11/07/2015 - 13:48

هاني عباس لعرب 48: أرسم هموم الناس وأتابع المخيمات

يقول: ليس لدينا ترف الخيار السياسي، لا يمكن أن أكون حيادياً أمام ما يجري، كل بلداننا تعيش ظروفاً صعبة، فن الكاريكاتير هو صورة ونبض المجتمع، هذا ليس فناً حزبياً أو فن اتجاه سياسي، هو فن الناس أولاً

هاني عباس لعرب 48: أرسم هموم الناس وأتابع المخيمات

يُناقش ويُنتقد فنان الكاريكاتير من التشكيلي والصحفي، لكنه يُهدد من السياسي والعسكري، يضحك عباس حين تسأله عمن هدده، ويرفض الخوض في التفاصيل، لكن لوحته هي من تخبرك بالجهة التي لا بد أن ردة فعلها الأولى هي التهديد بأقل تقدير، الديكتاتور من أي نوع سيكره الكاريكاتير الموقع باسم هاني عباس.

في جنيف يعيش اليوم فنان الكاريكاتير الفلسطيني السوري، هاني عباس، يراقب من هناك مخيمات الفلسطينيين في سورية، ويرسم عنهم ولهم، رافضاً الاعتبار أن الفلسطيني عانى أكثر من السوري، وبالعكس، فكلاهما في ذات السياق ولهما ذات اللوحدة والفكرة والرسم، وقد تجده في يوم ما، متوقفا في شوارع المدنية السويسرية وهو شارد الذهن، حينها اعلم أنه يفكر في نفسه ويقول: ماذا أفعل أنا هنا؟

لا يرى عباس، خلال حديثه  مع عــ48ـرب، علاقة مباشرة بين الحياة والإقامة في بلدان تقدم سقفاً عالياً من الحرية كبلدان أوروبا، وبين قدرة الشباب العرب على إظهار إبداعهم في عدة مجالات في تلك البلاد، الربط بين الجغرافيا والقدرة على تحقيق الذات في المجالات الابداعية. يرفضها عباس الذي كان يقول ويرسم ويعبر عن رأيه بذات القدر وبذات الآليات سواء في سوريا أو لاحقاً في لبنان واليوم في سويسرا، فالموهبة والتجربة لا ترتبط بمكان الإقامة، وهو لم يصب بما يسميه 'صدمة الحرية' التي قد يعيشها البعض ممن يخرجون من بلدان لا حريات فيها، إلى بلدان يحق لهم ممارسة كافة حقوقهم وحرياتهم المدنية.

يكفي اللقب لا الرقيب

يلتقط عباس في لوحاته زوايا وتفاصيل من النادر ملاحظتها، هو يوثق اللحظة أو يسخر منها أو يعكس مأساتها كما يقول، فيما كثيراً ما أنجز لوحات، وقال في نفسه إنه لن يستطيع منافستها في لوحات قادمة، ليكتشف بعد أيام أنه قادر على تقديم الأجمل والأذكى من تلك التي ظنها بذاك الوصف، فيما ينوع في القضايا التي يتناولها بين الشتات والمخيمات واللجوء.

يفتخر ابن مخيم اليرموك، بلقب فلسطيني، فحين يذكر اسمه كرسام فلسطيني في صحف أوروبية وعربية، يحقق بذلك إنجازاً يقول عنه 'هو مهم كي يبقى اسم الفلسطيني موجوداً على الألسن، هناك من يحاول أن يمحو الوجود الفلسطيني، بتكرار هذا اللقب يكون قد تحقق أكثر ما أفخر به'.

تعبر اللوحة عن واقع سياسي، عن الناس عن الاختطاف والاعتقال والقتل، فلا يمكن الفصل هنا بأي شكل من الأشكال بين ما يعيشه الناس وما يرسمه عباس.

يقول عباس: 'ليس لدينا ترف الخيار السياسي، لا يمكن أن أكون حيادياً أمام ما يجري، كل بلداننا تعيش ظروفاً صعبة، فن الكاريكاتير هو صورة ونبض المجتمع، هذا ليس فناً حزبياً أو فن اتجاه سياسي، هو فن الناس أولاً'.

في عالم اليوم، لم يعد بإمكان أي رقيب أن يمنع النشر أو يحجب اللوحة، نسبة كبيرة من لوحات وأعمال عباس تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليس في الصحف أو المواقع الإلكترونية، وهي متاحة لأي متابع.

وعن ذلك يقول عباس: 'يمر فن الكاريكاتير بمراحل الفرز والتدقيق والتقييم عبر العالم الافتراضي، لكنها لا تتعرض للحجب، إلا أن المعركة اليوم، تبدو أكثر صعوبة مما كان عليه الحال قبل الربيع العربي، فمن مصر إلى العراق فسوريا وفلسطين وحتى تونس، هناك الكثير من اللغط والضياع الذي أصاب القضايا الكبرى، لصالح القضايا الصغيرة الطائفية والإقليمية، على الرسام أن يكون أكثر حذراً مما كان عليه، فهناك حالة قطيعة يعيشها الكثيرون منا اليوم'.

والمخيم

تعود الذاكرة بعباس إلى ثلاثين عاماً خلت، حين كان طفلاً في مخيم اليرموك، وكان المخيم أكثر روحانية مما كان عليه في السنوات العشرة الأخيرة: 'كان حميماً أكثر، لا زلت أذكر المدارس والحارات والناس، في ذاكرتي أرقام الهواتف والمقاهي ووسائل النقل وأجراس المنازل، كما أذكر خسائرنا في المخيم'.

يرى عباس أن ما يحدث في سورية اليوم بحق اللاجئ الفلسطيني هو مشروع تهجير، مع أنه لا يتمنى حدوثه، إلا أن الحدث اليومي على الأرض يقول هذا، فيما يرى أن من يعيش في المخيم هو من يمتلك القرار بالبقاء أو المغادرة.. 'هي ظروف مجنونة من الصعب أن تحدد خياراتك فيها، عليك أن تحترم الخيارات الفردية للناس، بالذات مع كل هذا التقصير الذي يعيشه الفلسطيني السوري اليوم، من جميع الجهات والتيارات والمؤسسات التي تدعي الاهتمام به أو تمثيله'.

مع عام 2011، يقول عباس، بدأت أعماله تنتقل إلى مرحلة جديدة 'انتهى المزاح، كان علي أن أنقل هم الناس، تطورت خطوطي، وأصبحت صارمة وقاسية أكثر، وكبرت المسؤولية، ظهر شكل خاص بلوحتي، إن كان بإمكاني أن أقول ذلك، في لبنان عملت مع اللاجئين ورسمت عنهم، ثم انتقلت إلى جنيف وأقمت معرضاً برعاية التفلزيون السويسري'.

حصل عباس على أرفع جائزة عالمية في فن الكاريكاتير والتي تنظمها مؤسسة 'رسامو كاريكاتير من أجل السلام' في جنيف ويرأسها فخرياً الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان.

من دمشق إلى جنيف

نشر عباس عام 1998 أول رسم كاريكتوري له في مجلة كانت تصدر من دمشق، بعد ذلك أقام عدة معارض فردية في دمشق، قبل أن يحصل على عدة جوائز لمسابقات على مستوى البلاد، ثم عين عضوا في لجنة تحكيم لمهرجانات متخصصة في فن الكاريكاتير في سورية وغزة، ونشر أعماله في صحف سورية، فيما ينشر اليوم في صحف سويسرية، وموقع الجزيرة النت وصحيفة المدن، وهو مدرس فنون في مدارس جنيف الدولية.

التعليقات