20/07/2021 - 14:44

لمحات من نضال المرأة الفلسطينيّة | أرشيف

لمحات من نضال المرأة الفلسطينيّة | أرشيف

من مؤتمر الاتّحاد النسائيّ العربيّ (1929)

 

المصدر:  «مجلّة الاتّحاد العامّ للمرأة الفلسطينيّة».

زمن النشر: آذار (مارس) 1977.

المصدر: المتحف الفلسطينيّ

 

 

تتميّز المرأة الفلسطينيّة بين نساء العالم بوضع فريد وخاصّ جدًّا، فهي بالإضافة لمعاناتها من الاستلاب الإنسانيّ والاجتماعيّ مع كافّة نساء العالم وخاصّة في العالم الثالث، نتيجة التقاليد والعادات القديمة المترسّبة من قيم حضارة الإقطاع والبرجوازيّة، والتي تجعل من المرأة تابعة للرجل على هامش حياة المجتمع، فهي تعاني مع شعبها من الاضطّهاد القوميّ والمتضمّن بالضرورة لأشكال الاستغلال السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وبشكل أكثر حدّة منه في أيّ مكان آخر في العالم، حيث تعيش غالبيّة الشعب الفلسطينيّ خارج أرضها، والبقيّة الباقية تعيش كمواطنين من الدرجة الثالثة تحت الاحتلال الصهيونيّ.

اعتصام نسائيّ رفضًا لوعد بلفور (1920)

ولكن بالرّغم من هذا الواقع القاسي الذي يفرض ظروفًا اقتصاديّة واجتماعيّة ومعيشيّة وصحيّة لا إنسانيّة، فقد قامت المرأة بدور هام في النضال الوطنيّ للشعب الفلسطينيّ، منذ صدور وعد بلفور عام 1917، وحتّى الوقت الحاضر، في مواجهة الاستعمار الاستيطانيّ على أرض فلسطين، وكافّة أشكال الاستغلال الاقتصاديّ والسياسيّ والاستلاب الحضاريّ للشعب الفلسطينيّ.

وقد شمل نضال المرأة كافّة أشكال النضال مثل:

أوّلًا: النضال السلبيّ بتوقيع العرائض وإرسال برقيّات الاحتجاج لمواجهة مخطّطات الاحتلال.

ثانيًا: النضالات الجماهيريّة كالمظاهرات والإضرابات والاعتصامات.

ثالثًا: مقاومة الغزو الثقافيّ والحضاريّ للحتلال الصهيونيّ بالحفاظ على الشخصيّة القوميّة والتراث الشعبيّ، وتطوير إمكانيّات الجماهير، مثل: تأهيل وتدريب النساء، محو الأميّة، خلق المشاريع الإنتاجيّة، ودور رعاية الأمّهات والأطفال.

رابعًا: النضال السياسيّ والعسكريّ داخل الأراض المحتلّة وخارجها، وقد وصلت فيه مشاركة المرأة في الحراسات والكمائن، ونقل التموين والذخائر والقيام بالإسعافات الأوّلية للمقاتلين، وفي تخطيط العمليّات العسكريّة وتنفيذها.

ونقدّم في هذه النشرة الموجزة لمحات من نضال المرأة الفلسطينيّة في مختلف مراحل تطوّر قضيّة الشعب الفلسطينيّ، مؤمنين بأنّ نضال المرأة الفلسطينيّة مع شعبها لتحرير الإنسان والأرض ما هي إلّا خطوات صحيحة في طريق السلام العالميّ القائم على أساس الحريّة والعدالة الاجتماعيّة بدون تمييز للدين أو الجنس.

افتتاح مبنى جمعيّة الاتّحاد النسائيّ العربيّ

 

مرحلة 1917-1929

بدأت المرأة الفلسطينيّة تعي دورها الوطنيّ منذ صدور وعد بلفور عام 1917، وبالرغم من التقاليد الاجتماعيّة المرتبطة بواقع المنطقة المتخلّف، وواقعها كامرأة بشكل خاصّ، فقد شاركت في الغضبة الجماهيريّة العارمة التي اجتاحت معظم مدن وقرى فلسطين على شكل إضرابات ومظاهرات صاخبة واصطدامات مسلّحة، وكانت بذلك تخطو خطواتها الأولى والصحيحة نحو تحريرها الاجتماعيّ.

