تونس: العقارب لمعالجة لسعات الحياة

في مشهد يتكرر كل مساء في بني خداش التونسية، تتحرك أضواء في الأجواء تُنير معظم جنبات المدينة، حيث اعتاد الشباب على ممارسة هواية البحث عن العقارب باستعمال الكاشف الضوئي من أجل صيدها ومن ثم بيعها لاحقًا في سوق أعد لهذا للغرض.

تونس: العقارب لمعالجة لسعات الحياة

في مشهد يتكرر كل مساء في بني خداش التونسية، تتحرك أضواء في الأجواء تُنير معظم جنبات المدينة، حيث اعتاد الشباب على ممارسة هواية البحث عن العقارب باستعمال الكاشف الضوئي من أجل صيدها ومن ثم بيعها لاحقًا في سوق أعد لهذا للغرض، غير عابئين بسمها القاتل ولا لسعاتها المميتة.

و'صيد العقارب' ظاهرة تعود في المدينة الواقعة جنوب العاصمة تونس، إلى عشرات السنين، لم يشذ أهاليها عما اعتاده سكان البسيطة من اصطياد للزواحف السامة، واستعمالها في صنع الأدوية، منذ مئات السنين.

وتقع بني خداش في أقصى الجنوب التونسي، مناخها جاف، وبها مناطق جبلية وعرة، إضافة إلى جحور وصخور منتشرة في كافة أرجائها وجنباتها، وكذلك المناطق المحيطة بها، وهو ما أوجد بيئة ملائمة لعيش الزواحف السامة مثل العقارب والأفاعي.

وفيما تُشير الساعة إلى العاشرة مساءً، وتقارب درجة الحرارة إلى 25، التقت الأناضول في هذه الأجواء، مواطنًا تونسيًا يُدعى علي النصري (29 عامًا)، ورفاقه في رحلة صيد بحثًا عن عقارب، وبحسب حديثهم، تبدأ عملية البحث بمكان غير بعيد عن منازل السكان، فمع ارتفاع درجات الحرارة تخرج العقارب من الجحور المتواجدة على سفوح الجبال، قاصدة المناطق السكنية.

ويقول النصري في حديثه للأناضول: 'هذه الظاهرة تعود إلى سنوات بعيدة، حيث يستغلّ الصغار تلك الهواية في تأمين مصروفهم اليومي أو شراء الكتب المدرسية عند العودة للدراسة، لكن فإن لها سلبيات عديدة، إذ تعرّض عدد كبير منا إلى لسعة العقارب التي كلفت الكثير حياتهم'.

ووفقًا للشاب التونسي، فإن عملية صيد العقارب أصبحت مؤخرًا أكثر سهولة مما كانت عليه في الماضي، وذلك عبر استعمال الكاشف الضوئي الذي ظهر منذ السنة الماضية.

والكاشف الضوئي الذي تحدث عنه الشاب، جهاز خاص بصيد العقارب، بمجرد أن يقع ضوؤه على العقرب يغيّر لون الأخير إلى الأصفر المائل إلى البياض، ليتسنّى تمييزه عن بقية الأشياء المحيطة به في المكان، فيسهل بذلك مسكها باستعمال لاقط (قطعة من الحديد المطوي) ووضعها في الوعاء المخصص لحفظها.

وفي السابق، أي قبل ظهور الكاشف الضوئي، كان صيد العقارب يتمّ نهارًا، من خلال رصد مكان العقرب والقيام بالحفر وإخراجه من جحوره عبر استعمال الملعقة.

ويقول عدد من الأهالي للأناضول، إن منطقتهم تعاني من غياب المشاريع التنموية والمنشآت الترفيهية، لذا يلجأ الشباب إلى 'الترفيه' عن أنفسهم عبر ممارسة هذه الهواية التي تحولت لاحقًا إلى مورد رزق.

