هل أنتم حقا أحرار؟ هكذا يسيطر الإعلام على الجماهير

​كانت الدعاية التي استعملها النازيّون ما بين عامي 1933 و 1945، توازي في قوّتها أشدّ الأسلحة المستخدمة حينها، وحتّى اليوم، ما زال الإعلام يحاول السيطرة على العقول بشتّى الطرق، والأمثلة التاريخيّة كثيرة في هذا المجال، وأكثرها لفتًا للأنظار

هل أنتم حقا أحرار؟ هكذا يسيطر الإعلام على الجماهير

كانت الدعاية التي استعملها النازيّون ما بين عامي 1933 و 1945، توازي في قوّتها أشدّ الأسلحة المستخدمة حينها، وحتّى اليوم، ما زال الإعلام يحاول السيطرة على العقول بشتّى الطرق، والأمثلة التاريخيّة كثيرة في هذا المجال، وأكثرها لفتًا للأنظار حتّى وقتنا الحالي هو جوزف غوبلز، الذي لعبَ أكثر الأدوار أهميّة في ترويج الفكر النازي لدى الشعب الألماني وصاحب مقولة 'كلّما سمعتُ كلمة مثقّف تحسستُ مسدّسي'.

عند حدوث أيّ انقلابٍ عسكريّ في أيّ دولة، تكون الخطوة الأولى بعد الانقلاب هي السيطرة على مبنى التلفزيون الرسمي والإذاعة، وهو ما حدث مع ثورة الضباط الأحرار في مصر عام 1952، وفي 3 تموز/يوليو من عام 2013، بعد انقلاب الجيش في مصر، حيث ألقى وزير الدفاع حينها برفقة الجنرال عبد الفتاح السيسي، بيان عزل الرئيس 'محمد مرسي'، ومحاولة السيطرة على مبنى التلفزيون الرسمي في تركيا، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، والأمثلة تطول في هذا الأمر.

بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت الدعاية كعلم مستقلّ به الكثير من التحليلات والنظريات التي تحاول فهم الجمهور، والدخول إلى وعيه ومحاولة التأثير عليه، ولكن السؤال الأساسي يكمن في 'كيف يتحوّل الإعلام عن دوره الإساسي كسبيل للوعي، إلى أداة يتمّ استخدامها لتضليل الشعوب؟.

استراتيجيات للسيطرة على الشعوب.

من أبرز الاستراتيجيّات التي يستخدمها الإعلام، 'تحفيز الخوف والذعر لدى الجماهير'، وهذا كفيل بتمرير مختلف الأفكار إلى عقولهم، حتّى لو بدت هذه الأفكار غير منطقيّة أو عقلانيّة، وتمّ استخدام هذا الأسلوب من خلال الولايات المتحدة الأميركيّة في حربها ضد فيتنا، وعام 2001 إبان غزوها لأفغانستان والعراق لاحقًا، عبر تمرير معلومات مغلوطة وكاذبة ثبت فيما بعد عدم دقّتها، مثل امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وهو ما ساعدهم في ذلك الوقت على حشد الرأي العام لصالحهم.

الملايين حول العالم يؤمنون بالأساطير والخرافات على أنّها قصص حقيقيّة، وهو ما تفسّره الدراسات بميل البشر لتصديق الأفكار والمعلومات التي تتكرّر أمامهم أكثر من مرّة، بغض النظر عن صحّتها أو مدى صدق هذه الرسالة، وهو ما يستخدمه الإعلام بكثرة.

ولا شكّ أنّ العديد من متابعي وسائل الإعلام، والتلفزيون على وجه الخصوص، يشعرون أنّه يخوض حربًا ضدّ كلّ ما هو جاد، لصالح كلّ ما هو ترفيهي بمختلف أشكاله، وذلك على الرغم من ارتفاع نسبة المتعلّمين والأكاديميّين حول العالم، حيث أصبح الناس أكثر قابليّة للخداع بشكل كبير.

كيف تمّ تحويل الجار الفلسطيني إلى إرهابيّ في مصر؟

مع التغيّرات الكبيرة الحاصلة في الوطن العربي، تغيّرت العقليات أيضًا، وبطريقة أو بأخرى، غيّر الرأي العام الكثير من وجهات النظر، ومن الأمثلة التي يمكن طرحها وبشدّة هو كيف تمّ تحويل الجار الفلسطيني إلى إرهابي يهدّد الأمن المصري، وهو ما عملت عليه مختلف وسائل الإعلام المصرية بدعم من سلطة الانقلاب، ونجد هذا الأمر واضحًا وجليًّا في تغريدات نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية سابقًا، عزّة غانم، بعد توجيه شكرها لنتنياهو عقب قصف الجيش الإسرائيلي لغزة.

من يطالع وسائل الإعلام المصرية إبان الحرب على غزّة، سيشعر أنّ الحديث يتمّ عن الفلسطينيين كعدوّ لدود يهدّد مصر وأمنها، إذ عملت وسائل الإعلام على شحن الشارع المصري، وتطول الأمثلة على ذلك، بداية من الإعلامي عمرو أديب الذي وجّه تحية للإسرائيليين قائلًا إنّ 'الفلسطينيين يستحقون ما هم فيه... يستحقّون أن ينتهوا'، إلى عُكاشة وأحمد موسى وغيرهم...