ومن أبرز ملامح نضال المرأة في هذه المرحلة:

- مشاركة النساء الفلسطينيّات في أوّل ثورة للشعب ضدّ الانتداب البريطانيّ، عندما طافت تظاهرة من 40 ألف مواطن شوارع القدس في 27 شباط 1920، كما شاركت في الوفد الذي قابل المندوب الساميّ مطالبًا بإلغاء وعد بلفور.

- في عام 1921، تأسّس أوّل اتّحاد نسائيّ فلسطينيّ ومن رائدات هذا الاتّحاد زليخة الشهابي وميليا السكاكيني.

- عمل الاتّحاد في الفترة التالية لتأسيسه على توسيع القاعدة النسائيّة وتنظيم اللجان وتوحيد الجهود النسائيّة للعمل على تطوير نضال المرأة الاجتماعيّ والسياسيّ لمناهضة الانتداب البريطانيّ والوقوف في وجه الاستيطان الصهيونيّ.

- عام 1929 عقد الاتّحاد أوّل مؤتمر نسائيّ فلسطينيّ حضرته ثلاثمائة ممثّلة من مختلف مناطق فلسطين، صدرت عنه:

- عدّة برقيّات إلى قوى دوليّة تطالب فيها بوضع حدّ للهجرة الصهيونيّة والظلم الذي يلحق بالمواطنين من بطش الانتداب البريطانيّ.

- تشكيل وفد من 14 سيّدة لمقابلة المندوب الساميّ للمطالبة بإلغاء وعد بلفور

- سير المؤتمر مسيرة من 80 سيّارة طافت ببطء على جميع مراكز القنصليّات الأوروبيّة.

نشطت في تلك الفترة الجمعيّات النسائيّة، وعلى رأسها الاتّحاد النسائيّ العربيّ الفلسطينيّ بجمع التبرّعات من المواطنين لتوزيعها على عائلات الشهداء والمعتقلين بالإضافة لجمع الحليّ والمجوهات من النساء لشراء الأسلحة والذخيرة للثوّار، (ولشراء الأراضي حتّى لا تُباع للصهاينة)، كما كانت تقوم بتجهيز الثوّار بالملابس، وقد كانت تعقد الاجتماعات النسائيّة سرًّا في البيوت لهذه الأغراض.

أمّا في المجال العسكريّ فقد كانت نساء المُدن تنقل الأسلحة الخفيفة من مكان لآخر عبر نقاط التفتيش في حين كانت نساء القرى تقوم بنقل الثياب والمؤن والذخيرة للثوّار في الجبال على ظهور الحمير والبغال.

نزلت المرأة إلى ميدان المعركة ضاربة أروع الأمثلة في الإقدام والتضحية ومن أمثلة البطولة نذكر الشهيدة فاطمة غزال التي استشهدت في 26 حزيران 1936 في معركة وادي عزّون قرب مدينة اللدّ.

عملت المرأة في حقل في حقل التوعية والإعلام، ومن رائدات الصحافة السيّدة ساذج نصّار التي كان لها جهد واضح في جريدة الكرمل التي أصدرها زوجها، والتي طالما حذّرت من الخطر الصهيونيّ.

الصحفيّة ساذج نصّار

 

مرحلة 1947 - 1948

لجأ الشعب الفلسطينيّ مرّة أخرى إلى السلاح عام 1947 لإحباط مؤامرة التقسيم، واندفعت النساء الفلسطينيّات تؤدّي واجبها في مقاومة قرار الأمم المتّحدة، ومن أبرز نشاطات هذه المرحلة:

مشاركة المرأة في حفر الخنادق وبناء الاستحكامات.

- تشكيل الفرق السريّة لمرافقة الثوّار ومن أهمّها فرقة (زهرة الأقحوان) وكانت تقوم بأعمال التمريض وتزويد الثوّار بالتموين والأسلحة. ومن رائدات هذه الفرق، عادلة الفطايري، يسرى طوقان، الأخوات جهينة وعربيّة خورشيد، وقد استمرّت في نضالها حتّى سقوط البلاد تحت الاحتلال وقامت نساؤها بأعمال بطوليّة، مُنحن على إثرها أوسمة البطولة والشرف.

