اشتري قلمًا ودفترًا أم رغيف خبز؟

أكثر من 10 آلاف طفل في المحافظة، في سن الدراسة لم يتلقوا تعليما مطلقا، إلى جانب آلاف المتسربين الآخرين، لافتا إلى أن تفاقم هذا الظاهرة ينذر بعواقب سيئة مستقبلا على المجتمع لا تقل خطورة وأهمية عن الأضرار والدمار الذي خلفته الحرب على البني

اشتري قلمًا ودفترًا أم رغيف خبز؟

(رويترز)

أشتري دفترا وقلما وممحاة لابني أم أوفر النقود تلك من أجل أن أشتري ربطة خبز تشبعه وتشبع باقي أفراد العائلة غدا في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها؟ أرسله للمدرسة لكي يتعلم بعض الأحرف والكلمات أو أمنعه من الذهاب لأنه قد لا يعود مثل ما حصل مع مئات التلاميذ الذين قتلوا ومدرسيهم في قصف النظام السوري المتكرر والمستمر لعدد كبير من المدارس والمشافي والاسواق خلال الأعوام الماضية؟

هذه بعض الخواطر والتساؤلات التي تتوارد إلى ذهن ومخيلة عدد كبير من السوريين بعد 5 سنوات من الحرب التي قتلت أكثر من 500 ألف سوري وشردت أكثر من 10 ملايين عن منازلهم داخل البلاد وخارجها.

يعتبر قطاع التعليم واحدا من أبرز ضحايا الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من 5 سنين، فقد حُرم مئات الآلاف من الأطفال من اكمال تعليمهم فيما فشل بعضهم الآخر في البدء به أساسا، بسبب استهداف قوات النظام المتكرر للمدارس بالقصف وتدمير المئات منها، فضلا عن اضطرار الأطفال للنزوح مع عائلاتهم بحثا عن ملاذ آمن نسبيا داخل البلاد بعيدا عن المناطق الملتهبة أو اللجوء إلى خارجها.

وعمق من مشكلة التسرب عن التعليم الحالة الاقتصادية المزرية التي تعيشها عائلات كثيرة بسبب فقدان المعيل الأساسي لسبب أو لآخر، واضطرار عدد كبير من الأطفال للعمل من أجل إعالة عائلاتهم في ظل وضع اقتصادي صعب تشهده البلاد وانهيار شبه كلي للعملة المحلية (كان سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار قبل 2011 حوالي 50 ليرة أما اليوم فبات حوالي 520 ليرة).

وفي محاولة للحد من تفاقم ظاهرة التسرب عن التعليم، تقوم منظمات إنسانية ومتطوعون ومسؤولون محليون في مناطق سيطرة المعارضة، بإطلاق مبادرات لتشجيع الأهالي لإرسال أبنائهم للمدارس والتخفيف من مخاوفهم، وذلك بعد أن تمكنوا من إيجاد بعض البدائل مثل إنشاء صفوف دراسية في الأقبية أو حتى في المنازل.

"العودة إلى التعليم" هي إحدى المبادرات التي أطلقتها القائمون على القطاع التعليمي في بلدات وقرى خاضعة لسيطرة المعارضة بمحافظة درعا جنوبي سوريا، بهدف دفع العائلات لإرسال أبنائها للمدارس.

وتضمنت المبادرة توزيع الكتب المدرسية على الأطفال، وتنظيم ندوة قام بها المدرسون للأهالي لإيضاح أهمية التعليم حتى في زمن الحرب، كما أقيم خلال الحملة عروض راقصة شارك فيها عشرات الأطفال، وذلك لدمج الترفيه بالتعليم وترغيبهم في الالتحاق بمقاعد الدراسة.

وأفاد المدرس "محمد الرفاعي" أحد المسؤولين الميدانيين في حملة "العودة إلى التعليم"، لمراسل الأناضول، أن مجموعة من المدرسين في بعض مدارس ريف درعا، وبالتعاون مع منظمة "غصن زيتون" التربوية المحلية (تابعة للمعارضة)، يعملون من خلال نشاطات الحملة، على حض الأطفال والأهالي على ضرورة الالتحاق بالتعليم في المدارس والمراكز التعليمية في جميع المناطق بدرعا، بعد أن لاحظوا ارتفاعا في نسبة المتسربين من الأطفال عن المدارس، خصوصا في المناطق التي تشهد أعمال عنف وفي مخيمات النزوح.

