جنين .. عام على المجزرة والجرح ما زال ينزف

جنين .. عام على المجزرة والجرح ما زال ينزف
عام مضى، وتبقى جنين … جنين البطولة، بقيت جنين مجبولة بدماء رجالها وأطفالها..وشهداءها

جنين.. حاول الأعداء أن يلقوك في اليم.. ولم يسمعوا خطاب ربك.. لا تخافي ولا تحزني… ولا تهني ولا تفزعي.. ولا تستسلمي، فاثبتي ولا تولي الأدبار…

كنت ملحمة إذ جاءك الغاصبون… فكنت قلعة الصامدين، وقبله العاشقين، يرتادك الباحثون عن الحياة، ليستشهدوا ويكونوا مع النبيين والشهداء والصالحين

ويداهمك الباحثون عن الموت فيسقطون ويسقطون.....



منذ ايام أحيا أهالي مخيم ومدينة جنين الذكرى السنوية الأولى لمجزرة نيسان التي استشهد فيها57 فلسطينيا وقتل 32 جنديا إسرائيلياً خلال المعارك العنيفة التي شهدها المخيم على مدار أسبوعين هدم الجيش الإسرائيلي خلالها عدة إحياء ودمر 455 منزلا بشكل كامل واعتقل المئات من أهالي المخيم

هذا المخيم الذي دخل تاريخ نضال الشعوب من أوسع أبوابه وبات يحتل من ذاكرة النضال الفلسطيني حيزا مرموقا.

بدأت الحكاية في مخيم جنين مع بداية انتفاضة الأقصى فقد كان المخيم مدرسة تخرج منها عشرات الفدائيين الذين قاموا بتنفيذ عمليات فدائية في العمق الإسرائيلي هزت نظرية الأمن الإسرائيلي وضربت الدعاية الانتخابية التي جاءت بشارون إلى الحكم بعد أن قتل فيها عدد كبير من الإسرائيليين فكان رد الحكومة الإسرائيلية هو اجتياح المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بما أسمته عملية السور الواقي والتي كان حجتها فيها هو ضرب معاقل المقاومة الفلسطينية في مدن الضفة والتي بدأت في أوائل شهر نيسان من العام 2002 دخلت القوات الإسرائيلية المدن الفلسطينية وبدأت تشن حملتها الإجرامية ضد المواطنين في رام الله ونابلس وجنين والخليل ورام الله وبيت لحم إلا أن ما حدث في مخيم جنين كان مختلفا لان القوات الإسرائيلية لم تكن تتوقع أن تلاقي مقاومة في المخيم الذي لا تزيد مساحته عن كيلو متر مربع .

ولكن بلغت الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم ذروتها، فجر الثالث من نيسان العام الماضي، حيث دفعت إسرائيل بالمئات من الدبابات وناقلات الجند المصفحة والآليات الثقيلة المعززة بالمروحيات القتالية إلى مشارف المخيم وشرعت بقصفه بالصواريخ والقذائف ورصاص الرشاشات الثقيلة.

وشكلت المنازل التي كان السكان يعتقدون أنها آمنة، هدفا مباشرا للقوات الإسرائيلية التي تعمدت قصف جميع المنازل هناك بدون استثناء، فدمرت منها المئات التي سوتها الجرافات والصواريخ والأرض، بينما أصبحت غالبية المنازل غير صالحة للسكن بسبب حجم الدمار الهائل الذي لحق بها



وبعد عام ما زال الجرح مفتوحا ومازال سكان المخيم يتذكرون ما حدث كيف لا وشواهدها ما تزال قائمة من سقوط عشرات الشهداء والجرحى ومئات المعتقلين والمنازل المهدَّمة، فيما لا تزال المساحات الفارغة من حارة الحواشين مركز الحدث في المخيم بعد رفع الأنقاض منها على حالتها.

فهذا المواطن عيسى الوشاحي رغم أن رزنامة الأيام المعلقة في بيته بدأت تشير إلى اكتمال مرور سنة على استشهاد زوجته و ابنه الشاب في مقتبل العمر إلا أنه لا يزال يشعر بعميق وقع ذلك الاقتحام الذي خلف وراءه أكثر من 57 شهيدا كانت زوجته وولده ضمن قوائمها،

"هيثم أبو زينة" أحد الناجين من مجزرة مخيم جنين يقول والمرارة تحرق صدره: "نعم خرجت وأبنائي الخمسة، والجيران وكان عددنا يربو على المائة رافعين الرايات البيضاء، بعد أن اشتعلت النار في منازلنا نتيجة القصف الإسرائيلي للمخيم"، ويتابع أبو زينة قائلا: "عندما وصلنا في اتجاه قوات الاحتلال نطق كل منا بالشهادة، كنا على يقين أن جنود الاحتلال سيطلقون علينا النار، ولكن قبل أن نقترب منهم طالبونا - ونحن نصرخ بأننا مدنيون - برفع ملابسنا عن أجسادنا، ورفع بطاقتنا الشخصية إلى أعلى".

