17/01/2013 - 15:23

من طرائف الأعراس أيام زمان... / د. محمد عقل

كان العرس في منطقة وادي عاره أيام زمان يستمر أُسبوعاً أو أكثر وله نكهته الخاصة. في ليلة الحناء كان الناس يجتمعون في ساحة العين الواقعة في مركز قرية عرعره ويوقدون حُزَم الحطب لأنه لم تكن هناك كهرباء، ويصبون القهوة "السادة، المرة، والمهيلة" للحضور بادئين بالضيوف (المعازيم). هناك كانت تجري السَّحجة بأن يقف الرجال في صف ويصفقون بالأيدي بترتيب، وهم يرددون لوازم(ردّات) يختارها شاعران شعبيان(حداية) مثل "يا حلالي يا مالي"، "سيفنا ماضي زمان". بينما يصدح الشاعران بأجمل الأشعار (الحدادي)، وقبل انتهاء السهرة كانا يتحاوران حول موضوع مهم مثل أيهما أفضل: السيف أم القلم ، المال أم العلم، الليل أم النهار، ويحتدم بينهما السجال حتى يتهاجيان، وينتهي الأمر بتدخل أصحاب العقد والشور وإجراء "صُلْحَة" بينهما. في عهد الأتراك وعهد الانتداب كانت راقصة نورية تحضر إلى القرية لترقص في زفة العريس مقابل حصولها على مبلغ من المال

من طرائف الأعراس أيام زمان... / د. محمد عقل

كان العرس في منطقة وادي عاره أيام زمان يستمر أُسبوعاً أو أكثر وله نكهته الخاصة. في ليلة الحناء كان الناس يجتمعون في ساحة العين الواقعة في مركز قرية عرعره ويوقدون حُزَم الحطب لأنه لم تكن هناك كهرباء، ويصبون القهوة "السادة، المرة، والمهيلة" للحضور بادئين بالضيوف (المعازيم). هناك كانت تجري السَّحجة بأن يقف الرجال في صف ويصفقون بالأيدي بترتيب، وهم يرددون لوازم(ردّات) يختارها شاعران شعبيان(حداية) مثل "يا حلالي يا مالي"، "سيفنا ماضي زمان". بينما يصدح الشاعران بأجمل الأشعار (الحدادي)، وقبل انتهاء السهرة كانا يتحاوران حول موضوع مهم مثل أيهما أفضل: السيف أم القلم ، المال أم العلم، الليل أم النهار، ويحتدم بينهما السجال حتى يتهاجيان، وينتهي الأمر بتدخل أصحاب العقد والشور وإجراء "صُلْحَة" بينهما. في عهد الأتراك وعهد الانتداب كانت راقصة نورية تحضر إلى القرية لترقص في زفة العريس مقابل حصولها على مبلغ من المال.

غالباً ما كان هؤلاء الحداية من خارج البلد فقد عرفنا في منطقة وادي عارة في الخمسينيات من القرن الماضي شاعريين شعبيين هما محمد أبو السعود الأسدي وأبو غازي قاسم الأسدي وهما أخوان من قرية دير الأسد في الجليل. وفي الستينيات عرفنا أربعة شعراء شعبيين وهم: محمد سعيد بصول المكنى أبا عاطف، توفيق سعيد بصول المكنى أبا الأمين، وهما شقيقان من قرية الرينة ولذا عُرِفَ كل واحد منهما بالريناوي، وصبري محمد سليمان المكنى أبا هاني من قرية عيلوط، ويوسف صالح أبو ليل المكنى أبا صالح من قرية كفر قرع.

عانى هؤلاء الشعراء من ظلم الحكم العسكري، وحظر عليهم مدح زعماء الدول العربية. في 11/4/1966 تم زفاف عبد العزيز مصطفى محمود قبها في قرية برطعة المجاورة. أحيا الحفل الشاعران أبو عاطف الريناوي وأبو هاني صبري محمد سليمان. في السهرة قام الشاعران المذكوران بكيل المديح للرئيس جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة، والملك حسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وأحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وقد وشى بهما واشٍ فأجرى الحاكم العسكري معهما تحقيقاً بحجة أنهما يُحرّضان العرب في منطقة وادي عاره على الثورة. وقد ذكر ذلك الواشي أن الريناوي أنشد في الحفل: "مد جيوشك يا جمال من سوريا لحيفا/..لتل أبيب/...لدير ياسين".

