" لمسة من الموسيقى والفكاهة لقتل الضجر على حواجز الاحتلال "

".. بدا توظيف الموسيقى والفكاهة أسلوباً من أساليب الشعب الفلسطيني التي لا تنضب في قهر الاحتلال ومقارعته بطريقة فنية..."


صدحت نغمات عود عازفٍ محلي مغمور على أحد الحواجز العسكرية الإسرائيلية المحيطة بمدينة نابلس من جهتها الشمالية، وسط أجواء الضجر والانتظار الطويل التي عاشها المحتجزون هناك.

وشكلت الترنيمات الموسيقية المنبعثة من العود ذروة من ذرى العمل المقاوم، حيث بدا توظيف الموسيقى والفكاهة أسلوباً من أساليب الشعب الفلسطيني التي لا تنضب في قهر الاحتلال ومقارعته بطريقة فنية.

ووجدت مجموعة من المواطنين من الذين احتجز أفراد ما يسمى "الإدارة المدنية الإسرائيلية" بطاقات هوياتهم في الاستمتاع بسماع موسيقى العود الشرقية من "عازف محتجز" متنفساً مؤقتاً ينسيهم عذاباتهم ولو إلى حين.

وعندما احتجزت قوات الاحتلال الإسرائيلي عازف العود الهاوي على حاجز "بيت إيبا" كان الأمر شاذاً جداً لهؤلاء الجنود الذين احتاروا في إيجاد مكان مناسب لهذا الشاب الموسيقي، حيث لم يكن صف الموسيقيين قد ابتدع على الحاجز بعد.

فعلى الحاجز يقسم جنود الاحتلال المارين في صفوف طويلة يفصل بين كل صف وصف كتل إسمنتية طويلة وسياج شبكي فوقها، ويضع الجنود" برنامج الفصل اليومي" على نحوٍ يكون فيه الطلبة في صف والمدرسون في صف آخر وذوي الأعمار التي تتجاوز الخمسة والثلاثين في صفٍ موازٍ للصفين الآخرين مع استحداث صف جديد للموسيقيين والكشافة, ويتغير هذا البرنامج من حين لآخر.

ففي اليوم ذاته كانت فرقة كشافة للأطفال قاصدة المدينة للمشاركة في حفل فني, أوقفها الجنود في صف منفصل لبعض الوقت، تخلل ذلك تفتيش مهين لهذه الفرقة، وتغير المشهد الذي عايشه المحتجزون والممنوعون من دخول نابلس تغيراً كبيراً منذ أن بدأت أوتار العود بنشر الألحان التي صاحبتها العتابا والميجنا الفلسطينية في غناء جماعي داخل المنطقة الأمنية للحاجز العسكري الذي يعتبر من أقسى الحواجز العسكرية الإسرائيلية المحيطة بمدينة نابلس.

ولكي يبدو المشهد لافتاً للنظر، عقد المستمعون لموسيقى العود حلقة دائرية لم تدم طويلاً بعد أن تدخل جنود الاحتلال وفضوها.

وقال بعض المحتجزين لـ"وفا" التي تواجد مراسلها على الحاجز آنذاك إنهم وجدوا في الموسيقى والغناء فرصة استثنائية لشحن إرادتهم بدفعة من الصبر كلما قارب صبرهم أن ينفذ.
ومن مدخل قرية قوصين على الجانب الآخر للحاجز، جاء أحد المحتجزين الذين كان الجنود قد صادروا بطاقة هويته للتو وانخرط في "الميمعة الموسيقية" التي كانت تأخذ بين الحين والآخر طابعاً عشوائياً غير منظم لا تلبث وأن تعود إلى الانتظام بتوجيه "لواحٍّ" تطوع في تنظيم الجلسة الموسيقية.

وقال عبد الحليم أبو بكر، الطالب في إحدى كليات مدينة نابلس، مخاطباً بعض الذين كانوا آذاناً صاغيةً لأوتار العود المتراقصة "لقد فوتم عليكم فرصة الاستمتاع بالموسيقي منذ الصبيحة، مر من هذا الحاجز عازف عود آخر في الصباح لكنه لم يحتجز".

وبدت صورة المشهد الذي ظهر الأربعاء الماضي مليئة بالمتناقضات التي لم يعتد عليها الذين يضطرون لعبور الحواجز العسكرية عندما تحولت أمزجة المحتجزين من الضجر القاتل إلى متعة في الكفاح الموسيقي.

فبينما كان البعض يبذل كل جهد جهيد لعبور الحاجز العسكري بأية وسيلة ممكنة كان البعض الآخر يستمع لألحان العود في محاولة للتغلب على الوقت الذي يمر ببطء دون أن يسمح له باسترجاع بطاقة هويته والمرور عبر الحاجز.

ولم يخل اليوم الموسيقي على الحاجز العسكري أيضاً من الفكاهة وحركات البعض البهلوانية التي جعلت من المحتجزين يشغلون أنفسهم بين الاستمتاع بألحان العود وسماع بعض النكت.

ومن بعض ما ارتقى إلى مرتبة الفكاهة على الحاجز شاب استظل بمظلة سوداء وهو يجلس في ظل الكتلة الإسمنتية على الحاجز، وهذه الحادثة الفكاهية جعلت من الشاب الذي ينتمي لقرية في محافظة نابلس هدفاً لجنود الاحتلال الذين بادروا بدورهم لتوجيه الصيحات المدوية له قبل أن يحتجزوه منفرداً.

التعليقات