17/06/2015 - 21:00

مدنيو اليرموك: إلى السلاح من أجل الحياة

يتوجه المدني الذي قرر حمل السلاح إلى الفصيل العسكري الأقرب إليه، ويتم الاختيار بناء على الطريق الأكثر أمناً

مدنيو اليرموك: إلى السلاح من أجل الحياة

لا يؤمن عمار. س (22 عاماً) بأي من أفكار تنظيم الدولة 'داعش'، لكنه انتسب إلى صفوفه وحمل السلاح معه لأسباب يقول إنها قاهرة، فيما يقيم الصلاة ويواظب على قراءة القرآن كما كان حاله قبل الالتحاق بالتنظيم، اليوم يلتزم بزي موحد وتوقف عن حلاقة ذقنه، يسير في الشارع مختالاً بسلاحه في المخيم، مع أنه لا يملك ما يسميه الإيمان الكافي.

يقول: 'لست مع كل العلوم الشرعية التي أتلقاها من قادة الدولة، لكني في ذات الوقت لا أريد الاصطدام معهم، أنا بحاجة للراتب الشهري المغري الذي اتقاضاه الآن'.

 يصل راتب عمار إلى 35 ألف ليرة سورية، ما يعادل 200 دولار، وهو السبب الرئيسي الذي دفعه للالتحاق بالتنظيم المصنف إرهابياً في جميع دول العالم.

خزان بشري

تنشر البطالة في صفوف المدنين في المخيم، وتقدر منظمة إغاثية عاملة في اليرموك عدد القادرين على العمل وأعمارهم بين 16 و45 عاماً، بأربعة آلاف شخص، كانوا يعملون في مهن عدة قبل إطباق الحصار على اليرموك في تموز 2013، فيما تصنف العائلات التي تعيش حصار اليرموك اليوم بالأشد فقراً من الفلسطينين السوريين، ما يجعل كل العوامل متوفرة لجذب المقاتلين الجدد، الذي سيعني انتسابهم، فضلاً عن الاستفادة منهم كمقاتلين، ارتفاع نسبة الرضى عن تنظيم مثل الدولة في داخل اليرموك.

من جوع أم من خوف؟

عمار ليس وحده من انتسب إلى تنظيم الدولة في مخيم اليرموك المحاصر، إذ كشف مصدر لعرب 48 من داخل المخيم، أن أكثر من 100 شاب التحقوا بعدد من التشكيلات المسلحة في مخيم اليرموك ومحيطه خلال الشهرين الأخيرين.

وقال المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن تنظيمات جبهة النصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام والأبابيل تنافست على المتطوعين الجدد من خلال رفع المبالغ المالية التي تعرضها عليهم، فيما خصص داعش والنصرة مبالغ خاصة للمتزوجين والآباء، ليصل المبلغ الذي من الممكن أن يتقاضاه الأب القادر على حمل السلاح إلى 40 الف ليرة سورية من تنظيم الدولة.

في المخيم الذي سجل أكثر من 170 حالة وفاة بسبب الجوع ونقص الدواء، يبدو أي راتب من أي عمل، دخلاً كفيلاً للبقاء على قيد الحياة.

يقول مروان، وهو إعلامي من داخل المخيم: 'رغم أن العروض للانتساب والرواتب كانت متوافرة منذ اللحظة التي حوصر فيها المخيم، إلا أن الضيق الشديد الذي وصل له المشهد الأمني والصحي والغذائي في المخيم، جعل الكثيرين يغيرون من رأيهم فيما رفضوه سابقاً'.

لكن المشهد الغذائي والصحي في المخيم ليس جديداً على السكان، فلماذا الآن عمت ظاهرة الانتساب للتنظيم؟

يشرح محمد غرافة، وهو ناشط إغاثي، الظاهرة بفقدان الأمل، ويقول إنه 'بعد انسحاب المقاتلين الفلسطينين من المخيم أي أكناف بيت المقدس، لم يعد بالإمكان أن يشعر المدني الفلسطيني بقليل من الأمان الذي كان متوفراً بوجود الأكناف، نعم هناك حاجة كبيرة لأي مبلغ مالي، لكن أيضاً هناك رغبة بالحماية والأمن اللذين يوفرهما الانتساب لجهة مسلحة'.

الحصار يحدد البندقية

يتوجه المدني الذي قرر حمل السلاح إلى الفصيل العسكري الأقرب إليه، ويتم الاختيار بناء على الطريق الأكثر أماناً، فحتى الخروج إلى يلدا 'حيث جيش الإسلام' قد يكون مميتاً للبعض من السكان، فيتم اختيار التنظيم في جنوب المخيم، وبالعكس، فالمقيم في يلدا يختار قوى عسكرية محسوبة على المعارضة كي يكون ضمن صفوفها، فيما قد يكون راغباً في القتال مع جبهة النصرة إلا أنه لا يملك طريقاً أمناً لداخل اليرموك.

بالنسبة لوليد، 20 عاماً، السلاح يُحمل فقط للقتال ضد النظام 'كلما اشتد الحصار أجد من يقنعني بالانتساب لجهة مسلحة ما، أسمع كلاماً عن الراتب والأجر والثواب والجنة، شخصياً حسمت الموضوع، لن أحمل السلاح إلا إذا دخل النظام إلى المخيم، حينها لن اهتم لصالح من أحمل البندقية، حتى لو قتلت كل عائلتي أو قضت من الجوع، لن أنتسب لأي فصيل'.

على عكسه يقول عاصم، 32 عاماً، المنتسب لجبهة النصرة حديثاً 'أنا أقاتل النظام الآن كي لا يدخل المخيم، لماذا انتظر كي يدخل، سأمنعه من ذلك الآن، لا أملك أي عمل اليوم، ولا أريد أن انتظر المساعدات التي تمنّ علينا بها جهات سورية وفلسطينية ودولية، أنا اعتبر نفسي موظفاً اليوم، أعود من عملي إلى عائلتي التي أمنت لها قوت اليوم' ولا يهتم وليد بخطر أن يقتل في معركة ما 'تتحدث عن الموت وكأنه لن يأتيني ببرميل أو بقذيفة أو برصاص قناص، أو حتى من الجوع، لا أخشاه، إذ قضيت في معركة فسأكون شهيداً'.

ليس وحده

كانت مناطق أخرى من سوريا قد شهدت ذات الإقبال على الانتساب لتنظمات متطرفة مثل النصرة وداعش، كان آخرها في منطقة برزة في شمال دمشق، حيث تمكن التنظيم من زيادة عدد المقاتلين لديه على حساب تنظميات أخرى تنتمي للمعارضة السورية، قبل أن تتمكن هذه التنظيمات من دحر تنظيم الدولة بشكل تام، وبالنسبة للمدني في المخيم، يتيح الانتساب لأحد الجهات المسلحة حرية أكبر في الحركة والتنقل إضافة لأمان غذائي قد يكون طويل الأمد، إلا أنه يورطه سياسياً وعسكرياً في الحرب السورية الحالية.

 

التعليقات