اللاجئون السوريون في بيروت مِن اللجوء لِلا مأوى

حرم انفجار مرفأ بيروت السوريّ أحمد من زوجته واثنتين من بناته، فيما انتُشلت الأخريان بأعجوبة على قيد الحياة من تحت أنقاض منزل العائلة التي فرت من سوريا بحثا عن أمان لم تجده في لبنان، هذه القصة هي حال قرابة 7 الآف سوريُ

اللاجئون السوريون في بيروت مِن اللجوء لِلا مأوى

انفجار مرفأ بيروت (أ ب)

حرم انفجار مرفأ بيروت السوريّ أحمد من زوجته واثنتين من بناته، فيما انتُشل بقية أبنائه بأعجوبة وهم على قيد الحياة من تحت أنقاض منزل العائلة التي فرت من سورية بحثا عن أمان لم تجده في لبنان، هذه القصة هي حال قرابة 7 الآف سوريّ في لبنان.

وقف أحمد حاج اصطيفي أمام ركام منزله في منطقة الكرنتينا المحاذية لمرفأ بيروت والأكثر تضررا جراء الانفجار، وأوضح لوكالة "فرانس برس": "أشعر وكأنني فقدت عقلي، أغمضت عينيّ وحين فتحتهما وجدت كل شيء من حولي قد تغيّر... خسرت كل شيء في لحظة. كنا عائلة من ستة أشخاص، بتنا عائلة صغيرة، أنا وابنتيّ".

يعمل أحمد، المتحدر من مدينة إدلب في شمالي غرب سورية، منذ سنوات طويلة في لبنان. يتنقل من عمل إلى آخر لتأمين لقمة العيش. وفي العام 2014 ومع اشتداد المعارك في سورية، قرر أن يأتي بعائلته لتلتحق به في لبنان، لكن "الأمان" الذي راهن عليه لم يدم طويلا.

بعد وقوع الانفجار، هرع أحمد عائدا إلى منزله، وكان أول ما رآه جثة ابنته لطيفة (22 عاما) مطروحة قرب جدار المنزل الذي "لم يبق فيه حجر على حجر".

انضم شباب المنطقة وعناصر الدفاع المدني إليه لانتشال باقي أفراد عائلته، ليجد ابنته جود (13 عاما) وزوجته خالدية (40 عاما) جثتين هامدتين.

ولم يتمكن المنقذون من إخراج ديانا (17 عاما)، التي لم تكلّ عن الصراخ مطمورة تحت سقف المنزل الذي انهار عليها، إلا بعد 11 ساعة من العمل المتواصل.

يقضي أحمد نهاره اليوم مع ابنتيه ديما (14 عاما) وديانا التي ترقد في المستشفى جراء إصابات بالغة في رجليها، وجلّ ما يطمح إليه اليوم هو السفر إلى الخارج.

(أ ب)

وقال أحمد: "كنت أبحث عن مستقبل أفضل، لكن هذا لم يحصل... لا أفكر بالعودة إلى سورية طالما أن لا أمان هناك"، مضيفًا أنه "لا أريد اليوم سوى أن أؤمّن لابنتي لقمة العيش وأبحث عن وسيلة أسافر بها إلى الخارج... أريد العيش بأمان معهما".

وتعد الكرنتينا من أفقر أحياء بيروت، وزاد الانفجار من معاناة قاطنيها نظرًا لموقعها المحاذي للمرفأ.

على غرار بقية السكان، أطاح الانفجار بمبنى صغير وغرف خشبية كان عدي قطان يتقاسمها مع شقيقه وعميه وأولاد أعمامه، وجميعهم سوريون كانوا يعملون عتالين في المرفأ، وخسروا مع الانفجار مصدر دخلهم.

تصدّعت بعض جدران المبنى، وتهدّم بعضها الآخر، وانهار سقف غرف، بينما تبعثرت المقتنيات بين الركام. تلفاز هنا ومرآة خشبية هناك ولعب أطفال بين الحجارة. أما الغرف الخشبية فباتت مجرّد ألواح مكسرة.

يتردّد المشهد نفسه عند أبنية أخرى مجاورة، بينها بيوت كانت مهجورة وأخرى غادرها سكانها على عجل بعد الانفجار، لتصبح الحارة الصغيرة أنقاضا دُفنت بينها ذكريات قاطنيها.

لم يبق أمام عدي وأقاربه إلا النوم في العراء بين الركام. يضعون فرشا في باحة المنزل، ويعلقون ثيابهم على حبل غسيل، ويطبخون ما توفر على موقد صغير على الغاز.

بعد الانفجار، الذي نجوا منه بـ"أعجوبة"، أرسل المتزوجون منهم أفراد عائلاتهم للسكن مؤقتا لدى أقاربهم في شمالي لبنان، بانتظار أن يجدوا منزلا جديدا يؤويهم أو فرصة عمل.

ويجدون أنفسهم اليوم محاصرين، إذ لا يمكنهم العودة إلى سورية باعتبارهم مطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية، فضلًا عن أنهم فقدوا منازلهم جراء المعارك والقصف في مسقط رأسهم في محافظة حماة (وسط سورية).

(أ ب)

قبل عام، فرّ عُدي من سورية والتحق بأقربائه العاملين في المرفأ، بحثًا عن الأمان ولتوفير لقمة عيش عائلته. وقبل أن تحلّ الفاجعة، كان يشاهد مع أقاربه الحريق الذي سبق الانفجار.

وأضاف: "في سورية، كنا إذا سمعنا صوت الطيران نختبئ، وبعد الغارة ننهض ونزيل الغبار عن أنفسنا ونكمل حياتنا، هنا فجأة وقع انفجار أطاح بكل شيء حولنا".

وأوقع الانفجار بأكثر من 180 قتيلا وأكثر من 6500 مصابا. وأعلنت السفارة السورية في بيروت أن 43 من مواطنيها في عداد الضحايا. كما أحصت الأمم المتحدة مقتل 13 لاجئا وإصابة 224 آخرين، بينما لا يزال مصير 59 آخرين مجهولًا، من دون تحديد عدد السوريين منهم.

وليس الانفجار أول كارثة تحل على عائلة قطان، فالانهيار الاقتصادي المتسارع منذ أشهر أطاح بقيمة مدخولها اليومي الذي كان يعادل 30 دولارا كحد أقصى وبات اليوم يساوي مع انهيار قيمة الليرة يساوي نحو 6 دولارات.

وبعد مرور ثلاثة أسابيع على الانفجار، لا يزال محور أحاديث العائلة، وغالبية أفرادها يعيشون في لبنان منذ ما قبل اندلاع النزاع السوري.

يقول أحدهم ساخرا من كونهم عالقين بين حرب مدمرة في بلدهم وانفجار وأزمة اقتصادية في لبنان: "ضربتان على الرأس تؤلمان".

لدى وصول سيارة تقلّ مساعدات، يسارع كل منهم إلى أخذ صندوق يحوي كيسي معكرونة وعلبة بسكويت وعبوتي مياه وبضعة معلبات.

وقال نصر (21 عاما) إنهم أحيانا لا يحصلون على مساعدات كونهم سوريين، وتبلغهم الجهات الموزعة أنها معنية فقط باللبنانيين.

وأضاف: "كنا نعمل لنأكل ونشرب ونؤمن بدل إيجار المنزل... الآن لم يبق لنا أكل ولا شرب ولا أموال، ولا بلد، سواء في سورية أو في لبنان".

التعليقات