وأوضح الرفاعي، أن أكثر من 10 آلاف طفل في المحافظة، في سن الدراسة لم يتلقوا تعليما مطلقا، إلى جانب آلاف المتسربين الآخرين، لافتا إلى أن تفاقم هذا الظاهرة ينذر بعواقب سيئة مستقبلا على المجتمع لا تقل خطورة وأهمية عن الأضرار والدمار الذي خلفته الحرب على البنية التحتية.

من جانبه قال "حسام أبو فاروق"، أحد المسؤولين الإداريين في الهيئة التعليمية بمدينة درعا، التابعة للحكومة السورية المؤقتة (تابعة للمعارضة)، إن الهيئة التعليمية وبعض الهيئات والمنظمات المهتمة في الشؤون التعليمية بدرعا، تعمل ضمن خطة متفق عليها سابقا، للحد من تسرب الأطفال من التعليم.

وأشار في تصريحه لمراسل "الأناضول" أن الخطة تشمل إنشاء غرف صفية في مخيمات النزوح، أو في بعض المناطق التي لم يكن فيها مدارس من قبل، إضافة إلى بث حملات التوعية والدعم النفسي، لتشجيع الأطفال وذويهم على الالتحاق بالعملية التعليمية، على الرغم من الظروف الصعبة التي يواجهونها.

وأوضح أبو فاروق، أن الهيئة التعليمية تُنسق مع وزارة التعليم في الحكومة السورية المؤقتة، في إصدار شهادات للمرحلتين الإعدادية والثانوية، سعيا لأن تكون المدارس التابعة للحكومة المؤقتة، مدارس معترف بها ولديها شهادات من الممكن مستقبلا أن تكون معتمدة لدى الجامعات الخاصة أو الجامعات في بعض الدول.

وعن دور الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها في دعم قطاع التعليم بدرعا، قال حسام، إن دورها يقتصر فقط على إرسال بعض الوسائل التعليمية والترفيهية للمدارس بدرعا، إلا أن ذلك يُعتبر قاصرا أمام المستلزمات الأساسية التي تحتاجها المدارس، مثل المحروقات للتدفئة والتنقل، والمنهاج الدراسية.

وتتقاسم قوات النظام والمعارضة السيطرة على مناطق محافظة درعا القريبة من العاصمة والحدودية مع الأردن، وتشهد المنطقة اشتباكات بين الطرفين بين الفينة والأخرى.

وتعمل الهيئات التعليمية التابعة للمعارضة في المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو الأخيرة على تقديم الخدمات التعليمية للطلاب والتلاميذ في تلك المناطق، وحتى في مناطق تابعة لمحافظة القنيطرة المجاورة التي تخضع لسيطرة مقاتلي المعارضة.

وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، في تقرير أصدرته في أيلول/سبتمبر 2015، إن أكثر من مليوني طفل في سوريا تركوا الدراسة بعد اندلاع الأزمة في البلاد منذ آذار/مارس 2011، إضافة إلى أن هناك 400 ألف طفل آخرين معرضين لخطر ترك التعليم نتيجة النزاع والعنف والنزوح.

اقرأ/ي أيضًا| ربع مليون طفل سوري يبحثون عن التعليم بمخيمات لبنان

وفي ذات التقرير، تشير منظمة "يونيسف" إلى أن هناك 5 آلاف مدرسة في سوريا لا يمكن استخدامها لأنها تعرضت للدمار والضرر أو أنها أصبحت تأوي النازحين أو تستخدم لأغراض عسكرية، لافتة إلى أن 20% من الهيئات التدريسية والمربين الاجتماعيين في البلاد تركوا حقل التدريس والتفتوا للبحث عن الأمان في أماكن أخرى.

التعليقات