الشيخ جراح: حصار لتعجيل التهجير وقمع الصحافيين لحجب الحقيقة

على جانبي شارع نابلس الذي يتوسط حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، تجذرت معالم تسرد مشاهد النكبة، ورسمت جداريات تحمل في طياتها الرواية الفلسطينية، ومواقع وأبنية شاهدة على العصر.

الشيخ جراح: حصار لتعجيل التهجير وقمع الصحافيين لحجب الحقيقة

شرطة الاحتلال توفر الحماية للمستوطنين بالشيخ جراح (عرب 48)

على جانبي شارع نابلس الذي يتوسط حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، تجذرت معالم تسرد مشاهد النكبة، ورسمت جداريات تحمل في طياتها الرواية الفلسطينية، ومواقع وأبنية شاهدة على العصر، تسرد تاريخ المكان بكافة تفاصيله، ترافقها روايات أثرية تفند مزاعم التزوير الإسرائيلية، وإطلالات حضارة تضم عقارات وعمارات تقف شامخة بوجه المخططات الاستيطانية.

جانب من شارع نابلس بالشيخ جراح

بمجرد أن تطأ قدماك الحي الذي يتواجد بمنطقة إستراتيجية على "خط الهدنة" الذي تم ترسميه عام 1949، الخط الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي، يسمع بقوة ضجيج التاريخ، عبر مشاهد وثقتها كاميرا "عرب 48"، تحمل تفاصيل حجارة وملامح مكان تعكس ديمومة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي سطرته من جديد مشاهد الهبة الشعبية دفاعا عن 28 عائلة بالحي مهددة بالإخلاء والتشريد من منازلها لإحلال جماعات استيطانية بالمكان.

يعود تاريخ تأسيس الشيخ جراح، الحي أو القرية التي تعتبر أهم محاور التواصل الجغرافي الفلسطيني مع القدس القديمة والجانب الغربي من المدينة والضفة الغربية، إلى ما قبل أكثر من 900 عام، وأخذت القرية اسمها من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، وهو طبيب القائد صلاح الدين الأيوبي، وما زال ضريحه عند مسجد الشيخ جراح.

يسكن الشيخ جراح، اليوم، نحو 3 آلاف فلسطيني على مساحة أرض تقدر بنحو ألف دونم، بعد مصادرة آلاف الدونمات من أراضي السكان التي أقيمت فوقها ثلاث مستوطنات، إذ يتم بهذه المرحلة استهداف عشرات العائلات على طول شارع نابلس في كبانية أم هارون، ومنطقة شيكونات اللاجئين و28 منزلا يقطنها نحو 500 فلسطيني، لتشريدهم وتهجيرهم وإحلال المستوطنين في عقاراتهم.

كبانية أم هارون المهددة بالإخلاء

مرحلة مفصلية

شكل العام 1970 مرحلة مفصلية في معركة الصراع على القدس، حين صادقت الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلي على قانون يزعم وجود أراض وعقارات لليهود في الشيخ جراح، وادعى أنهم تملكوا هذه الأراضي والعقارات قبل قيام إسرائيل وتحديدا عام 1885، فيما تحولت ما تسمى مغارة "شمعون هتصديق" إلى أول بؤرة استيطانية تقام بعد الاحتلال في الحي.

حفز هذا القانون الجمعيات الاستيطانية لتحريك دعاوى جماعية عام 1982 لمزاعم بشأن مليكتها أراض وعقارات بالشيخ جراح، كما أنها طالبات بإخلاء 28 عائلة من منازلها، فيما صدر أول قرار إخلاء رسمي من قبل القضاء الإسرائيلي بحق عائلتين فلسطينيتين عام 2002، وطـردت سـلطات الاحتلال عام 2008 قسـرا أولى العائلات المقدسية من الحي، وهي عائلة الغاوي التي طردت بقوة السلاح من عقارها الذي تقطنه منذ خمسينيات القرن الماضي، وتم تسليم العقار الفلسطيني للمستوطنين.

وسعيا من سلطات الاحتلال الإسرائيلي لحجب حقيقة ما تتعرض له عائلات من حي الشيخ جراح المهددة بالإخلاء والتهجير، وفي محاولة لإخفاء وطمس رواية سكان الحي عن العالم، تواصل شرطة الاحتلال، وللأسبوع الرابع على التوالي حصار المئات من سكان الحي، وتمنع وسائل الإعلام والمتضامنين من الدخول للمكان والتواصل مع العائلات، بحسب الإفادات التي وثقها "عرب 48" لبعض سكان الحي وشهادات بعض الصحافيين.

