قصر الباشا في غزة... متحف الحضارات المتعاقبة

يتميز قصر الباشا بأنه حصن من الدقة والقوة والجمال، ويحتوي على واجهات بنقوش ورسومات مختلفة مع أنماط متعددة في الأشكال

قصر الباشا في غزة... متحف الحضارات المتعاقبة

يقع قصر الباشا في حي الدرج في مدينة غزة القديمة، وهو عبارة عن مبنى من طابقين يعود تاريخه إلى العصر المملوكي، وكان مقر حاكم غزة خلال العصرين المملوكي والعثماني، وكان يستخدم كمركز للشرطة أثناء فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وأمضى القائد الفرنسي نابليون بونابرت ثلاث ليال محاصراً القصر خلال حملته العسكرية ضد مصر وسوريا في 1799م، ولذلك يطلق عليه البعض أحياناً “حصن نابليون”.

ويتميز قصر الباشا بأنه حصن من الدقة والقوة والجمال، ويحتوي على واجهات بنقوش ورسومات مختلفة مع أنماط متعددة في الأشكال، مثل شعار القائد المملوكي الظاهر بيبرس (نحت أسدين)، بالإضافة إلى الأشكال الهندسية والعناصر الأثرية الفريدة مثل القباب والأشكال الهندسية المتقاطعة.

وتم بناء الطابق الأول من قصر الباشا من قبل السلطان المملوكي الظاهر بيبرس في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي، وكان النحت البارز لأسدين متقابلين من أهم المعالم الرئيسية خلال فترة حكم بيبرس في جميع الإنشاءات التي يتم تشييدها في عهده، فضلاً عن أنماط هندسية وقباب وأقبية متقاطعة، وهذه الأشكال كانت إحدى السمات النموذجية لعمارة المماليك البحرية، وعندما كان بيبرس يقاتل الصليبيين والمغول في جميع أنحاء بلاد الشام، يقال إنه مرّ على غزة في عدة مناسبات، وخلال إحدى زياراته تزوج في غزة وبنى القصر الكبير لزوجته وأطفاله.

وتعود جميع محتويات الطابق الثاني من المبنى إلى العصر العثماني، وتم تشييد الطابق في القرن السابع عشر الميلادي، وخدم قصر الباشا وقتها “رضوان باشا”، ومن هنا أطلق على القصر “قلعة رضوان باشا”، والباشوات كانوا حكاما يعينهم الوالي العثماني من محافظة دمشق، وخلال هذه الحقبة زودت القلعة بفتحات وشقوق وممرات تحت الأرض، لتكون حصناً عند مهاجمة الأعداء ووسيلة للدفاع عن المدينة، وداخل القلعة كانت توجد غرف ومساكن للجند ومسجد وصومعة وترسانة من الأسلحة والمدافع والسهام، وتم تزويد وارتفاع جدران القصر حتى أصبح نقطة استراتيجية في قطاع غزة، جنباً إلى جنب مع تحصيناته الدفاعية المميزة، والتي كانت سبباً رئيسياً في عدم قدرة نابليون بونابرت على اقتحامه، حيث أمضى ثلاث ليال محاصراً القصر خلال حصار عكا في عام 1799، ومن هنا جاء اسم “حصن نابليون”.

وكتب الرحالة التركي أوليا جلبي عن قصر الباشا في عام 1649م، قائلاً: “بنيت القلعة في العصور القديمة، إنها صغيرة ومستطيلة، وتقع على بعد ساعة واحدة من شرق البحر، جدرانها عشرون ياردة عالية، ولها باب حديدي يفتح في اتجاه القبلة، ويجب أن تكون الحامية دائماً جاهزة في أداء واجبات الحراسة لأنها في مكان خطير، والجميع يتربص بها، حيث توجد القبائل العربية والعديد من الأعداء”.

وخلال الفترة الحديثة وتحديداً في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين (1920 – 1948)، كان يستخدم قصر الباشا مركزاً للشرطة، وخلال الحكم المصري لقطاع غزة في الفترة من (1948 – 1967)، تم تحويل القصر إلى مدرسة خلال حقبة الملك فاروق، وكانت تعرف بمدرسة الأميرة فريال للبنات، ولكن تم تغيير اسم المدرسة إلى مدرسة الزهراء الثانوية للبنات خلال عهد الرئيس جمال عبد الناصر.

وبسبب تاريخ القصر، قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتمويل من البنك الألماني للتنمية لتحويل قصر الباشا إلى متحف، وبدأ ترميم قصر الباشا تحت إشراف وثيق من وزارة السلطة الفلسطينية للآثار والتراث الثقافي، وخلال المرحلة الأولى من المشروع تم تشييد مناظر طبيعية، وتركيب أبواب ونوافذ وبوابات جديدة واستعادة واجهة القصر.

وفي المرحلة الثانية من المشروع، تم وضع الأثاث المناسب للمتحف، بجانب تركيب قاعات زجاجية تستخدم في عرض بعض الآثار التاريخية، بما في ذلك الرومانية والفارسية والإغريقية والفينيقية والمصرية القديمة، وأيضاً آثار تعود إلى العصر الأيوبي والأموي والمملوكي والعثماني، كما تم تجديد مبنى أصغر أمام القصر لاستخدامه كبوابة وصول إلى المتحف، ويحتوي القصر على خمس غرف مخصصة لعرض آثار المتحف، تمّ تقسيمها وفق العصور، الأولى لعرض آثار العصر الروماني، والثانية للعصر البيزنطي، والغرفة الثالثة لعرض زينة النساء خلال جميع العصور، بينما الرابعة لعرض الأحجار والأعمدة والتيجان الضخمة لجميع العصور، وخصّصت الغرفة الخامسة للقطع الأثرية خلال العصر الإسلامي.

ويقول د. محسن الباز، الخبير الأثري: إن قصر الباشا في مدينة غزة بفلسطين، من أجمل القصور التاريخية والأثرية التي تعود إلى فترة المماليك، وأحد النماذج المعمارية التي خلّفتها الحضارة الإسلامية، حيث يحتوي على عمارة ساحرة ونقوش ونماذج هندسية مميزة.

ويشير إلى أن جدران قصر الباشا تحتوي على شعار أسدين متقابلين، وهو رمز كان يفضل القائد المملوكي الظاهر بيبرس وضعه ونحته على جميع المباني التي كان يتم تشييدها في عهده، لأنها رمز القوة والبأس وترمز إلى انتصار المسلمين على المغول والصليبيين.

اقرأ/ي أيضًا| بالصور: صلاة الجمعة على أنقاض منازل هدمها الاحتلال

ويوضح أن القصر كان مقراً لحاكم غزة خلال الحقبة المملوكية والعثمانية، وبقي مقراً للحكم حتى انهيار الحكم العثماني على يد الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، وتحول القصر إلى محطة للشرطة خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.

التعليقات