طريق ترامب إلى سحق معارضيه

في عام أبدى فيه الناخبون في الولايات المتحدة وخارجها امتعاضهم من المؤسسة السياسية وعولمة الاقتصاد ورفاهة الشركات، كان تخمين ترامب سليما أن بوسعه ركوب موجة الاستياء هذه إلى البيت اللأبيض.

طريق ترامب إلى سحق معارضيه

(أ.ف.ب)

كان دونالد ترامب على حق. وكان آخرون لا حصر لهم على باطل. فكل المثقفين وخبراء استطلاعات الرأي الذين قالوا إن ترامب، نجم تلفزيون الواقع السابق لا يستطيع الفوز بالرئاسة الأميركية، وكذلك الجمهوريون الذين تحاشوه وقيادات قطاع الأعمال الذين نددوا به والديمقراطيون الذين هاجموه فشلوا جميعا في استيعاب عمق ما تمتع به من تأييد.

وفي انتصار مذهل على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، تمسك ترامب بخطة حققت نجاحا مثاليا في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، في حملة قامت على شخصيته المشهورة التي عرفت بالصراحة الفظة وبراعته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ورسالة التغيير التي طرحها ووقف بها في وجه المؤسسة السياسية.

وقال ترامب في خطاب النصر الذي ألقاه، اليوم الأربعاء: 'حملتنا لم تكن حملة بل حركة مدهشة رائعة.'

كانت حركة حافزها شعور بالسخط. فقد أظهر استطلاع رويترز/إبسوس يوم الانتخابات، أن من الواضح أن أغلب الأميركيين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع كان لديهم شعور بالغضب من الاتجاه الذي تسير فيه البلاد.

وقال ستة من بين كل عشرة، إنهم يشعرون بأن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. وقال 58 في المئة، إنهم 'لا يستطيعون على نحو متزايد التعرف على الصورة التي أصبحت عليها أميركا'، وقال 75 في المئة، إن 'أميركا تحتاج زعيما قويا لاسترداد البلاد' من الأثرياء.

وفي حملة انتخابية مريرة اتسمت بالانقسامات، اجتاز ترامب سلسلة من العوائق كان من الممكن أن تقضي على فرص أي مرشح آخر. منها تسجيل صوتي تحدث فيه عن تحسس أجساد النساء ورفضه نشر بيانات دخله الخاضع للضرائب وأعمال عنف في لقاءاته الجماهيرية وسخريته من صحفي معوق وهجماته على قاض اتحادي وعلى أسرة جندي أميركي قتل في العراق.

وقال فورد أوكونيل، خبير الإستراتيجية الجمهوري الذي أيد ترامب منذ فترة طويلة: 'كان مرشحا له عيوبه برسالة شبه مثالية. لا أعتقد أن كثيرين فهموا ذلك.'

وفي عام أبدى فيه الناخبون في الولايات المتحدة وخارجها امتعاضهم من المؤسسة السياسية وعولمة الاقتصاد ورفاهة الشركات، كان تخمين ترامب سليما أن بوسعه ركوب موجة الاستياء هذه إلى البيت اللأبيض.

واستغل ترامب هوة متنامية في البلاد بين البيض والأقليات بين سكان المدن وسكان الريف بين المتعلمين خريجي الجامعات والطبقة العاملة. وتفوق ترامب على كلينتون بين الرجال البيض الذين لا يحملون شهادات جامعية بفارق 31 نقطة، والبيض من النساء غير الحاصلات على شهادات جامعية بفارق 27 نقطة وفقا لاستطلاع رويترز/إبسوس.

كما استفاد من عيوب منافسته التي ظلت تلاحقها الأسئلة عن استخدامها لجهاز خادم كمبيوتر لبريدها الالكتروني الخاص في مراسلات حكومية أثناء شغلها منصب وزيرة الخارجية، وأنشطة مؤسسة أسرتها الخيرية، في حين ظلت خلفيتها التي أخذت فيها مواقف مؤيدة للشركات تثير شكوك بعض الديمقراطيين وقللت حماسهم لدعمها.

