غزة 2018... استمرارُ الحصار وانتظارُ ما لم يأتِ

داخل حدود 360 كیلو متر مربع، یشعر أھل غزة كأنھم منفیّون یصارعون الموت والحیاة یومًا بعد یوم. تدور بھم الأیام دورتھا وتزداد مع الوقت حلقة المشكلات التي تعصف بالقطاع، احتلالٌ فحصارٌ یتخلله حروبٌ لا تنتھي، ثم لا إعمار لما خلفته

غزة 2018... استمرارُ الحصار وانتظارُ ما لم يأتِ

أوضاع معيشية وإنسانية متردية يعيشُها أهالي غزة (أ ب أ)

داخل حدود 360 كیلو متر مربع، یشعر أھل غزة كأنھم منفیّون یصارعون الموت والحیاة یومًا بعد یوم. تدور بھم الأیام دورتھا وتزداد مع الوقت حلقة المشكلات التي تعصف بالقطاع، احتلالٌ فحصارٌ یتخلله حروبٌ لا تنتھي، ثم لا إعمار لما خلفته الحرب، وازدیاد في معدلات الفقر والبطالة، ومعابر بات إغلاقُها وضعًا طبيعيًّا، إذ باتت أبوابها تُفتَح بشكل استثنائي لا أكثر.

خانيونس (أ ب أ)

رغم ذلك كله؛ تبقى عیون النّاس في غزة ترنو إلى ضوءٍ في آخر النفق الطویل یحقق أحلامھم بالحریة أولا، وبعض الانتصارات الصغیرة؛ كأن تأتیھم الكھرباء أكثر من 8 ساعاتٍ یومیًا. یتطلعون إلى رفع الظلم عنھم والحصار من حولھم، لیحظوا بنفسٍ ولو لمرة واحدة خارج حدود القطاع وتتاح لغالبیة سكانھا فرصة الالتقاء بشخص غیر الملیونین الذین اعتادوا علیھم، في حصار خانق مستمر منذ 12 عامًا، عزلهم عن بقیة العالم وقیّد حریتھم، ووضع المواطنین في أوضاع معیشیة وإنسانیة صعبة.

غزة (أ ب أ)

وبینما یجول الناس العالم شرقًا وغربًا، یتظاھر الغزیون أسبوعیًا مرة شرق القطاع ومرة غربه فبین مسیرات العودة شرقًا في كل یوم جمعة، والمسیر البحري غربًا أیام الإثنین، طالب الغزیون بحقوقھم خلال عام 2018 كاملا دون كلل، وراح ضحیة ذلك مئات من الشھداء وآلاف من الجرحى الذین أزھقت رصاصات الاحتلال الإسرائیلي أرواحھم وبترت أقدامھم وجعلت ھمھم الأول أن یلقوا علاجًا لحالاتھم المستعصیة لا أن یحصلوا على حریتھم التي تظاھروا من أجل الحصول عليها.

من المسير البحري (أ ب أ)

أبرزُ أحداث العام

لم يمر عام 2018 على غزة مرور الكِرام، بل كان علامة فارقة في تاریخ المواجھة مع الاحتلال الإسرائیلي، واستمرت خلاله الأحوال المعیشیة بالتراجع، وفي الوقت الذي بلغ فيه معدل البطالة %4.32 في الربع الثاني من العام، فإن %54 من الأیدي العاملة غیر عاملة، وترتفع ھذه النسبة إلى %70 بین الشباب في قطاع غزة بحسب بیانات البنك الدولي. وفي ما يلي سرد لأبرز المحطات التي توقفت أمامھا حلقة غزّة عن الدوران.

من تظاهُر الغزيين قرب السياح الأمني الحدودي (أ ب أ)

تقلیصُ الرواتب

یبدو أن رئیس السلطة الفلسطینیة، محمود عباس، رأى أن الحصار الإسرائیلي على غزة غیر كافٍ، فقرر فرض عقوبات على موظفي السلطة وقلّص رواتبھم إلى النصف خلال العام، وأوقف التحویلات الطبیة للمرضى داخل القطاع، أدى ذلك كله إلى ركود في حركة التسوق وازدیاد دیون المحلات التجاریة، وتركزت ھذه العقوبات بعد تفجیرٍ استھدف موكب رئیس وزراء السلطة الفلسطینیة رامي الحمد الله خلال زیارته إلى غزة في آذار/ مارس 2018 ، وتبادلت السلطة وحركة حماس الاتھامات بتدبیره ما أدى إلى تفاقم الأمور وإیقاف عجلة المُصالحة المتعطلة على أي حال. لكن المضحك المبكي في الأمر كما یُعلق الناس، أن الرئیس عباس یقول إن السبب في منع إعادة الرواتب إلى أصحابھا كان "خللا فنیًا".

