غزّة وكابوسُ الحصار: أحلامُ السّفر مُعلّقة على شُبّاك مصر والاحتلال

يضطر المواطن الفلسطيني الراغب بالسفر، إلى تسجيل اسمه في كشوفات وزارة الداخلية في قطاع غزة، التي يبلغ عدد المسجلين فيها للسفر خلال العام، نحو 16 ألفَ مواطنٍ راغب في السفر وينتظر فتح معبر رفح، وفي كل مرة كان يُفتح فيها

 غزّة وكابوسُ الحصار: أحلامُ السّفر مُعلّقة على شُبّاك مصر والاحتلال

(عرب 48)

يعيشُ أكثر من 2 مليون نسمة في مدينة لا تتجاوز 365 كم مربع. مدينةٌ محصورة كعلبة الكبريت؛ جوانبها قابلة للاشتعال إذا ما حدث أي احتكاك خارجيّ.

معاناةٌ مستمرة

حدود القطاع الجنوبية، تُسيطر عليها الحكومة المصرية، وتسيطر سلطة الاحتلال الإسرائيلي، على حاجز بيت حانون "إيرز"، الذي وُجِد لأجل نقل الحالات الإنسانية للعلاج في مشافي الداخل، ويستفيد منه بعض التجار، وبعضُ موظفي المؤسسات المحلية، وعدد قليل من العاملين في منظمات المجتمع الدولي، إذ تفرض إسرائيل شروطا معقدة للسفر عبر حاجز "إيرز"، على رأسها تحديدُ فترات زمنية طويلة للفحص الأمني، تصل إلى 70 يوما، ينتظرُ فيها المواطنُ الفلسطينيّ الغزيّ الجواب المتعلّق بالسّماح له بالسّفر من عدمه، الأمر الذي يجعل من غزة؛ مدينة محكمة الإغلاق، كالسجن الكبير.

هذان المعبران هما المنفذان الوحيدان للسفر، ويلقى المسافرون فيهما شتّى ألوان وصنوف المعاناة، لا سيّما معبر رفح الذي فتح أبوابه لفترات متقطعة أمام المُسافرين في العام الماضي، لنحو 30 يوما فقط، بأمر من السلطات المصرية التي تضيّق الخناق على غزّة وعلى أهلها، إضافة إلى إغلاقه خلال السنوات الماضية بشكل متواصل، وحتّى حين يكون مفتوحا فإن المُسافرين الفلسطينيين يرون فيه الويلات والمرائر، حتى أطلقوا عليه اسم معبر الذل والإهانة، إذ أنه يُغلق أبوابه في وجه الغزيين في أي وقت، وبذريعة الوضع الأمني في مصر، لذا تحوّل السّفر الذي من المفروض أن يكون فسحةَ أملٍ جديد، إلى رحلة طويلة مصحوبة بالمعاناة و اليأس حيث تُعلَّق الآمالُ والأحلامُ على بوابة المعبر والحاجز، حتّى باتت حُريّة التنقّل التي تضمنها وتنصّ عليها كل المواثيق والأعراف الدولية، إلى حُلُم بالنسبة للغزيين، الذين لا حول لهم ولا قوّة أمام الحصار الاحتلاليّ، والمزاج المصريّ.

انتظارٌ ومعاناةٌ وعائلاتٌ مشتَّتة

تمكنت السيدة مريم سعد (32 عاما)، في نهاية عام 2017 هي وولداها، من الدخول إلى قطاع غزة، في الأيام القليلة المعدودة التي تسمح بها السلطات المصرية فتح معبر رفح، وهي فرصة كبيرة لمريم، كي تزور أهلها الذين حُرِمت من زيارتهم منذ نحو 5 سنوات، وفي ذلك قالت: "نحن مقيمون في السعودية، زوجي بقي هناك خوفا من فقدان إقامته. سجلتُ أنا وأبنائي أسماءنا لدى الجهة المختصة لكن محاولات السفر والعودة إلى هناك جميعها فشلت"، وأضافت أنها خائفة من فقدان إقامتها في السعودية، التي باتت مهددة فعلا بفقدانها إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، ولم تُفلِح في السفر.

تقول مريم: "كل فتحِة معبر بننزل من الفجر لآخر النهار وبنروّح"، مُضيفةً: "الأمل أصبح ضعيفا، يجب أن أدفع مبلغا من المال "التنسيق" كي أستطيع الخروج من هذه البوابة الملعونة، والمالُ الواجب دفعهُ بحدود 1500 دولار لكل فرد منا أنا وأولادي، وأنا لا أملك المال أصلا، كي أستطيع تأمين هذا المبلغ الكبير، للأسف حق الأولوية لمن يدفع المال".

