23/06/2015 - 19:53

رمضان في اليرموك: عيشة صومالية وأسعار أوروبية

المسحر: أنا أنادي على ما من غادروا أو استشهدوا أيضاً، وأمر بجانب المنازل التي أعلم أن اصحابها رحلوا، أنادي عليهم بالأسماء والألقاب".

رمضان في اليرموك: عيشة صومالية وأسعار أوروبية

لمس سكان مخيم اليرموك المحاصر في دمشق اختلافاً في شكل وتفاصيل حياتهم خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام، الأسواق تعرض العديد من المنتجات الغذائية التي طالما غابت عنهم، المشروبات الرمضانية التقليدية كقمر الدين وعرق السوق تصطف في زجاجات معروضة للبيع على طول الشارع الوحيد الذي من الممكن أن يسمى سوقاً تجارياً. صحيح أن القوة الشرائية تكاد تكون منعدمة للسكان أمام المنتجات المبهرة، لكنهم سعداء بالمشاهدة على الأقل، فيما تميز رمضانهم هذا العام بأنه وللمرة الأولى، يرفع فيها آذانان للإفطار ومثلهما للإمساك.

السوق

في سوق المخيم، يصف سامر ما يشاهده عند الباعة بالكثير من الدهشة 'في اليوم الأول من رمضان اختفى كل شيء من السوق، كان حاجز يلدا قد أغلق من قبل مسلحي البلدة المجاورة، فخاف التجار على رؤوس أموالهم وخبأوا البضائع، في اليوم الثاني كان كل شيء متوفراً، فقد فتح الحاجز، حلويات وخضار وبقوليات، ومشروبات لم نرها منذ ثلاث سنوات'.

أم مروان، سيدة تربي طفلين في المخيم بعد أن فقدت زوجها قبل سنوات، تقول عن السوق إنه أعاد بعضاً من أجواء الشهر الكريم ما أثر بشكل إيجابي عليها. وتقول: 'نعم لا نشتري كل ما نحبه من السوق، لكننا شعرنا بالسعادة، تشعر أن شيئاً قد تغيير بطريقة إيجابية ما، حتى لو كانت نتيجة رغبة تجار أو حاملي سلاح في التكسب خلال الشهر'. ثم تصف حال السوق بعبارة تكرر كثيراً على ألسنة سكان المخيم 'عيشة صومالية، وأسعار أوروبية'.

في المطبخ

لا تهتم أم مروان كثيراً بإعداد وجبة الإفطار، وتسخر من السؤال حول الطعام المفضل في الشهر. 'هل حقاً تسأل؟ نحنا اعتدنا قلة الطعام والحصار، لا أتعب نفسي كثيراً بماذا سنأكل اليوم، بعض من الحبوب أو الخضار تكفي الجميع'.

السبب الرئيسي الذي يجعل من أم مروان غير مهتمة بتفاصيل الوجبة، هو تناقص عدد الجالسين إليها، فتقول: 'كنا نجتمع أكثر من 11 شخصاً على الطعام، اليوم نجلس ثلاثة، أنا الصائمة وطفلاي اللذين لم يصلا بعد لعمر أداء الفريضة'.

على عسكها تماماً، تشير أم خالد التي تبلغ من العمر 37 عاماً إلى أنهماكها في إعداد المائدة معظم ساعات النهار.

تقول أم خالد: 'صحيح أن السوق ممتلئ ببعض المواد، لكنها ليست كافية ومرتفعة الأسعار، أذهب إلى يلدا أو بيت سحم لأجلب بعض المواد والخبز حين لا يكون هناك مساعدات، الكراتين التي تصلنا تضم بعضاً من المنتجات التي لا تفسد، لكننا نحتاج لأشياء أخرى يجب شراؤها'.

تصر أم خالد على إعداد وجبة تليق بالشهر 'حتى لو كنا نعيش بهذه الطريقة، نريد أن نشعر أننا نعطي الشهر حقه'.

السهرة

مساءً، ومن منتصف الليل حتى الفجر، تجتمع العائلات والجيران في شوارع المخيم، وقد أناروا بعض الشوارع بما توفر من 'ليدات'، وهي أشرطة إنارة تعمل بالمدخرات، يكون البعض منشغلاً بالبحث عن أي اتصال بالانترنت عبر هاتفه الجوال، فيما يتسامر الكبار ويتبادلون الأحاديت، تجلس النساء معاً، وليس بعيداً عن الرجال، في ليال لا قصف فيها، لكنهم يتوقعون القصف في أي لحظة.

أحاديثهم رمضانية بطابع مخيم محاصر، فمن استذكار الحال قبل الحصار، إلى ذكريات عن فلسطين يتلوها الشيوخ، إلى ضحكهم من حالهم اليوم، وقلقهم على بقية أفراد العائلة الذين انتشروا في العالم.

يرى سالم أن أسوأ ما في رمضان هذا العام، هو أن قسماً كبيراً من السكان قد غادر المخيم، 'وجوه كثيرة لم تعد موجودة، لا زحام اليوم في الشوارع، حتى العام الماضي كنت تشعر بالشوارع ممتلئة ليلاً، استشهد عدد كبير من الناس أو غادروا المخيم نهائياً'.

تستمر السهرة حتى اللحظة التي يمر فيها 'المسحراتي' معلنا ومذكراً بموعد الاستيقاظ في المخيم، ويتناوب شبان المخيم على لعب دور'المسحراتي'.

يقول مروان 'نعلم أن لا أحد يكون نائماً حين نمرْ ونضرب على الطبل الصغير، لكننا نفعل ذلك من أجل الأطفال، نريدهم أن يعرفوا بعضاً من طقوس الشهر الكريم، أنا أنادي على ما من غادروا أو استشهدوا أيضاً، وأمر بجانب المنازل التي أعلم أن اصحابها رحلوا، أنادي عليهم بالأسماء والألقاب'.

الآذان مزدوج

بفارق عشرين دقيقة عن موعد آذان المغرب بتوقيت دمشق، يرفع تنظيم داعش آذان المغرب بحسب ما يقول إنها رؤيته الشرعية في مخيم اليرموك، بذات الفارق في الزمن، يرفع التنظيم أذان السحور أيضاً، السكان يتقيدون بآذان ثالث، فهم يستعينون بالمذياع الذي يبث الآذان من الجامع الأموي الكبير في دمشق.

بعد الأفطار تتوجه قلة إلى المساجد لأحياء صلاة التراويح، يحصي مروان خمسة عشر مصلياً على الأكثر في صحن المسجد، ويرد قلة المصلين لسببين 'لا قوة لأحد لصلاة 24 ركعة في يوم رمضان خلال الحصار، ثم أن الصلاة مع داعش أو في غير مساجدها ستحسب عليك موقفاً دينياً وسياسياً في قلب اليرموك، أنت مراقب من الجميع، لذا من الأفضل الصلاة في البيت'.

تخطط بعض المنظمات المدنية العاملة في اليرموك، لنصب ألعاب العيد في بعض الساحات بعد انتهاء الشهر، هذا مقرون بشدة القصف والاشتباكات، وللمرة الرابعة يمر شهر رمضان على السكان في ظل حصار خانق قضى على أكثر من 170 شخصاً نتيجة النقص الحاد في الغذاء والدواء.

التعليقات