منطقة مغارة "شمعوت هتصديق" التي تحولت لبؤرة استيطانية بقلب الشيخ جراح

معركة الوجود

لم تردع ممارسات القمع واعتداءات شرطة الاحتلال الإسرائيلي على الصحافيين، المصور الصحافي محفوظ أبو ترك، الذي يتسلح بالكاميرات ويتواجد بالحي للشهر الثاني على التوالي، من توثيق الأحداث في الشيخ جراح، وتأطير مشاهد الصمود التي سطرتها 28 عائلة فلسطينية بالحي، ونقل للعالم تفاصيل معركة الوجود على جانبي شارع نابلس الذي يعتبر شريان الحياة الرئيس في الشيخ جراح وحلقة الوصل مع القدس.

بدا المصور الستيني ورغم تضييقات شرطة الاحتلال التي تمنعه من القيام بعمله الصحافي، مفعما بالنشاط، لا يفارق أعتاب الحي وما يشهده من حركة تضامن للوفود التي تصطدم بحواجز الشرطة والكتل الإسمنتية، التي تحجبها عما يدور في منازل الحي المهدد بالإخلاء وعربدة عائلات المستوطنين، التي تتنقل بحرية وبحراسة عناصر الشرطة في الشيخ جراح في محاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض.

قال أبو ترك لـ"عرب 48" إن "شرطة الاحتلال تتعمد قمع الصحافيين والاعتداء عليهم لإخفاء حقيقة ما يحصل في الشيخ جراح، وما تشهده أحياء القدس من هجمة مسعورة من قبل أذرع سلطات الاحتلال والجمعيات الاستيطانية، فحصار عائلات الشيخ جراح وعزله عن الفضاء الخارجي بمثابة مؤشر خطير، لما قد يتعرض له سكان الحي من ممارسات وتهجير خفي متدرج بعيدا عن كاميرات الصحافة".

وعن أسباب ودوافع سلطات الاحتلال لحصار الحي، ومنع وسائل الإعلام من الدخول للمنازل المهددة بالإخلاء، قال أبو ترك إن "إسرائيل تسعى بهذا الإجراء الخطير لحجب الحقيقة وطمسها وتغييب قضية أهالي الشيخ جراح تحديدا والأحداث بالقدس عن العالم، بعد أن استحوذت قضية أهالي الشيخ جراح على استحواذ عالمي غير مسبوق، وبالتالي تظن إسرائيل أنه بهذه الممارسات تخفي مشاهد الاحتجاجات وتمهد للتفرد الخفي بالعائلات المهددة بالإخلاء".

مسجد حي الشيخ جراح قبالة كبانية أم هارون

مشاهد النكبة

واتفق السبعيني هاشم السلايمة، وهو صاحب أحد المنازل المهددة بالإخلاء مع المصور الصحافي أبو ترك، إذ يعتقد أن ما يتعرض له سكان الحي يستحضر المشاهد التي كانت خلال النكبة، لكنه أكد أن "التضامن غير المسبوق والهبة الشعبية والحضور اللافت لوسائل الإعلام، وثبات رجالات الصحافة على مواقفهم ومواصلة عملهم بتوثيق الأحداث، وسرد وتوثيق ما تتعرض له عائلات الشيخ جراح رغم القمع والاعتداءات من قبل عناصر الشرطة، أحبط مخطط الاحتلال لتشريد العائلات الفلسطينية، ووضع اليد على 28 منزلا تمهيدا لنقلها للمستوطنين".

وأثنى السلايمة على "دور الصحافة ووسائل الإعلام التي بقيت تنتدب المصورين والمراسلين وتوفدهم للحي رغم حصاره وإغلاقًه، ومنع الصحافيين من الدخول إلى منازل العائلات الفلسطينية في محاولة للنيل من عزيمة وصمود العائلات، وعزلها عن محيط القدس، وعن حراك التضامن الشعبي المتواصل على أطراف الحي، وهو ما ثبت العائلات وعزز من معنوياتها على الصمود في معركة الوجود بالقدس".

وناشد السلايمة وسائل الإعلام والصحافة بـ"مواصلة العمل والتواجد عند أطراف الحي المحاصر، والقيام بعملها بنقل الحقيقة ومخاطر التشريد والتهجير لمئات السكان بالشيخ جراح، مؤكدا أن طواقم الصحافة ورغم قمعها الممنهج وعرقلة عملها المتعمد من قبل أفراد شرطة الاحتلال الذين يتعاملون مع الصحافة كعدو، يواصلون مسيرة عملهم الداعم والمساند لأهالي الحي وحقوقهم، وهو ما يعزز صمودهم وتجذرهم بالأرض رغم مخطط التهجير والإخلاء".

