هنا داكار “باريس الأفريقية الصغيرة”

هنا في السنغال يجد السائح نفسه في أجواء أسطورية تختلط فيها التواشيح الصوفية بالطقوس الوثنية وا

 هنا داكار “باريس الأفريقية الصغيرة”

السنغال... البلد الأفريقي الفريد الذي يجمع بين جغرافية الصحراء والشاطئ، ويعيش على أرضه المسلمون والمسيحيون، وقلة من أتباع ديانات وثنية أفريقية، هنا في السنغال يجد السائح نفسه في أجواء أسطورية تختلط فيها التواشيح الصوفية بالطقوس الوثنية والترانيم المسيحية، لكن مع ذلك وعلى اختلاف ديانات السكان وطوائفهم، فالجميع لا يتوقفون عن الرقص في كل المناسبات.

وبين أحراش وادي السنغال التقليدية ومدنية العاصمة “داكار” أو “باريس الأفريقية”، كما يطلق عليها للتشابه الكبير بينها وبين العاصمة الفرنسية باريس، يجد السائح نفسه في رحلة سياحة فريدة من نوعها ومشاهدها، فعلى شاطئ المحيط الهادي تتوفر إمكانيات السياحة الشاطئية، وفوق رمال الصحراء الكبرى يمكن لمجموعات السائحين أن تستمتع برحلات السفاري ومشاهد الصحراء، وحتى لمحبي سياحة المدن، فهؤلاء في إمكانهم أن يعيشوا فترة سياحة استثنائية بين ثقافات أفريقية وعربية وإسلامية وفرانكوفونية أوروبية، والانتقال بين أحياء الأثرياء وأحياء الفقراء ليسجلوا لوحة فسيفساء بشرية فريدة، ففي إمكان السائح في السنغال فقط أن يتناول طعام الغذاء في مطعم لبناني، ويشرب القهوة في مقهى فرنسا، ويحضر احتفالا إسلاميا صوفيا، ثم يشاهد اجتماعا لتأدية طقوس وثنية أفريقية خالصة، وبعدها يستكمل جولته السياحية بين تفاصيل لوحة أفريقية خالصة، حيث تلتقط أذن السائح مفردات عربية وجمل فرنسية وأحاديث بلهجات محلية أفريقية متداخلة.

الفول السوداني

تقع جمهورية السنغال على الساحل الشمالي الغربي من أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، وتطل على المحيط الهادي، تجاورها موريتانيا شمالاً، ومالي شرقاً، وكل من غينيا وغينيا بيساو جنوباً، وتبلغ مساحتها نحو 197 ألف كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها 13.7 مليون نسمة ويشكل المسلمون نحو 94 بالمائة من السكان، بينما تتوزع باقي نسبة السكان بين المسيحيين وأتباع الديانات الوثنية الأفريقية التقليدية.

يعتمد اقتصاد السنغال على الزراعة التي تعمل بها غالبية السكان، حيث يعد الفول السوداني أهم المحاصيل الزراعية التي تصدرها السنغال، يأتي بعد ذلك قطاع الصيد في المرتبة الثانية، ثم تأتي السياحة في المرتبة الثالثة، حيث بدأت أهمية قطاع السياحة في التزايد بعدما أصبح أحد المصادر الرئيسية من عوائد النقد الأجنبي في البلاد

وسواحل السنغال وغاباتها مقاصد سياحية مناسبة للاصطياف وبخاصة للأوروبيين الذين يقضون جانباً من شهور الشتاء الباردة على سواحل وغابات السنغال، حيث تتوافر رحلات جماعية يتم ترتيبها، مع استعدادات لرحلات الصيد والقنص في الغابات والسافانا. تأتي بعد ذلك صادرات السنغال من خام الفوسفات في المرتبة الرابعة من هذه الركائز السياحية.

