"ضحايا الترجمة" العالقين في غوانتانامو

وفق صحيفة "لودوفوار" الكندية، في 13 آذار/مارس الجاري، لا يمكن تصنيف المعتقلين الـ41 على أنهم "معتقلي حرب"، استنادا إلى اتفاقية جنيف (لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب)، كما أن 31 معتقلا منهم لا يزالون قيد المثول أمام القضاء؛ لأنه

(أ.ب)

كان ذلك في شباط/فبراير 2016، عندما أرسلت إدارة الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما، مذكرة إلى الكونغرس (البرلمان) تطالب فيها مجددا بضرورة الإغلاق الكامل لمعتقل غوانتانامو جنوبي شرقي كوبا، رغبة في تعزيز الأمن، وتفادي أي مشكلات مع الحلفاء والشركاء، إضافة إلى الحفاظ على موارد وزار الدفاع (بنتاغون)، وفق المذكرة.

عند بداية العمل في معتقل القاعدة البحرية الأميركية المستأجرة من كوبا في خليج غوانتانامو، عام 2002، كان يوجد قرابة 780 معتقلا، معظمهم متهمين في قضايا إرهاب، وفق مذكرة إدارة، التي حملت عنوان "خطة الإغلاق".

واليوم، لا يزال المعتقل "سيء السمعة"، وفق مسؤولين وحقوقيين موجودا، ويضم بين قضبانه 41 معتقلا، بينما رحل أوباما عن البيت الأبيض (2009-2017)، وهو الذي أراد بإغلاق غوانتانامو "إنهاء هذا الفصل من التاريخ الأميركي"، سواء بالإفراج التام عن المعتقلين أو نقلهم إلى سجون في دول أخرى تقبل استقبالهم.

هؤلاء المعتقلون قد يزداد عددهم في الفترة المقبلة، وفق تقارير صحافية أميركية، بسبب توجهات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي تولى السلطة في 20 كانون الثان/يناير الماضي، إزاء المسلمين، وانتقاده الدائم لخطة أوباما الخاصة بإغلاق المعتقل، الذي اعتبرت منظمة العفو الدولية بأنه "يمثل همجية هذا العصر".

هل تعرف القاعدة؟

بقاء الـ41 معتقلا في غوانتانامو يعود إلى عجز إدارة أوباما (ديمقراطي)، عن الإفراج عنهم أو نقلهم إلى سجون في دول أخرى قبل انقضاء مدة عقوباتهم؛ جراء عرقلة الجمهوريين في الكونغرس لجهود إغلاق معتقل القاعدة البحرية الأميركية، البالغ مساحتها 45 ميلا، والتي تستأجرها واشنطن من هافانا منذ عام 1903 مقابل 4085 دولار سنويا، بموجب اتفاقية لا يمكن فسخها سوى باتفاق الطرفين.

كما اضطرر أوباما إلى الخضوع لتسويات مع الجمهوريين، بينها مشروع قانون الاعتماد الدفاعي لعام 2011، الذي يحظر عمليا نقل المشتبه فيهم المحتجزين في غوانتانامو إلى الولايات المتحدة الأميركية لمحاكمتهم جنائيا.

ومن بين هؤلاء العالقين في غوانتانامو، 31 معتقلا تسببت أخطاء في ترجمة أقوالهم في مكوثهم قيد الاعتقال.

ووفق صحيفة "لودوفوار" الكندية، في 13 آذار/مارس الجاري، لا يمكن تصنيف المعتقلين الـ41 على أنهم "معتقلي حرب"، استنادا إلى اتفاقية جنيف (لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب)، كما أن 31 معتقلا منهم لا يزالون قيد المثول أمام القضاء؛ لأنه تم احتجازهم دون إدانتهم بتهم.

وخلال حكم بوش الابن قالت واشنطن إن القاعدة العسكرية تقع خارج الأراضي الأميركية، ما يعني أن المعتقلين فيها غير مكفولين بالدستور الأميركي، كما إن إطلاق صفة "عدو مقاتل" عليهم، أدى إلى حرمانهم من بعض الحقوق القانونية.

الصحيفة الكندية نقلت عن المحامية الحقوقية الأميركية، ألكا برادهان، أن أغلب العالقين داخل غوانتانامو حاليا محتجزين بسبب أخطاء في ترجمة أقوالهم أثناء التحقيقات أو بسبب المترجم الذي رافقهم خلال التحقيق.

وبجسب برادهان، فإن "أخطاء الترجمة ظهرت على سبيل المثال عندما تم سؤال بعض المتهمين إذا كانوا يعرفون القاعدة؟ فأجابوا بنعم، وهم كانوا آنذاك يقصدون مدينة القاعدة، إحدى مدن (محافظة إب في جنوب) اليمن".