وأوضح أن "الاعتداءات العنصرية والوحشية على الصحافيين باتت مشهدا اعتياديا في الشيخ جراح، بل يتم استهدافهم والتعرض لهم بهذه المرحلة بشكل لافت وأوسع من تلك الممارسات الاحتلالية الموجه ضد العائلات المهددة بالإخلاء"، مؤكدا أن "طواقم الصحافة التي تتواجد في ميدان الشيخ جراح شريكة بالنضال، وبمثابة رافعة لمعنويات وصمود سكان الحي الذين سينتصرون بنهاية المطاف".

أطماع الاحتلال بالجانب الشمالي من حي الشيخ جراح

حجب الحقيقة

ذات المشاعر ترافق الثلاثيني، مراد عطية، الذي ولد وترعرع في الشيخ جراح، ويعيش عقودا من التضييقات على عائلته أسوة بما تمر به عشرات العائلات التي تعيش منذ شهرين مشاهد التهجير والتشريد، لكنها تسطر بالصمود والإسناد الشعبي فصولا من الانتصار، في معركة على الوجود التي لم تحسم بعد وتدور رحاها في أزقة الحي مع الجمعيات الاستيطانية المدعومة من أذرع الحكومة الإسرائيلية.

وقال الشاب عطية إنه "خلافا لسنوات سابقة، حيث واجه سكان حي الشيخ جراح لوحدهم مخططات الاحتلال وأذرع الجمعيات الاستيطانية ومخططاتها الاستيطانية الزاحفة التي تحاصر وتهدد عشرات المنازل، بات الشيخ جراح قضية الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وهذا بفضل الهبة الشعبية والدور الريادي البارز لوسائل الإعلام التي كانت عين الحقيقة ونقلت للعالم المعاناة وهواجس الطرد والتهجير للفلسطينيين وثبتت حقوقنا ورواية السكان في أذهان العالم".

منازل فلسطينية بالشيخ جراح منذ مئات الأعوام

وأوضح أن "حصار الحي ومنع الصحافة ووسائل الإعلام من الدخول للمنازل الفلسطينية المهددة بالإخلاء، وسرد وتوثيق معاناة أصحاب المنازل والأرض، يهدف بالأساس إلى طمس الحقيقة التي تكشفت للعالم بأحقية سكان الشيخ جراح بالمنازل والأرض، وفندت مزاعم الجمعيات الاستيطانية بملكيتها للأرض والمنازل قبل النكبة، وفضحت أساليب التزوير التي تتبعها الجمعيات الاستيطانية لوضع اليد على عقارات الفلسطينيين بالقدس".

وأشاد بـ"دور وسائل الإعلام وطواقم الصحافة التي عملت على مدار الساعة إسنادا للحقيقة ودعما لصمود أهالي الشيخ جراح والتصدي للمزاعم الاحتلالية، رغم القمع والاعتداءات التي تستهدف الصحافيين وتحاصرهم وتعرقل عملهم"، مشيرا إلى أن "سلطات الاحتلال تهدف في هذه المرحلة إلى إسكات الصوت الفلسطيني، وحجب حقيقة صور ومشاهد مخطط التهجير والتشريد ومحاولات الاستيطان بالشيخ جراح عن العالم".

وأكد عطية أن "دور الإعلام رغم ما تعرض له الصحافيون من اعتداءات وترهيب وتخويف كان الأبرز في نضال أهالي القدس للدفاع عن وجودهم في منازلهم وأرضهم، إذ أن مشاهد الدعم الفلسطيني للشيخ جراح ورغم الاعتقالات والقمع والاعتداءات على المناصرين ساهمت بإظهار الحقيقة وفضح نوايا ومخططات الاحتلال، وهي الرسالة التي ما كانت تتحقق لولا دور وعمل متواصل للطواقم الإعلامية التي ما ردعتها الاعتداءات والاستهداف المباشر لها من قبل شرطة الاحتلال.

نحو 3 آلاف فلسطيني يقطن الشيخ جراح
فن الحضارة والعامرة العربية تزين مباني الشيخ جراح
بقالة القدس بقلب الشيخ جراح
وقفة احتجاجية تنديدا باعتداءات الشرطة على الصحافيين وعرقة عملهم بالشيخ جراح
عقار لعائلة الغاوي سلب من العائلة بالعام 2008، حيث طردت تحت قوة السلاح ونقل للمستوطنين
إغلاق وحصار لـ28 عائلة فلسطينية بالشيخ جراح وعزلها بالحواجز والكتل الإسمنتية
ملاحقات وتضييقات لسكان الحي الفلسطينيين خلال دخولهم وخروجهم من منازلهم
شرطة الاحتلال توفر الحماية للمستوطنين بالشيخ جراح
شرطة الاحتلال تضمن حرية التنقل للمستوطنين بالشيخ جراح
جداريات على جدران المنازل المهددة بالإخلاء بالشيخ جراح
أهالي حي الشيخ جراح يواصلون الاعتصام قبالة منازلهم رغم الحصار وعزلهم عن المتضامنين

التعليقات