لغة عربية

داكار هي عاصمة السنغال، تتميز بمبانيها الأوروبية وسط الحدائق المتناثرة في قلب المدينة، فهي نموذج كامل لمدينة فرنسية كاملة حتى أن البعض يعتبرها باريس أفريقيا، ولذلك فإن للسنغال هناك أربعة وجوه: وجه أفريقي، وآخر فرنسي، وثالث إسلامي، ورابع عربي. وهناك ثلاثة أحياء في المدينة: الحي اللبناني، ويشغله التجار ورجال الأعمال والمهاجرون من لبنان، حيث تنتشر الدكاكين اللبنانية الصغيرة، ويتحدثون بلغة عربية “بلكنة لبنانية” والحي الأفريقي، ويطلق عليه السنغاليون “المدنيا” ولغتهم هي الولوف، والحي الأوروبي، وهو صورة مصغرة لباريس، فنجد المقاهي والمتاجر واللغة تطبع الحي كله الذي لم تتغير معالمه رغم مرور أكثر من أربعين عاماً على الاستقلال. وفي جورته الواقعة على مرمى البصر من داكار، والتي كانت أهم مراكز تصدير العبيد من غرب أفريقيا إلى أوروبا وأمريكا منذ القرن الخامس عشر الميلادي، لا يزال هناك بناء عمره أكثر من 300 عام وهو “بيت العبيد”، حيث كان يقيم فيه الزنوج قبل شحنهم على البواخر للبيع في أسواق العالم الغربي وأمريكا.

محمية السلاحف

ومن المقاصد السياحية البارزة في السنغال والتي تسببت في زيادة عدد الزوار الأجانب محمية “نوفلاي”، وهي محمية خاصة للسلاحف العملاقة، والتي يطلق عليها علماء الحيوانات اسم “جيوشيلون سولكانا”، وهي سلاحف تمثل رمزاً للسعادة والخصوبة والعمر الطويل في عيون سكان الساحل السنغاليين فاختصوها بمكانة رفيعة، وأضفوا عليها نوعا من القدسية، ويحرص الزوار الأجانب وحتى سكان السنغال المحليين على زيارة هذه المحمية بصورة منتظمة.

مهرجان الرقص

ومن أشهر ما تتميز به السنغال هو احتفالات الرقص التي تنتشر بطول البلاد وعرضها لمدة تسعة شهور على الأقل من العام، ويشترك الشعب السنغالي بكافة طوائفه وأديانه في أنواع وأشكال عديدة من الرقص، الذي يتم على دقات الطبول وفي جميع المناسبات حتى في حالات الوفاة، وتسمى رقصتهم الشهيرة “تم تم”، وهي رقصة يرقصها جميع أفراد الشعب السنغالي، وفي جميع الأوقات ولساعات طويلة بدون كلل أو ملل منها، لدرجة أن الحكومة السنغالية تدخلت لحظر الرقص لمدة 3 شهور في العام، وهي فترة زراعة وحصاد الفول السوداني الذي يمثل المحصول الرئيسي للبلاد، بعد أن لاحظت أن المزارعين يتركون العمل في المزارع ويتجهون للرقص، فالشعب السنغالي مغرم بالرقص بشكل مثير للدهشة، حتى أنهم يعتبرون أن الرقص هو أقصر وسيلة للتعبير عن المشاعر الإنسانية بما فيها مشاعر الفرح أو الحزن.

طرق صوفية

وإذا كان للطرق الصوفية تواجد لافت في معظم الدول الأفريقية، فللصوفية وجود بارز هنا في السنغال، ويمكن لمن يزور السنغال في شهر يونيو احتفال ضخم في مدينة طوبى، التي تبعد 60كم عن العاصمة داكار في ذكرى نفي الشيخ أحمد بامبا إلى الجابون، لكفاحه ضد المستعمر الفرنسي. ويحضر هذا الاحتفال أكثر من مليوني شخص، كما يحرص كبار المسؤولين بالدولة على حضوره، ليس لأنه مناسبة تاريخية، بل ولأنه مناسبة دينية واجتماعية ووطنية أيضاً، والقادرية: والقادريون هم أصحاب محمد عبد القادر الجيلاني الذي توفي في بغداد عام 561هـ، وهي من أقدم الطرق الصوفية، واللاهينيون: وهم أقلية.

اقرأ/ي أيضًا| رُحل الأناضول... والتشبث بثقافة الأجداد

ولكل طريقة من هذه الطرق عاصمة أو مدن معروفة مرتبطة، بها فمدينة طوبى هي عاصمة للطريقة المريدية. وكمبرين قاعدة الطريقة اللاهينية. ومدينة أنجاسان قاعدة الطريقة القادرية. أما مدينة جنينة فهي للتيجانيين، بالإضافة إلى مدن توادون، وكولنج التي تعتبر قواعد فرعية لأتباع التيجانية.

 

التعليقات