وبدا أن هذا كلفها التأييد بين النساء وشباب الناخبين والأقليات، وكلها جماعات تمثل أهمية حاسمة لفوز الديمقراطيين. وفازت كلينتون بالفعل بتأييد هذه الجماعات، لكن بفارق أصغر من الفارق الذي هزم به الرئيس، باراك أوباما، منافسه المرشح الجمهوري، ميت رومني، عام 2012.

وأيد نحو 49 في المئة من النساء كلينتون، أول امرأة يرشحها أحد الحزبين الرئيسيين لمنصب الرئيس، في حين أيدت 47 في المئة من النساء ترامب.

وبين النساء من سن 18 إلى 34 سنة، أيدت 55 في المئة منهن كلينتون، في حين أيدت 38 في المئة منهن ترامب. وفي عام 2012، أيدت 62 في المئة من الشابات أوباما، في حين أيدت 36 في المئة منهن رومني.

التصويت في الريف

وأقبل الناخبون البيض، خصوصا الرجال في المناطق الريفية، على تأييد ترامب بأعداد قياسية. وحاز ترامب إعجاب الناخبين الساخطين على تجريف قطاع التصنيع في البلاد والخائفين من التغيرات السكانية في البلاد وطرح رسالة شديدة اللهجة مناوئة للهجرة.

وحصل ترامب على 56 في المئة من أصوات البيض، مقابل 39 في المئة لكلينتون. وهيمن بدرجة أكبر من ذلك في المناطق الريفية، حيث تفوق على كلينتون بفارق 27 نقطة.

وقدم ترامب وعودا كبيرة، منها أنه سيعيد الوظائف التي انتقلت للخارج ويعاقب الشركات التي تسند إنتاجا لشركات خارجية وأنه سيعيد للبلاد الرخاء والأمن، وذلك رغم أن البطالة انخفضت دون خمسة في المئة.

ولم يحدث أن كانت التفاصيل الدقيقة من نقاط قوة ترامب. بل كان يستخدم رسالة تتلخص في عبارة 'نحن في مواجهتهم' لبث الحماس بين الناخبين في مناطق لم يغامر معظم المرشحين الجمهوريين بدخولها، ومناطق ريفية يشعر الناخبون فيها أن واشنطن تتجاهلهم.

وقال مات بورجيز، رئيس الحزب الجمهوري في ولاية أوهايو، إن ترامب على عكس رومني جعل الناخبين يشعرون بأهميتهم.

وقال إنه قبل ترامب، 'لم نكن ننصت لما يهتم به الناخبون فعلا.'

وكان ترامب يهزأ بالحملات الواسعة لدفع الناخبين للتصويت، التي تعتبر ضرورية لتنظيم حملة انتخابية ناجحة.

واعتمدت حملته بدلا من ذلك، على شبكات غير رسمية بدرجة أكبر من الأنصار المتشددين لنشر الدعوة. وجادل مستشاروه بأنه سيعيد أعدادا كبيرة من الناخبين البيض المنبوذين إلى العملية السياسية، بما في ذلك ديمقراطيون من الطبقة العمالية في أماكن مثل ولاية بنسلفانيا.

وقبل ترامب لم يفز الجمهوريون في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1988.

اقرأ/ي أيضًا| طي صفحة أسرة كلينتون: لماذا خسرت هيلاري الانتخابات؟

وقال كريج روبنسون، أحد المخضرمين في الحزب الجمهوري بولاية أيوا، إن الخبراء هونوا من مدى ما سيتمتع به ترامب في انتخابات الرئاسة من القوة التي تمتع بها في الانتخابات التمهيدية.

وقال روبنسون: 'في انتخابات ثبت فيها أن الاعتقاد السائد خطأ المرة تلو الأخرى، أقنعوا أنفسهم أن الاعتقاد السائد سيسود في الانتخابات العامة.'

التعليقات