يقول هيثم: "لقد نجونا بأعجوبة من موت محقق مرتين، الأولى عندما احترق البيت، والثانية بعد أن ابتعدنا عن قوات الاحتلال، ولكن الجريمة الأكبر هي أن العائلة الواحدة قسمت إلى ثلاثة أقسام لا يدري الواحد منها عن الآخر شيئا".

ويروي الشاب "خالد أبو شهم" من مخيم جنين، والذي تم اعتقاله وهو خارج المخيم أن قوات الاحتلال أقدمت على تجريدهم من ملابسهم والتنكيل بهم.

ويقول: "عندما تم اعتقالنا أمرونا بالتجرد من ملابسنا والانبطاح على الأرض، ثم تقدم عدد من الجنود وهم يشهرون أسلحتهم نحونا، وتم تقييد الأيدي من الخلف واقتيادنا إلى معسكر سالم الاحتلالي"، ويتابع قائلا: "بقيت هناك لمدة يومين، وأنا عاري الجسد ومقيد اليدين، وبدون طعام أو شراب".

وتحدث أبو شهم عما تعرض له في معسكر الجيش الإسرائيلي، وقال: "في اليوم التالي تم اقتيادي إلى غرفة التحقيق، وهناك أُبلغت بأنني لست من المطلوبين، وأن بإمكاني الذهاب إلى بلدة رمانة، وعدم العودة إلى المخيم أو المدينة إلا بعد عدة أيام".

وعمد جيش الاحتلال على استغلال الشبان الفلسطينيين كدروع بشرية لحمايته قبل اقتحام الأبنية السكنية، ويصف لنا الشاب "رشيد منصور" - 28 عاما - أحد المهجرين من معسكر جنين إلى قرية سالم فيقول: "اقتحم جيش الاحتلال منزل عائلتي المكون من طابقين بعد أن أحرقوا الطابق العلوي بقذائف دبابتهم، وأخرجونا منه بالقوة، ومن ثم حشرونا في أحد أزقته مع خمس عائلات مجاورة لنا - أي كان عددنا يزيد عن 100 رجل وامرأة وطفل - ثم ساقونا قسرا وبقوة السلاح والهراوات التي كانت تنهال علينا إلى منزل مجاور مكون من 3 طوابق".

ويضيف منصور بنبرة حزينة: "وفور دخولنا المنزل أمامهم، حبسونا جميعا في الطابق السفلي الذي هجر جميع سكانه، أمروا أحدنا أن يصعد أمامهم إلى الطابق الثاني والثالث، خوفا من أن يكون البيت مزروعا بالعبوات الناسفة".

ويستطرد قائلا: "وفي البيت الذي اتخذنا فيه الاحتلال دروعا بشرية لحمايته، لم يكن في المنزل إلا رجل عجوز (70 عاما) يده تنزف إثر أصابتها برصاصة من جيش الاحتلال أثناء اقتحامهم المنزل، ولم نجد ما نسعف به هذا الرجل العجوز، وكان من رحمة الله عز وجل أن كانت بيننا ممرضة، فشقت فستانا صغيرا كان ملقى على الأرض، وعصبت على جرحه".

هذا ما جلبته لكم المقاومة.. الموت والدمار والقتل.. لن نرحم أحدا" بهذه الجملة كان يتوعد جنود الاحتلال الشبان المحتجزين، بالإضافة إلى الإهانات والتهديد المستمر، أما آهات العذاب فقد فاقت أي تصور، وعن هذا يضيف رشيد: " قيدوا أيدينا إلى الخلف، ولم يستطع أحد التحرك، وبدأ الألم يسري في عروقنا، وإذ بصوت بكاء أخي الأصغر يرتفع من شدة الألم، فأخذت أصرخ على الجنود، وأنا لا أدري ماذا أفعل وبأي لغة أتحدث، كلمة عبرية وأخرى إنجليزية على ثالثة عربية، ولكن دون جدوى" ويكمل رشيد بصوت حزين ينم عن حجم الألم الذي يعاني منه: " ومن ثم حملنا جيش الاحتلال على باصات إلى قرية سالم لنعرض واحدا تلو الآخر على المخابرات الإسرائيلية لاستجوابنا وجمع معلومات عن الإخوة المقاتلين".

