"الدعاة الجدد" في مصر: خفوتٌ بعد توهّج

عرفت مصرُ، مع بداية الألفيّة الجديدة ظاهرة الدعاة الجدد (المودرن)، إذ تعلق بهم ملايين الشباب، في ما يشبه تمرّدًا على السمت الديني التقليدي لذوي اللحى والجلباب القصير وأسلوب التّرهيب وغيره.

عمرو خالد ("فيسبوك")

عرفت مصرُ، مع بداية الألفيّة الجديدة ظاهرة الدعاة الجدد (المودرن)، إذ تعلق بهم ملايين الشباب، في ما يشبه تمرّدًا على السمت الديني التقليدي لذوي اللحى والجلباب القصير وأسلوب التّرهيب وغيره.

لكن، مؤخّرًا، كان لرداء "الإبهار" الديني الذي تسبب في تجاوب الملايين معه في السنوات الأخيرة "ثقوبٌ" ظهرت بشكلٍ لافت، كان أحدثها إعلانٌ قدّمه الدّاعية، عمرو خالد، عن "إحدى شركات الدجاج"، التي ربط بين تناول منتجاتها والارتقاء الديني، ما جعله يعتذر بعد انتقادات شديدة وواسعة قبل أيام.

وفي حديثين منفصلين لوكالة "الأناضول" التركيّة للأنباء، طرح أكاديميان مصريان 4 أسباب لخفوت ظاهرة "الإبهار الديني" للدعاة الجدد.

وارتبطت الأسباب الأربعة بـ"حالة النقد التي خلقتها الثورات في العقل الجمعي والشبابي"، بجانب "تشويه الجماعات المتطرفة للدّين عامة"، و"ثورة الإنترنت الدينية"، و"التسطيح الديني من جانب هؤلاء الدعاة".

** سيماهم في أسلوبهم

يُعرف الدعاة "المودرن" في مصر بمظهر مخالف للزيّ التقليدي للأزهريين والسلفيين، وبلغة خطاب تحمل مفردات وسائل التواصل الاجتماعي السهلة البسيطة، ولا يتحدثون في أمور الفقه.

وما ميّزهم عن غيرهم، أيضًا، تلقيهم تعليما دينيا خارج مؤسسة الأزهر (الدينية الرسمية بمصر)، والاعتماد على ثقافة بجهد ذاتي غالبا.

والظّاهرة تعايشها مصر منذ بداية الألفية الجديدة تقريبا، وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة مع سياسة الانفتاح الديني والسياسي والإعلامي بمصر، تزامنا مع ثورة يناير، التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك.

** خفوت بعد توهّج

قبل أيام، أثار الداعية عمرو خالد الذي انطلق فعليا بمجال الدعوة عام 1997، جدلًا بظهوره في إعلان لإحدى شركات الدجاج، إذ تعرض لانتقادات حادة لربطه بين المنتج والارتقاء الديني بعد تناول المنتج في الإفطار، ما دفعه للاعتذار سريعا عبر صفحته بموقع "فيسبوك".

وهذا الظّهور المثير للجدل ليس الأول لـخالد، إذ تعّرض لهجوم من مدونين إثر ظهوره في مقطع فيديو من الأراضي السعودية المقدسة أثناء الحج، وهو يخص متابعيه عبر "فيسبوك" بالدعاء.

كما أنه ظهر في مقطع دعائي لإحدى القنوات المشفرة عام 2007، يحذّر فيه من سرقة وصلات البث الخاصة بها، قبل أن يعود معتذرا عن هذا الإعلان.

واشتبك خالد، الذي طالته اتهامات من معارضين بالتأييد المطلق للنظام الحالي مع ثورة 2011، وأسس حزبا سياسيا عام 2012، قبل أن يقرر الابتعاد عن السياسة والتفرّغ للدّعوة والمبادرات الخيريّة.