في عيد الفطر، غادر 1368 مسافرا غزّة عبر معبر رفح، وفقَ بيانٍ أصدرته الهيئة العامة للمعابر والحدود في وزارة الداخلية بقطاع غزة، أي بمعدل 54 حافلةً استطاعَ رُكّابُها السّفر بعد إتمامهم إجراءات التنسيق، وما يترتّب عليها من دفع أموالٍ وإجراءات أمنية.

في حين تمكن نحو 5120 مواطنا من السفر، حينما فتحت السلطات المصرية معبر رفح بالتاريخ الممتد بين 12 و26 أيار الماضي، في حين لم تسمح السلطات المصرية لنحو 490 مواطنا من السفر، بسبب عدم حصولهم على تنسيق مسبق أو ممنوعين لأسباب مختلفة، فالمعبر يعمل بقدرة تشغيلية متوسطة؛ حيث يبلغ معدل المسافرين يوميا نحو 400 مسافرٍ.

الدفع مقابل السفر تحت بند التنسيقات

لم تكتمل فرحةُ إسلام البالغة من العمر27 عاما، إذ أنها غادرت بيروت التي تسكنها منذ الصغر، كي تتزوج من ابن خالها في قطاع غزة، وفي حديث مع "عرب 48" قالت: "بدأت رحلتي في عام 2015 منذ أن تزوجت وأصبح لدي طفلة، وفي عام 2017 قررتْ والدتي وأختي زيارة القطاع، ولم تكتمل فرحتي بعد وفاة زوجي غرقا في البحر، اضطرَّت والدتي أن تبقى معي لإكمال مراسم الوفاة، وتمكنتُ بعد ذلك من مغادرة القطاع أنا وابنتي لبيروت في شهر آذار، ولم يسمح الجانب المصري لأمي بالدخول لأسباب أمنية، بذريعة أن جواز أمي مزوَّر. ومنذ سنة ونصف؛ تُحاول أمي الخروج من قطاع غزة إلى بيروت. مضى على تسجيلها للسفر 7 شهور ولم نترك أحدا إلا وتوجهنا له علّع يُساعدنا".

الهجرة لبعض شباب قطاع غزة حلم وهدف

أحمد البالغ من العمر 26 عاما، مهندس برمجيات، يرى أنه سيُقدّم شيئا مهما في عالم الكمبيوتر والبرمجيات، في شهر نيسان الماضي، تم قبوله في منحة للدراسة في إحدى أفضل الجامعات، حيث اجتاز الاختبار بمستوى عال وحصل على القبول، وبسبب سوء الأوضاع في المعبر؛ قام أحمد بدفع مبلغ من المال "التنسيق" للجهات المصرية، كي يستطيع الخروج من القطاع بسرعة دون انتظار اسمه في قوائم أسماء طويلة لا يعلم متى يحين دوره فيها، لذلك قال: "اضطررت لعمل تنسيق كي أستطيع اللحاق بمنحتي التي حصلتُ عليها، وقمت بترك عملي وأهلي وأصدقائي خوفا من إغلاق المعبر في أي وقت، وتعذُّر الخروج".

زيد جابر البالغ من العمر 25 عاما، نموذج للكثير من الشبان الذين لم يجدوا مستقبلهم وفرصتهم في القطاع، بسبب سوء الأوضاع وعدم توفر وظائف؛ إذ وجدَ زيد أن جميع الأبواب موصدة في وجهه، فكان طريق السفر والهجرة الحل الأنسب بالنسبة إليه، ليحقق أحلامه وطموحاته كما أوضح: "خرجتُ من غزة كي أكمل مشواري التعليمي، وكي أحصل على وظيفة أؤمن بها مستقبلي، ولم أذهب لتسجيل اسمي في وزارة الداخلية توفيرا للوقت والجهد ولأن ذلك يحتاج وقتا طويلا إلى أن يحين دوري، فاتخذت التنسيقَ طريقا أسهل وأسرع، وأنا لا أفكر بالعودة إلى غزة مطلقا, دفعت 1500 دولار".

آلية سفر معقدة وطويلة

يضطر المواطن الفلسطيني الراغب بالسفر، إلى تسجيل اسمه في كشوفات وزارة الداخلية في قطاع غزة، التي يبلغ عدد المسجلين فيها للسفر خلال العام، نحو 16 ألفَ مواطنٍ راغب في السفر وينتظر فتح معبر رفح، وفي كل مرة كان يُفتح فيها المعبر لأيام محدودة، يسافر من خلاله نحو 3000 مسافر ويعود العشرات من العالقين في الخارج من الذين سافروا لتلقي العلاج، أو لأغراضٍ أخرى.

وفي كل مرة، تتكرّر المعاناة، التي تبدأُ بالانتظار لأشهر طويلة، وتنتهي بضياع أحلامٍ وفقدانِ أمل، سواء لإكمال البعض تعليمهم، أو تلقي البعض الآخر للعلاج، لا سيّما الذين تمنعهم سلطات الاحتلال من تلقي العلاج في مستشفيات القدس والضفة الغربية المُحتلّتيْن والداخل.

 

التعليقات