مسیرات العودة الكبرى، جاءت نتیجة لازدیاد الحصار على غزة واستیاء الناس مما حل بھم دون أن یتدخل أحد لإنقاذھم من بطش الاحتلال، لذا قرر الغزیون إنقاذ أنفسھم والمطالبة برفع الحصار، وهكذا كان؛ انطلقت "مسیرات العودة وكسر الحصار" في ذكرى یوم الأرض الفلسطیني الموافق 30  آذار/ مارس 2018، توجه حينها الغزيون نحو الحدود الشرقیة من كافة مناطق القطاع وتظاھروا بشكل سلمي، لكن آلة حرب الاحتلال كانت بمواجهتھم فقتلت أكثر من 220 متظاھرا، إضافة لآلاف من الإصابات. كانت ذروة ھذه المسیرات التي مازالت مستمرة إلى الیوم، یوم 14  أیار/ مايو في ذكرى النكبة الفلسطینیة، وكان رفضًا لنقل السفارة الأميركیة إلى القدس المُحتلة كما أعلنت عنھا اللجان المُنظمة للمسیرات، یومھا استخدم جیش الاحتلال قوته المُفرطة قبالة المتظاھرین السلمیین وقتل 61 فلسطینيا وأصاب أكثر من ألفین في یومٍ واحد، وتنوعت طرق الاحتجاجات السلمیة خلال ھذه المسیرات، حیث تضمنت أسالیب جدیدة في مواجھة رصاص الاحتلال كإشعال إطارات السیارات بأعداد كبیرة تمیزت بھا "جمعة الكوشوك" في الجمعة الثانیة للمسیرات في السادس من  نیسان/ أبريل.

من تشييع أحد الشهداء في غزة (أ ب أ)

ومن الأساليب الجديدة في مواجهة الاحتلال، كانت الطائرات الورقیة والبالونات الحارقة التي أُرسلت إلى مستوطنات غلاف غزة، وتظاھرات لیلیة عُرِفت باسم "الإرباك اللیلي"، وكانت تھدف إلى إزعاج الجنود على حدود القطاع وإشغالهم، ثم تحولت المسیرات إلى أماكن أخرى غرب القطاع على الحدود البحریة وھو ما عُرف بـ"المسیر البحري".

البالونات الحارقة كانت ضمن الأساليب الجديدة (أرشيفية) 

خانیونس... "الحساب المفتوح"

في تطور خطیر شھده قطاع غزة، اكتشفت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، قوة خاصة تابعة للجیش الإسرائیلي تلبس لباسًا مدنیًا داخل سیارة في منطقة عبسان شرقي محافظة خانیونس مساء یوم الأحد 11 تشرین الثاني/ نوفمبر، ما أدى إلى اشتباك بینھم وبین عناصر في كتائب القسام، استشهد على إثره القائد المیداني في القسام، نور بركة، وقُتل ضابط في الجیش الإسرائیلي، وللتغطیة على انسحاب القوة الخاصة قصفت الطائرات الإسرائیلیة المكان وقتلت ستة أشخاص آخرین من عناصر القسام. أدت ھذه الحادثة إلى فتح موجة من القصف المُتبادل بین الأجنحة العسكریة لفصائل المقاومة في غزة والجیش الإسرائیلي، و خلال التصعید قصف الاحتلال فضائیة الأقصى التابعة لحركة حماس، وأوقف بثھا لساعات قلیلة قبل أن تُعید البث مرة أخرى وبثت في أول ظھور لھا بعد القصف فیدیو مصور لعملیة قامت بھا كتائب القسام بقصف حافلة كانت تقل جنودًا إسرائیلیین شرق بلدة جبالیا بصاروخ "كورنیت" موجه، وهو ما اعتبره كثیرون تغییرا في أسلوب الرد على التصعید الإسرائیلي تجاه غزة، والذي لم یكن يتوقعه أحد.


المركبة التي خلفتها عملة الاحتلالفي خانيونس (أ ب أ)

باب الانتظار لا یُغلق؛ یقف الغزیون أمام بوابة الانتظار منذ أكثر من عشر سنوات. كانت 2018 سنة طویلة من تلك السنین، ما زالوا ینتظرون أن تُفتح أمامھم بوابات مغلقة وأن تقودھم تفاھمات ما إلى إنھاء الحصار أو إتمام المُصالحة بین حركتي حماس وفتح، وحلموا بحلول دائمة للوضع الإنساني، حلولٌ بالضرورة ستریحھم من ذل الحلول المؤقتة التي لا تكون إلا كمُسكنات لجرح ینخر في جسد غزة یومًا بعد یوم.

غزة (أ ب أ)

يمرُّ الوقت، وینتظر أھل غزة التطورات التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، فاحتمال التصعید وانھیار التفاھمات التي جرت بین المقاومة وإسرائیل عبر الوسیط المصري، أمر واردُ الحدوث، وسماح السلطات الإسرائیلیة بإدخال الأموال القطریة لشراء وقود لمحطة تولید الكھرباء في غزة ودفع رواتب موظفیھا ليس أمرا مضمونا دائما، لا سيّما مع تلكؤ إسرائیل بإدخال الأموال والتلویح بإيقاف إدخالها أصلا، مع حل الكنیست الإسرائیلي والاستعداد للحملات الانتخابیة للكنیست في 2019، وكما في كل انتخابات تزداد فرصة ’ضرب غزة’ إذ إنها ورقة رابحة يلوّح بها من يريد الفوز بمقاعد أكثر، فأي حالٍ ینتظر غزة والناس المحبوسین داخل 360 كیلو متر مربع منذ أكثر من 12 عامًا؟

أطفال غزيون (أ ب أ)

 

التعليقات