عندما كان الشاعران ينتهيان من الحداء في آخر السهرة كان ينبري أحد رجال القرية بتمثيل دور الحَدَّا فيلقي على الحاضرين طرفة، أو حكاية مضحكة بالشعر العامي، ومن هذه اخترت لكم واحدة رواها لي المرحوم محمد سلامة:

شَرَّقْنَا مِنْ هُون إِمْشَرِّق عَ المجيدل تا نِطْلَعْ
لَفينا عند إمْعَزِّبنا وقلنا إمْعَزِّبنا بِنْفَعْ
من العصر وطالعْ صارت القدورْ تِكْرَعْ
قُلْنَا يا لحمْ صِيصَانْ وإلا يا هبر مْقَطَّعْ
أمسى المسا جابوا العشا صحن مجدّرة وِاطْلعْ
ضَرَبتْ أولْ لُقْمِة وإلا الصَّرارة بثمي بِتقرعْ
يا ثاني لقمة وإلا طاحونتي من جُوَّا بِتفقعْ
ضربتْ ثالث لقمة راحت روحي ما تطلعْ
قُلنا والحيرة عند المنام مِلاّ هي ليلة وأشنعْ
حَطَّونا بخلقة خُشِّة وإجرينا لبره تطلعْ
جابوا لنا خلقة قَطُّوعَة ولحاف طرفه إمَّزَعْ
طَرَقِتْ إيدي على أكتافي وإلا هو عَمَّال إسمر إِطْبَعْ
والثاني وإلا هو إصْبَحْ إعترْ
قُلْنَا الحمد لله هاي عَمَّالين بِدّنا إنْطيح عَ المرج نِزْرَعْ
فتعلو الضحكات والقهقهات.......

شرح وتعقيب:

1.يلفظ الناس في منطقة وادي عارة القاف كافاً على سبيل المثال شَرَّقْنا/شَرَّكْنا، وأحياناً الفاء ثاء مثال: فمي/ثمي.
2.المجيدل قرية من قرى مرج بني عامر، والحَدَّا يستطيع أن يغير اسم القرية حسب المنطقة التي يعيش فيها.
3. في القصيدة ذم للبخيل الذي يُقصّر في إكرام الضيف في الطعام والمبيت.
4. كان الضيوف يعتقدون بأن مضيفهم (المعزب) سيذبح لهم دجاجاً، أو يطبخ لهم قطعاً من اللحم السمين، ولكن تبين لهم أنه قدّم لهم مجدرة مليئة بالحجارة (الصرار).
5.بات الضيوف في خشة صغيرة جداً، مليئة بالبراغيث التي يكني عنها بعَمَّالين (ثورين) كبيرين، وذلك لإضحاك الناس وإسعادهم في نهاية السهرة.
6. كان ممن اشتهروا بالحداء في قرية عرعرة: طه الأمين، علي الغزاوي وعبد المالك جهجاه.

من المناظرات التي كانت تجري في أعراس أيام زمان نورد ما يلي:
قال أبو عاطف الريناوي:

أُدْرُسْ يا فَتى وْكَمِّلْ عُلومَكْ
                               ولا تدعِ الناسْ تِتْسابَقْ عَلَوْمَكْ
وْمتى يا شَعِبنا طَلَّتْ علومَكْ
                               لَمَلّي ساحِة الدُنيا طَرَبْ

رَدّ أبو سعود الأسدي:
هَلا بِضيوفنا عَ الحَفِلْ حلّونْ
                               وْمَشاكِلْ صْعابْ أهلِ الشِعِرْ حَلّونْ
وآيات الشُكُرْ للضيفانْ حَلّونْ
                               ولا تهجوا بِحَرْفٍ مِن هَلِكْتابْ

وفي مناظرة أُخرى قال أبو سعيد الحطيني:
أفراحنا يا بو السعود مباركة              وأنت زكي والزين من شكلك زكي
والشعر يا بو سعود مثل المملكة            وعالطاولة خلي الحديث مشاركة
ومش جاي يا بو سعود حتى أنا غشك     جايي أنا بالشعر أفتح معركة
فقال أبو السعود:
يا بو السعيد بالضيف لازم نحتفي            وضيفنا ببسمة لطيفة بيكتفي
وأنت طلعت طلعة قليل المعرفة              ومن الضروري من قبالي تختفي
وعا كل حال أنت مثل نار الفُقُع           بتهب في لحظة وبلحظة بتنطفي
فقال الحطيني:
من هناك من حطين أول ألمعي            غنى الشعر، والمجد عَا صوتو وعي
ولو كنت يا بو سعود مثل الأصمعي          ما بتغدرش بالمعمعة تثبت معي
استنجد بزين وكل شعّار الزجل              تا تشوف مين العنتري والمدّعي


ومما كان ينشده أبو غازي نورد ما يلي:
غيرك يا شعب ملناش ناصر
وعلى محبة بني الأوطان ناصر
ويا مرحب بجماعة دار ناصر
أبو توفيق عنوان الرحاب
المثلث عزنا من عهد ماضي
وأنا اللي على أوراق الكتب ماضي
ألا يا مْخَوِّفنا ألا يا سيف ماضي
لماَّ بتحوجي يزيح الرقاب

ملاحظة: أبو سعيد الحطيني هو الشاعر الشعبي مصطفى البدوي من قرية حطين المهجرة.
 

التعليقات