19/01/2023 - 16:42

"شلل التحليل المستمرّ"... عن متلازمة التردّد القهري

ويبدو لكثير من الباحثين، أنّ حالة التردّد التي تُسمّى "شلل التحليل المستمرّ"، هي سمة مشتركة لدى كثيرين، وعادة ما تُصاحب حالة التردد هذه مشاكل مثل القلق

(Getty)

لعلم النفس أدواته المختلفة لقياس التردّد، وإحدى أدواته، هو الاستبيان الشهير - عدم الحسم - الذي يطلب من المشتركين تصنيف سلسلة من العبارات على مقياس 1 (لا أوافق بشدّة)، إلى 5 (أوافق بشدّة، ويشمل هذا الاختبار عبارات من نوع "أحاول تأجيل اتّخاذ القرارات" و"أجد صعوبة في التخطيط لوقت فراغي" و"كثيرًا ما أشعر بالقلق من اتّخاذ القرار الخاطئ" و"يبدو أنّ اتّخاذ قرار بشأن أكثر الأمور تفاهة، قد يستغرق منّي وقتًا طويلًا".

من خلال هذا المقياس، يظهر لدى الباحثين مقدار ما يكون التردّد في حالات كثيرة على أنّه نتاج لفكرة الكمال، إذ إنّ الذين يميلون لفكرة الكمال، يساورهم الخجل أو الندم الذي قد يصاحب اتّخاذ القرار الخاطئ، وفي كثير من الأحيان، يميلون إلى تأجيل اتّخاذ القرارات، حتّى وصولهم إلى شعور باليقين من أنّهم يفعلون الشيء الصحيح.

وتشير دراسة أجراها أستاذ علم النفس في جامعة "إيراسموس" في هولندا، إريك راسين، إلى أنّ الذين حصلوا على درجات أعلى في هذا المقياس، انخفضت درجاتهم في مقياس الرضا عن الحياة.

ويبدو لكثير من الباحثين، أنّ حالة التردّد التي تُسمّى "شلل التحليل المستمرّ"، هي سمة مشتركة لدى كثيرين، وعادة ما تُصاحب حالة التردد هذه مشاكل مثل القلق، بينما يؤكّد علماء، مثل رايسين، على أنّ هذا التردّد مع القلق، يمكن أن يكون له كذلك جوانب إيجابيّة، مثل حمايتنا من الأخطاء الشائعة.

في ورقة بحثيّة قدّمتها جانا ماريا هونسبين، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة التكنولوجيا في دريسدن، استخدمت مقياس "ازدواج السمات" ، بدلًا من المقياس الحسمي، إذ يبحث مقياس ازدواج السمات أكثر في الأفكار والمشاعر الكامنة وراء عمليّة اتّخاذ القرار من عدمه، إذ يُطالب المشتركون في تقييم جمل مثل "أفكاري متناقضة في كثير من الأحيان"، و"غالبًا ما أشعر بأنّني في وسط المشكلة". وتقول هونسيبن "إذا كانت هذه العبارات تلقى صدى معنا، فمن المحتمل أنّنا نتمتّع بدرجة عالية من التناقض".

ويستغرق الأشخاص "المتناقضون" وقتًا أطول في اتّخاذ القرارات، لكن وجدت الدراسة أيضًا، أنّهمم أقلّ عرضة للتحيّز عند التوصّل إلى الأحكام.

في تجربة أخرى، قرأ المشاركون مادّة نصيّة تتحدّث عن موظّف يسعى إلى تجديد منزله، وعليهم اتّخاذ قرار يسمح لهذا الموظّف بالاستمرار أو التوقّف في مشروعه، مع إعطاء المشاركين لبعض البيانات الإضافيّة. واتّفق بعض المشاركين واختلف آخرون. ومال الأشخاص "المتناقضون في سماتهم" ليكونوا أكثر تقبّلًا للعبارات التي لا تتّفق مع وجهة نظرهم، في حين أن أولئك الذين أظهروا القليل من التناقض، كانوا يحسمون الأمور بشكل أوضح.

(Getty)

ويعاني كثيرون بما يسمّى "متلازمة التردّد"، وهي إحدى العادات السلوكيّة حسب عدد من الأبحاث، وليست سمة من سمات شخصيّاتهم، وهو ما يعني أنّ بإمكان الإنسان تغييرها، ويتّصف من يعاني من "متلازمة التردّد"، بالإفراط في التفكير في كلّ قرار يتّخده، حتّى انتهاء الوقت المحدّد، كما يممكن للمصابين بهذه المتلازمة، التردّد في اتّخاذا قرارات سخيفة أو بسيطة، مثل "أيّ وجبة سيتناولون على الإفطار".

ونشر موقع "سايكولوجي توداي"، تقريرًا يشرح فيه أسباب الإصابة بمتلازمة التردّد، والتي يلخّصها بأنّها تتفاوت ما بين الرغبة في اتّخاذ القرار الأصوب، أو الخوف من تفويت القرار الأفضل، ومحاولة تجنّب الخيار الخاطئ.

وحسب التقرير، فإنّ الرغبة التي تتواجد عند البشر في إتمام الأمور يجتمع معها الخوف في بعض الأحيان، وبشكل عام، يعاني الأشخاص المثاليّون وضحايا الوسواس القهري من متلازمة التردّد.

ووجد دراسات أخرى أنّ التردّد المزمن يمكن أن يكون من سمات الاكتئاب، وهو ما يتسبّب لصاحبه بشعور أنّه محبوس داخل نفسه، ويمكن أن تصل الأمور إلى عدم خروجه من منزله بسبب الخوف من اتّخاذ القرارات الخاطئة.

ويعتبر باحثون، أنّ "متلازمة التردّد"، هي عادة سلوكيّة في الطريقة التي يفكّر بها الإنسان الذي يعاني منها.

وأنشأ مؤلّف مشارك في كتاب "فريكونوميكس"، موقعًا على شبكة الإننترنت، استطاع الناس من خلاله وصف معضلاتهم ومشاكلهم التي واجهوها في حياتهم، مشاكل من كلّ نوع؛ من الحصول على وشم، إلى نقل المنزل، أو ترك الوظيفة، وغيرها من المشاكل التي يواجهها الجميع، ثمّ طلب من المشاركين، قلب عملة معدنيّة، وهي التي ستخبرهم إذا ما كانوا سيجرون هذه التغييرات أم لا.

وبعد هذه التجربة، وجدت الدراسة أنّ العديد من الأشخاص قد نفّذوا التغييرات التي كانوا ينوون فعلها، وخمّن الباحثون، أنّ معظم المشاركين كانوا يفكّرون بالفعل بعناية في اتّخاذهم للقرار، لكن مخاوفهم حالت دون اتّخاذهم لهذه القرارات.

التعليقات