"الفالانتاين"... عندما تتلون عجلة الرأسمالية بالأحمر

في كل عام، يرتبط منتصف شهر شباط/فبراير بتبادل الهدايا التي تتكلف مليارات الدولارات سنويًّا، حيث تغير الأسواق هيئتها، وتتكدس المحال التجارية بالسلع والورود الحمراء على وجه الخصوص، بسبب قدوم اليوم المعروف عالميًّا باسم "عيد الحب".

في كل عام، يرتبط منتصف شهر شباط/فبراير بتبادل الهدايا التي تتكلف مليارات الدولارات سنويًّا، حيث تغير الأسواق هيئتها، وتتكدس المحال التجارية بالسلع والورود الحمراء على وجه الخصوص، بسبب قدوم اليوم المعروف عالميًّا باسم "عيد الحب".

تعددت الروايات التاريخية حول نشأة هذا اليوم، حيث قال الكاهن اللبناني، شربل أبو عبود "الحقيقة أن هذا اليوم، يحمل اسم القديس فالنتينوس، الذي كان يعيش في روما في أواسط القرن الثالث الميلادي، وكانت الصراعات قائمة آنذاك بين الوثنيين والمسيحيين، وكانت الفوضى تعم أرجاء المملكة".

وأضاف أبو عبود "كان الإمبراطور الروماني كلوديس الثاني يحاول تطبيق قانون يفرق بين المتحابين والخاطبين، ويمنعهم من الزواج، بهدف تجنيدهم في صفوف الجيش لِلَجْم الفوضى وإعادة ضبط الأمور".

واستفز القرار القديس فالنتينوس حينها، حسب رواية الكاهن اللبناني، "عقب ذلك راح القديس المعروف بإيمانه البالغ بالرسالة المسيحية بتزويج الشباب متمرداً على ما رَآه ظلماً مطلقاً، الأمر الذي جعله يدفع حياته إذ أمر كلوديس بتعذيبه أولاً ليقطع رأسه بعدها، وكان ذلك في العام 269م".

وعن ارتباط الحدث باللون الأحمر، يوضح أن الكنيسة الكاثوليكية تعمد إلى اللون الأحمر للتعبير عن الشهادة والتضحية، فحين كان الأساقفة يحييون ذكرى القديس فالنتينوس كانوا يرتدون اللون الأحمر، وهو ما دفع الناس الى الاعتقاد بأن الأحمر هو لون الحب والمشاعر.

وأضاف "لم يكن هذا اليوم يحمل أي تقليد مما نراه اليوم، لكن الأعياد الدينية كلها، بما فيها عيد ميلاد المسيح، أصبحت تُبتذل بطريقة سطحية للغاية، فنرى الجميع يتهافتون على تبذير أموال طائلة في شراء أشياء تفقد اليوم روحانيته ومعانيه الحقيقية".

وثمة روايات أخرى تتحدث عن توافق رؤية الحضارة الإغريقية، التي كانت ترى في شهر شباط/فبراير فترة لتزاوج الآلهة وتبادل الحب، مع تلك الرومانية التي عمدت الى إحياء وفاة القديس في منتصف الشهر نفسه، الأمر الذي كرّس خلال العصور القديمة مبدأ الاحتفال بالتضحية في هذا اليوم.

لكن مع بداية الثورة الصناعية في أوروبا العام 1760 بدأ هذا اليوم يأخذ منحى تجارياً الى أن تجرد من أي معنى روحي عقب تحوّل العالم إلى الرأسمالية، وفتح الأسواق أبوابها للاحتفالات العالمية.

وأكد المراقب المالي والخبير في الشؤون الاقتصادية، محمد بالوزة، أنّ شركة "هول مارك" هي المسبب الأساسي لكل ما يحدث، حيث أصدرت أول بطاقات معايدة بهذا اليوم عام 1916، كما أنها لا تزال حتى يومنا هذا تبيع نحو 132 مليون بطاقة حول العالم، ما جعل كثيرًا من الشركات في العالم تحذو حذوها في وقت لاحق.

كما عرض للمعدلات الاستهلاكية، خلال هذا اليوم، مشيراً إلى أن نسبة الاستهلاك العالمي في 14 شباط/ فبراير تصل إلى 13 مليار دولار، ويصل متوسط استهلاك الفرد في بعض الدول 116$ على الهدايا التذكرية.

ويعتبر بالوزة، أنه من المثير أن نسبة إنفاق الرجال في هذا اليوم "تكون ضعفي ما تنفقه النساء"، وانطلاقاً من تلك الأرقام فإن هذا اليوم هو "تجاري ذات طابع رومانسي تستمر فيه الشركات التجارية أموالاً طائلة".

مفصلاً المنتجات الأساسية التي تروج في هذا اليوم بالقول "أعلى مستوى إنفاق يذهب للحلوى على وجه الخصوص، الدب التجاري الأحمر، الى جانب الورود الملونة والحمراء في الغالب".

وفِي مقابل، هذا لم يرَ بالوزة أن من الخطأ ما آل إليه واقع هذا اليوم قائلاً "التجار يَرَوْن في هذا اليوم فرصة لتحريك أسواقهم ورفع نسب الربح لديهم، وكذلك المستهلكون فإنهم ينفقون لكن ابتغاء سعادتهم ويجدونه فرصة للتعبير عن حبهم".

وأشار إلى أن التجار يَرَوْن في المناسبات الدينية فرصة ذهبية للاستثمار كأي من المناسبات الأخرى، لكن هذا الاستغلال غير مطلق بل مقيد بوعي الأفراد المستهلكين.

ومع استطلاع الأناضول لآراء بعض مرتادي الأسواق، خلال هذه الفترة، تبين أَن عدداً كبيراً منهم لا يعرفون الخلفية التاريخية لهذا اليوم ولا مصدر وجوده.

ويقول عماد عزام إنه لم يسمع مطلقاً بقصة عيد الحب، ولا يعرف لماذا اختيار هذا اليوم بالذات للتعبير عن الرومانسية.

ويضيف "شخصياً أعتبر أن الحب والتعبير عنه للمحبوب غير مرتبط مناسبة أو توقيت".

لكنّ الفتاة سوزان حسنا اعتبرت أن الهدية بمثابة تعبير ضروري وعيد الحب تذكير جيد بها.

وأبدت استغرابها لمن يستهجن الاحتفال بهذا اليوم "كلنا كبشر نحب الهدية، ومع أني لا أعلم لماذا 14 شباط/ فبراير بالذات لكني أهتم بفكرة العيد كثيراً".

التعليقات