وخلال السنوات الأخيرة، ظهر أكثر من داعية سار على ذات نهج خالد الذي يتابعه عبر فيسبوك نحو 30 مليونًا، من بينهم مصطفى حسني (يتابعه نحو 33 مليونًا)، ومعز مسعود (يتابعه نحو 9 ملايين)، وشريف مهران، وشريف شحاته، والمنشد مصطفى عاطف، وغيرهم.

وبخلاف هؤلاء، هناك مشايخ أزهريّون وسلفيون مثيرون للجدل أيضا، بسبب تصريحات ومواقف حول عدد من الأمور الدينية والسياسية والاجتماعية.

** الأسباب الأربعة

وفي تفسيرها لخفوت ظاهرة الدعاة الجدد، قالت أستاذة الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، آمنة نصير، إنه "أصبح هناك عقل متمرد ناقد ورافض، من حصاد الثورات التي مرت بالمنطقة وبمصر، وليس عقلا تسليميا يسلم بكل ما يكتب له أو يقرأ عليه أو يسمعه".

ووصفت نصير، وهي، أيضًا، عضو مجلس النواب، الدعاة الجدد بـ"الهواة.. يقدّمون سطحيات لا تبني عقائد أو مجتمعات، ولا تستمر زمنيا"، وشدّدت على أن "الدعوة ليست هواية ولا قضية مزاجية، بل لها أسس علمية وعقدية وصلاحيات يتربى عليها الإنسان على منهج علمي دقيق لمصادر الإسلام، سواء القرآن أو السنة أو آراء الفقهاء".

ورأت نصير أن الدعاة الجدد نجحوا، سابقًا، لأسباب ارتبطت بأعمارهم القريبة من الشباب، واختيارهم مفردات تجذب المتابعين، وهو ما يمثل سلبيات للشيوخ التقليديين في عدم تقديمهم الوعظ والشرح والفكر بلغة معاصرة".

وداعيةً إلى حل الإشكالية الدينية في مصر، قالت نصير "على من يهوى العمل الديني أن يتأهل بالعلوم الدينية، وعلى الشيوخ التقليديين أن يقرأوا لغات العصر وقضاياه، وأن يأخذوا من النصوص ما يرقى إلى العقل المعاصر".

وعلى مقربة من الطرح السابق، قال أستاذ الإعلام بجامعة اليرموك الأردنية، محمود السماسيري، إن "الدعاة الجدد وعاظ أقرب منهم إلى الدعاة، ما يميزهم عن غيرهم المرجعية، كون التقليديين مرجعيتهم أزهرية في أغلبها، بجانب الالتزام الأقرب للحرفي بالفهم التراثي للدين دون طرح رؤى جديدة".

وما ساعدهم على ذلك، وفق السماسيري، "طبيعة المساحة التي يتحركون فيها والتي لا ترتبط بشكل رئيس بقضايا فقهية، وإنما ترتبط غالبا بتفسير شيء من التراث وغيره".

وأوضح أن "الإقبال على الخطاب الديني عموما برمته قلّ بعد أحداث الربيع العربي، وإخفاقات دعاة الخطاب الديني على أرض الواقع".

ولم يستبعد، كذلك، دور الجماعات والتيارات المتطرفة من تشويه الدين برمته، وعلى رأسها تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو ما جعل إبهار الخطاب الديني بشقيه التقليدي والحديث لم يعد كما كان من قبل، وفق قوله.

وأشار السماسيري إلى دور الإنترنت في تقديم مادّة دينية ضخمة سواء كانت مقروءة أو مرئية، جعل المتابع لا ينتظر برنامجًا ما في موعد ما للحصول على معلومة فقهية أو دينيّة عامّة، فيما تحت يده معلومات فورية ولا حصر لها عن كل صغيرة أو كبيرة عن الدّين.

وأضاف "وهو ما جعل ثمة تشبّعًا في سوق المعارف الدينية على نحو لم يعد هناك إمكانية لإضافة شيء مبهر لدى أحد مما يجعل الناس تنتظر متلهفة ما سينطق به لسانه".

التعليقات