علماء مهاجرون في أميركا... الإبداع مقابل العنصرية

تشهد الساحة العلمية في الولايات المتحدة الأميركية دورًا متصاعدًا للعلماء المهاجرين، يشهد له نيل أعداد متزايدة منهم أهم الجوائز العلمية في العالم، أبرزها جائزة "نوبل".

علماء مهاجرون في أميركا... الإبداع مقابل العنصرية

تشهد الساحة العلمية في الولايات المتحدة الأميركية دورًا متصاعدًا للعلماء المهاجرين، يشهد له نيل أعداد متزايدة منهم أهم الجوائز العلمية في العالم، أبرزها جائزة "نوبل".

وتعليقًا على إعلان لجنة الجائزة أسماء الفائزين بها، قبل أيام، نشرت مجلة "فوربز" تقريرًا بعنوان: "المهاجرون يتابعون الفوز بجوائز نوبل"، مشيرة أن نحو 39% من الأميركيين الذين فازوا بالجائزة منذ عام 2000، كانوا في الواقع مهاجرين أو لاجئين، لم يولدوا في الولايات المتحدة.

ولفت التقرير أن هذا العام لم يكن استثناءً، فمن بين علماء الكيمياء بالولايات المتحدة، لم ينل الجائزة هذا العام سوى جواشيم فرانك، وهو مهاجر من ألمانيا، فيما نال جائزة عن الفيزياء مهاجر ألماني آخر، فر من النازية إلى أميركا، هو راينر فايس.

وفي نسخة العام الماضي للجائزة، كان جميع الفائزين الأمريكيين الستة بجائزة نوبل في الاقتصاد والمجالات العلمية مهاجرين، بحسب التقرير.

وتشير بيانات "المؤسسة الوطنية للسياسة الأمريكية"، لعام 2016، أن 85 أمريكيًا نالوا جوائز نوبل في العلوم منذ عام 2000، بينهم 33 مهاجرًا أو لاجئًا سابقًا.

وتوضح البيانات أن مجموع عدد المهاجرين الذين نالوا الجائزة في علوم الطب والكيمياء والفيزياء، تضاعف أكثر من 3 مرات، في الفترة بين عامي 1960 و2017، مقارنة بالفترة بين 1901 و1959، وأرجعت ذلك إلى إلغاء واشنطن، عام 1965، قانون الحصص التمييزية للأصل القومي في منح الجنسية،

وفتحها الباب أمام المهاجرين، وخصوصًا الآسيويين، للحصول على الجنسية ودخول مجالات التعليم والأبحاث في المؤسسات العلمية المتخصصة.

ولفت التقرير أن الولايات المتحدة سعت من ذلك إلى الاستفادة من الفرص التي تتيحها العولمة، من خلال جذب علماء من دول أخرى، تشهد مستويات التعليم فيها تصاعدًا، مثل الهند والصين، إلا أنها تعاني في المقابل من انخفاض الأجور وقلة الفرص، وأشكال من التمييز أو التضييق على الحريات الشخصية.

كما تسببت الحروب والأزمات في مناطق مختلفة من العالم، وخصوصًا الشرق الأوسط، في هجرة العديد من العقول إلى الغرب، وبالتحديد إلى الولايات المتحدة، مثل المصري الحائز على نوبل للكيمياء، أحمد زويل، والجيولوجي، فاروق الباز، والفيزيائي الجزائري، إلياس زرهوني، وعالم الاجتماع الفلسطيني، إدوارد سعيد، وغيرهم الكثير.

تمييز مستمر بحق العلماء المهاجرين

بالرغم من فتح الولايات المتحدة أبوابها لقبول المهاجرين، في العقود الماضية، إلا أن التمييز بحقهم ما يزال مستمرًا، بل إنه قد يشهد تصاعدًا في السنوات القادمة مع تنامي ظاهرة العنصرية في البلاد، وفي الغرب عمومًا.

وقد أدى تخلي العالمين من أصول صينية؛ يانغ شين نينغ، الحائز على نوبل في الفيزياء عام 1957، وأندرو ياو (ياو تشيجي)، عن الجنسية الأميركية، في شباط/ فبراير الماضي، إلى الكثير من الجدل في البلاد حول مدى تمكنها من منح العلماء المهاجرين المكانة التي يستحقونها،

خصوصًا ذوي الأصول الآسيوية والإفريقية واللاتينية والشرق أوسطية، ومساواتهم بنظرائهم الأميركيين، وذوي الأصول الأوروبية، في فرص تسلم مناصب عالية في المؤسسات العلمية والحكومية.

وانتشرت بين العديد من المتابعين شائعات حول تسبب فوز دونالد ترامب برئاسة البلاد، نهاية العام الماضي، بتخلي العالميْن عن الجنسية الأميركية وطلبهما الحصول على الجنسية الصينية، وأنهما رأيا في فوز ترامب تتويجًا للعنصرية في البلاد.

وعام 2009، ألقى تقرير لمجلة "ساينس" الأميركية الضوء على تلك المشكلة، وأشارت، تحت عنوان "اختراق سقف البامبو للعلماء الأميركيين الآسيويين"، أن المؤسسات الأكاديمية والفدرالية في البلاد تفرض قيودًا على منح المهاجرين، وخصوصًا الآسيويين، مناصب حساسة، كتلك التي كانت تفرضها على النساء قبل عقود.

وأوضح التقرير أن المهاجرين من أصول آسيوية في الولايات المتحدة، شكلوا (آنذاك) نحو 14% من مجموع العلماء والخبراء في البلاد، إلا أن ذلك لم ينعكس على المناصب الإدارية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، شكل المهاجرون الآسيويون نحو 13.49% من مجموع العاملين في قطاع الصحة الحكومي، إلا أن تلك النسبة تنخفض إلى 3.28% في المستويات العليا للقطاع.

ويشير التقرير أن الهيئات التي يعهد إليها تنسيب الأشخاص ذوي الكفاءة لتسلم مناصب أعلى في مختلف المؤسسات، "لا يخطر ببالها أصلًا تقييم ذوي الأصول الآسيوية، بدون وجود سبب معين أو لائحة تنظيمية محددة"، والأمر ينسحب على بقية المهاجرين من أصول أخرى، وإن بنسب متفاوتة.

وينذر ذلك المشهد بخسارة كبيرة للولايات المتحدة، والدول التي تحذو حذوها في العنصرية والتمييز بالغرب، على الساحة العلمية، في وقت يتراجع فيه نصيب العلوم النظرية من اهتمامات الأجيال الحديثة في الدول المتطورة، مقابل تعطش المجتمعات والحكومات في الدول النامية للإسهام في تلك الميادين.

وتشير تقارير مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، لعام 2016، تصدر الصين وكوريا الجنوبية الترتيب العالمي في نمو الإنفاق السنوي على الأبحاث العلمية، بواقع 19.5% و11.1% على الترتيب، وتضاعف عدد الدراسات العلمية المنشورة في الصين، 3 مرات، في الفترة من 2003 إلى 2013، لتناهز حصتها حصة الولايات المتحدة، المتصدرة، بواقع 18.2% مقابل 18.8%، فيما ازداد إنتاج الأخيرة للأبحاث بشكل ضئيل جدًا، بالكاد تجاوز نصفًا بالمائة خلال الفترة نفسها.

 

التعليقات