كيف تسارعت وتيرة انتشار كورونا في إسبانيا؟

سجّلت إسبانيا الحصيلة اليوميّة الأعلى عالميًا بعددِ الوفيّات من جرّاء فيروس كورونا، حيث تقدّمت على إيطاليا مع وفاة 738 شخصًا على مدار الساعات الـ24 الماضية. في واحدة من أحلك اللحظات وأكثرها إثارة في التاريخ الإسباني الحديث.

كيف تسارعت وتيرة انتشار كورونا في إسبانيا؟

في مدريد، مبنى البرلمان الإسباني (أ ب)

سجّلت إسبانيا الحصيلة اليوميّة الأعلى عالميًا بعددِ الوفيّات من جرّاء فيروس كورونا، حيث تقدّمت على إيطاليا مع وفاة 738 شخصًا على مدار الساعات الـ24 الماضية. في واحدة من أحلك اللحظات وأكثرها إثارة في التاريخ الإسباني الحديث.

وتُعد إسبانيا الآن "البؤرة الساخنة" للوباء العالمي، وهو توصيف تم نقله من بلدٍ إلى آخر على مدى الأربعة الأشهر الأخيرة بدءًا من ووهان في الصين، مرورًا بإيران وإيطاليا. وتستقرّ "البؤرة الساخنة" في إسبانيا، ولا نعرف من سيكون التالي.

وتعلو التساؤلات؛ ما الخطأ الذي حدث؟ لقد شاهدت إسبانيا ما حدث في الصين وإيران. كما أن إيطاليا قريبة منها، على بعد 400 ميل فقط عبر البحر الأبيض المتوسط ​​وشاهد العالم كيفية انتشار الفيروس بسرعة مخيفة داخل أوروبا.

وكتبت صحيفة "ذي غارديان" تقريرًا رصدت من خلالهِ ملامح هذا التفشّي السريع في إسبانيا. علمًا أنها لا تملكُ حدود بريّة مباشرة مع إيطاليا، في حين أن فرنسا وسويسرا والنمسا وسلوفينيا جميع الدول التي تعالج المسألة بشكل أفضل، لديها حدود مع إيطاليا.

واعتقدت إسبانيا أنها كانت بعيدة بما فيه الكفاية عن خطر الفيروس، ويُحتمل أن يكون ذلك سببًا لهذا التفشّي السريع. وقال رئيس قسم الطوارئ الطبية في مدريد الدكتور فيرناندو سيمون، في 9 شباط/ فبراير الماضي إنه "لن يكون لدى إسبانيا سوى عدد قليل من الحالات". بعد ستة أسابيع فقط، تسارعت الأرقام اليومية التي تُشير لمئات الوفيات وآلاف الإصابات، وبلغ مُعدل الوفيات بالفعل ثلاثة أضعاف الوفيات في إيران، و40 مرة أعلى من الصين في الحصيلة اليوميّة.

وبرزت أولى ملامح انتشار الفيروس، حين اختلط 2500 مشجع لكرة القدم في فالنسيا مع 40 ألف من مشجعي أتالانتا في مباراة دوري أبطال أوروبا في بيرغامو بتاريخ 19 شباط/ فبراير، المدينة الإيطاليّة التي وصفها عمدتها، جورجيو جوري بأنها "القنبلة" التي فجرت الفيروس في لومبارديا.

في إسبانيا، كان لاعبو فالنسيا والمشجعون والصحفيون الرياضيون من بين أول من مرضوا. ويبدو أن السبب الرئيس للانتشار السريع عبر إسبانيا كان متعلقًا بالأحداث الرياضيّة.

مُشجعون إيطاليون وإسبانيون في المباراة التي فجّرت الفيروس (أ ب)

وجرت أحداث رياضية، ومؤتمرات حزبية سياسية، ومظاهرات ضخمة للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في أوائل آذار/ مارس. وبعد ثلاثة أيام، طار حوالي 3000 من مشجعي أتلتيكو مدريد معًا لمباراة أخرى في دوري أبطال أوروبا في ليفربول. وفي 8 آذار/ مارس، قبل أسبوع واحد فقط من إغلاق البلاد، حين كانت درجات الحرارة معتدلة نسبيًا، امتلأت المقاهي والحانات في مدريد.

وأضافت "ذي غارديان" أن استجابة الحكومة بقيادة الاشتراكي بيدرو سانشيز للوباء العالميّ، متأخرة وضعيفة. وتفتقرُ البلاد إلى المعدات الطبيّة الأساسية، وحتى ذلك الوقت توفّرت أجهزة التنفس الاصطناعيّة، والملابس الواقية للأطباء، واختبارات الفيروسات، بأعداد قليلة.

وانتقلت الصين من البلد "الشرير" إلى البلد "المنقذ" مع تدفق المعدات والاختبارات، معظمها بوساطة مجتمع المهاجرين الصينيين الذي أغلقوا متاجرهم مع حلول الوباء، خوفًا من ردود فعل عنصريّة.

وتسبب الفيروس أيضًا في حدوث شروخ عميقة في النظام الصحّي الإسباني. ولم تحتمل إسبانيا الضغوط الاقتصاديّة لتوفير رعاية صحيّة لكبار السنّ، وبرز النقص في الأطبّاء، والمُعدّات، والأموال، إثر ذلك بدأت أعداد الوفيّات بالتسارع.

نقل مصابة بفيروس كورونا ​​إلى مستشفى في مدريد (أ ب)

تتمتع إسبانيا بنظام رعاية جيّد نسبيًا، لكن مستشفياتها تعرّضت لفترة من التقشف منذ الأزمة المالية في عام 2008. وتملك فقط ثلث أسرّة المستشفيات للفرد، مقارنةً مع الأسرّة التي تملكها النمسا أو ألمانيا. لكن هذا لا يزال أكثر من بريطانيا ونيوزيلندا والولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الحكومة سانشيز أنه سيستدعي سلطات الطوارئ، تفرّق جزء من سكان مدريد والمدن الأخرى في جميع أنحاء البلاد جراء التأخر في فرض حالة الطوارئ. وتبيّن سوء التنسيق، حين أغلقت حكومة مدريد الجامعات والمدارس في 13 آذار/ مارس، واعتبر السكان ذلك إجازة، حيث كانت الحانات والحدائق ممتلئة.

وطبق الإغلاق الذي بدأ في 14 آذار/ مارس بكفاءة مع غرامات الشرطة والضغط. ونتيجة لذلك، ستتراجع حالات الوفيات، وصرح الوزراء الإسبانيون أنه ينبغي البدء في تخفيف الإجراءات عندما ينتهي الحجر الصحي لمدة شهر في 11 نيسان/ أبريل. ومع ذلك، لا يتوقع أحد العودة إلى الحياة الطبيعية.

شوارع برشلونة الفارغة إثر الإغلاق العام (أ ب)

عندما تنتهي حالة الطوارئ، ستكون إسبانيا هشة للغاية، كما جرى حين ضربت الأزمة المالية عام 2008 إسبانيا؛ ارتفعت البطالة إلى 27٪ وقفز الدين العام إلى الأعلى وكان الانحدار نحو الركود من بين الأسوأ في أوروبا، وسيحدث نفس الشيء هذا العام.

وأشار الاقتصادي توني رولدان أن إسبانيا ستحتاج إلى قرض بقيمة 200 مليار يورو من "آلية الاستقرار الأوروبية" (ESM) حتى تتعافى اقتصاديا من تبعات الفيروس على الدولة.

التعليقات