أما الشاب "كمال محمد حسين" - 30 عاما - فقد رأى الموت بعينه مائة مرة، حيث استخدمه جيش الاحتلال درعا بشريا لإطلاق النار من خلفه، فبعد أن تم اعتقاله اقتادوه إلى أحد الأبنية القريبة من منزله وعرضوا جسده العاري أمام إحدى النوافذ المطلة على أزقة المخيم المتحصن بها رجال المقاومة، بينما ركز ثلاثة من جنود الاحتلال أسلحتهم على كتفيه ورأسه ليطلقوا النار من أسلحتهم على المقاومين.



ولم تشفع شارة الهلال الأحمر لحامليها عند جيش الاحتلال، فأطلق النار على أصحابها، واعتقل جزءاً آخر ولم يكتف بمنع سياراتها وأطقمها من التحرك لإسعاف الجرحى أو نقل الموتى، ويصف لنا "محمود ربيعة" ضابط الإسعاف في الهلال الأحمر الفلسطيني في جنين الانتهاكات الصارخة التي تعرضت لها شارة الهلال الأحمر أثناء تهجير أهالي مخيم جنين فيقول: "لجأ ما يزيد عن مائتي امرأة وطفل من المخيم إلى مستشفى الهلال، لعلهم يجدون ملجأ من القصف وإطلاق النار، بعد أن هجر الشباب إلى القرى المجاورة".

ويضيف بنبرة حزينة: "أطفال بلا عائلاتهم، ونساء فقدن أزواجهن وأبناءهن، وكأن يوم الحشر اقتصر على أهالي جنين، لشدة الهول الذي ينتاب الأهالي لا يدري أحدهم أيفكر كيف ينجو بنفسه، أم يبحث عن زوجته وأولاده في فاجعة لا تدمع العين لهولها بل تجود بالدمع والدموع".

ويشار إلى أن هؤلاء المشردين اللاجئين قضوا ليلتهم في العراء وبدون ماء وغذاء لعدم إمكانية الهلال الأحمر تغطية طلبات هذا العدد الكبير في ظل الحصار المفروض، ولضيق المكان الذي لا يكفي إلا ستين مريضا فقط، بينما قضى العاملون فيه ليلتهم في العمل للتنقيب عن راحتهم المفقودة.



و الدكتور خليل سليمان مدير الهلال الأحمر كان يتلقى في تلك الفترة السيل المتدفق من المكالمات الهاتفية من القلوب المحروقة من منظر زوجة جريحة، ابن شهيد أو ابنة تنزف، والمحتاجة للإسعاف، إلا أن كل محاولات الدكتور للحصول على إذن لمدة ساعات قليلة لنقل الجرحى الذي بات الموت يقترب منهم بتسارع كبير باءت بالفشل، ولم يكن أمام سائق سيارة الإسعاف من مناص بعد أن صعد الدكتور خليل سليمان بسيارته وصرخ به أن توجه إلى مخيم جنين، -للمساعدة في وقف نزيف الموت في ساحات المخيم- ورغم وجود علامة كبيرة على سيارة الإسعاف تشير إلى تبعيتها إلى الهلال الأحمر الفلسطيني إلا أن ذلك لم يحميها من أربعة قذائف من الدبابات التي تمركزت على تلة الجابريات المطلة على المخيم لتدمر السيارة وتحرق من فيها من طواقم الإسعاف المدني ويبقى الدكتور خليل سليمان لمدة تجاوزت عن الدقائق الخمس وهو يحاول مقاومة النيران التي ما لبثت أن تركته جثة هامدة بعد أن لم يجد من يسعفه وأصابت السائق والطاقم التمريضي بجروح بالغة