- تحويل المراكز الاجتماعيّة وبعض الفنادق إلى مستشفيات عسكريّة للطوارئ

- من أمثلة البطولة والشرف أسماء الشهيدات: جولييت نايف زكا في حيفا، حياة البلبيسي وحلوة زيدان وجميلة صلاح وذيبة عطيّة، اللواتي استشهدن أثناء الدفاع عن قرية ديرياسين، عندما ارتكبت العصابات الصهيونيّة مجزرة دير ياسين الشهيرة.

 

مرحلة 1948 - 1967

بعد هجرة الشعب الفلسطينيّ عام 1948، ونتيجة لظروف التشرّد خارج الأرض وظروف الاحتلال داخل الأرض، وجدت المرأة الفلسطينيّة نفسها أمام:

- مسؤوليّة المشاركة لحماية الأسرة من الضياع، فكانت أوّل ظاهرة بارزة لدخول المرأة العربيّة ميدان العمل، وعملت كموظّفة وعاملة ومدرّسة فنّية، وأقبلت على الدراسات العليا استعدادًا للدور الذي ينتظرها.

الشهيدة رجاء أبو عماشة

- مسؤوليّة المشاركة في العمل النقابيّ والحزبيّ. فقد شاركت المرأة في مختلف النقابات، وخاصّة في اتّحاديّ المعلّمين والطلّاب كما ناضلت في صفوف الأحزاب والحركات القوميّة العربيّة مثل: حزب البعث السوريّ، والحزب الشيوعيّ، وفي حركة القوميّين العرب. وقد وصلت المرأة في بعض الأحزاب لأعلى مراتب القيادة داخل الأرض المحتلّة وخارجها.

وكانت الشهيدة رجاء أبو عماشة عضوة حزبيّة في هذه المرحلة، واستشهدت وهي تقود مظاخرة جماهيريّة عارمة ضدّ حلف بغداد 1955.

أمّا في المجال الاجتماعيّ، فقد كانت مساهمة المرأة كبيرة وعظيمة، إذ بادرت إلى تشكيل الجمعيّات والمؤسّسات العديدة لمساعدة الشعب في التغلّب على مشاكل الحرب والهجرة نذكر منها: (دار الطفل العربيّ، جمعيّة المرأة العربيّة، جمعيّة الهلال الأحمر، جمعيّة المناضل الجريح، جمعيّة تأهيل العمل للّاجئ الفلسطينيّ) كما وأنشأت فروعًا للاتّحاد النسائيّ العربيّ في سوريا ولبنان.

وبعد تأسيس منظّمة التحرير الفلسطينيّة عام 1946، شاركة المرأة الفلسطينيّة في أوّل مجلس وطنيّ، وعقدت المؤتمر الأوّل للاتّحاد العام للمرأة الفلسطينيّة عام 1965 في مدينة القدس، واستمرّت في النضال من خلال الأحزاب الوطنيّة، وعندما أغلقت السلطات الأردنيّة عام 1966 كافّة مؤسّسات منظّمة التحرير، كان من بينها الاتّحاد العامّ للمرأة. لكنّ ذلك لم يوقف المرأة عن الاتّصال بالجماهير والعمل على توسيع القاعدة النسائيّة.

 

مرحلة 1967 - 1971

وعندما انطلقت الثورة الفلسطينيّة عام 1965، تدافعت النساء للالتحاق بالتنظيمات الفدائيّة، داخل الأرض المحتلّة وخارجها، وقد ناضلت المرأة داخل صفوف الثورة لتصعيد دورها والارتفاع بنوعيّة نضالها من مستوى النضال الاجتماعيّ إلى أرقى أشكال النضال عبر مشاركتها في الكفاح المسلّح. ومن ملامح نضال هذه الفترة:

- المشاركة الفعليّة في كافّة المجالات وخاصّة، الشؤون الاجتماعيّة ورعاية أسر الشهداء، الخدمات الطبيّة، وفي مراكز التأهيل والتدريب وفي مجال الإعلام الجماهيريّ والإعلام الميدانيّ.