يقول أحد سكان المدينة، سعد الكرداوي، أنه مع انتهاء الموسم الدراسي في بداية فصل الصيف، يبدأ موسم صيد العقارب، وعلى مدار سنين تحوّلت هذه الظاهرة من هواية إلى مورد رزق يقتات منه الصغار والشباب، خاصة مع ارتفاع نسب البطالة في بني خداش.

ومن بين من قابلتهم الأناضول خلال رحلة البحث عن العقارب، الفتى فادي المحضاوي (13 عامًا)، والذي أصبحت لديه اليوم علاقة صداقة تجمعه بالعقارب وبقية الزواحف السامة، ففي الوقت الذي يهرع البعض هربا بمجرد رؤية مثل هذه الحشرات السامّة، يقضي فادي ساعات في البحث عنها واصطيادها، متسلحًا في ذلك بملقط ووعاء.

'المحضاوي' يقول، إنه يصطاد في الليلة الواحدة ما بين الـ200 إلى 500 عقرب باختلاف أنواعها وأحجامها، ويجمع محصوله الأسبوعي داخل وعاء مغلق، لبيعه آخر كل أسبوع، السبت، في السوق الذي أُعدّ مسبقا لهذا.

ويبلغ سعر العقرب الواحدة 200 مليم (0.1 دولارا أمريكيًا)، ويمكن أن يحصل كل صياد على مبلغ 60 إلى 70 دينار تونسي (ما يعادل 30-35 دولارًا أمريكيًا) أسبوعيًا من صيد العقارب.

وفي كل قرية في بني خداش، يصطاد الشباب ما يقارب الـ 5 آلاف عقرب أسبوعيًا، ويبيع الصغار ما يصيدونه إلى شخص يأتي خصيصًا لشرائها وحملها إلى العاصمة تونس، لاستعمالها في البحوث الطبية أو في صناعة الأدوية.

نجيب العايب (49 عامًا)، يعمل منذ ما يزيد عن الثلاثين عامًا كوسيط بين وزارة الصحة التونسية وصيادي العقارب.

يقول 'العايب' للأناضول: 'منذ أن كان عمري 9 سنين، كنت أشتغل (أعمل) مع والدي في هذه المهنة، وعائلتنا هي الوحيدة التي تشتري العقارب من الصغار (الفتيان) وتبيعها لوزارة الصحة، ولنا في ذلك تراخيص قانونية'.

ومع نهاية كل أسبوع يأتي 'العايب' إلى بني خداش، ويشتري كل العقارب التي جرى اصطيادها، ويضعها في صناديق خشبية بها ثقوب توفرها وزارة الصحة التونسية، ليحملها فيما بعد إلى العاصمة مباشرة.

ويتابع قوله: 'تأمل وزارة الصحة في تونس في كل موسم، والذي يمتد على 3 أشهر وعادة ما يبدأ مع حزيران/يونيو، توفير ما يقارب 100 ألف عقرب، لهذا فأنا أشتري كل العقارب التي أجدها في بني خداش، وأعطي أحيانا مكافأة للصغار الذين يجمعون أعداد كبيرة منها، وإلى الآن قمت بتجميع ما يقارب 25 ألف عقرب، وهذا رقم كبير باعتبار أن انطلاقة الموسم الحالي كان مع بداية تموز/يوليو'.

ويتم استغلال العقارب في البحوث العملية في معهد 'باستور' الحكومي في العاصمة تونس والذي يختص في الدراسات والبحوث العلمية الطبية، بينما يتم تصدير جزء منها إلى المعاهد الأخرى المختصة في البحوث بفرنسا.

اقرأ/ي أيضًا| بالحلي والسفساري... المرأة التونسية تحتفل بعيدها

وأوضح العايب أن العقارب تعتبر ثروة كبيرة في تونس، ويقارب سعر قارورة صغيرة من سم العقرب الطبيعي 39 ألف دولار. وفضلًا عن استخدامه في صنع الأدوية المختلفة، يستعمل سم العقارب في تونس أيضا كمضاد للسعاتها.

التعليقات