القدس تواجه الظلم: فقر مدقع وتطهير عرقي

يعيش العرب الفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة أوضاعا في غاية الصعوبة، في أعقاب تصعيد الاحتلال أعماله القمعية تجاه سكان المدينة الأصلانيين.

القدس تواجه الظلم: فقر مدقع وتطهير عرقي

مجموعة صور خاصة التقطت بعدسة "عرب 48"

يعيش العرب الفلسطينيون في مدينة القدس المحتلة أوضاعا في غاية الصعوبة، في أعقاب تصعيد الاحتلال أعماله القمعية تجاه سكان المدينة الأصلانيين.

قال الحاج أبو درويش المقدسي، في السبعينات من عمره، وهو صاحب دُكان في باب العامود بالقدس المحتلة بصوت خافِت، لـ'عرب 48'، إن 'ديفيد بن غوريون قال ذات مرة (هذا أعز يوم، يوم احتلال القدس الشرقية، مر علي منذ أن قدمت 'إسرائيل إذ توحد فيه شطرا العاصمة المقدسة). وأنا أقول فليستذكروا هذه الجملة لعلها تكون صرخة في وجه الغافلين لينهضوا من غفلة طالت، وصفعة على وجه المتعلقين بأكذوبة السلام مع الصهيوني المُحتل، وعلها تكون دعوة للعمل والبناء والتضحية والبذل والعطاء'.

 

عندما وطأت قدماي القدس لإعداد تقرير حول أوضاع المدينة، تحديدًا باب العامود، التفت إلى رجل مسن، صاحب دُكانٍ متواضع، كان يتصحف صحيفة من إحدى الدول العربية، توجهت نحوه، وأردت سماع رأيه حول الأوضاع، رفض بداية، ثم تبادلنا أطراف الحديث. كانت عيناه توحي إلى حُزنٍ وبؤسٍ شديدين، حدثني عن تخاذل الحكام العرب وعن شعارات فارغة قد سئم منها، ثم سرد رواية القدس والأقصى وكانت أشبه بكابوس، تطهير عرقي، وتهويد واضح كسطوع الشمس، وسط صمت مخيف من الحُكام والمسؤولين. في كلامه كانت جرأة، قلة في هذا الزمن يمتلكونها، لكن بدا في النهاية أن هذه الجرأة تولد وتتبلور في نفوس المقدسيين، إنها حكاية الصمود والثبات.

خلال التجول في أزقة البلدة القديمة، الفاتنة بجمالها، حيث تُسفك الدماء ويُفرض الظُلم وتطال يد القمع الأطفال قبل الشباب والمسنين. أمتار معدودة يبعد المسجد الأقصى وقبة الصخرة الذهبية الشامِخة، ترى الحزن يخيّم عليهما، لم تعد الأزقة تعُج بالزائرين من كل حدبٍ وصوب كما كانت في سابق عهدها، فبطش السلطة وظلم الاحتلال وإراقة الدماء جعلت وجه المدينة شاحبا.

في شارع الواد، الواصل بين باب العامود وحائط البراق، حيث كان الاقتصاد ينعم في يومٍ ما، تبدو المنطقة كأنها ثُكنة عسكرية، إذ أن أعداد أفراد شرطة الاحتلال الإسرائيلية تتعدى أعداد الزائرين، ما جعلها منطقة هامدة.

مخطط تهويد القُدس

وقال محمد أبو حمزة، الذي يعمل في دُكان لبيع الإكسسوارات والمناظر والعباءات التراثية في البلدة القديمة بشارع الواد، لـ'عرب 48'، إن 'التضييق الاقتصادي والاعتقالات وسفك الدماء ومنع المصلين من دخول الأقصى وفرض غرامات باهظة على المحلات التجارية، وارتفاع أثمان الضرائب، كل هذا مخطط له مسبقا، ويهدف إلى تهويد القُدس وتطهير البلدة القديمة من السكان العرب'.

