أمينة شبيطة: ضحية سماسرة الأرض في الضفة الغربية بالتزوير والاحتيال

مرت عُقودٌ والمعركة مُستمرة، تُدبر المكائد وتُزور الوثائق وتُسلب الأراضي عنوة، استكمالا لمشروع سلب الأراضي الفلسطينية، تاريخًا وأرضًا وحضارة وطمس آخر معلمٍ بها حتى تَفرَغ من سكانها، ليكتمل المخطط الاستيطاني.

أمينة شبيطة: ضحية سماسرة الأرض في الضفة الغربية بالتزوير والاحتيال

مرت عُقودٌ والمعركة مُستمرة، تُدبر المكائد وتُزور الوثائق وتُسلب الأراضي عنوة، استكمالا لمشروع سلب الأراضي الفلسطينية، تاريخًا وأرضًا وحضارة، وطمس آخر معلمٍ بها حتى تَفرَغ من سكانها، ليكتمل المخطط الاستيطاني.

سمسرة  الأراضي الفلسطينية أشبه بحرب، لا ينام جنودها ولا تغفو عيونهم ولو لبرهةٍ، تخطيطات في أروقة الغرف المظلمة، تزوير وثائق وخرائط ومستندات، ضاربين بعرض الحائط قوانين تشريعية، دولية وإنسانية، لحاجة في نفوسهم وبهدف تحقيق مخططاتهم. أموال تغري النفوس الضعيفة، لا تكتمل حلقات السمسرة إلا عن طريق العُملاء والخونة.

يدور الحديث عن مجموعات إسرائيلية تعمل بالخفاء، تُدير معركة شرسة للسمسرة على الأراضي الفلسطينية القريبة من المستوطنات، بمساعدة دمى فلسطينية تُحركها كأحجار الشطرنج، منهم من يحمل الهوية الإسرائيلية التي مُنحت له تقديرًا لخدماته بعد أن ارتمى في أحضان الاحتلال. تعمل تلك المجموعات على نصب المكائد لأصحاب أراضٍ محددة مسبقًا، ضمن مخطط استيطاني جديد، أو استكمالا له.

ويزوّر عناصر من تلك المجموعات الاستيطانية الوثائق والمستندات، بأسماء عربية فلسطينية، بعد أت توزع المهام عليهم كل على حدة، منهم من وُكّل بمهمة جمع المعلومات عن الأراضي المستهدفة للسمسرة، ومنهم من أنيطت به مهمة البحث عن الحلقة الأضعف، في عائلة ما بعدما لبسها ثياب الفقر وضاقت عليها الحياة. وهناك من يدير العمليات الأكثر فسادا، وهي تزوير الوثائق والمستندات وسلب الأرض من خلال تواقيع وحجج مزورة لا أساس لها.

كانت عائلة صرصور من كفر قاسم تملك قطعة أرضٍ مساحتها 104 دونمات بجانب قرية مسحة ومستوطنة 'إلقانا' في منطقة تسمى أرض الجُرف. فجأة وفي يوم ما، علم أمين صرصور من أصحاب أرضٍ مجاورة من منطقة الزاوية، أنه سيجري إقامة مستوطنة جديدة عمّا قريب على أرضهم، وسيتم كذلك توسيع مستوطنة 'إلقانا' أيضًا عليها، إضافة إلى أنه تلقى مكالمة من أحد الموظفين في السلطة الفلسطينية، والذي حذره وطالبه بالتحرك الفوري لحماية أرضه، وأخبره أن هناك من يحاول الاستيلاء عليها من خلال سمسرتها.

توجه أمين صرصور بدوره لوزارة مقاومة الاستيطان والجدار في السلطة الفلسطينية، فأكدوا له أن أرضه قد صودرت وزورت الوثائق وبيعت باسم الحاجة أمينة شبيطة من قرية عزون إلى 'أ. س' وهو الذي باعها لشركة 'بادل هولدينجز' الإسرائيلية للعقارات.