وتستذكر أم الشهيد المعاق جمال الفايد (28 عاما) الذي وجدت أشلاؤه وكرسيه المتحرك بعد بحث مضني تلك اللحظات العصيبة: فبعد أن حاصرت القوات الغازية الحي الذي نقيم فيه بعد قصفه بعشرات الصواريخ وأجبرتنا على الخروج من منازلنا واقتادتنا إلى منزل الجيران وتضيف طلبت من الجنود السماح لي بإخراج ابني جمال الذي يعاني من إعاقة ولا يستطيع السير أو الحركة أو الكلام فرفضوا وتحت تهديد السلاح فرضوا علينا الإقامة في ذلك المنزل,فعشت أصعب لحظات العمر واعتقد أنني مت في كل ثانية ألف مرة فابني المقعد محاصر داخل منزل يبعد عني بضعه أمتار لا اقدر على الوصول إليه أو القيام بأي شيء لمساعدته فهو لا يقدر على الطعام أو حتى قضاء حاجته وحاولت التحايل على الجنود دون جدوى فقد فصل بيني وبينه مئات الجنود وعدة دبابات .كادوا يهدمون المنزل فوق رؤوسنا وفي ساعات المساء تقول أم جمال تسللنا لمنزلنا فوجدت جمال يبكي وفي حالة يرثى لها فعانقته وهدأت روعه حتى نام بين يداي, وفجأة سمعنا صوت جرافات تتقدم باتجاه منزلنا وعندما نظرت من النافذة بدأت بالصراخ اخرجوا إنهم يهدمون منزلنا فشاهدت مناظر الدمار التي حلت في المنازل المجاورة, فأسرع زوجي وأبنائي نحو البوابة التي تقع على الشارع الرئيسي فاصطدموا بالجنود الذين وجهوا أسلحتهم نحونا, فتقدمت من الضابط وصرخت في وجهه الله اكبر يوجد هنا ناس وبشر هل تريدون قتلنا, فطلب منا الخروج فورا رافعين أيدينا فحمل زوجي وأبنائي جمال ولكن الجنود صرخوا بهم والقوه أرضا وطردونا فتوجهت للضابط مرة أخرى وشرحت له وضع جمال إلا انه منعني من نقله واقتادني بالقوة إلى ساحة المخيم فواصلت الصراخ ابني هناك أنقذوه ولكن ضجيج الجرافات خنق صوتي فواصلت الهدم حتى سوته بالأرض.

وانسابت دموعها الحارة على وجنتيها التي رسمت فيها مأساة المجزرة أخاديدها، وتضيف: فقدت الوعي لعدة أيام من هول المنظر الذي لن أنساه أبدا، وتضيف: لم يهدد جمال أمنهم أو يشكل خطرا على حياتهم فلماذا منعونا من إخراجه سؤال طرحته الأم الثكلى على سكرتيرة منظمه العفو الدولية وميخائيل موراتيونس مبعوث الاتحاد الأوروبي للشرق الأوسط إلا أنها لم تحصل على إجابة شافية فهول الحادثة جعلتهما يعجزان عن تقديم الإجابة، لتنتهي البلدوزرات من عملها بعد تدمير حوالي 363 منزلاً بشكل كلي في مخيم جنين في حين أصبحت 180 أخرى غير صالحة للسكن". واصبحت أكثر من 1300 أسرة دون مأوى، ومساكنها غير صالحة للسكن، وليهجر من جديد ما يقارب ال6000 مواطن من جديد من مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين الذين هجَّروا قسرا من أراضيهم المحتلة عام 1948 إلى أحياء أخرى في المحافظة



أما المواطنة أم محمد أبو سرية فتعني لها هذه الذكرى شيئا آخر فرغم أن الاحتلال حرمها نهائيا من منزلها الذي دمر كليا في حارة الحواشين بفعل المجنزرات الإسرائيلية إلا انه حرمها أيضا من رؤية أبنائها الخمسة أربعة منهم اعتقلوا في الفترة التي تخللت عمليات الهدم والقصف، فأحمد وأمين وحسام ما زالوا مع مئات المعتقلين الذي غص بهم سجن مجدو، في حين يقبع حسن في سجن عوفرا الذي أقيم في محيط مدينة رام الله لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المعتقلين الذي احضروا من مخيم جنين والمناطق الأخرى ليصل عدد معتقلي المخيم إلى 900 مواطن ما زال أكثر من 200 منهم خلف القضبان



وبعد انتهاء العملية الإسرائيلية في المخيم ظل اهالى المخيم ما يزيد عن الشهر وهم يرفعون ركام المنازل التي هدمتها جرافات الاحتلال وفي كل يوم كان يزيد عدد الشهداء فقد كان يجد المنقذون في كل يوم شهداء جدد هدمت قوات الاحتلال منازلهم على رؤوسهم مما أدى إلى استشهادهم دون أن يدري بهم احد وتكشفت الأنباء عنهم بعد خروج قوات الاحتلال من المخيم وبدء عمليات الإنقاذ وسجلت الجهات الرسمية استشهاد سبعة وخمسين شهيدا بينما تحدث اهالى المخيم عن سقوط المئات من الشهداء الذين سقطوا ودفنتهم جرافات الاحتلال في مقابر جماعية لم يتم الكشف عنها.