وأوضح حول تراجع الحركة التجارية المتدنية أصلا، لا سيما في الآونة الأخيرة، في ظل الأوضاع السياسية العصيبة والأمنية المتضعضعة، أنها 'أصبحت هزيلة، خاصة بعد منع سكان الضفة من القدوم إلى القدس، موسم رمضان لا يكفي لتعويض سنة كاملة على المحلات التجارية هُنا، السلطة تفرض الضرائب الباهظة على جميع المحلات التجارية خاصة في شارع الواد، من أجل التضييق عليهم كي تتراكم الديون، وبذلك يتحول المحل مستقبلا إلى بلدية القدس، وهذا ما يخططون له، تطهير عرقي للعرب في شارع الواد، لأنه موقع إستراتيجي مهم، كونه يربط باب العامود امتدادا إلى حائط البراق، وبالنسبة لهم هو أهم من المسجد الأقصى حاليا، لأن بدونه لا يمكنهم الاستيلاء على المسجد الأقصى، وإذا ما أتموا الاستيلاء على هذا الشارع، فسوف تكون النهاية وخيمة وأقرب من ذي قبل'.

وأضاف بحرقة وألم أنه 'لا يوجد حياة هنا، كل يوم حزين وبائس، انظر بنفسك كيف يسود البؤس على وجوه الناس، تُركنا وحيدون في هذه البقعة، في معركة مع المنظمة الصهيونية والتيار الديني اليهودي المتطرف، كل يوم اعتقالات وضرب وقتل وظلم، لا أدري إلى أين نحن ذاهبون، في حين تُركنا وحدنا وسط هذا الصراع الدامي، سنين ونحن نسمع فقط شعارات لا أكثر، لا شيء حقيقي على أرض الواقع’.

وحذّر المسؤولين عن القدس والأقصى، 'القدس والأقصى أمانة في أعناقكم، سوف تُسألون عنها يوم القيامة أمام رب العالمين'.

حياة بؤس

وقال الحاج إسماعيل بدران من ضواحي القدس، لـ'عرب 48'، إن 'الوضع حرج جدا، لا يوجد حركة تجارية، الأزمة تتفاقم، الفقر والبطالة والتضييق في المسكن وحواجز الشرطة والتفتيش والإذلال. لا يمكننا في القدس وضع حجر على حجر، ومن يتجرأ على فعل ذلك فسوف يُلاحق ويواجه الهدم والمخالفات الباهظة'.

وأردف حول الأوضاع التجارية أن 'الأسواق تحولت إلى سياحية، وأصبحت لا تنتج مدخولا يستر العائلة، سوق اللحامين مثالا على ذلك يعاني أصحابه من قلة الزبائن ومن غلاء الضرائب، الكثير من أصحاب المحلات تركوها وذهبوا للعمل في أعمال مستقلة'.

وعن المعيشة الصعبة، قال الحاج المقدسي إبراهيم الشلودي، لـ'عرب 48'، إن 'الكل متضايق ومخنوق من العيشة. ممنوع البناء، لا يوجد أماكن استئجار، الشباب يكبرون ولا مسكن لهم، لا يوجد فرص عمل، فقر شديد، وكل ذلك، يهدف إلى التضييق علينا بهدف أن نُهاجر من هذه البلاد وتخلو لهم، لكن نحن صامدون هنا حتى يأتي الله بأمره'.

 ملاحقات سياسية ترهيبية

وقال الشاب عبد الجبار قاضي، وهو من رواد الأقصى، لـ'عرب 48'، إنه 'مهما مر على القدس والأقصى من حكام ظالمين، ورغم بطشهم وظلمهم لكل من حاول الاقتراب من هذه البقعة الصغيرة، فإن القدس والأقصى بقيا كما هُما شامخان، ولم يتعلم العدو من التاريخ. في نهاية المطاف القدس ستنتصر'.

وأضاف أنه 'نلمس تخاذلا كبيرا من قبل المواطنين الذين تركوا القدس والأقصى ينزفان، البوابة أمام عرب الداخل الفلسطيني هي الوحيدة التي بقيت مفتوحة لغاية الآن، هذه فرصتنا أن نرابط كي ندعم هذه البلدة الغالية على قلوبنا'.

وأنهى أن 'هناك ملاحقات سياسية ترهيبية لكل من يداوم على زيارة القدس والأقصى. الشرطة الإسرائيلية تحاول زرع الرعب في نفوس الناس كي لا يداوموا على زيارة القدس لا سيما المسجد الأقصى، لكن أقول إن هذا الخوف لا داعي له، وما قدره الله لنا سوف يأتينا حتى وإن كنا في بروج محصنة، وعلى العكس يجب أن نعلم أننا في حماية الله في هذا المكان المقدس، مثل ما هو حاميه، ويجب علينا ألا نتركه وحيدا وأن نداوم على زيارة القدس والأقصى من أجل تقوية التجارة فيها ودعم صمود الأهالي هُنا'.

التعليقات