من هنا تكشفت أولى خيوط  هذا الملف، علما أن الحاجة أمينة شبيطة، التي تعيش على مساعدات وكالة 'الأونروا'، يبلغ عمرها ما يزيد عن تسعة عقود، كأنها 'باعت أكثر من 3 آلاف دونم'!

وقال أحد أصحاب الأراضي الذي كان ضحية لتلك المجموعة، المحامي عبد الحفيظ طه من كفر قاسم لـ'عرب 48'، إن المستوطنين والسماسرة 'أبرموا صفقات بنحو 3 آلاف دونم في الضفة الغربية، على نفس النهج. تعمل هذه المجموعة على رصد قطع أرضٍ لأشخاص قد توفوا، وتبحث عن مسنين لا حول لهم ولا قوة من الضفة الغربية، مستغلين عجزهم المادي والاجتماعي، وبالتحديد يبحث عناصر المجموعة عن مسنين في آخر حياتهم قد يموتوا بعد فترة قريبة، وتموت معهم تفاصيل السمسرة وتدفن معهم'.

وأضاف أنه 'اكتشفنا أيضا أن الصفقات تحاك في إسرائيل عادة، بعيدًا عن أعين أصحاب الأراضي. ويأتي عناصر المجموعة بأوراقٍ قديمة العهد، ليزوروا عقود بيعٍ وشراء لا أصل لها، يبيع الميت لمسن من الضفة الغربية، والأخير يبيع الأرض إلى العميل أ. س والذي بدوره يبيعها إلى شركة 'بادل هولدينجز' الإسرائيلية للعقارات التي يديرها محامون إسرائيليون، والغريب أن هذه الشركة تعاملت مع العميل 'أ. س' ليس في صفقة واحدة فقط، فغالبية صفقاتها كانت مع هذا العميل. وتبين في الماضي أنها تعاملت مع توكيل مزور في قضية مشابهة. وتبين كذلك في نسخة من قرار محكمة الصلح في القدس بتاريخ 01.12.2013 أنها أجرت صفقة شراء قطعة أرضٍ، رغم وجود توكيل مزور، والتي أقرت فيه المحكمة في حينه إعادة الأرض لأصحابها من قرية سنيرية، قضاء قلقيلية'.

أ. س هو فلسطيني من قضاء قلقيلية، يعيش في إحدى قرى المثلث، وهو الحلقة المركزية في عقد الصفقات، إذ تبين أنه كان ضمن العديد من صفقات الأراضي التي صودرت من خلال التزوير بغطاء قوانين الاحتلال، ومنها صفقة أراضي مسحة لعائلة صرصور وطه.

جهاز المخابرات الفلسطينية كان يعلم منذ البداية بتلك الصفقات، وكان يرصد تحركات السماسرة في محاولة لإفشال تلك الصفقات، إلا أنه في بعضها كان ينجح في إلغائها، لكن غالبية الصفقات كانت تجري بالخفاء والتزوير، ومنحها صبغة قانونية.

أثناء متابعتنا لمجريات وتطورات هذا التحقيق، كنا نتوقع في أي لحظة، أن تسارع السلطات الإسرائيلية المسؤولة، لاعتقال هذه المجموعة وإيقافها، علما بان الكثير من خيوط هذه الشبكة قد كشفت، والتحقيق قد حوّل منذ فترة إلى وحدة التحقيقات 'لاهاف 433' إلا أنها أبدت مماطلة لا تفسير لها.

أمينة شبيطة ضحية التزوير

هي مسنة فلسطينية، خطت التجاعيد وجهها، عاشت حياة حافلة بالفقر والضنك المعيشيّ، تسكن في منزل صغير بقرية عزون، قضاء قلقيلية، أسواره متهالكة، تعتاش من المساعدات من الجمعيات الخيرية.

