مخاطبة الجمهور: الرهاب وتحجيم النجاح

خوف التحدث إلى الجمهور يتولد نتيجة المواقف السيئة المختزنة داخل الوعي واللاوعي، حيث تخلق هذه المواقف شعورا بالخوف والتردد داخل المرء، حينما يتخذ قرارا بالوقوف لأمر ما أمام جمهور عريض، كما أن كثرة الأعداد وشعور الفرد بأنه مراقب من جانبهم ف

مخاطبة الجمهور: الرهاب وتحجيم النجاح

يواجه من يتطلب عمله الوقوف أمام جماهير عريضة مخاوف الرهاب والتردد، لا سيما إذا كان الأمر في بدايته ولا يمتلك قدرات إدارة الموقف، حيث يشعر حينها بزيادة ضربات قلبه وعدم قدرته على تجميع ما يود قوله، كما أنه يتصبب عرقا وخوفا من الوقوع في الخطأ، فيفقد القدرة على التركيز فيما يقول ويفعل، الأمر الذي يؤثر بدوره على مستوى نجاحه، حيث يتطلب ذلك خبرات وتدريبات مكثفة، تعين الإنسان على تخطي حاجز الخوف دون أن يتأثر به في مجال عمله، لذلك ينصح خبراء علم النفس بأهمية الاستعداد قبل لقاء الجمهور بالتأهيل النفسي بطمأنة النفس، في محاولة لتهدئة ضربات القلب حتى لا يزيد التوتر والقلق، كما يجب التدريب قبل لقاء الجمهور على التحدث أمام المرآة لمراقبة الحركات وطريقة الإلقاء، للتقليل من الأخطاء المحتمل الوقوع فيها أثناء اللقاء، مؤكدين على استخدام لغة الجسد لأنها تقوم بتقليص مشاعر الخوف والتوتر، وتؤدي إلى مزيد من النجاح في التعامل مع التجمعات الكبيرة.

توضح د. هبة عيسوي، أستاذة الصحة النفسية بكلية الطب جامعة عين شمس، أن خوف التحدث إلى الجمهور يتولد نتيجة المواقف السيئة المختزنة داخل الوعي واللاوعي، حيث تخلق هذه المواقف شعورا بالخوف والتردد داخل المرء، حينما يتخذ قرارا بالوقوف لأمر ما أمام جمهور عريض، كما أن كثرة الأعداد وشعور الفرد بأنه مراقب من جانبهم في كلامه وحركاته، يجعله أكثر خوفا، ويزيد من ضربات القلب، ومن العلامات الأخرى التي تدل على الخوف من مواجهة الجمهور أو التحدث وسط جماعة، تصبب الفرد عرقا من شدة الخوف والتلعثم دائما، مما يؤدي إلى فقدان القدرة على الكلام، لافتة إلى أن الذين يعانون من هذه الأمور يخافون حتى التحدث أمام رئيس العمل، وكذلك رعشة بالجسم واحمرار بالوجه وفقدان القدرة على تحريك اليدين أو اللسان، وهنا تكمن الخطورة، حيث يصاب البعض عند الشعور بهذه العلامات بالإغماء وتوقف اللسان عن الحركة، ويمكن أن يؤدي أيضا إلى توقف القلب إذا بلغ الخوف حدا معينا عن الطبيعي، وهو ما يسمى في علم النفس فوبيا التحدث أمام الجمهور، والذي يصاب به ضعاف الشخصية أو الذين يحتاجون إلى دعم معنوي يقوي من شخصياتهم ويعيد إليهم ثقتهم بالذات.

وتشير عيسوي إلى أن تطور هذه العلامات أو أعراض الخوف كما يُقال عنها، تؤثر على مستوى نجاح الفرد، ويفقده الكثير من عوامل النجاح، وأهمها اللباقة أثناء الحديث، والقدرة على إحضار وفرض وجهات النظر التي تتمتع بمنطقية أكثر من غيرها، حيث يميز ذلك صاحبه من بين الممارسين الآخرين، لذلك الذين يتمتعون بالنجاح هم الأقدر على المواجهة والثبات أمام الآخرين مهما بلغ عددهم ومستويات تفكيرهم، التي عادة ما تكون هاجسا أو طيفا ثقيلا، يقع أمام الشخص ليخلق داخله شعورا بالخوف من الانتقادات التي يحتمل توجهها له أثناء حديثه أمام الجمهور، الأمر الذي يقف حائلا أمام تحقيق النجاحات في المجالات المرتبطة بالجمهور والتجمعات الكبيرة.

ويؤكد د. أمجد خيري، استشاري الطب النفسي والعلوم السلوكية، أن بعض الأشخاص يلجأون إلى وسائل عديدة للتخلص من الخوف الذي يلازم لقاءهم بالجمهور، منها تناول مهدئات للسيطرة على ضربات القلب المتسارعة، والتي تزيد الإحساس بالخوف والتوتر لدى الإنسان، الأمر الذي يعطي دائما نتائج عكسية، ويؤثر على حالة القلب، ويزيد من خطورة التوقف المفاجئ له، كما أنها تؤثر على الجهاز التنفسي وتفقده القدرة على التحكم به، ومن ثم التنفس بصعوبة.

ويقدم خيري مجموعة من النصائح للتغلب على خوف التحدث إلى الجمهور، من أبرزها البدء بالتأهيل النفسي من خلال طمأنة النفس عن طبيعة الجمهور، بأنه ينتظره لسماع ما لا يعرفه عن مجال تخصصه، حيث لم يكن هناك شيئا آخر لإجباره على المجيء والاستماع، كما يوجب على الشخص تناسي أو تجاهل شعوره بالتوتر، لأنه يزول دون جهد منه بعد الخروج للجمهور بدقائق قليلة لدى الأشخاص الطبيعيين، أو الذين لم يعانوا من أمراض نفسية مزمنة مثل الاكتئاب.

ويضيف د. أحمد سعيد، استشاري الأمراض النفسية والعصبية: الجمهور ليس معنيا بمراقبة المتحدث أو تصيد أخطائه، وبالتالي لم يكن هناك مجالا للخوف، بل يأتي للاستماع إلى المشاهير أو رجال الأعمال المبتدئين، للاستفادة منهم ومن طبيعة عملهم وكيفية إدارتهم للمواقف، لذلك يوصف هؤلاء المحاضرون أو المدربون بالأقوى، لأنهم يمثلون الجانب الأكثر علما، مضيفا: لابد أيضا من توافر الخبرة لدى الأشخاص الموكل لهم القيام بتلك المهام، التي تأتي من خلال التدريب على لقاءات الجمهور، سواء تحت إشراف متدربين متخصصين، أو قيام الشخص بتدريب ذاته على لقاء الجمهور حتى يشعر أنه قادر على المواجهة، وبالتالي يتمكن من كسب ثقته بذاته وقدراته، ويستطيع تحقيق النجاح بمجال عمله، بالإضافة إلى التحضير الجيد لموضوع الحديث، مما يؤهله أكثر إلى تخطي الصعوبات النفسية التي تواجهه أثناء اللقاء، وتدفعه إلى النجاح بخطى ثابتة غير مهتزة.

 اقرأ/ي أيضًا| روحاني ينتقد علنا رضوخ أحد وزرائه لرجال الدين

وينصح سعيد بضرورة التمرن على كيفية التنفس أثناء الحديث، حتى لا يتعرض المرء للخطأ أمام الجمهور، وبالتالي يتمكن من التحكم بمشاعر الخوف أكثر، ويكون أكثر قدرة على التعامل مع الجمهور والتجمعات الكبيرة.

التعليقات