- شاركت بدرجة محدودة في العمليّات العسكريّة داخل الأراضي المحتلّة عبر نهر الأردن وجُرحت في عمليّة المندسّة الأخوات جهاد، وسبعة.

- ناضلت للخروج بدورها إلى ساحة العمل السياسيّ المنظّم حتّى استطاعت من خلال عملها الدؤوب في القطاع النسائيّ الواسع أن تنتقل بدور المرأة من الإطار الطلائعيّ إلى الإطار الجماهيريّ.

الشهيدة هناء الشيباتي

- برزت قدراتها القتاليّة العالية أثناء التصدّي لجيش النظام الأردنيّ العميل الذي بدأ بتنفيذ مخطّطه السافر للقضاء على الثورة الفلسطينيّة منذ أواخر 1968 فكانت في صفوف الثورة على قدم المساواة مع أخيها المناضل.

- المشاركة الفعليّة الكبيرة في مجال إسعاف وتمريض الجرحى ونقل الجثث خلال مجزرة أيلول، وقيامها بمهام التموين والاتّصال.

- قدّمت العديد من الشهيدات، من أبرزهنّ هناء الشيباتي وأمل الكرمي.

 

داخل الأرض المحتلّة

تلى عمليّات القمع الشرسة بعد الحرب الصهيونيّة التوسّعيّة، نشاط مكثّف للمرأة، إذ شاركت في التظاهرات والاحتجاج ورفع العرائض إلى المنظّمات الدوليّة وقد سارت آلاف النسوة في تظاهرة ضخمة ضدّ العرض العسكريّ في القدس عام 1968 كما توالت تظاهرات الطالبات ضدّ تغيير مناهج التدريس العربيّة.

- شاركت المرأة في مسيرة الاحتجاج الكبرى في الذكرى الأولى للاحتلال الصهيونيّ، فقد تعرّضت للضرب ودخل عدد منهنّ المستشفيات.

- قامت النسوة بعمليّات الاعتصام احتجاجًا على عمليّات التوقيف الإداريّ والتعذيب الوحشيّ ومنع الأهل من زيارة الأبناء الموقوفين.

- شاركت المرأة في العمليّات العسكريّة في مجال التخطيط والتنفيذ.

- تمّ اعتقال أوّل فتاة فلسطينيّة - فاطمة برناوي في تشرين الأوّل من عام 1967، وتلاها عدد كبير من الأخوات، كعائشة ورسميّة عودة ومريم شخشير وعايدة سعد وغيرهنّ كثيرات، وقد تعرّضن لأقسى أنواع التعذيب، وقد بلغت أحكام بعضهنّ عدّة مؤبّدات.

- وصل عدد الفتيات اللواتي دخلت السجون الإسرائيليّة ما يزيد على أربعة آلاف فتاة.

- من أبرز شهيدات هذه المرحلة شادية أبو غزالة، التي استشهدت أثناء تنفيذ عمليّة عسكريّة.

- ساهمت المرأة الريفيّة مساهمة فعّالة بالثورة ضدّ الاحتلال، فنقلت السلاح وساعدت في تأمين تموين وإخفاء وإيصال الذخيرة للفدائيين وتأمين اختفائهم عندما تطاردهم قوّات الاحتلال.

- من الملامح البارزة لنضال المرأة في الداخل، النضال الاجتماعيّ والحضاريّ، حيث أعادت تأسيس (جمعيّة إنعاش الأسرة)، وهي تقوم بإعداد وتدريب الفتيات والنساء والشباب في كافّة المهن والدراسات العليا، كما ترعى أطفال وأسر المتضرّرين من الحرب، وتقوم بإنشاء مصانع الملابس والتغذية ممّا يساعد الجماهير في مقاومة الحصار الاقتصاديّ، بالإضافة لأعمالها الرائدة في جمع وبعث التراث الشعبيّ الفلسطينيّ، وتوثيقه والحفاظ عليه لمقاومة المخطّطات الصهيونيّة في طمس معالم التراث الحضاريّ للشعب الفلسطينيّ.

 


عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.

 

التعليقات