الحاجة أمينة شبيطة، من عزّون تبلغ من العمر 96 عاما، استدعيت إلى محكمة الصلح بالقدس قبل نحو سنة، كي تدلي بشهادتها، بطلب من محامي أصحاب الأراضي من عائلتي صرصور وطه، أكدت أنها لم ولن تملك في حياتها قطع أرضٍ للبيع أو ألشراء. طلب القاضي أن يتعرف على هوية شبيطة، أخرجت جواز سفرها والذي أكل عليه الدهر وشرب، حيث أنها لم تستعمله إلا قبل 35 عاما عندما أدت فريضة الحج، علمًا أن بطاقة هويتها قد سُرقت، وبالصدفة في قاعة المحكمة سقطت بطاقة كُتب عليها 'أونروا' للمساعدات الغذائية للمحتاجين، ذُهل القاضي والحضور، ثم حدّق القاضي بها، وسألها، هل هذه البطاقة لكِ، أجابت نعم، ثم تمتم قاضي المحكمة متسائلا، كيف لمسنّة تعيش بفضل الطرود الغذائية المقدمة لها أن تملك آلاف الدونمات ومبالغ طائلة؟ كان هذا دليلا واضحا للتزوير، ثم أغلق الملف، وأقرت إعادة النظر في القضية.

وقال المحامي طه إنه 'بحسب ملف الصفقة، فإنّ أمينة شبيطة التي تملك آلاف الدونمات في الضفة الغربية، باعت إلى أ. س الذي يسكن في الداخل الأرض، وهو الذي باعها إلى الشركة الإسرائيلية للعقارات والأراضي، عن طريق تزوير وثائق ومستندات وخرائط تابعة لمواطنين من الضفة الغربية وكفر قاسم وجلجولية'.

وقالت أمينة شبيطة، لـ'عرب 48' إنني 'قدمت شكوى للشرطة الإسرائيلية ونقابة المحامين في تاريخ 10.01.2015 ضد محامٍ من عرب الداخل يسكن في منطقة المثلث الجنوبي والذي بدوره رد على الشكوى بأنه كان قد وُكل من قبل الطرف الثاني وهو أ. س الذي زوّر توكيلا باسمي مدعيا أنني بعت تلك الأراضي التي لا أملكها أصلًا'.

وقال نجل أمينة شبيطة، معن شبيطة، لـ'عرب 48' إن 'هوية والدتي سرقت في نهاية العام 2014، وفوجئنا بأن السماسرة قد حصلوا عليها ويحاولون سرقة أراض عربية عن طريق تزوير وثائق باسم والدتي، وقدمت إفادتي بالمحكمة'.

وأضاف أن 'من سرق هوية والدتي هو العميل أ. س فلديه سوابق جنائية وقدّم وثائق مزورة للإدارة المدنية بأن والدتي باعت له أراضٍ، وهذا لم يحدث بتاتًا لأن والدتي لم تملك أراضٍ للبيع، سوى أرض بقريتها كفر عزون ورثتها عن جدي وباعتها منذ 15 عاما. علمت أيضا أن أ. س استغل مع آخرين بطاقة هوية والدتي في صفقات أراضٍ أخرى إضافة لصفقتي بيع أراضي عائلتي صرصور وطه، وادعوا بأن والدتي باعت لهم هذه الأراضي وهذا لم يحدث، والحديث يدور عن مئات بل آلاف الدونمات'.

ويبدو أن الشاب منتصر سعيد محمد شبيطة هو الحلقة الغامضة في هذه القضية، وقال مصدر مقّرب من أجهزة المخابرات في السلطة الفلسطينية لـ'عرب 48' إن 'نجل أمينة شبيطة الأصغر، ويدعى منتصر، يشتبه بأنه متورط في القضية، علمًا بأنه فور إشاعة خبر التزوير، فر إلى الأردن، وهو مسجل كمطلوب للتحقيق لدى أجهزة المخابرات الفلسطينية، وسبق أن كان متورطا في عملية مشابهة لأراض أخرى تعود لأحد أقربائه، وطالما لم يخضع للتحقيق في أجهزة المخابرات، تبقى تلك الشبهات تلصق به، بينما يقول منتصر بالاعتراف في المحكمة، بحسب نسخة حصلنا عليها موقعة باسمه، إنه علم بأن مجموعات معينة تحاول سمسرة أرض من أشخاص أبرياء ليسجلوها على اسمهم. وكتب منتصر في الاعتراف أن 'كل الوثائق التي قدموها وإن شملت توقيعي الشخصي فهي مزيفة، وإن حدث ذلك أن وقعت على وثائق من هذا النوع فذلك تم بعد استغلال سذاجتي وعدم فهمي على ماذا أوقع حيث أنني لا أعرف القراءة والكتابة. ونفى منتصر أن تكون والدته قد ملكت في حياتها أي قطعة أرضٍ للبيع، وقال إن 'والدتي امرأة فقيرة لا تملك نقودا ولا غيرها، هناك أشخاص يحاولون سرقة أراضي من أشخاص آخرين، ويربطون اسمها بسرقة الأراضي بعد استغلال جهلها وعدم معرفتها بما يجري'.