خمسة كتب تشرح طرق فهم الجماهير، وسيطرة الإعلام عليهم.

1. المتلاعبون بالعقول

يناقش هربرت هيللر من خلال هذا الكتاب الذي صدر 1973 أساطير التضليل الإعلامي الخمسة في الولايات المتحدة الأمريكية، مقدمًا بذلك النموذج الأمريكي كنموذج للمحاولة على فرض نفسه على ثقافات العالم، كما يسعى المؤلف إلى طرح عدد من الأسئلة أهمها عن كيف يجذب محركو الدمى الكبار في السياسة والإعلان ووسائل الاتصال الجماهيري خيوط الرأي العام؟.

كما يطرح الكاتب عددًا من المصطلحات الهامة مثل الوعي المعلب والنماذج الجاهزة التي يتم تقديمها للجمهور في صورة توعية، وما هي في الحقيقة إلا محاولة للتضليل، كذا ما يتم فعله تحت باب الترفيه والتسلية والذي يؤدي بشكل أو بآخر إلى ترسيخ بعض المفاهيم والحفاظ على الأوضاع الراهنة.

2. سيكولوجية الجماهير

ربما هو الكتاب الأشهر والأقوى تأثيرًا نظرًا لانتشاره وأسبقيته في مجال فهم الجمهور وسماته النفسية، كما كان أحد المصادر الهامة التي اعتمدت عليها النازية إبان الحرب العالمية لترويج أفكارها، ففي خلال هذا الكتاب يستعرض غوستاف لوبون أهم سمات وخصائص الجمهور العاطفية والعقلانية، ولماذا لا يمكننا التعامل معه باعتباره مجموعة من الأفراد، فالجماعة لها إدراك وسلوك متباين تمامًا يجعل من السيطرة عليها تتخذ مسارًا مختلفًا. 

كما يعرض الكاتب آراء الجماهير وكيف يتم تشكيلها، كذلك ما هي وسائل الإقناع التي يمكن من خلالها تحريك الجمهور والتحكم به، وكيف تحولت الإيديولوجيا إلى دين جديد يدافع عنه الجمهور بأرواحهم.

فيرى 'غوستاف لوبون' أن الجماهير لا تعرف إلا العواطف البسيطة والمتطرفة، فإن الآراء والأفكار والعقائد التي يحرضونها عليها تُقبل من قبلها أو ترفض دفعة واحدة، فإما أن تعتبرها كحقائق مطلقة، وإما كأخطاء مطلقة.

3. وسائل الإعلام: الإله الثاني

يستعرض توني شوارتز من خلال هذا الكتاب الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام للتأثير على نفسية الجمهور وإدراكهم للمعلومات، وتبنيهم للأفكار والمعلومات الجديدة مستطردًا في سبيل ذلك دور الإعلانات التي يتعرض لها الجمهور بشكل مستمر،  وقدرتها على خلق رغبات واحتياجات وهمية، مستهلًا كتابه بفصل عن عصر الاستقبال الذي تحول فيه الجمهور من جديد إلى متلقٍ سلبي في أحيان كثيرة. 

وقد استعرض الكاتب من خلال عدد من فصول الكتاب نقاط هامة تدور حول الاستخدامات الاجتماعية لوسائل الإعلام والدور الذي تلعبه هذه الوسائل في وضع قواعد جديدة للغة المستخدمة، إلى جانب تأثير عرض الأخبار على الشاشات والصحف على نفسية الجمهور وإدراكه وحكمه، خاتمًا كتابه بتنبأ لشكل وسائل الإعلام في عام 2000، مع العلم أن هذا الكتاب قد صدر في عام 1981.

4. السيطرة على الإعلام: تشوميسكي

في كتاب رشيق صغير يستعرض تشومسكي إنجازات الدعاية 'البروباجندا' في الدول الديموقراطية، وكيف تحقق بدرجة عالية ما كان يسعى إليه الحكم الشمولي والاستبدادي من سلب الجمهور حق الاختيار والمعرفة، ولكن بطرق أكثر تحضرًا وحكمة!

5. التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول

بيير بورديو، أحد المفكرين الذين تركوا بصماتهم الفكرية على الحركات الاجتماعية والسياسية في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي حاول من خلال هذا الكتاب لفت الأنظار إلى التزاوج بين رأس المال والتكنولوجيا الحديثة، كما انتقد المثقفين الفرنسيين الذي أطلق عليهم كلاب الحراسة الجدد في التليفزيون، حيث تحوّل التليفزيون من وسيلة للترفيه والتسلية إلى وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي والتلاعب بالجمهور.

وقد اهتم الكاتب بالتليفزيون كما يقول نظرًا لما يحققه من إقبال جماهيري كبير، ونظرًا لتنوع الرقابة عليه من رقابة سياسية متمثلة في الدولة ورقابة اقتصادية في رجال الإعلان، وهذه الرقابة قد تبدو خفية إلا أنها تترك آثارًا كبيرة، وكنوع آخر من الرقابة تحدث عنه الكاتب وهو فن حجب المعلومات، والتحكم في عرض المعلومات المنقوصة أو المبتورة؛ الكاتب يخوض في هذا الكتاب رحلة الباحث والإنسان الذي يقدم كتابه كصرخة للجمهور وللباحثين للاهتمام بدورهم الحقيقي.

التعليقات