بيت لحم في انتظار من يعيد اليها الحياة

المعاناة في مدينة المسيح لم تقتصر عند حد منع السياح الاجانب من دخولها،بل تعدى ذلك الي الاعتداء على المباني العمرانية والأثرية والحاق الاضرار بالمرافق السياحية، سواء كان ذلك من خلال احتلالها او العبث بها، او إغلاقها،

بيت لحم في انتظار من يعيد اليها الحياة
لم يكن خروج الآليات الاسرائلية من مدينة بيت لحم بعد الاعلان عن التوصل لتفاهمات "غزة وبيت لحم اولا"، هو الهاجس الحقيقي لابناء المدينة التي كانت تعتبر من اهم المدن السياحية في المنطقة، وذلك لمكانتها الدينية والجغرافية ايضا، بل كان همهم الاساسي هو كيفية اصلاح ما دمرته الآلة العسكرية الاسرائلية وارجاع المدينة الي حالتها السابقة واستقطاب السياح الذين باتت المدينة تحت اليهم.

البائع عقل ابراهيم (30 عاما) خرج في الصباح الباكر من منزله، متمنيا ايجاد من يشتري من بضاعته التي تشمل الكوفيات والاصداف التي كان يتهافت عليها السياح فيما مضى. ويقول بألم بارز على سنحات وجهه: لقد فشلت منذ الصباح بايجاد ولو سائح واحد ليشتري بعض ما لدي من البضاعة، موضحا انه لم يبع أي شيء من بضاعته طيلة ساعات اليوم .
حالة الحزن التي تخيم علي البائع عقل جراء الخواء والفراغ من السياح الذين اعتادوا الحجيج الى المدينة في مثل هذا الوقت من كل عام لا ترافقه وحده، بل هي صاحب لكل بائع فلسطيني كان يعتاش على الموسم السياحي في المدينة .

البائع احمد خضر 32 عاما، والذي كان يقف في باحة كنيسة المهد التي شهدت اسوء 36 يوما في تاريخها اثناء الحصار الاسرائيلي لها، ينظر الى الساحة بحزن واضح ويقول: "انا حزين جدا فأنا لم ار ساحة المهد بهذا الشكل منذ 15 عاما، هي فترة عملي في البيع للسياح. واوضح خضر انه مصر علي مواصلة انتهان بيع التذكارات التي تعجب السياح رغم عدم وجودهم في المرحلة الحالية. وهو يؤمن بان الغيوم ستنقشع وتعود الحياة الي طبيعتها في المدينة .

مسؤولون في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أكدوا ان قطاع السياحة لا يزال يمر بحالة ركود وشلل تامين منذ عامين بسبب الحصار والاغلاق الاسرائيلي للمدينة حيث ادت هذه الاجراءات الي تراجع نسبة المستثمرين في مشاريع السياحة والفندقة .

المعاناة في مدينة المسيح لم تقتصر عند حد منع السياح الاجانب من دخولها،بل تعدى ذلك الي الاعتداء على المباني العمرانية والأثرية والحاق الاضرار بالمرافق السياحية، سواء كان ذلك من خلال احتلالها او العبث بها، او إغلاقها، كما حدث لفنادق "الانتركونتننتال" و " سيتي ان " و"البراديس " ،بل وقيامه بقصف بعضها مثلما حدث في المجمع السياحي الكبير في " برك سليمان " وقصف كنيسة المهد خلال الاجتياح الاسرائيلي للمدينة قي آذار ونيسان الماضيين .

جوني قطان القائم باعمال مدير فندق "الانتركونتننتال" يقول "ان الفندق افتتح وبدء العمل به قبل اربعة اشهر من بدء الاتتفاضة، الا ان العمل توقف في نهاية ايلول من العام 2000 بسبب عدم وصول السياح جراء الاجراءات الاسرائلية المشددة"..

انقطاع الحركة السياحية في المدينة انعكس علي الحياة الاقتصادية لدي العديد من المواطنين الذين فقدوا عملهم بسبب ذلك .

ويقول قطان إن ادارة الفندق اضطرت الي تسريح عدد من العاملين فيه منذ شهر نيسان 2001 مما ادى بـ 220 عائلة فلسطينية من بيت لحم الى فقدان مصدر رزقها ، موضحا انه تم الاحتفاظ فقط بـ34 عاملا يعملون في مجال الحراسة والتنظيف .

واشار الى ان كافة المرافق السياحية تعرضت لهزات وضربات ادت الي اغلاق نسبة كبيرة منها بشكل كامل، مع الابقاء على الجزء الآخر، مفتوحا بصورة جزئية، للاحتفاظ بالاسم السياحي لها للمستقبل القادم .

العميد محمد المدني اكد ان الحالة التي تمر بها المدينة بعد انسحاب القوات الاسرائلية هي بمثابة رفع حظر التجول عنها، فقط، ذلك ان المدينة ما زالت محاصرة بشكل يجعل المواطنين يعيشون حالة اسر داخل المدينة . فهم لا يتمتعون بحرية الحركة الشاملة، سواء كان ذلك داخل المحافظة او خارجها، موضحا ان "هناك حالة من الاستقرار تعيشها المدينة نتمنى ان تعكس ايجابياتها علي المحافظة والمحافظات الاخرى". الا ان هذه الحالة يمكن ان تتبدل بسرعة بسبب اعمال الخرق التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي بين الفينة والاخرى .

واضاف المجني "ان المحافظة مثقلة بالعديد من المشاكل الحقيقية سواء الاقتصادية والاجتماعية او النفسية والانسانية بسبب الاجتياحات الاسرائلية المتواصلة، التي تعرضت لها المدينة ما ادى الي خلق واقع جديد ومرير بدءا من اعادة ترميم وبناء المتاجر والبنى التحتية وارتفاع نسبة البطالة. وقال: " كل هذا يحتاج الي دعم المواطنين للتغلب على هذا الظرف الذي نعيشه" .

عندما غادرت المدينة كان يلازمني الشعور بأن الحياة في مدينة بيت لحم وغيرها من المدن الفلسطينية التي تضررت بفعل الهجمات الاسرائلية لن تعود الي طبيعتها طالما بقيت مهددة بين الحين والآخر بدخول القوات الاسرائلية اليها وتدمير ما اعاد الفلسطينيون بنائه واصلاحه، فهذا هو ما تفعله اسرائيل منذ قررت شن حربها العدوانية التي لا يلوح آوان وضع حد لها.


التعليقات