"أنتيك" بيروت... تجارة عالمية تحولت لصناديق من الذكرى

نشأ سوق "الأنتيك"، في أربعينييات وخمسينيات القرن الماضي في بيروت، وكانت بداياته مقتصرة على جهود فردية لأشخاص، يذكر منهم: محمد حمود، الملقب بـ"الباشا"، وهو أحد مؤسسي السوق، إضافة إلى كل من "أبو علي مسلّم"، و"جعفر شرف الدين.

يمتدّ سوق "العتّق" أو "الأنتيك" في منطقة "البسطة التحتا" وسط بيروت، محاربا الغزو العمراني لقب العاصمة اللبنانية، ومحافظا على لونه العتيق، رغم كل التحديات التي تواجهه، ورغم تحوله من سوقٍ ضربت شهرته أصقاع العالم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي إلى سوقٍ تعاني حركته التجارية موتا سريريا.

ونشأ سوق "الأنتيك"، في أربعينييات وخمسينيات القرن الماضي في بيروت، وكانت بداياته مقتصرة على جهود فردية لأشخاص، يذكر منهم: محمد حمود، الملقب بـ"الباشا"، وهو أحد مؤسسي السوق، إضافة إلى كل من "أبو علي مسلّم"، و"جعفر شرف الدين.

ويذكر أصحاب السوق أسماء أخرى ارتبطت بنشأته، منها أبو علي بدير، وأحمد علّول، وأبو محمد حجازي، وأبو فرج عمار، وإبراهيم سعد، وذلك قبل أن تنتعش هذه التجارة في الستينيات وتتسع رقعة السوق لتضم أكثر من 100 محل لا زال معظمها صامدا، بينما استسلم بعضها لضغوط الحياة الاقتصادية وتخلى عن هذه التجارة.

حركة شرائية معدومة

وعن وضع سوق "الأنتيك"، يقول أحد المؤسسين، محمد حمود، إن "الحركة الشرائية معدومة... الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السوق اليوم لا تتجزأ عن أزمة البلد بشكل عام، والتي بدأت منذ أكثر من خمس سنوات".

ويوضح أنه "كان اعتمادنا كله على السائحين الأجانب والعرب، وخاصة الخليجيين، ومع تراجع الحركة السياحية في البلد؛ نتيجة تردّي الأوضاع السياسية والأمنية، تراجعت حركة السوق أكثر من 70% عما كانت عليه في السنوات الماضية".

ويقسم "الأنتيك" إلى نوعين قديمة يتجاوز عمرها المائة عام، وحديثة لا يتجاوز عمرها الخمسين عاما، ويوزعها على ثلاثة أنواع، وهي: "الشرقي" و"الإسلامي" و"الأوروبي". 
أما مقتنيات السوق، بحسب حمود، "فكانت في البدايات مقتصرة على الأنتيك المحلي من حيّ السراسقة وشارع الحمرا والأحياء التراثية في بيروت، وبعد تطور هذه الصناعة بدأ التجار يستوردون البضاعة من بلدان عدة، منها مصر، وسورية، وتركيا، وأوروبا".

ويوضح أن "قطع الأنتيك الحقيقية، التي يفوق عمرها المائة عام، أصبحت نادرة اليوم، وكلها ذهبت إلى بيوت بعض المقتدرين اللبنانيين وعشاق القديم، وإلى خارج لبنان، مثل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، أما الحديث الموجود في السوق اليوم فأغلبه شرقي من مصر وسورية".

مخطوطات وخشبيات 

بينما يقسم صاحب أحد المحال التجارية في سوق "الأنتيك"، علي عزّو، بضاعة السوق إلى أنواع عديدة، منها "المخطوطات، والزجاجيات، والخشبيات، والصدفيات". 
ويفرّق بينها بوصفها "أنتيك باب أول، وأنتيك باب ثاني"، ويعتمد معيار هذين البابين عنده على "عمر القطعة، وكمية الجهد اليدوي الذي استحقته من صانعها". 
ويعيد عزّو ركود الحركة التجارية في السوق إلى أسباب عدةّ، على رأسها "الأزمات التي مرت على لبنان، وغياب الدعم السياسي (الحكومي) لهذه التجارة، وغياب ثقافة الأشياء القديمة لدى الجيل الجديد، الذي اعتاد على التطور والتكنولوجيا".

التجار الجدد

وبجانب الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان، وتراجع الحركة السياحية، يعزو أحد تجار السوق، أحمد علول، تدهور الحركة التجارية إلى أن "أصحاب المهنة الحقيقيون قد ماتوا، والجيل الجديد لا علاقة له بالمهنة".

ويضيف، أن "التجار الجدد خرّبوا السوق؛ بسبب جهلهم بقواعد المنافسة والبيع والشراء، حيث يعرّضون الزبون للوقوع في فخ شراء البضاعة المقلّدة؛ ما يؤثر على سمعة السوق". 
ويرى علول أن "لفتة نظر (اهتمام) من بلدية بيروت والوزارات المعنية (الثقافة والسياحة)، مثل تأهيل السوق وإعادة إحيائه بمهرجاناتٍ تراثية بنكهة القدم، يمكن أن تخفّف وقع المعاناة على سوقٍ كان من بين الأهم والأكثر شهرة منذ عشرات السنين، وتحولت محلاته؛ بسبب ركود الحركة الشرائية، إلى مجرد صناديق للذكرى ومراكز للتفرّج".

 

التعليقات