منعت إسرائيل الصحفيين خلال العملية من دخول المخيم لتغطية الجرائم الإسرائيلية في المخيم حاولت العديد من الجهات الرسمية معرفة حقيقة ما حدث في المخيم كان أهمها اللجنة التي جاءت من الأمم المتحدة بعد فشل الأمم المتحدة في الضغط على إسرائيل بقبول حضور لجنة تقصى حقائق.

إذا لم تبعث الأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق فكيف لها بتقرير يدعي تحصيل حقائق الوضع في جنين؟ و إذا كان ممكنا معرفة ما حصل بدون التواجد على أرض المجزرة فلم إذن كل ذاك الجدل و تلك الضجة حول إرسال مراقبين دوليين إلى المنطقة؟

الحقيقة تكمن في كون تقرير الأمم المتحدة قام فقط بترجمة الإرادة السياسية الأمريكية.

الكل يعلم بأن هناك مجزرة جماعية وقعت في جنين و المسئولون عنها ليسوا فقط هؤلاء النازيون الجدد (الصهاينة) و لكن كل من أنكر حدوثها أو حاول إيهامنا بأنه لم يعلم بما حصل. التاريخ لن يرحم عنان، و ستوصم فترته بكونها فترة التبعية المطلقة للإدارة الأمريكية. ولا نعرف ما يمكننا إضافته في وصف نذالة هذه الجريمة، سوى الملاحظة البسيطة أن شارون تمكن من إنقاذ نفسه من التهمة مرة أخري، بفضل ما تتمتع به إسرائيل من نفوذ في الدوائر الدبلوماسية الغربية، التي مارست - كالعادة- أقصى جهودها لتخنق في المهد أي تحقيق تقوم به الأمم المتحدة حول المجزرة.
ففي 20 ابريل-نيسان2002 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1405، الذي يوصى بإرسال لجنة مهمتها التحقيق في صحة المعلومات بشأن وقوع جرائم حرب في جنين.
وكان ذلك بعد أن اتهم الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر وعدة منظمات حقوقية غير حكومية إسرائيل بخرق اتفاقيات جنيف خلال هجومها على المخيم.
ولكن لم يأت يوم 1 أيار-مايو حتى أعلن السيد كوفي عنان أن مهمة لجنة التحقيق انهارت، بسبب رفض إسرائيل التعاون.
وبعد يومين فقط، أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تقريرا يدين إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب ويدعو المجتمع الدولي للتحقيق مع المسؤولين عن المجزرة.
ولكن الدبلوماسية الدولية وجدت نفسها مشلولة إزاء هذه القضية، ويظهر إلى اى حد يسيطر الإسرائيليون على الدول الغربية المتنفذة والمتبجحة جميعا بكونها حريصة على احترام حقوق الإنسان، إن كوفي عنان عاد فأصدر يوم 1 أغسطس - آب بيانا حمل فيه الجانبين الفلسطيني والاسرائيلى مسؤولية ما حدث في جنين.
وكان هذا البيان سخيفا، مضحكا، ممجوجا بدرجة أن أول من ادانه وفضحه كان هو منظمة "هيومان رايس ووتش" نفسها، التي أصرت على حقيقة أن الإسرائيليين ارتكبوا جرائم حرب في مخيم جنين، وان الأمم المتحدة لا يمكن أن تكون فخورة بالتستر عليهم.
الحكومات الغربية تعلم تماما بما وقع، فرجال إعلامها - قبل سواهم - نقلوا ما شاهدوه في المخيم، ما أن سمح الإسرائيليون للصحافة بالدخول، بعد أيام من إغلاق المخيم ومنع أي كان من الدخول أو الخروج.
وبالرغم من أن الجيش الاسرائيلى حاول إخفاء جرائمه تحت حجارة البيوت التي دمرها- أحيانا على سكانها - فانه لم يستطع محو كل الآثار.
فتمكن المراقبون من مشاهدة بعضها، مثل ما تركه الإسرائيليون من فضلات بشرية في المساجد، حيث لوثوا كل ما لمسوه فيها، ولم تسلم من ذلك حتى أوراق المصاحف...أو تهشيمهم لعب الأطفال، وإحراقهم أثاث بيوت الرضاعة. وتحدث شهود العيان والضحايا، عما سلبوه منهم، وعن تعذيب الأطفال والعجائز، وعن منع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى وإطلاق الرصاص عليها، وعن منع الناس من دفن شهدائهم أياما وليالي.

وليس هناك اصدق من كلمات المفوض العام في الأراضي المحتلة بيتر هانسن في وصفه للمخيم "وكأن زلزالاً ضرب المخيم"

مركز الاعلام والمعلومات

8:20pm08-04-2003

التعليقات