لم تنتهِ تلك المعركة، فهي قضية وأغلقت، وأراضٍ قد تم إنقاذها من بؤر الاستيطان ومن الأيادي الخفية، وهي جزء من معركة انتصر فيها الحق على الباطل، الذي كان دائمًا زهوقا، ويقظة أصحاب الأراضي تلك، الذين لم يتهاونوا للحظة، في التضحية بمالهم من أجل استرجاع تلك الأراضي التي سلبت منهم بالاحتيال.

وقال المحاضر في كلية الحقوق في جامعة النجاح في نابلس، د. تامر أبو عيشة، لـ'عرب 48' إن 'المشرع القانوني بموضوع السمسرة تعرض له مع إشكالياته، وقانون 1964 المادة 99 شحيح بما يتعلق بالسمسرة، وتسريب الأراضي عن طريق السماسرة في فلسطين حيث القانون الفلسطيني هو قانون أردني، والسؤال هل يطبق هنا في فلسطين بكل ما يتعلق بالسماسرة؟ هذا محل بحث واهتمام لأن عمل السمسار عادة هو تقريب وجهات النظر والتوسط بين الأطراف في الصفقة محل العقد، وبمجرد انتهاء دوره يأخذ أجره وينتهي بعد إتمام الصفقة بموجب القانون، إلا أنه للأسف يقوم بعض السماسرة بتزوير أو استخدام العقد بأسماء وهمية أو مستعارة من أجل إبرام صفقات معينة'.

وأضاف أنه 'لا يوجد قانون عقوبات فلسطيني وإنما هو قانون أردني منذ العام 1960 رقم 16 ينفذ بالضفة حيث يعاقب من قام بتزوير مستند خاص نيابة عن الغير بعقوبة الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وللأسف هناك سمسارة يعتبرون أنفسهم وكلاء، ولذا نرجو من المشرع الفلسطيني إعادة صياغة القانون أو سد الثغرات في هذا القانون. إذا قام سمسار معين بإبرام صفقة بأسماء وهمية أو مستعارة، فللأسف نجد كثيرا وغالبا ما يهرب السمسار إلى خارج البلاد، في هذه الحالة يجب أن يتقدم الشخص المتضرر برفع دعوى في المحاكم الفلسطينية، وإذا كان يحمل الهوية الفلسطينية يمكن استصدار حكم قضائي غيابي ضده، والتعاون الأمني موجود بين الأجهزة الفلسطينية والأجهزة الأمنية الأردنية، وفي بعض الحالات يتم تسليم المخالفين والجناة'.

وأشار إلى أنه 'للأسف نجد صعوبة في تنفيذ هذا القرار على من يحمل الهوية الإسرائيلية، لكن بالإمكان تقديم دعوى للمحاكم الإسرائيلية، مدنية أو جزائية، بواسطة محام من الداخل حتى يكون القرار الصادر قابلا للتنفيذ'.

تعقيب شركة 'بادل هولدينجز'

وحول ما نسب إلى شركة 'بادل هولدينجز'، نفى محامي الشركة، باروخ يوغيف، في رده على توجه 'عرب 48' أي علاقة تربط الشركة بصفقات الأراضي المذكورة في التقرير، كما ونفى أيضا وجود علاقة للشركة ببيع وشراء الأراضي من قبل سماسرة.

التعليقات