المحامية الأميركية، وهي أحد أفراد فريق الدفاع عن المعتقل الكويتي، عمار البلوشي، المحكوم عليه بالإعدام بتهمة اشتراكه في تفجيرات 11 أيلول/سبتمبر 2001، لفتت إلى أن قرابة 24 معتقلا حظوا بموافقة حكومات أخرى على استقبالهم، لكن لا تزال تلك الموافقات قيد التوقيع الرسمي عليها.

محاكمات عسكرية

وإضافة إلى المعتقلين الـ31 الخاضعين للمحاكمة، ينتظر المعتقلون العشرة المتبقين محاكماتهم المقرر عقدها أمام لجنة عسكرية، وفق المحامية الأميركية.

ومن بين هؤلاء العشرة، عمار البلوشي، الذي تترافع عنه برادهان، وكانت القوات الأميركية قد اعتقلته، عام 2003، وتم إيداعه في أيلول/سبتمبر 2006، في قاعدة غوانتانامو، التي استخدمتها إدارة بوش الابن كمعتقل لقيادات وأعضاء تنظيم القاعدة إبان ما اسمتها "الحرب على الإرهاب" في أفغاسنتان.

وردا على تلك الهجمات، التي أسقطت أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وتبناها تنظيم القاعدة، شن الرئيس الأميركي جورج بوش الابن (2001-2009) حربين على أفغانستان عام 2001، لوجود التنظيم في أراضيها، وعلى العراق في 2003؛ بزعم امتلاك الرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين، أسلحة دمار شامل وارتباطه بصلات مع القاعدة.

وخلال حكم أوباما، جرى الإفراج عن 166 معتقلا من غوانتانامو، ونقل بعضهم إلى دول في الشرق الأوسط وإفريقيا وشبه الجزيرة العربية، بهدف الاندماج مع مجتمعاتهم الأصلية، في حين تم إرسال آخرين إلى دول في أوروبا وآسيا والأميركيتين بعد تعذر عودتهم إلى دولهم الأصلية، بينما أطلقت أفرج بوش الابن عن 532 معتقلا، بحسب إحصاءات لوزارة الدفاع الأميركية.

هجوم خاطئ لترامب

ووفق مذكرة صادرة عن الاستخبارات الوطنية الأميركية، في سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن تسعة ممن أفرجت عنهم إدارة أوباما، و113 ممن أفرجت عنهم إدارة سلفه بوش الابن تأكدت إلى الانخراط في "أنشطة إرهابية".

ومنتقدا خطة سلفه لإغلاق غوانتانامو، هاجم الجمهوري ترامب، على حسابه بموقع التدوينات القصيرة "تويتر"، أوباما، في 7 آذار/مارس الجاري، قائلا إن "122 سجنيا شريرا أطلقت إدارة أوباما سراحهم من معتقل غوانتانامو قد عادوا إلى ساحات القتال.. قرار فظيع آخر".

ويبدو أن ترامب نقل خطأ عن تغريدة صحيحة، في اليوم نفسه، لبرنامج "فوكس آند فريندس"، الذي تبثه شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأميركية المحافظة، تعليقا على مقتل معتقل سابق بغوانتانامو في اليمن.

وأرجعت تقديرات للمخابرات الأميركية انخفاض نسبة عودة المفرج عنهم في عهد أوباما إلى "الممارسات الإرهابية" إلى تخصيص الإدارة ست وكالات أمنية، لبحث حالة كل معتقل وإيجاد المكان المناسب له عند نقله من غوانتانامو، بينما كانت إدارة بوش الابن تنقل المعتقلين بأعداد كبيرة إلى السعودية وأفغانستان، دون أي دراسة مسبقة لعمليات تأهيلهم وإعادة دمجهم بالمجتمع.

وجاء إفراج بوش الابن عن 532 معتقلا من غوانتانامو ضمن خطة دعاية لتعزيز فرصه في الفوز بفترة رئاسية ثانية عام 2004، والتي انتهت بانتخابه لمدة أربع سنوات، إثر تغلبه على مرشح الحزب الديمقراطي، جون كيري، حسبما كتب بوش الابن في مذكراته، الصادرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2010، بعنوان "قرارات حاسمة".

ويبقى مصير المعتقلين الـ41 العالقين في غوانتانامو غامضا، مع اعتزام ترامب، وفق تصريحات له، إعادة العمل بالسجون السرية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية خارج حدود الولايات المتحدة، فضلا عن سحب القرارات التي وقعها سلفه أوباما، وقضت بضرورة إغلاق غوانتانامو، وهو ما ينذر أيضا باحتمال ارتفاع عدد المعتقلين في هذا المعتقل "سيء السمعة".

التعليقات