواثيق والقوانين الدّوليّة والإنسانيّة'. وترفض السّلطات الإسرائيليّة التّعقيب على الاتّهامات

اقرأ أيضا: الخليل: جيش الاحتلال يعتقل كرم قزاز ابن الـ 13 بزعم حيازته سكينًا

وبحسب وزارة الإعلام الفلسطينيّة فإنّ الأطقم الصّحافيّة في فلسطين، تعرّضت منذ مطلع تشرين أوّل/أكتوبر الماضي، لأكثر من 100 اعتداء من قبل القوّات الإسرائيليّة، بين إصابة بالرّصاص، وقنابل الغاز، والرّش بالفلفل، ومنع من التّغطية، والاعتداء على مركبات البثّ المباشر.

التعليقات